خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة : الشهداء وبعض أجرهم عند ربهم ، للدكتور مسعد الشايب

خطبة الجمعة : الشهداء وبعض أجرهم عند ربهم ، للدكتور مسعد الشايب ، ١٤ من رمضان ١٤٤٦ه الموافق ١٤ من مارس ٢٠٢٥م
===========================================
أولا: العناصر:
1. الشهيد لغة، وبيان سبب تسميته.
2. المراد بالشهيد في حديث سيدنا المقدام، وبيان بعض ثوابهم.
3. بيان مراتب الشهادة، وبعض أصنافها.
4. (الخطبة الثانية): من مسارعة الصحابة (رضي الله عنهم) للشهادة.
===========================================
خطبة الجمعة word : الشهداء وبعض أجرهم عند ربهم ، للدكتور مسعد الشايب
خطبة الجمعة pdf : الشهداء وبعض أجرهم عند ربهم ، للدكتور مسعد الشايب
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله ربّ العالمين، القائلِ في كتابهِ الكريم: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ}[البقرة:154]، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيَّدَنا ونبيَّنا محمدًا عَبدُه ورسولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيه، وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ، وبعد:
======
أيها الأحبة الكرام: فعن المقدام بن معد يكرب (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّة، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ)(رواه الترمذي).
هذا الحديث النبوي الشريف إخبارٌ من النبي (صلى الله عليه وسلم) عن بعض ما أعدّه الله (عزّ وجلّ) للشهداء من منزلة، ودرجة عالية رفيعة، ولم لا وقد قدموا نفوسهم وأرواحهم للملك العلام، فاشتراها منهم بأغلى الأثمان، وصدق الله إذ يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:111].
ولأن لكل مقام مقال فمن اللائق بنا ونحن نجدد الاحتفاء والاحتفال بنصر أكتوبر العظيم على أحفاد القردة والخنازير، من اللائق بنا أن نطوف حول الشهداء، وأجرهم، فأعيروني يا عباد الله القلوب واصغوا إليّ بالآذان والأسماع فأقول وبالله التوفيق:ـ
===========================================
(1) ((الشهيد لغة، وبيان سبب تسميته))
===========================================
والشهيد لغة: مشتقٌ من مادة (ش ه د) التي تعني الاطلاع والحضور والمعاينة، والإخبار بالحق.
والشهيد سمّيّ شهيدًا؛ لأنه حيٌّ عند الله (عزّ وجلّ) لا يموت، فكأنه شاهدٌ وحاضرٌ بيننا، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ*وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ}[البقرة:154،153].
==
كذلك سمّيّ الشهيد شهيدًا؛ لأن الله (عزّ وجلّ)، والملائكة يشهدون له (يقرون له) بالجنة. وقيل: سمّيّ الشهيد شهيدًا؛ لأن الله (عزّ وجلّ)، والملائكة يشهدون له بحسن النية والإخلاص، وتشهد له الأرض التي سقط عليها، كما أن له شاهد على صدقه وإيمانه ووفائه ألا وهو دمائه الزكية التي سالت لأجل مرضاة الله ولذا لا يغسلون ويكفنون في ثيابهم، قال (صلى الله عليه وسلم): (…مَا مِنْ مَجْرُوحٍ جُرِحَ فِي اللهِ، إِلَّا بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَدْمَى، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ…)(رواه أحمد).
==
وقيل: سمّيّ الشهيد شهيدًا؛ لأنّ الملائكة يشهدون له بحسن الخاتمة، والأنبياء يشهدون له بالإتباع لهم. وقيل: سمّيّ الشهيد شهيدًا؛ لأنه يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل. وقيل: سمّيّ الشهيد شهيدًا؛ لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعدّ له من المنزلة والكرامة.
===========================================
(2) ((المراد بالشهيد في حديث سيدنا المقدام، وبيان بعض ثوابهم))
===========================================
والمراد بالشهيد في حديث سيدنا المقدام (رضي الله عنه): شهيد المعركة، (شهيد الدنيا والأخرة)، الذي يبذل نفسه نصرةً لدين الله (عزّ وجل)، وإعلاء لكلمة الحق، وتلك أعلى مراتب ومنازل الشهداء.
فعن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه. وفي رواية: (الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء). فمن في سبيل الله؟. فقال: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)(متفق عليه)، وفي رواية: (ما القتال في سبيل الله؟، فإن أحدنا يقاتل غضبًا، ويقاتل حميةً، فرفع إليه رأسه….).
وقد أخبرنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث المبارك بجملة من ثواب الشهداء ومنزلتهم عند ربهم، لم تجتمع في غير هذا الحديث، وقد جاءت كالتالي:
===
1ـ قال (صلى الله عليه وسلم): (يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ)، والمراد: غفران الذنوب المتعلقة بحقوق الله (عزّ وجلّ) صغيرها وكبيرها فقط عند سيلان أول دفقة أو دفعة من دمه؛ لقوله (صلى الله عليه وسلم): (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ)(رواه مسلم)، فالمراد بالدَّين: حقوقُ الآدميين من دمائهم وأموالهم وأعراضهم…الخ، فإنه لا يُعفَى منها بالتوبة، أو الاستحلالُ منهم، أو دفعُ حسناتِ الظالم إلى المظلوم بقَدْر حقِّه، أو عناية الله في حق الظالم بأن يتوبَ ويتضرَّعَ إلى الله، ويبالغَ في الأعمال الصالحة، حتى يرضَى الله عنه وُيرضيَ خصومَه من خزانة كرمه.
===
2ـ وقال (صلى الله عليه وسلم): (وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّة، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)، وهذه الرؤية للمقعد تكون بعد سؤال الملكين، والتوفيق في الجواب عليهما؛ لقوله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ الْعَبْدَ، إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، يَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ)(رواه مسلم)، وهذه الجملة من الحديث تدل على أن الله يغفر جميع ذنوب الشهيد صغيرها وكبيرها المتعلقة بحقوق الله (عزّ وجلّ)، وحقوق العباد، بدليل رؤيته لمقعده في الجنة وإجارته من عذاب القبر، وكأنها نسخت ما تقدم من عدم مغفرة الدين، أو كأن رواية عدم مغفرة الدين على سبيل المبالغة والترهيب من الاعتداء على حقوق العباد، أو أن المراد أن روحه محبوسة عن الجنة حتى يؤدى ما عليه من حقوق العباد، وهو الأرجح في نظري، ويشهد له حديث قنطرة القصاص.
===
3ـ وقال (صلى الله عليه وسلم): (وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ)، أي: الخوف والهلع الشديد المتولد عن النفخ في الصور النفخة الأولى، وذلك قبل نفخة الصعق، ونفخة البعث، أو تكون هي نفخة البعث والفزع معًا، قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر:68]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}[النمل:87]، والحكمة في ذلك ـ والله أعلم ـ الاكتفاء بما عاينه من فزع المعركة، وبارقة السيوف.
===
4ـ وقال (صلى الله عليه وسلم): (وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)، التاج ما يصاغ للملوك من الذهب والجواهر (الياقوتة منها) أي من التاج والتأنيث باعتبار أنه علامة العز والشرف أو باعتبار أنه مجموع من الجواهر وغيرها، والحكمة في ذلك والله أعلم ـ أنه لما أقبل على الاستشهاد بثبات ووقار، حُليّ يوم القيامة بتاج الوقار، فالجزاء من جنس العمل.
===
5ـ وقال (صلى الله عليه وسلم): (وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ)، وهي النساء المخلوقة خصيصًا لأهل الجنة، والحور جمع حورية، وهي المرأة شديدة البياض، والعين واسعة العين، قال تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً*فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا*عُرُبًا أَتْرَابًا*لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ}[الواقعة:35ـ38]، والعدد مراد به الكثرة فقط، وليس الحصر، ولعل الحكمة في ذلك والله أعلم ـ أن الشهيد لما ترك زوجته أو زوجاته، ولبى داعي الجهاد مضحيًا بمتع الزوجة وزينتها وشهوتها؛ عوضه الله عنها بالحور العين.
===
6ـ وقال (صلى الله عليه وسلم): (وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ)، والشفاعة هي: طلب الرحمة والنجاة من العذاب، ولعل ذلك عوضًا عن غيابه عنهم في الدنيا، فكان جمعهم له في الأخرة.
===========================================
(3) ((بيان مراتب الشهادة، وبعض أصنافها))
===========================================
ومن جملة الشهداء أيضًا، ولكنهم أقل درجة من شهيد المعركة، ويعرفون بشهداء الأخرة؛ ما أخبر به نبينا (صلى الله عليه وسلم) في العديد من أحاديثه النبوية الشريفة، ومنهم الأصناف التالية:
===
1ـ من قتل دون ماله (دفاعًا عن ماله)، ومن قتل دون أهله (دفاعًا عن أهله)، ومن قتل دون دمه (دفاعًا عن دمه)، ويجمع هذه الثلاثة قول النبي (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)(رواه أحمد والنسائي).
===
2ـ ومنهم أيضًا: المرأة تموت وهي تلد، أو تموت بكرًا لم تتزوج، ومن مات بمرض من أمراض البطن (المبطون)، ومن مات بذات الجنب (يشبه الفشل الكلوي أو التهاب الغشاء المحيط بالرئتين)، ومن مات بالطاعون (يشبه السرطان)، ومن مات غريقًا، ومن مات حرقًا، ومن مات تحت الهدم والأنقاض، ويجمع هذه السبعة قول النبي (صلى الله عليه وسلم): (الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدةٌ)(رواه أبو داود والنسائي).
===
3ـ ومنهم أيضًا: من مات مجنونًا (عقله مستور)، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (…وَالْمَجْنُونُ شَهَادَةٌ…)(رواه النسائي)، ومن مات بالسلّ، فعن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (السُّلُّ شَهَادَةٌ)(الجامع الصغير)، والخارّ عن دابته في سبيل الله، أو من مات في عمل صالح كالخارج لعمله، أو سعيًا على أولاده، أو خرج للتعليم، أو للصلح بين الناس، أو لقضاء حوائج الاخرين…وهكذا، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (…وَالْخَارُّ عَنْ دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ شَهِيدٌ…)(رواه أحمد)، فهذه أربعة عشرة صنفًا من أصناف الشهداء.
عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
===========================================
(الخطبة الثانية)
(من مسارعة الصحابة (رضي الله عنهم) للشهادة)
===========================================
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الأحبة الكرام: عشنا مع الشهيد، ولم سمي شهيدًا، وعشنا مه مراتبهم، وبعض أصنافهم، وإكمالا للفائدة، وتتميمًا لها، ومن باب سوق التطبيق والعمل من الدراسة والنظر، أذكر بعدد من نماذج مسارعة الصحابة (رضي الله عنهم) للشهادة في سبيل الله، فأقول:
===
1ـ هذا أنس بن النضر (رضي الله عنه)، يقول للنبي (صلى الله عليه وسلم): (يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع)، فلما كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، قال: (اللهمّ إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء)، يعني المشركين، (وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء)، يعني المسلمين، ثم مشى بسيفه، فلقيه سعد بن معاذ، فقال: (أي سعد، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد، واها لريح الجنة). قال سعد: (فما استطعت يا رسول الله ما صنع). قال أنس: (فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ)، قال أنس بن مالك (رضي الله عنه): كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب:23].
===
2ـ وفي يوم بدرٍ قال (صلى الله عليه وسلم): (قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ). فقال عمير بن الحمام (رضي الله عنه): (يا رسول الله، جنة عرضها السموات والأرض؟). قال: (نَعَمْ). قال: (بخ بخ)( كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير). فقال (صلى الله عليه وسلم): (مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟). قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: (فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا). فأخرج تمراتٍ من قرنه (كيسه وجعبته)، فجعل يأكل منهن، ثم قال: (لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة). فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل.(رواه مسلم).
===
3ـ وجاء عمرو بن الجموح (رضي الله عنه) ـ وكان أعرجًا ـ إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: يا رسول الله، من قتل اليوم دخل الجنة؟. قال: (نَعَمْ). قال: فو الذي نفسي بيده، لا أرجع إلى أهلي حتى أدخل الجنة، فقال له عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): يا عمرو، لا تأل (لا تقسم) على الله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مَهْلًا يَا عُمَرُ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَّره، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ يَخُوضُ فِي الجنة بعرجته)(صحيح ابن حبّان).
===
4ـ وانظروا إلى الصحابي الجليل جُليبيب (رضي الله عنه) وتضحيته بنفسه، يخرج جُليبيب (رضي الله عنه) مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في أحد الغزوات، وبعد انتهائها يفتقده النبي (صلى الله عليه وسلم)، ويأمر الصحابة (رضوان الله عليهم) بالبحث عنه، فيطلبه الصحابة (رضي الله عنهم) في القتلى، فيجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثم قتلوه، فأتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فوقف عليه، فقال: (قَتَلَ سَبْعَةً، ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ). ثم يضعه النبي (صلى الله عليه وسلم) على ساعديه ليس له إلا ساعدا النبي (صلى الله عليه وسلم)، ثم يحُفِرَ له ويوضع في قبره. (رواه مسلم).
===========================================
فاللهمّ أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به عاملين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب