خطبة الجمعة القادمة بعنوان: تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة، للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة 7 مارس ٢٠٢٥م الموافق 7 رمضان ١٤٤٦ هـ بعنوان: ” تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة” الحفاظ علي الهوية الدين، واللغة، والتاريخ ، للشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذه الخطبةُ
اولا : رمضان واستحضار الهوية للأمة (عبادة الصوم والحفاظ علي الهوية )
ثانيا : الهوية الاسلامية والعربية
ثالثا : تحديات العصر والمحافظة علي الهوية
خطبة الجمعة القادمة word بعنوان: تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة، للشيخ ثروت سويف
خطبة الجمعة القادمة pdf بعنوان: تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة، للشيخ ثروت سويف
الخطبة الأولي
الحمد لله الرحيم الرحمن الذي علم القران وخلق الانسان فعلمه البيان وبلغنا المرام وزادنا من فضله فتبارك اسم ربك ذو الجلال والاكرام سبحانه شرح الصدور بالإسلام، وطمأن القلوب بالإيمان، وهدى البصائر بالقرآن
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له بقدرته وعلمه الشمس والقمر يجريان بحسبان والنجم والشجر لعظمته يسجدان وبقوته رفع السماء ووضع الميزان والارض بسطها ووضعها للأنام وانبت فيها فاكهة والنخل ذات الاكمام والحب ذو العصف والريحان فباي الاء ربكما تكذبان
واشهد ان سيدنا محمدا ﷺ النبي الأمي ، العدنان الذي فجر من الجزيرة الغبراء العلم للدنيا، ونادى بالعلم والايمان الذي رفع الكلمة للبشرية فأسمع الدنيا، بافصح لسان والأمي الذي خطب على منبر الحياة فسمعت منه الأجيال ،اعظم بيان
سيدى يا رسول الله ﷺ
زانتك في الخلق العظيم شمائل …يُغرى بهن ويولع الكرماء
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى…وفعلت ما لا تفعل الكرماء
وإذا عفوت فقادرٌ ومقدّرٌ …لا يستهين بعفوك الجهلاء
وإذا رحمت فأنت أم أو أبٌ …هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا غضبت فإنما هي غضبة…في الحق لا ضغن ولا بغضاء
وإذا خطبت فللمنابر هزّة …تعرو النديّ وللقلوب بكاء
اللهم صلي وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً الي يوم الحق والفرقان
اما بعد
في هذه الأيام المباركة تتفتح أمامنا آفاق واسعة لإعادة اكتشاف ثرائنا الروحي الذي نستقي من معينه الصافي معاني التقوى والإخلاص في العمل والعبادة والإقبال على كل ما يحبه الله تعالى، وهي فرصة سانحة للترقي في درجات الصيام والانتقال من الشعور بقيمة النعمة الى معرفة المنعم وشكره، ومن صوم الجوارح والرغبات الى صوم الضمائر والقلوب ومن طهارة الجسد الى طهارة النفس والروح. لا تتوقف أهمية رمضان على كونه ركنا أساسيا من أركان الدين وإنما تتجلى كذلك باعتباره مكونا أساسيا للهوية الروحية للأمة التي تشكل وحدة شعورية بين المؤمنين الذين يجتمعون في شهر رمضان في حركتهم الحياتية اليومية في مشهد عملي يعزز إمكانية الوئام بين شعوب الأمة وتعاونها على الخير والفضيلة
اولا : عبادة الصوم والحفاظ علي الهوية
ان شهر رمضان خاص بهذه الأمة محددا لهويتها الإسلامية موحدا بين اقطارها فيه نزل كتاب ربنا بلغة العرب فرمضان شهر صناعة الهوية الجامعة للأمة
نزل فيه القرآن الكريم باللغة العربية فخراً للعرب ولقريش، وحق لهم أن يفخروا به، والله قال: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف:43 – 44] شرفٌ لك ولقومك، شرفٌ لهم أنا أنزلناه بلغتهم {وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:44] ستسألون عن هذا الشرف.
فالشريعة كلها بما فيها الصوم حافظت على بناء الخصوصية لهذه الأمة، بناء على طبيعة وجودها الخاتم، ووسطيتها في كل شيء، فجاء الصوم مؤكدا لهذا المعنى من خلال النهي عن التشبه بالأمم الأخرى في بعض الأحكام والتعاليم، مع أنها عبادة واحدة في جوهرها، لكن تمييز هذه الأمة أصل جار في فروع الشريعة كثيرا.
ومن ذلك: التوجيه بتعجيل الفطر مخالفة لليهود ففي سنن النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ، عَجِّلُوا الْفِطْرَ؛ فَإِنَّ الْيَهُودَ يُؤَخِّرُونَ» سنن ابن ماجة
وفي لفظ البيهقي عن أبي هريرة رفعه بلفظ: ” لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ، وَلَمْ يُؤَخِّرُوهُ تَأْخِيرَ أَهْلِ الْمَشْرِقِ “
ومن ذلك: النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام، وقد قيل: إن علة النهي هي ترك موافقة اليهود في يوم واحد من بين أيام الأسبوع، فاليهود عظمت السبت، فلا تعظموا أنتم الجمعة خاصة بصيام وقيام.
ومن ذلك: النهي عن تخصيص يوم السبت بالصوم، فعن عبد الله بن بُسْرٍ، عن أُختِهِ الصمَّاءِ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يومَ السبتِ إلا فيما افتُرضَ عليكُم، فإِنْ لم يجِد أحدُكم إِلاَّ لحاءَ عِنَبَةٍ، أو عودَ شجرةٍ فليمضغهُ» رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي.
والمراد بالنهي في هذا الحديث إفراد السبت بالصوم، لا الصوم مطلقًا، فلو صام يوما قبله أو بعده، أو وافق يوما يشرع صومه مثل يوم عرفة فلا ينهى عنه، والشاهد في الحديث هو التأكيد على فطر يوم السبت مخالفة لليهود ولو بأكل ما تيسر، حتى ولو بمضغ عود شجرة، وهذا أبلغ ما يدل على قصد الشارع لعدم مشابهتهم في العبادات.
ومن ذلك: الأمر في صيام عاشوراء بمخالفة اليهود، فلما كان الباعث على صيامه مشتركا جاء التوجيه بمخالفتهم بصيام يوم قبله تأكيدا على أحقية هذه الأمة بولاية الأنبياء، وحفاظا على الهوية الإسلامية في ذات الوقت، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي سنن الترمذي عن ابن عباس أنه قال: «صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود».
ومن ذلك: ما جاء في الترغيب بتناول أكلة السحور كثيرا في السنة النبوية، ومن جملة مقاصد ذلك مخالفة اليهود ففي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلةُ السحر».
قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- في شرح مسلم: معناه الفارق والمميّز بين صيامنا وصيامهم السحور، فإنهم لا يتسحّرون، ونحن يستحبّ لنا أن نتسحّر.
قال القرطبي في المفهم: هذا الحديث يدل على أن السحور من خصائص هذه الأمة ومما خفف به عنهم أكلة السحر.
وتعبير النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة “فصل” تدل على أن المفاصلة في العبادات وشعائر الدين مقصود شرعا، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وفيه دليل على أن الفصل بين العبادتين أمر مقصود للشارع.
وعبادة الصوم هي عبادة ربانية، إذ إن الذي شرعها هو الله تعالى، فليست من اختراعات العقول، وابتداعات الرهبانية، ومن وجوه الشكر أن المسلم يصوم صوما واقعيا يتوافق مع الفطرة والقدرة الإنسانية، فلم يكلفه الإسلام إلا ما يطيق، بل وشرع فيها من التخفيفات للمريض والمسافر والحامل والمرضع والعاجز ما تجعل هذه العبادة أكثر منطقية وواقعية، وهي عبادة مضمونة الثواب، قد ادخر الله ثوابها، ولم يكشف عن مقداره لعظمته، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به»، أما ما يفعله غير المسلمين فهو إهلاك للنفس في الدنيا وخسارة في الآخرة، ولا يزال الصوم في شريعة الإسلام باقيا كما شرع لأول مرة، فلم تتحرف كيفيته، ولا زمانه، ولا أحكامه، وهذا مصدر اعتزاز للمسلم، وتعميق لهويته وانتمائه لهذا الدين الكامل، والهوية الواضحة
ثانيا : الهوية الاسلامية والعربية وتحديات العصر
الهوية يقصد بها: “الإيمان بعقيدة هذه الأمة، والاعتزاز بالانتماء إليها، واحترام قيمها الحضارية والثقافية، والحفاظ علي لغتها وتاريخها وإبراز الشعائر الإسلامية، والاعتزاز والتمسك بها، والشعور بالتميز والاستقلالية الفردية والجماعية، والقيام بحق الرسالة وواجب البلاغ، والشهادة على الناس”
الحفاظ علي الهوية الدين، واللغة، والتاريخ
اما اللغة فان اللغة العربية تعرضت طبعاً لتشويهات ومحاولات في هدمها كثيرة جداً منها: الدعوة إلى العامية، فلما كانت اللغة العربية مما يقض مضاجع اعداء الامة أنهم يرون المسلمين يصلون الصلوات الخمس، ويؤذنون خمس مرات في اليوم بلغة واحدة، يقض مضاجعهم ويؤلمهم ويجعلهم يتحسرون، كيف يقرأ الهنود والأتراك وأهل باكستان وإندونيسيا وماليزيا القرآن بلسان عربي مبين؟ كيف يجتمعون على القرآن بلسان عربي مبين؟ وكيف يحفظ هؤلاء الأعاجم القرآن عن ظهر قلب؟ هؤلاء طبعاً عندما يرون هذا لا بد أن يعملوا شيئاً لتحطيم لغة القرآن.
وترى البعض حتي لا يحسن العربية وتراه يتحجج بهذا الأثر: “من تعلم لغة قوم أمن مكرهم”؟ علي انه حديث وهذا ليس له أصل، هذا من كلام بعض الناس ما هو من كلام النبي ﷺ
ان تعلم اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ، فإن فهم الكتاب والسنة فرضٌ، ولا يفهمان إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجب على الأعيان؛ على كل واحد بعينه، ومنها ما هو واجب على الكفاية؛ على بعض الأمة دون الآخرين.
وحتى السنة والحديث، قال صلى الله عليه وسلم: (أُعطيت جوامع الكلم) وهي المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة، كيف سنعرف جوامع الكلم، ومعاني الأحاديث إلا باللغة العربية، وفهم ألفاظها وتراكيبها.
قال عز وجل: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت:3] أي: بُينّت معانيه وأحكمت أحكامه، قرآناً عربياً بيناً واضحاً، فمعانيه مفصلة، وألفاظه واضحةٌ غير مشكلة، أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير، فهو معجز في لفظه ومعناه {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر:28] نزل بلسان عربي مبين، لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس، بل هو بيانٌ ووضوحٌ وبرهانٌ {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} [طه:113]، {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195] أنزل الله القرآن بلسان عربي فصيح لا لبس فيه ولا عيب {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً} [الرعد:37] محكماً معرباً، واضحاً جلياً مبيناً {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2].
قَالَ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ، قُرْآنًا عَرَبِيًّا، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ
وقد قال النبي ﷺ: «أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش، ونشأت في بني سعد بن بكر» .
لأنّ قريشا أفصح العرب لسانا وأفضلها بيانا، وأحضرها جوابا، وأحسنها بديهة، وأجمعها عند الكلام قلبا.
وقد أحسن ابن القيم -رحمه الله- في بيان فضلها حيث قال: “وإنما يَعرف فضلَ القرآن مَنْ عرف كلامَ العرب، فعرف علم اللغة، وعلم العربية، وعلم البيان، ونَظَرَ في أشعار العرب وخُطَبِها ومقاولاتها في مواطن افتخارها ورسائلها”.
ورأى أبو الأسود الدؤلي رحمه الله أحمال بضائع التجار مكتوب عليها: لأبو فلان، واللام حرف جر، والصحيح: لأبي فلان، فقال: سبحان الله! يلحنون ويربحون.
سبب نزول القرآن باللغة العربية
وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأديةً للمعاني التي تقوم بالنفوس فكمل الكتاب من كل الوجوه
قال تعالي ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) الشعراء
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ، ﷺ: {وَإِنَّهُ} أَيِ: الْقُرْآنُ الكريم لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أَيْ: أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ وَأَوْحَاهُ إِلَيْكَ.
{نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ} : وَهُوَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ
وأنزله سبحانه وتعالى باللغة العربية، وتكلم به إلى جبريل، وأسمعه جبريل محمداً ﷺ باللغة العربية، ولما اتهم الكفار محمداً ﷺ بأنه أتى بالقرآن من نجار رومي بـ مكة نصراني تعلم منه القرآن، فقال الله رداً على هذه الفرية: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103]
{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} أَيْ: هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ [أَنْزَلْنَاهُ] بِلِسَانِكَ الْعَرَبِيِّ الْفَصِيحِ الْكَامِلِ الشَّامِلِ، لِيَكُونَ بَيِّنًا وَاضِحًا ظَاهِرًا، قَاطِعًا لِلْعُذْرِ، مُقِيمًا لِلْحُجَّةِ، دَلِيلًا إِلَى الْمَحَجَّةِ.
روى البزار في مسنده عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ” إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ قَالَ: قُلْتُ فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : ” كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ يَرُدَّهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَالذَّكَرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلُقُ عَنْ رَدٍّ ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ حِينَ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا : إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دُعِيَ إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .
اما الدين والعقيدة فالمسلم المقر بوحدانية الله تعالى، وبرسالة نبيه ﷺ وعمل لهذا الدين عن وعي وإدراك وإيمان جاعلاً إنها قضية العزة، الافتخار، الاعتزاز بالدين، الشعور بتملّك الحق الفريد الذي لا يشركنا فيه غيرنا، الذي يثمر شخصية للمسلم متميزة، لها هويتها المستقلّة الفذّة، التي تمتلئ اقتناعًا بسلامة طريقها ومنهجها، وفي المقابل لا تشكّ بأن ما عليه أولئك باطل محض يفضي إلى النار والعطب، قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِين [الأنعام:161]، قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ [الزمر:64-66]. دستوراً له، وقانوناً يسير حياته؛ هو مسلم صاحب هوية قوية ثابتة متجذرة
فان تركنا ديننا اذلنا الله واهلك الصالحين والطالحين وحسبك الحديث حينما قال المصطفي “يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ إِذَا أَنْزَلَ سَطْوَتَهُ بِأَهْلِ نِقْمَتِهِ وَفِيهِمُ الصَّالِحُونَ فَيُصَابُونَ مَعَهُمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ” [رواه ابن حبان].
فإما الإصلاح وإما العذاب العام عافانا الله وإياكم.
ان امتنا آل واقعها إلى ما ترى؛ هزائم متتالية، اتفاقيات مخجلة، ومعاهدات ذليلة، يضحك العدو بها على القوم، ومؤتمرات لا تصنع القرار إنها العزة التي جعلت عمر بن الخطاب يقول لأبي عبيدة بن الجراح حين طلب منه أن يغير ثيابه المرقعة لتسلم بيت المقدس ومقابلة عظماء النصارى: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله
فمسألة ضياع الهوية الإسلامية، وانسلاخ المسلمين عنها؛ صوَّرها لنا حديث النبي ﷺ القائل فيه: «عنِ ابنِ عبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” [لتركبُنَّ] سَنَنَ مَنْ كانَ قبلَكم شِبرًا بشبرٍ، وذِرَاعًا بذِرَاعٍ، وباعًا بباعٍ، حتَّى لو أَنَّ أحدَهم دخَلَ حُجْرَ ضبٍّ لدخَلْتُم، وحتَّى لو أن أحدَهُم جَامَعَ أُمَّهُ لفعلتُم”» (أخرجه الحاكم في المستدرك: وفي رواية: قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: «فمن إلا اليهود والنصارى؟!» (أخرجه الطبراني في الكبير
هذا الحديث أيها المؤمنون ينبئنا عن فقد هذه الفئة لهويتها الإسلامية. ولقد حدث كما نرى جميعاً ما أخبر به المصطفى وظهر واضحاً جلياً وجود أمتين في أمة، ومجتمعين مختلفين في مجتمع واحد، أحدهما متمسك بشريعة الله وسنة المصطفى، والآخر تخلى عن هويته وبحث عن غيرها.
اما التاريخ فحدث ولا حرج فنحن امة لها تاريخ ناصع البياض حق لنا ان نفتخر به، ان أمة بلا تاريخ هي أمة بلا مستقبل، وبالتالي فهي أمة بلا هوية، وحقيقة الأمر أنه لا وجود لأي أمة بلا تاريخ، فلكل أمة تاريخ على مستوى الفرد والجماعة، لكن المشكلة ليست في التاريخ إنما فيمن يحفظ هذا التاريخ، ويسجل إضاءاته وانطفاءاته، ويستفيد من مواقفه وعبره ودروسه، كذلك فهناك من الأمم من لا تملك تاريخاً مشرفاً، فهي تسعى من حين لآخر في ترقيع تاريخها، وتأليف أمجاد لها، بل وتسعى في أحيان أخرى إلى سرقة التاريخ من غيرها.
ان التأريخ قابل أن يعيدَ نفسه متى ما عادت الأمة إلى هويتها وانكفأت على عقيدتها وشربت كأس العز من ينبوع الكرامة. بيد أنها يوم ألقت ظهرها لعقيدتها ومبادئها وهويتها، بل وحاربها أبناؤها وتنكروا لها إلا من رحم ربك، واتهم كل من تمسك بعقيدته ودينه.
ثالثا : تحديات العصر والمحافظة علي الهوية
ان القرآن الكريم أمر بالاستمرار بالفعل الإيجابي حتى النهاية: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) والمحافظة علي هويتنا
كذا حديث حذيفة رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري و مسلم عن النبي ﷺ فيوضح ضرورة التمسك بالحق مهما كانت الظروف ؛ إذ كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير و كان حذيفة يسأله عن الشر مخافة أن يدركه فقال: “يا رسول الله إنَّا كنَّا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر؟ ؛ قال: نعم ، فقلت: هل بعد ذلك الشرِّ من خير ، قال: نعم و فيه دَخَنٌ ، قلت: وما دَخَنُهُ ، قال: قومٌ يستنون بغير سنتي و يهتدون بغير هديى تعرف منهم و تُنكر ، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر ؛ فقال: نعم ، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، فقلت: يا رسول الله صفهم لنا ، قال: نعم ، هم قوم من جلدتنا و يتكلمون بألسنتنا ، قلت: يا رسول الله ما ترى إن أدركني ذلك ، قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، فقلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ، قال: تعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تَعَضَّ على أصل شجرة حتى يدركَكَ الموت وأنت على ذلك”
ان الهوية الإسلامية مستهدفة من يومها الأول، فمنذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ومشركو قريش والمنافقون في توافق تام لوأد هذه الدعوة، وإيقاف مدَّها، وبتعاقب السنوات، وتبدل الدول؛ ازدادت الهجمة شراسة وقوة، وبلغت هذه الهجمة ذروتها في العصر الحديث، فلم يدخر أعدائنا جهداً في تفريغ هذا الدين عن محتواه لطمس الهوية الإسلامية والعربية، وقد سار هذا الأمر وفق منهج مرتب ومنظم نوجزه في النقاط الآتية: 1- إضعاف العقيدة، وزعزعة الإيمان. 2- التآمر على اللغة العربية. 3- تقسيم الدين إلى قشر ولُب. 4- استلاب الهوية الإسلامية وتشتيتها. 5- استقطاب المرأة المسلمة، والتغرير بها. 6- إشغال المسلمين بالترفيه والشهوات. 7- السيطرة العلمانية، والترويج لدعوى “العولمة” والتغريب. 8- الاهتمام المبالغ فيه بإحياء الأساطير الوثنية والخرافات الشركية. 9- طمس المعالم التاريخية، والحفريات التي تصحح تاريخ العقيدة.
فليتنا نقتبس من الغرب علومهم وصناعتهم المدنية والحربيه وتقدمهم في كافة المستويات العلمية وليس بتقليد لغتهم وميوعتهم وملابسهم الخادشه للحياء وثقافتهم العفنه المعادية لككل مظاهر الدين الطاهرة
فبدلا من تقليدهم في المثلية والفن الهابط تقليدهم في التقدم والهندسه والكيمياء والطب
وبدلا من لغتهم وثقافتهم نعرب العلوم ونفرض عليهم ثقافتنا ولغتنا
لقد ضاعت الهوية بالتقليد الاعمي في سفاسف الأمور
فترى يمشي الرجل في ثياب جميلة والله جميل يحب الجمال وتراه مرجلا شعره ، بموضة تخالف الدين وتراه مختالا في مشيته غير عالم أن إعجابه هذا بنفسه من علامات التكبر عن أبي هريرة قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَيْنِ وَقَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ خُسِفَ بِهِ الْأَرْضُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»)). ويتجلجل: يغوص وينزل فما بالكم ان كان يلبس ثيابا لا تستر عورته اصلا ومعجب بها
ومن العجيب أن ترى المسلم، فلا تميز بينه وبين عدو الله، لا تجد عليه سمات النور ولا سمات اتباع السنة، ولا هوية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] اين نحن ممن تربوا عليرالقيم واحترام الوطن ولغته ودينه وتاريخه
ويحدثنا الإمام الغزالي عن قصة لطيفة جرت لسهل بن عبد الله مع خاله محمد بن سوار وكيف بنى الانسجام الداخلي فيه إذ يقول: “أنه كان ابن ثلاثِ سنين و هو ينظر إلى خاله يصلي في الليل فقال له خاله يوماً : ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فسأله: كيف أذكره؟ فطلب منه أن يقول بقلبه عدة مرات: الله معي ؛ الله ناظر إليَّ ؛ الله شاهدي ؛ فقال ذلك عدة ليالٍ ثم أعلمه ، فزاد له العدد. قال سهل: ففعلت ذلك فوقع في قلبي حلاوته فلما كان بعد سنة قال لي خالي: احفظ ما علمتك ودُم عليه إلى أن تدخل قبرك ؛ فلم أزل على ذلك سنين فوجدت له حلاوة في سري ؛ ثم قال لي خالي: يا سهل من كان الله معه ، وهو ناظر إليه وشاهد عليه ، هل يعصيه؟ إياك و المعصية. وكبر سهل وحفظ القرآن وهو ابن ست أو سبع سنين ثم صار من الصائمين الزاهدين و ربما قام الليل كله” ، ودخل أبواب تاريخ هذه الأمة.
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما أنه سأل ابن عباس: (أأنت على ملة علي أو على ملة عثمان؟ فقال: لست على ملة علي ولا على ملة عثمان، بل أنا على ملة رسول الله ﷺ).
وهذا الإمام مالك كان يحدث أصحابه يوماً فقص عليهم قصة رجل كان يحتضر فقال له بعض الحاضرين: أنت تموت على ملة من؟ فقال: أموت على ملة فلان! شيخ له أو زعيم، فعلق الإمام مالك بعد ما روى القصة وقال: يدع المشئوم ملة محمد صلى الله عليه وسلم ويقول: أموت على ملة فلان! فالمسلم لا يمكن أبداً أن ينتسب إلى غير محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
كلما توافقت هوية الفرد مع هوية المجتمع كلما تعمق إحساسه بالانتماء لهذا المجتمع واعتزازه به، أما إذا تصادمتا فهناك تكون أزمة الهوية وأزمة الاغتراب، وإلى معناها أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء) وفي بعض الروايات (قيل: من الغرباء؟ فقال: أناس قليل في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم) فان العربي معروف بسمته معروف بهمته ورجوليته لا كما نرى شبابنا اليوم يقلد الغرب تقليدا اعمي
لكن للأسف الان ترى العربي في ملابس غربية وبيوت غربية وطريقة أكل غربية إلا من رحم الله. بل وبلغ الحد ببعض شبابنا ورجالنا أن قلدوهم في قصات شعورهم ومشيتهم وجلستهم. حتى ظهر عندنا شباب أطالوا شعورهم وربطوها كما تفعل النساء، يفعلها بعض الشباب تقليداً لكافر رآه. ورأينا رجلاً قد ابيض بعض شعر رأسه يمشي بسروال قصير قد كشف عن بعض فخذيه، يفعل ذلك هو الآخر تقليداً لكافر رآه.
وأعجب من ذلك أن ظهرت في الآونة الأخيرة محلات لقص الشعر وصبغه وعمل ما يسمى بالاستشوار. تظنون ذلك لمن؟ للنساء … كلا إنها للرجال، ويالها من مصيبة أن يفعل ذلك شباب أمة يفترض فيها أن تقود العالم إلى الله بدعوتها وجهادها.
إنه عباد الله فقد الهوية وضياع الهوية حتى أصبح المسلم يبحث عن هوية بدلاً عن تلك التي أضاعها وأضاع معها تميزه الذي حباه الله إياه. وهكذا تفقد الهوية شكلاً ومضموناً.
جمع وترتيب \ ثروت سويف \ امام وخطيب