خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة : الأرض المباركة ، للدكتور محمد داود

خطبة الجمعة القادمة 25 من إبريل 2025م : الأرض المباركة ، للدكتور محمد داود ، الجمعة 26 من شوال 1446هـ الموافقة 25 من إبريل 2025م

خطبة بعنـــــــوان:
الأرض المباركة
للدكتور/ محمــد حســــن داود
(26 شوال 1446هـ –  25 أبريل 2025م)

العناصر:
– حديث القرآن الكريم عن سيناء.
– من المشاهد التي عاشتها أرض سيناء.


خطبة الجمعة القادمة word : الأرض المباركة ، للدكتور محمد داود

خطبة الجمعة القادمة pdf : الأرض المباركة ، للدكتور محمد داود

الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علما، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، نعمه لا تحصى، وآلاؤه ليس لها منتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فإن من الأماكن القليلة التي تحدث عنها القرآن الكريم حديثا أظهر مكانتها ودرجتها: الأرض المباركة “سينــاء” أرض الخير والبركة والنماء.

ومع أن القرآن الكريم قد تحدث كثيرا عن مصر جملة، فذكرها فيما يقرب من ثلاثين موضعا سواء بلفظ صريح أو ضمنا، ومن ذلك أن ذكرها بالأمن والأمان، فقال على لسان سيدنا يوسف: (وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) (يوسف: 99)، إلا أنه خص منها سيناء بالذكر في أكثر من موضع، وفي ذلك خير دليل على علو مكانتها، ورفعة شأنها. وإن من ذلك:

– أن أقسم الله (عز وجل) بجبل الطور فيها، قال تعالى: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين: 1-4). وفى صدر سورة كاملة باسم “الطور”، قال تعالى: (وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) (الطور: 1- 5). مقدما القسم به على غيره.

– وفي آية أخرى ذكرها الله (سبحانه وتعالى) من باب النعم؛ حيث قال تعالى: (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ) (المؤمنون:20) والمقصود بها: شجرة الزيتون، فهي شجرة مباركة؛ ففي الحديث عنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ” (رواه الترمذي).

– والمتدبر في القرآن الكريم يجد أن كلمة (الطور) جاءت في القرآن الكريم عشر مرات كلها في الحديث عن طور سيناء.

وأن كلمة (جبل) جاءت في القرآن الكريم في ستة مواضع، ثلاثة منها جاءت نكرة، وثلاثة جاءت معرفة تدل على جبل الطور بعينه.

فجاءت نكرة في قصة سيدنا ابراهيم (عليه السلام) حين طلب من ربه (جل وعلا) أن يريه كيف يحيى الموتى، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا) (البقرة 260) وفى قصة سيدنا نوح (عليه السلام) حينما هاجم الغرق ولده، قال تعالى حكاية عنه: (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء) (هود 43)، وفى سياق الوعظ بالقرآن الكريم، قال تعالى: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) (الحشر: 21).

أما حين تكلم الله (عز وجل) عن جبل سيناء جعله معرفا بالأف واللام، وفي ذلك إشارة إلى مكانته ودرجته، وقد ورد هذا ثلاث مرات؛ قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) (الأعراف 143)، وقال: (وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (الأعراف: 171).

– فعند هذا الجبل كلم الله (عز وجل) سيدنا موسى (عليه السلام) تكليما؛ قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) (الأعراف: 143)، وقال سبحانه: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا) (النساء: 164). بل يأتي التحديد أكثر لنعرف هذا الموضع، فيقول الحق (سبحانه وتعالى): (وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا) (مريم: 52) أي في ذلك الجانب الأيمن من جبل الطور كان أول وحى وحوار جرى بين الله (عز وجل) وموسى (عليه السلام). بل يأتي التحديد بدقة أكثر في المكان الذى جرى فيه هذا الحوار الأول بين رب العزة وموسى (عليه السلام)، قال تعالى : (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (القصص29- 30).

فالله (جل وعلا) يصف هذه البقعة بأنها مباركة؛ وهذه البقعة المباركة، وذلك الوادى المقدس طوى: أرض مصرية، فاللهم احفظ مصر واجعلها أمنا أمانا يا رب العالمين.

– ثم إن هذا الجبل هو الذي تجلى الله (عز وجل) له، قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) (الأعراف: 143).

– كما أن هذا الجبل هو الذي رفعه الله (عز وجل) فوق بني إسرائيل عندما جادلوا سيدنا موسى (عليه السلام) وعاندوه، فكان تخويفًا لهم، قال تعالى: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )( البقرة: 171).

– لقد عاشت أرض سيناء مشاهد عظيمة، خالدة، لا يمحو أثرها الزمان، ولا أي إنسان: فهي البقعة المباركة التي شرفت جبالها وأوديتها وحبات رمالها بوقع أقدام أنبياء الله (عزو جل): إبراهيم، وإسماعيل، ويعقوب، وموسى، وهارون، وعيسى، وأمه البتول مريم (عليهم الصلاة والسلام).

– فقد شق أبو الأنبياء طريقه خلالها هو وزوجته السيدة ساره من وإلى أرض فلسطين.

– كما وطأ أرضها سيدنا يوسف الصديق وأبيه النبي يعقوب (عليهما السلام)، وعلى أرضها انطلقت رائحة قميص يوسف حتى وصل إلى يعقوب (عليه السلام)، قال تعالى على لسان سيدنا يوسف: (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ * وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ) (يوسف: 93 -94).

مر منها النبي (صلى الله عليه وسلمَ) ذهابا إلى الأقصى في مسراه، ورجوعا من الأقصى بعد معراجه؛ حيث قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء: 1).

– وفي بعض الروايات أن النبي (صلى الله عليه وسلمَ) صلى فيها في مسراه، فعن أَنَس بْن مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: ” أُتِيتُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ خَطْوُهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا، فَرَكِبْتُ وَمَعِي جِبْرِيلُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَسِرْتُ فَقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَفَعَلْتُ. فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ وَإِلَيْهَا الْمُهَاجَرُ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَصَلَّيْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ)،…” (رواه النسائي).

– وبأرض سيناء ولدت السيدة هاجر، زوج النبي إبراهيم وأم النبي إسماعيل (عليهم السلام) وهي أم العرب، ولقد أوصى النبي (صلى الله عَليه وسلم) الصحابة بأهل مصر لأسباب من أجلها الذمة والرحم؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، أَوَ قَالَ ذِمَّةً وَصِهْرًا” (رواه مسلم)، (فأما الرحم فلكون السيدة هاجر من مصر، وأما الصهر فلكون السيدة مارية القبطية أم إبراهيم ابن الرسول “صلى الله عليه وسلمَ” من مصر).

– ومن أجمل المشاهد التي عاشتها أرض سيناء: نقل كسوة الكعبة المشرفة التي كانت تصنع في مصر إلى مكة؛ فكم مر هذا المحمل الشريف من أرض سيناء.

 – كما سجل التاريخ منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان أن شهدت سيناء إقامة أول صلاة لعيد الأضحى المبارك علي أرض مصر، وذلك حينما دخل عمرو بن العاص أرض سيناء المقدسة التي باركها الله (عز وجل).

– كما شهدت أرض سيناء قوة ونُبل وشرف وتضحية الجندي المصري على مر العصور دفاعا عن الوطن والأرض والعرض؛ فهم خير أجناد الأرض، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ)، فاللهم احفظ جيشنا الحر الأبي يا رب العالمين.

إذن فأرض سيناء لها مكانة عالية وشأن عظيم، فبها أقسم الله (عز وجل)، وهنا عاش سيدنا موسى (عليه السلام)، وهنا كلم ربه (عز وجل)، وهنا تجلى الله (سبحانه وتعالى) للجبل، ومن هنا مر سيدنا إبراهيم (عليه السلام) وزوجته سارة، ومن هنا مر سيدنا يوسف (عليه السلام)، ومن هنا مر النبي (صلى الله عليه وسلمَ) ليلة الإسراء، وهنا صلى النبي (صلى الله عليه وسلمَ)، وهنا دماء الشهداء الأبطال الذين دافعوا عن الأرض والعرض، هنا تاريخ الأبطال الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل هذا الوطن؛ وهنا… ومن هنا …؛ أليس كل ذلك داعيا إلى أن نجعلها في قلوبنا؟؟؟.

إننا في كل الأوقات، ليس لنا إلا أن نقف بكل جد وصدق خلف وطننا وقيادتنا وجيشنا في خدمة وطننا والحفاظ عليه والدفاع عنه، فلا ينبغي لنا إلا أن نكون في أسمى معاني الوفاء لوطننا الحبيب الغالي؛ فهذا واجب شرعي وواجب وطني.

اللهم احفظ مصر وقائدها وجيشها ورجال أمنها وشعبها من كل مكروه وسوء،
وارفع اللهم رايتها في العالمين

=== كتبه ===
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومـــدرس
دكتوراة في الفقه المقارن

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى