خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة : الأرض المباركة ، للدكتور مسعد الشايب 25 أبريل 2025

خطبة الجمعة القادمة : الأرض المباركة ، للدكتور مسعد الشايب ، الجمعة 26 من شوال 1446هـ الموافقة 25 من إبريل 2025م
===========================================
أولا: العناصر:
1. بيان المكانة الدينية لأرض سيناء.
2. المكانة الجغرافية والاقتصادية لسيناء.
3. الخطبة الثانية: (العبور التنموي لأراضي سيناء من بعد ثورة يناير 2011م).

 

ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، جعل الأمن والأمان والطمأنينة للمؤمنين، فقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[الأنعام:82]، وجعل الخوف والصغار والذلة على الكافرين، فقال تعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[المنافقون:4]، وبعد:
===========================================
(1) ((بيان المكانة الدينية لأرض سيناء)):
===========================================
أيها الأحبة الكرام: لأرض سيناء مكانة دينية عالية، تتلخص في ذكرها في الكتب السماوية، وفي مرور الأنبياء عليها، أو عيشهم على أرضها، من أول سيدنا إبراهيم (عليه السلام) فما بعده من الأنبياء، والمرسلين، وإيضاح ذلك، وبيانه كالتالي:
==========
جغرافيًا، ولكون أراضي سيناء بوابة مصر الشرقية الشمالية: فقد مرّ على أرضها أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم (عليه السلام)، بعد أن أصاب بلاد الشام جوعٌ، وقحطٌ، وشدةٌ وغلاءٌ، فارتحل إبراهيم (عليه السلام) لمصر بزوجته السيدة سارة، ودخلها مارًا على أرض سيناء، ودخوله على ملك مصر، وأمره السيدة سارة: أن تقول: إنها أخته، حتى لا يقتل طمعًا في سارة…الخ.
==
كذلك مرّ على أرض سيناء سيدنا يوسف (عليه السلام) حينما بيع رقيقًا، وصدق الله إذ يقول: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا…}[يوسف:21].
==
كذلك مرّ على أرض سيناء سيدنا يعقوب(عليه السلام) وأبناؤه عند دخولهم لمصر، وصدق الله إذ يقول على لسان يوسف (عليه السلام)، مخاطبًا أباه، وإخوته: {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}[يوسف:99]، فضلا عن أن أرض سيناء شهدت رحلة عائلة السيد المسيح إلى مصر، وكذلك رحلة العودة.
==========
أما من ناحية التاريخ الديني: فأراضي سيناء هي مسرحُ الأحداث التاريخية لسيدنا موسى (عليه السلام)، وبني إسرائيل في عهده، ومن بعده حتى قادهم يوشع بن نون لدخول القدس، كما تحكي وتقص التوراة، ويعضده القرآن الكريم:
==
فقد دخلها سيدنا موسى (عليه السلام) لأول مرة، وهو في طريقه إلى مدين (الأردن اليوم)، هربًا من بطش الفرعون، بعد قتله الرجل القبطي، وصدق الله إذ يقول: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير*فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}[القصص:24،23].
==
وعلى أرض سيناء نُبئ سيدنا موسى (عليه السلام)، ونزلت عليه الرسالة، وكلمه رب العزة تبارك وتعالى، وأمره بالتصدي للفرعون وبطشه، عند عودته بأهله من أرض (مدين)، ووصف الوادي الذي نبئ فيه موسى (عليه السلام)، وهو الوادي المقدس طوى، عند سفح جبل الطور، بالبقعة المباركة، وصدق الله إذ يقول: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى*إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى*اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى*وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى*فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى*فَكَذَّبَ وَعَصَى*ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى*فَحَشَرَ فَنَادَى*فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى*فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى*إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى}[طه:15 ـ 26]، وصدق الله إذ يقول أيضًا: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ*فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[القصص:30،29].
==
وإلى أرض سيناء كان خروج بني إسرائيل، وفرارهم وهروبهم من الفرعون، وبطشه، ساعة أن فلق الحق تبارك وتعالى لهم البحر، وهو (خليج السويس اليوم) الحدّ الجنوبي الغربي لشبه جزيرة سيناء،، أو (بحر سوف)، كما في التوراة، وصدق الله إذ يقول: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ*قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ*فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ*وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ*وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ}[الشعراء:61ـ65].
==
وعلى أرض سيناء تجلى ربنا (سبحانه وتعالى) للجبل المعروف اليوم بـ (جبل المناجاة) بمنطقة (رفيديم) كما في التوراة، فجعله دكًا، وخرّ موسى (عليه السلام) صعقًا، وذلك حينما طلب موسى (عليه السلام) رؤية الحق (سبحانه وتعالى) عيانًا بيانًا، وصدق الله إذ يقول: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ*وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}[الأعراف:143،142].
==
وعلى أرض سيناء تحقق العديد من معجزات سيدنا موسى (عليه السلام)، فقد ظلل الله على بني إسرائيل بالغمام، وأنزل عليهم المنّ (طعام يشبه العسل)، والسلوى (طائر السمان) بسيناء بعد عبورهم خليج السويس (بحر سوف)، وعلى أرض سيناء انفلق الحجر لسيدنا موسى عليه السلام) اثنتا عشرة عينا، المنطقة المعروفة اليوم بـ (عيون موسى)، والمسماة في التوراة بـ (إيليم) أي: الأشجار، (وقد كان بها سبعون نخلة) والعيون الحلوة، مقابلة لـ (مارة)، أي: العين المرة، وصدق الله إذ يقول: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[الأعراف:160].
==
وعلى أرض سيناء كانت خيانة بني إسرائيل لموسى (عليه السلام)، وعبادتهم العجل، وموسى (عليه السلام) في ميقات ربه، وصدق الله إذ يقول: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ*وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}[البقرة:51،50].
==
وعلى أرض سيناء كانت تلقي موسى (عليه السلام) للتوراة، والألواح، والوصايا العشر، وصدق الله إذ يقول: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ*وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}[الأعراف:145،144].
==
وفي أرض سيناء مجمع البحرين، (منطقة رأس محمد اليوم) في (برية سين) كما هو موضح في التوراة، التي كان بها لقاء سيدنا الخضر وموسى (عليهما السلام)، وصدق الله إذ يقول: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا*فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا* فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا*قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا*قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا*فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}[الكهف:60 ـ 65].
==
وفي أرض سيناء كتب على بني إسرائيل التيه في الأرض، وهي المعروفة اليوم بـ (هضبة التيه)، وذلك بسبب جبنهم، وتقاعسهم عن القتال، والخروج إلى المقدسة (القدس) مع سيدنا موسى (عليه السلام)، وصدق الله إذ يقول على لسانهم: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ*قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ*قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:24ـ26].
==========
ولنترك جانبًا التاريخ الموسوي المعضد بآيات القرآن الكريم، ولنذهب إلى القرآن الكريم، ونرى ما جاء فيه عن أرض سيناء الحبيبة، وبيان مكانتها:
==
فقد أقسم الحق تبارك وتعالى بجبل الطور فيها، وذلك إشارة إلى قدسيته حيث نُبئ عنده موسى (عليه السلام)، كما تقدم، فقال تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ*وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ*لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين:1ـ 4]، فالتين والزيتون إشارة إلى نبوة عيس (عليه السلام)، حيث تكثر أشجارهما في منطقة فلسطين، وطور سينين إشارة إلى نبوة موسى (عليه السلام)، فسينين هي لهجة في كلمة (سيناء)، ويشهد لذلك القراءة الغير متواترة عن سيدنا عليّ بن أبي طالب، وسيدنا سعد بن أبي وقاص، (رضي الله عنهما)، فقد قرأ (وطور سَيناء).
==
ومن الجدير بالذكر أن هذه الآيات الثلاث تتفق تمامًا مع ما جاء في التوراة، في سفر التثنية، الإصحاح الثالث والثلاثين، الفقرة الثانية: (جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ)، فمجيء الرب من سيناء إشارة إلي نبوة موسى (عليه السلام)، وإعطائه التوراة، وإشراقه من سعير، إشارة إلى نبوة عيسى (عليه السلام)، فسعير اسم لجبال فلسطين، أو اسم لقرية من قرى إقليم الناصرة التي آمنت بعيسى (عليه السلام)، وأما تلألؤه من جبل فاران، فإشارة إلى نبوة نبينا (صلى الله عليه وسلم)، لأن (فاران) يعنى مكة المكرمة، كما جاء في سفر التكوين، الإصحاح الحادي والعشرين، الفقرة الحادية والعشرين، عند الحديث عن سيدنا إسماعيل (عليه السلام): (وَسَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ).
==
كما أثنى الحق تبارك وتعالى، وأشاد بأشجار الزيتون فيها، فقال تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ}[المؤمنون:20]، وهذا فيه إشارة للأهمية الاقتصادية لأراضي سيناء الحبيبة، فإذا كان ذلك منقبة لشيء واحد على ظهرها، فما بالنا بما في بطنها، فقد سيقت تلك الآية المباركة في سياق الكلام على قدرة الله (عزّ وجلّ) ومنته على الإنسانية جمعاء ردًّا على منكري البعث، وفي الآية دليلٌ على أن الله (عزّ وجلّ) خلق أول شجرة زيتون في طور سيناء.
==
وهكذا ذكر القرآن الكريم العديد من الأماكن والبقاع المباركة في أراضي سيناء، ذكر جبل الطور صراحة، وذكر جبل المناجاة، وذكر الواد المقدس طوى الذي نبئ فيه موسى (عليه السلام)، ووصفه بالبقعة المباركة، وذكر مجمع البحرين، وأشار إلى صحراء التيه، وذكر أشجار الزيتون في سيناء.
==========
وكما جاء القرآن الكريم مبينًا وموضحًا مكانة سيناء الحبيبة؛ كذلك جاءت السنة النبوية المطهرة، فمن مكانة سيناء في السنة النبوية المطهرة:
==
1ـ أن النبي (صلى الله عليه وسلم) صلى على أرضها ليلة الإسراء والمعراج، فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (أُتِيتُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ خَطْوُهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا، فَرَكِبْتُ وَمَعِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسِرْتُ فَقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَفَعَلْتُ. فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ وَإِلَيْهَا الْمُهَاجَرُ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَصَلَّيْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَنَزَلْتُ فَصَلَّيْتُ. فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ). ثُمَّ دَخَلْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجُمِعَ لِيَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ…)(رواه النسائي بسند حسن، والطبراني في معجم الشاميين بسند آخر حسن).
==
2ـ وصفها النبي (صلى الله عليه وسلم) مع كل أرض مصر بالجند الغربي، وأنهم أسلم الناس في الفتن، وبين أنهم عدة أهل الإسلام، وأعوان لهم في سبيل الله، فعن عمرو بن الحمق (رضي الله عنه)، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (سَتَكُونُ فِتْنَةٌ أَسْلَمُ النَّاسِ فِيهَا ـ أَوْ قَالَ: لَخَيْرُ النَّاسِ فِيهَا ـ الْجُنْدُ الْغَرْبِيُّ). فلذلك قدمت مصر. (مستدرك الحاكم)، والواقع يصدق ذلك اليوم، فالصهاينة والأمريكان يشعلون الفتن والحروب في المنطقة: في لبنان، وسوريا، وفلسطين، وليبيا، والسودان بهدف ضرب مصر وزعزعتها، وتقسيمها، ولكن هيهات هيهات، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) لا ينطق عن الهوي، وستزال مصر سالمة، آمنة، مطمئنة إلى يوم الدين.
===========================================
(2) ((المكانة الجغرافية والاقتصادية لسيناء))
===========================================
المكانة الجغرافية: شبه جزيرة سيناء، أو أرض الفيروز، أو أرض القمر كما يحلو لكثيرين تسميتها، هي الموقع الاستراتيجي لمصر، والحصن الحصين لوادي النيل وأراضيه، فهي البوابة الشمالية الشرقية لمصر، على شكل مثلث مقلوب، رأسه في الجنوب، وقاعدته في الشمال من رفح لبورسعيد، وتربط شبه جزيرة سيناء مصر بقارة آسيا، فهي مفتاحها في قلب العالم بقاراته وحضاراته، وهي محور الاتصال بين أفريقيا وآسيا، وبين المشرق والمغرب.
تبلغ مساحة شبه سيناء نحو (61) ألف كيلومتر مربع، أي: ما يعادل نحو 6% من جملة مساحة مصر، وتملك سيناء وحدها نحو 30% من سواحل مصر، حيث تحاط بالمياه من أغلب الجهات، كالتالي
البحر المتوسط في الشمال بطول (120) كيلو متر، وقناة السويس في الغرب بطول (160) كيلو متر، وخليج السويس من الجنوب الغربي بطول (240) كيلو متر، ثم خليج العقبة من الشرق، والجنوب الشرقي بطول (150) كيلو متر.
يقدر عدد سكان شبه جزيرة سيناء في تعداد (2023م) (655) خمس وخمسون، وستمائة ألف نسمة تقريبا، يهيمن على غالبيتهم نمط العيش البدوي، وتعود أصول وجذور أهالي سيناء لقبائل عربية، اختلطت بها قبائل أخرى ليبلغ عددها نحو 26 قبيلة، يعد نصفها أقدم القبائل بسيناء، وأبرزها السواركة، والرميلات، والترابين، والمساعيد وغيرها.
==========
أما عن مكانتها الاقتصادية: فشبه جزيرة سيناء وجهة للساحة الدينية المتمثلة في زيارة الأماكن المقدسة، كمنقطة دير سانت كاترين، وجبل المناجاة…الخ، كما أنها وجهة للسياحة الترفيهية، فشواطئها مترامية الأطراف كما تقدم، وبها العديد من المنتجعات السياحية المبهرة كطابا، ودهب، وشرم الشيخ، بالإضافة لصلاحية أراضيها لرحلات السفاري والتخييم.
كما تشتهر شبه جزيرة سيناء بثرواتها المعدنية، مثل المنجنيز، والحديد، والجبس، والأسمنت، والفوسفات، وملح الطعام، والزنك، والرصاص، كما يتواجد بها العديد من مراكز إنتاج البترول الخام على الساحل الشرقي لخليج السويس، مما جعلها مطمعًا لكثير من المحيطين بها، على مرّ التاريخ، وعلى رأسهم أحفاد القردة والخنازير.
عباد الله أقول قولي هذا، وأستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب………..
===========================================
(الخطبة الثانية)
((العبور التنموي لأراضي سيناء من بعد ثورة يناير 2011م))
===========================================
الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلّ عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
=====
أيها أخوة الأحباب: بعد استردادنا لأراضي سيناء من خلال حرب أكتوبر 1973م، ظلت عجلة التنمية تدور ببطء في شبه جزيرة سيناء إلى أن قامت ثورة يناير 2011م ثم تلتها ثورة 30 يونيو 2013م، ثم تولي سيادة المشير/ عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر الحبيبة، فقام بإصدار القرار رقم (107 لسنة 2018م) في الخامس والعشرين من شهر فبراير، الخاص بتنمية سيناء، والذي رُصد فيه (600) مليار جنيه لتنفيذ ما يقرب من (1000) مشروع لتنمية أراضي سيناء، جاء أهمها، كالتالي:
==
1ـ ربط سيناء بالقاهرة والعمق المصري في باقي المحافظات بشبكات من الطرق البرية، والبحرية، والجوية، فقامت الدولة بإنشاء (5) أنفاق تحت قناة السويس بتكلفة (35) مليار جنيه، وإنشاء (7) سبعة كباري فوق القناة، بتكلفة (مليار) جنيه، وكل ذلك من أجل تسهيل العبور إلى أراضي سيناء.
==
2ـ وقامت بتطوير خمس موانئ بحرية وجافة، وهي: (1) شرق بور سعيد البحري. (2) العريش البحري. (3) نويبع البحري. (القنطرة شرق البري. (5) طابا البري، بتكلفة (44) مليار جنيه.
==
3ـ القيام بإنشاء تفريعة قناة السويس الجديدة، والمنطقة الاقتصادية حولها؛ والتي تتداخل مع (5) محافظات، منشئة (4) مناطق صناعية جديدة، هي: شرق بور سعيد، شرق الإسماعيلية، القنطرة غرب، العين السخنة لتوفير (80) ألف فرصة عمل للشباب، ولأهالي سيناء.
==
4ـ بناء مطارات جديدة، وتطوير مطارات قديمة، كمطار دير سانت كاترين.
==
5ـ نقل مياه النيل إلى سيناء، عن طريق سحارة (سرابيوم)، وإنشاء محطتين للشرب في مدينة رفح، مما ترتب عليه تحقيق الاكتفاء الذاتي من مياه الشرب لأهالي سيناء.
==
6ـ إنشاء (39) محطة تحلية مياه، وإقامة سدود ومشروعات للحماية من السيول، وتجميع مياهها حوالي (450) منشأة.
==
7ـ استصلاح ما يقرب من (670000) ألف فدان زراعي.
==
8ـ إنشاء (4) مدن سكنية جديدة، هي: (رفح، بئر العبد، سلام شرق بور سعيد، الإسماعيلية) بالإضافة إلى إنشاء (17) تجمع تنموي متكامل، (10) في شمالها، و (7) في جنوبها).
===========================================
فاللهمّ إنّا نسألك أن تختم لنا بخاتمة السعادة، اللهم نسألك رضاك والْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ سخطك ومن النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى