خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ ، للدكتور محمد داود

خطبة الجمعة القادمة : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ ، للدكتور محمد داود ـ بتاريخ 22 شعبان 1446 – 2025

خطبة الجمعة القادمة word : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ ، للدكتور محمد داود

خطبة الجمعة القادمة pdf : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ ، للدكتور محمد داود

خطبة بعنــــوان:
(إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ)
للدكتــــور/ محمد حســــن داود
(22 شعبان 1446هـ – 21 فبراير 2025م)

العناصـــــر:   
– الدين يسر ورفق ولين، لا تشدد ولا تكلف.
 – التيسير والرفق في العبادات.
– الرفق والتيسير في حياة النبي (صلى الله عليه وسلمَ).
– دعوة إلى تحقيق معاني التيسير والرفق.
– العمل التطوعي يحمل في معانيه التيسير والرفق.

الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله فاطر السبع الطباق، مقسم الأرزاق، الهادي لأحسن الأخلاق، مالك يوم التلاق، نحمده على آلاء تملأ الآفاق، ونعم تطوق القلوب والأعناق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: “إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ”، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، و بعد

فإن من عظيم أمر الإسلام أنه دين لين ورفق ويسر، فهو دين في جوهره ورسالته، وأحكامه وتشريعاته، وجملته وتفصيله: يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يشتت، يقوي ولا يضعف، يبنى ولا يهدم، رحمة كله، تيسير كله، إنسانية كله، لا عنت ولا تكلف ولا حرج؛ قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78) ويقول جل وعلا: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185) ويقول سبحانه: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (النساء: 28) ويقول عز وجل: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة: 286).

ويقول النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ”(رواه البخاري)، ويقول: “إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ”. ويقول: “إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ”. ويقول: “إِنَّكُمْ أُمَّةٌ أُرِيدَ بِكُمُ الْيُسْرُ” (رواه أحمد). ويقول: “إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ ” (رواه أحمد)، وعَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ السُّلَمِيِّ، أن النبي (صلى الله عليه وسلمَ) قال: “إِنَّ اللهَ (تَعَالَى) رَضِيَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْيُسْرَ، وَكَرِهَ لَهَا الْعُسْرَ” قَالَهَا ثَلَاثًا (رواه الطبراني، في الكبير).

وإن من يتدبر الآيات والأحاديث يرى بكل وضوح شمول الرفق والتيسير لجوانب الشريعة الإسلامية:

فانظر كيف أباح الإسلام الصلاة للمريض على أي وجه يتحقق له من خلاله رفع الحرج، فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: “صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ” (رواه البخاري). وفي الصيام: يقول الله (جل وعلا) (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة: 185). وفى الحج: يقول النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا”، فقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “لَوْ قُلْتُ : نَعَمْ، لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ثُمَّ قَالَ : ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ” (رواه مسلم). حتى في الكفارات: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ: هَلَكْتُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ”(رواه مسلم).

وتدبر ترى دعوة النبي (صلى الله عليه وسلمَ) إلى تحقيق معاني التيسير والرفق في العبادة؛ وانظر حال هذا الصحابي، فكم تمنى أن يأخذ بالرفق النبوي في العبادة وأن يتمسك بهذه القيمة الجليلة إذ يَقُولُ سَيِّدُنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بن العَاصِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ): قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ): “يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟”، فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: “فَلاَ تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ”، فَشَدَّدْتُ، فَشُدِّدَ عَلَيَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: “فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ”، قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)؟ قَالَ: “نِصْفَ الدَّهْرِ”، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلمَ)” (رواه البخاري).

فالرفق والتيسير أمر واضح جلي في حياة النبي (صلى الله عليه وسلمَ) ظاهر في أفعاله كظهوره في أقواله، فقد قال الله (جل وعلا) في حقه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الانبياء: 107) وقال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128) ويقول صَلى الله عليه وسلم: “إنَّما أنا رَحْمةٌ مُهْداةٌ”. ويقول أيضا:” بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ”، ولما سمع (صَلى الله عليه وسلم)، هذا الرجل الذي دعا قائلا: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا. قال له: “لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا”. وعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)، قالت: “مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ” (متفق عليه).

بينما الغلو والتشدد، كان أبعد ما يكون النبي (صلى الله عليه وسلمَ) منه، فقد قال: “هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ المُتَنَطِّعُونُ” إذ ينكر الغلو ولا يقره، يحذر منه، وينهي عنه، ويحث على التيسير والرفق ويمدحه وأهله، إذ يقول: “إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ” (رواه مسلم).

وتدبر معي: عن أَنَس بْنَ مَالِكٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، يَقُولُ: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: “أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي” (رواه البخاري).

وعن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أم المؤمنين عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ الْحَوْلَاءَ بِنْتَ تُوَيْتِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، مَرَّتْ بِهَا، وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقُلْتُ هَذِهِ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا لَا تَنَامُ اللَّيْلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) “لَا تَنَامُ اللَّيْلَ خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَمُ اللَّهُ حَتَّى تَسْأَمُوا” (رواه مسلم).

ولما رأى حبلاً ممدودًا بين ساريتين، قَالَ: “مَا هَذَا؟”، قَالُوا: لِزَيْنَبَ، تُصلِّي، فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ. فأمر (صَلى الله عليه وسلم) بإزالته. وقال: “حُلُّوه” ثُمَّ قَالَ: “لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ”(متفق عليه).

وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: “رَأَى النَّبِيُّ (صَلى الله عليه وسلم) رَجُلًا يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللهِ قَالَ: “إِنَّ اللهَ ‌غَنِيٌّ ‌عَنْ ‌تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ، مُرْهُ فَلْيَرْكَبْ” (رواه النسائي).

إن الناظر فيما سبق يرى كم نهى النبي (صلى الله عليه وسلمَ) عن الغلو في الدين، لما تصل به حقيقته، من الخروج عن حد الاعتدال، لما يكمن في بواطنه من مجاوزة الحد المشروع إلى التكلف والغلو الغير مشروع، لما يغيب عن جوانبه من معاني الرحمة والتيسير والرفق، لما يحويه من معاني التشدد.

فما أحوجنا إلى أن نتمسك بقيم ديننا وهدى نبينا فنحقق الرفق والتيسير في أمور ديننا، وننبذ الغلو من أخلاقنا وسلوكنا، فالله (عز وجل) قال في حق حبيبنا: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الانبياء107)، ويقول النبي (صَلى الله عليه وسلم): “إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ”، وعنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ): “مَنْ يُحْرَمُ الرِّفْقَ يُحْرَمُ الْخَيْرَ كُلَّهُ” (رواه أبو داود).

 فيا عباد الله لا تتشددوا فيشدد عليكم ولا تضيقوا فيضيق عليكم. وقد قال صلى الله عليه وسلمَ: “عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ” (متفق عليه).

الخطبة الثانية: إن مما يحمل في معانيه التيسير والرفق: “العمل التطوعي”، فهو قيمة عالية سامية، باب عظيم لنشر الود والمحبة والألفة والأخوة، علامةٌ بارزة على صفاء معدنِ صاحبه.

ولقد تواترت الآيات والأحاديث تدعونا إلى العمل التطوعي وتحفز عليه ومن ذلك قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: ٢). وقوله تعالى: (وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (البقرة: ١٥٨)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ) مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسّهَرِ وَالحُمَّى”.

ومن عظيم أجره وكثير فضله قول النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): “أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً أو تَقْضِى عنه دَيْناً أو تَطْرُدُ عنه جُوعاً”. وقوله: ” مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ “ وما أعظم قول أم المؤمنين خديجة لحبيبنا (صلى اللهُ عليه وسلم): “كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ؛ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ؛ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ؛ وَتَقْرِي الضَّيْفَ؛ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ”.

الناس بالناس ما دام الحياء بهــم *** والسعد لا شك تارات وهبــــــــات
وأفضل الناس بين الورى رجــــل *** تُقضى على يده للناس حاجـــــات
لا تمنعن يد المعروف عن أحـــــد *** ما دمت مقتدراً فالسعد تـــــــارات
واشكر فضائل صنع الله إذ جعلت *** إليك لا لك عند الناس حاجـــــــات
قد مات قوم وما ماتت مكارمهــم *** وعاش قوم وهم في الناس أموات

نسألك اللهم أن تبارك لنا في شعبان وأن تبلغنا رمضان
وأن تحفظ مصر من كل مكروه وسوء
وأن تجعلها أمنا أمانا سخاء رخاء يا رب العالمين

=== كتبه ===
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومـــدرس
دكتوراة في الفقه المقارن

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى