خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ ) للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 7 جمادي الأولى 1446هـ الموافق 8 نوفمبر 2024م. تحت عنوان ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ ) ( نعمة الماء) للشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذه الخطبة
أولا : حديث القرآن الكريم عن الماء ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ )
ثانياً: الماء في السنة النبوية الشريفة
ثالثاً : ضرورة المحافظة على الماء
رابعاً : الحلول القرآنية لعلاج مشكلة ندرة الماء وقلته.
الخطبة الأولي …
الْحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمين، أنزلَ منَ السماءِ ماءً بقَدَرٍ، نَقِيًّا مِنَ الشَّوائبِ والكَدَر، فَعمَّ بهِ البواديَ والحَضَر وأنبت به النخل والشجر فأحيا به الطير والحيوان والبشر
سُبْحانَهُ جَعلَ اللَّيلَ لِباسًا، والنَّومَ سُباتًا، وجَعلَ النَّهارَ نُشُورًا، وأنزلَ لَنا بقُدْرتِه منَ السَّماءِ ماءً طَهورًا القائل في كتابه الكريم : (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا [الفرقان:48- 49]
وَاشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أعز مطلوب، وأشرف مرغوب، وأرجى مرهوب، ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا لوصله قاطع
ذو العزِّ الذي لا يُرام، والملك الذي لا يضام، والعين التي لا تنام فالق الحب والنَّوى، وعالم السر والنجوى، وفالق الإصباح، وباعث الأرواح، ومدبر الأمور، وشارح الصدور، وباعث الخلق حين النشور
وَاشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، النبي المختار الرسول المبعوث بالتبشير والإنذار
اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ عليهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين الطيبين الأطهار تتجدد بركاتها بالعشي والأبكار.
أما بعد
فإن الماء هو مادة الحياة، وسيد الشراب، والماء بارد رطب، يقمع الحرارة، ويحفظ على الأبدان رطوباتها وهومخلوق رباني، وهو نعمة من النعم الكبرى، ومنة عظمى أنعم الله بها على بني البشر، قال تعالى:”أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ(68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ” (الواقعة: 68، 69).
وقال تعالى: “وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ” (النور: 45)
أولا : حديث القرآن الكريم عن الماء
عباد الله ان الماء هو أصل الحياة وطعمه طعم الحياة ، جعله الله سبحانه نعمة تهب الحياة وتديمها وتطهر البشر والأرض ، قال الله تعالى:
“وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ” (الأنبياء: 30)
وقد أورد الله ذكر الماء في القرآن الكريم وشرف هذا المخلوق العظيم فقال تعالى ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ ۖ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27) السجدة
فالماء المنزل من السماء الي الأرض نعمة مخزنة فيها يقول – جل وعلا – وقد بين كيفية إنزاله الماء من السماء في قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) النور
وقوله تعالى : ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ٢٢﴾ [الحجر:22]
ولأهميَّةِ المياهِ وعظيمِ قَدْرِها وجليلِ أمرِها حفلَ القرآنُ الكريمُ بذكرِها والتنويهِ بشأنِها في مَعرِضِ الحديثِ عَنْ نِعَمِ اللهِ -تبارك وتعالى- على الإنسان، وتحدَّثَ عنها نازلةً منَ السماء، أو خارجةً مِنَ الأرضِ أو مُختَزنةً فيها لِوَقْتِ الحاجةِ، يقولُ اللهُ -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ) [الزُّمَرِ: 21] والينابيع هى الماء الكثير
قال تعالى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 18]. (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ) أي بحكمة وتدبير ؛ لا أكثر فيغرق ويفسد، ولا أقل فيكون الجدب والمحل، ولا في غير أوانه فيذهب بددا بلا فائدة
(فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) وما أشبهه، وهو مستكن في الأرض بماء بماء النطفة، وهو مستقر في الرحم
كما جعل الله الماء احد نعيم الجنة حيث قال في سورة محمد ( فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ ) ايه 15سورة محمد
فماء الجنة غير متغير.
بل تغفر بسقيا الماء الذنوب والمعاصي لما روى في
قصة ام سعد
روي أبو داوود أن سعدا أتى النبي (ص) فقال، أي الصدقة أعجب إليك؟ قال: الماء، وفي رواية، فحفر بئرا فقال: هذه لأم سعد، وعن أنس قال: قال سعد يا رسول الله: إن أم سعد كانت تحب الصدقة، أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: نعم وعليك بالماء.
وفي رواية أن النبي (ص) أمر سعد بن عبادة أن يسقى عنها الماء، فدل على أن سقى الماء من أعظم القربات عند الله تعالى
وقال بعض التابعين: «من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء، وقد غفر الله ذنوب الذي سقى الكلب، فكيف بمن سقى رجلا مومنا موحدا وأحياه؟».
وقصة سقيا الكلب التي رواها البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه هي أن النبي (ص) قال: «بيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي بطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عليه العَطَشُ، فَوَجَدَ بئْرًا فَنَزَلَ فيها، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فإذا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فقالَ الرَّجُلُ: لقَدْ بَلَغَ هذا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الذي كانَ بَلَغَ بي، فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أمْسَكَهُ بفِيهِ، فَسَقَى الكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ له فَغَفَرَ له قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وإنَّ لنا في البَهائِمِ أجْرًا؟ فقالَ: نَعَمْ، في كُلِّ ذاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ.»هـ.
ومعنى «فشكر الله له» أي أثابه على طاعته، فتقبل منه العمل القليل، وأعطاه عليه الثواب الجزيل.
وقطرة مياه تساوي الحياة
يقول الشاعر
مرآة الحياة ماؤها وسرها الميسورا
قطرات ماء تسقنا تنزع الخوف من الصدورا
ومما يؤكد أنه أغلى من الملك
هذه القصة الرائعة:”
ملك لا يساوي شربة ماء “
جاء في ” شذرات الذهب في أخبار من ذهب ” لابن العماد الحنبلي (1/336) في ترجمة الخليفة هارون الرشيد رحمه الله تعالى ( دخل ابن السماك على الرشيد يوماً فبينما هو عنده إذ استسقى ماء، فأتى بقلة من ماء- وفي الإحياء: فقال لابن السماك عظني- فلما أهوى بالماء إلى فيه ليشربه قال له ابن السماك: على رسلك يا أمير المؤمنين أسألك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو منعت هذه الشربة فبكم كنت تشتريها؟ قال: بنصف ملكي، قال: اشرب، هنأك الله، فلما شربها، قال له: أسالك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو منعت خروجها من بدنك فبماذا كنت تشتريها، قال: بجميع ملكي، قال ابن السماك: إن ملكاً قيمته شربة ماء وبولة لجدير ألا ينافس فيه! فبكى هارون.
وقصة من سافر وفقد الماء
إن رجلا خرج مسافراً في الصحراء وفقد الماء فحفر في الأرض عله يجده قطرة من ماء فوجد كنزا فلما رآه بكى طويلا فكنوز الدنيا لا تساوي قطرة ماء ان منعت وانشد قول المتنبي
ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدْرِكُهُ
تَجرِي الرّياحُ بِما لا تَشْتَهِي السُّـفُنُ
وهذا إسناد ضعيف جدا ، جابر الجعفي متروك.
فالماء أجلّ نعمة أنعم الله بها على رسوله الكريم سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم في الدّار الآخرة، حيث قال سبحانه وتعالى: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» والكوثر نهر في الجنّة ماؤه أشدّ بياضا من اللّبن وأحلى من العسل.
إنَّ الماءَ في مَكَانِ الصَّدَارةِ مِنَ النِّعَمِ التي يُسألُ عنها العبدُ يومَ القيامةِ، وهوَ مِنَ النَّعِيمِ المَقْصُودِ في قولِ اللهِ -تعالى-: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التَّكَاثُرِ: 8].
وقد جاء في الأَثَر الذي رواه الترمذي أن رسول قال ( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي الْعَبْدَ مِنْ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ : أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ وَنُرْوِيَكَ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ )
كما جعله الله عذابا لاهل جهنم وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) محمد
قال ابن كيسان : مثل هذه الجنة التي فيها الثمار والأنهار كمثل النار التي فيها الحميم والزقوم . ومثل أهل الجنة في النعيم المقيم كمثل أهل النار في العذاب المقيم .
وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم أي حارا شديد الغليان ، إذا أدني منهم شوى وجوههم ، ووقعت فروة رءوسهم ، فإذا شربوه قطع أمعاءهم وأخرجها من دبورهم . والأمعاء : جمع معى ، والتثنية معيان ، وهو جميع ما في البطن من الحوايا .
عباد الله: الماء جند من جنود الله عذب به اقواما جعله الله هلاكا
في قصة قوم نوح وسبأ
وكذلك نجي موسي بحمل التابوت علي الماء وشفي ايوب بمغتسل به ماء والآيات في محكم التنزيل شاهدة على ذلك
وزيادة في إبراز أهمية الماء في الإسلام نبه الحق الي ما يصيب الإنسان والحياة من الهلاك إذا هو لم ينزله أو جعله اجاجا غير صالح للاستعمال
روى ابن أبي حاتم عن جابر عن جعفر كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَرِبَ الْمَاءَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَقَانَا عَذْبًا فُرَاتًا بِرَحْمَتِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِلْحًا أُجَاجًا بِذُنُوبِنَا ..
لِنَتصوَّرِ الماءَ مِلحًا أُجاجًا؛ حينَها نَعلمُ أنَّ عُذُوبةَ الماءِ نِعْمَةٌ إِلَهيَّةٌ، ومِنْحَةٌ ربَّانِيَّةٌ، تَستَوجِبُ حَمْدَ اللهِ وشُكْرَه، وتَسبِيحَهُ وذِكْرَهُ، يقولُ اللهُ -تعالى-: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الْوَاقِعَةِ: 68-70]
عبادَ الله: إنَّ مِنَ الناسِ مَنْ تَعوَّدُوا وُجُودَ النِّعْمَةِ وأَلِفُوها ؛ فَهُمْ تَحْتَ تأثيرِ هذا الإِلْفِ وهذهِ العادةِ قَدْ يَنْسَونَ قَدْرَ هذهِ النِّعْمَةِ عليهم ؛ لأَنَّها دائمًا حاضرةٌ بينَ أَيدِيهِم، ومِنْ هذهِ النِعَمِ التي قَدْ يَنْسى البعضُ أهمِّيَّتَها نِعْمَةُ الماء؛ فلْيتَخَيَّلْ أحدُكُم فَقْدَهُ لِهذهِ النِّعمةِ ولو لِزَمَنٍ يَسيرٍ، حينَها يعلمُ أنَّ فضلَ اللهِ عليهِ بها عظيم، وأنَّ فَقْدَها خَطَرٌ جسيمٌ، يقولُ اللهُ -تعالى-: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) [الْمُلْكِ: 30]
وقد ذكر النسفي في تفسير هذه الآية الكريمة فكر المعني غائرا؛ ذاهبا في الأرض؛ لا تناله الدلاء
فمن يأتيكم بماء معين ؛ جار؛ يصل إليه من أراده
وتليت عند ملحد ؛ فقال: يأتي بالمعول والمعين؛ فذهب ماء عينه في تلك الليلة؛ وعمي؛ وقيل: إنه محمد بن زكريا المتطبب؛ زادنا الله بصيرة ( تفسير النسفي )
وجاء في تفسير القرطبي ج 7 ص: 215 عند تفسير قوله تعالى في سورة «الأعراف»:
{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ..}(50) الأعراف
«في هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال، وقد سئل ابن عباس: أي الصدقة أفضل؟ قال: الماء، ألم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة قالوا: (أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله).
ثانياً : الماء في السنة النبوية المطهرة
وعنيت السنة النبوية بالماء علي هدي القرآن الكريم بأن جعل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الماء هو الطهور والاداة الرئيسيه للطهار روي الإمام مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الطُّهورُ شطْرُ الإيمانِ ، والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ ، وسُبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ تَملآنِ ما بين السماءِ والأرضِ ، والصلاةُ نورٌ ، والصدَقةُ بُرهانٌ ، والصبْرٌ ضِياءٌ ، والقُرآنُ حُجَّةٌ لكَ أوْ عليكَ ، كلُّ الناسِ يَغدُو ، فبائِعٌ نفسَهُ ، فمُعتِقُها أوْ مُوبِقُها ) مسلم
ولقد ذكر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الله خلق الخلق وعرشه علي الماء في الحديث الذي أخرجه مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: “كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ” مسلم
ويؤيد ذلك الحديث رواه الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه، قال النبي ﷺ: كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض [ رواه البخاري ].
فمقصد حفظ الماء جاء في السنة ما يشير إليه من جانب الوجود، بالحث على إيجاد مصادره، والحفاظ عليها ففي مسند البزار عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبع يجري للعبد أجرهن من بعد موته، وهو في قبره: من علم علما، أو كرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته».
وعن أبي نعامة: أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: ” اللهمّ إني اً سْألُك القصْر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتُها. قال: يا بُنيّ سل الله – عزّ وجلّ- الجنة، وتعوذ به من النّار، فإنّي سمعتُ رسول الله يقول: « إنه سيكونُ في هذه الأمّة قوم يعْتدُون في الطُّهُور والدُعاء ». رواه ابن ماجة.
بل لقد عد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الماء من الدواء فأرشد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- المُصاب بالحُمّى أن يبرّد نفسه بالماء، وممّا يدل على ذلك:
قال النبي صلى الله عليه وسلم-: (الحُمَّى مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ، فأبْرُدُوها بالماءِ).[البخاري]
وجاء في الحديث ( أنَّ أسْمَاءَ بنْتَ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا كَانَتْ إذَا أُتِيَتْ بالمَرْأَةِ قدْ حُمَّتْ تَدْعُو لَهَا، أخَذَتِ المَاءَ، فَصَبَّتْهُ بيْنَهَا وبيْنَ جَيْبِهَا، قَالَتْ: وكانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَأْمُرُنَا أنْ نَبْرُدَهَا بالمَاءِ ).( مسلم )
ثالثاً : ضرورة المحافظة على الماء
لقد قرر الاسلام مجموعة من القيم للمحافظة على الماء من هذه الزوايا زاوية الاستعمال وهى غالبا ما تتعامل هذه السنة النبوية الشريفة
أولا : الماء حقٌّ لكلِّ مسلم، جعلت الشريعة الماء من الأشياء المشتركة بين المسلمين، التي يحرم أن يتملَّكها أحدٌّ بما يُسبِّب ضررًا وحرمانًا لغيره من المحتاجين، عن رجل من الصحابة رضي الله عنه قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: ((الناس شركاء في ثلاثة: في الكَلَإِ ، والماءِ ، والنَّارِ ))؛ رواه أحمد وأبو داود، ورجاله ثقات.
فالمنهي عنه -كما هو الراجح من أقوال الفقهاء – هو محاولة الاستحواذ على ماء عامٍّ، أو على بئرٍ ثم مَنْع الناس من الانتفاع بها، أمَّا البئر المملوكة في الأرض المملوكة فلا شيء فيه، وكذلك الكلأ وهو العُشب الذي تأكل منه الأنعام والماشية، وكذلك النار أو الحطب، ولأهمية هذا العنصر الحيوي جاء في حرمان الناس منه وعيد شديد -لا سيما في حال الحاجة- فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِطَرِيقٍ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً لاَ يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِلدُّنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ، وَإِلاَّ لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَحَلَفَ بِاللهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا كَذَا وَكَذَا فَأَخَذَهَا”.
وفي رواية مسلم ذكر من يمنع الماء في الفلاة؛ أي: في الصحراء، وفي رواية أخرى عند البخاري: “فَيَقُولُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي؛ كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ”.
2 _ عدم الاسراف في استعمال الماء ولو كنت علي نهر جار
عدم الاسراف في الغسل والوضوء وري الزرع أو رش الماء في الشوارع والطرق أو اي طريقة كانت
عن عبد الله بن عمرو، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مرَّ بسَعدٍ وَهوَ يتوضَّأُ، فقالَ : ما هذا السَّرَفُ يا سَعدُ ؟ قالَ : أفي الوضوءِ سَرفٌ قالَ : نعَم، وإن كنتَ على نَهْرٍ جارٍ . رواه ابن ماجة في سننه.
فأَيُّ إِسْرافٍ في استِعْمَالِ الماءِ هوَ تصرُّفٌ سيّءٌ وسلوكٌ غيرُ حَميدٍ، جاءَ النهيُ عنهُ صَرِيحًا في القُرآنِ المجيدِ، يقولُ اللهُ -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الْأَعْرَافِ: 31]، وإذا كانَ الإسرافُ في استعمالِ الماءِ لِلشُّربِ مَنْهيًّا عنهُ وممنوعًا مِنْهُ فإِنَّ استعمالَه بإِسْرافٍ في مجالاتٍ أُخْرَى أَكْثَرُ مَنْعًا وأشدُّ خَطَرًا
3- الحفاظ على مصادر المياه نظيفة
عِبَادَ اللهِ: إنَّ مَصادِرَ المياهِ مِنْ أَنْهارٍ أَو بِحارٍ أَو آبارٍ أو أَفْلَاجٍ يَجِبُ أَنْ يَتعاونَ الجَمِيعُ في سبيلِ إِبقَائِها نظيفةً نَقِيَّةً، فَبِهذا يَسعَى الجميعُ نَحْوَ الكَمالِ ويُحقِّقُوا ما أرادَهُ الإسلامُ مِنْ نَظافةٍ وجَمالٍ، ومُحافظةٍ على صحَّةِ الإنسانِ وعافيتِه، وسلامةِ بيئتِه، فصِحَّةُ الجَسدِ وجمالُه ونَضرتُه ونَقاوةُ البيئةِ مِنْ كُلِّ ما يُعكِّرُ صفوَها منَ الأمورِ التي وَجَّهَ الإسلامُ إِلَيها فائقَ العِنَايةِ فلا تلقي مثلا في النيل أو غير القاذورات أو الصرف أو مخلفات المصانع
ويَجِبُ أنْ يعملَ الإنسانُ على إِبقاءِ الماءِ على الصورةِ التي صوَّرَها القرآنُ الكريمُ، والصفةِ الَّتي وَصَفَهُ بِها، فَقَدْ جاءَ وَصْفُ المَاءِ في القُرآنِ الكريمِ بِالبَركَةِ والطَّهُورِ والعذُوبَة، يقولُ اللهُ -تعالى-: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا) [ق: 9]، ويقولُ جلَّ شأنُه: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الْفُرْقَانِ: 48]، ويقولُ -سبحانه-: (وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) [الْمُرْسَلَاتِ: 27]، ولِكَي يَبقَى الماءُ علَى هذهِ الصُّورَةِ النَّضِّرَةِ الزَّاكِية، والصِّفَاتِ الجَميلةِ الرَّاقيةِ نَهَى الإسلامُ عَنْ كُلِّ تَصَرُّفٍ
يُؤَدِّي إلى خِلَافِ ذلك، فَعَنْ جابرٍ -رضيَ اللهُ عنه- عنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: “أنهُ نَهَى أنْ يُبالَ في الماءِ الرَّاكِد” وعنهُ أيضًا: “نَهَى أنْ يبالَ في الماءِ الجاري”، وشدّدَ الإسلامُ النَّكيرَ على كُلِّ مَنْ تَصرُّفَ تَصرُّفًا أو سلَكَ سُلُوكًا حَرَمَ بسببِهِ الماءَ مِنْ صفَائِه، وطهارتِهِ ونقائِهِ، فعَنْ معاذٍ -رضيَ اللهُ عنه- قال: قالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “اتقوا الملاعِنَ الثلاثَ: البُرازُ في المَواردِ وقارعةِ الطَّريقِ والظِلِّ”، والمرادُ بالمواردِ مواردُ المياه.
اقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم والتائب من الذنب كمن لا ذنب له فتوبوا الي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وسمع الله لمن دعا، وبعد، فلنتق الله – عباد الله – ولا ننسَ قدر هذه النعمة الجليلة؛ لأن دوام الحال من المحال ، فحافظوا على نعمة الماء، فإن فقدها إرهاق وعناء، وغورها إزهاق للحياة وشقاء، وأديموا الشكر على جميع النعم لرب الأرض والسماء.
رابعاً : الحلول القرآنية لعلاج مشكلة ندرة الماء وقلته.
إنّ من أبرز الحلول التي اقترحها القرآن الكريم لعلاج مشكلة ندرة الماء وقلّته التي أصبحت شبحا مهدّدا لحياة المجتمعات المعاصرة:
-أ- هجر الذّنوب والمعاصي، فالله سبحانه وتعالى له خزائن كلّ شيء ورحمته سبحانه وتعالى واسعة تسع كلّ شيء، غير أنّ أقداره عزّ وجل سبقت أنّ الخزائن تفتح والبركات تنزل بالتّوبة والتّقوى لا بفعل السّوء والفحشاء، قال تعالى في النعم والبركات عامة:{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }(الأعراف: 96)، وقال في الماء خاصة:{ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً}[الجـن:16].
ومن السنة ما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” قَالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ: لَوْ أَنَّ عِبَادِي أَطَاعُونِي لَأَسْقَيْتُهُمْ الْمَطَرَ بِاللَّيْلِ وَأَطْلَعْتُ عَلَيْهِمْ الشَّمْسَ بِالنَّهَارِ ؛ وَلَمَا أَسْمَعْتُهُمْ صَوْتَ الرَّعْدِ ” ( أحمد والحاكم وصححه ).
وعن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا مَعْشَرَ المهاجرينَ ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا ، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم ، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم” (ابن ماجة والبيهقي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي). وقال أيضا: «وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ»(14).الحجر
قال مجاهد: إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السَنَة – أي : القحط – وأمسك المطر , وتقول : هذا بشؤم معصية ابن آدم . وقال عكرمة : دواب الأرض وهوامها ، حتي الخنافس ، والعقارب يقولون : مُنعنا القطر بذنوب بني آدم .
-ب- الإقبال على الاستغفار، لأنّ الاستغفار دليل النّدم على الخطأ، وحجّة ظاهرة على توبة المذنب وإنابته إلى الله خالقه، ولذلك كان سببا في استحقاق رحمة الله بنزول الغيث ومطر الرّحمة. قال تعالى: «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا»(15).
وقال ابن صبيح : شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له : استغفر الله . وشكا آخر إليه الفقر فقال له : استغفر الله . وقال له آخر : ادع الله أن يرزقني ولدا ; فقال له : استغفر الله . وشكا إليه آخر جفاف بستانه ; فقال له : استغفر الله . فقلنا له في ذلك ؟ فقال : ما قلت من عندي شيئا ; إن الله تعالى يقول في سورة ” نوح ” : استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا وقد مضى في سورة ” آل عمران ” كيفية الاستغفار ، وإن ذلك يكون عن إخلاص وإقلاع من الذنوب . وهو الأصل في الإجابة . تفسير القرطبي
-ج- شكر نعمة الماء بالمحافظة عليه وعدم الإسراف فيه، فلقد كانت المدينة المنوّرة زمن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم والوحي ينزل عليه، ذات مياه وزروع وحدائق، إنَّ شُكْرَ اللهِ -تباركَ وتعالَى- على نِعْمَةِ الماءِ لا يقتصرُ على الشُّكْرِ باللسانِ، بلْ يَتعدَّاهُ إلى الشُّكْرِ بِحُسْنِ التَّصرُّفِ فيهِ وحُسْنِ استِغْلَالِه، والاقتصادِ والتَّرشِيدِ في استِعمالِه وقد وردَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أنهُ كانَ إذا اغتسلَ اغتسلَ بالقلِيلِ، وإذا تَوضَّأَ تَوضأ بالنَّزْرِ اليَسيرِ، فعَنْ أنسٍ -رضيَ اللهُ عنه- قالَ: “كانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يغتسلُ بالصَّاعِ إلى خمسةِ أمدادٍ، ويتوضَّأُ بالمُدِّ”، والمُدُّ مِلءُ اليدَينِ المُتوسِّطَتَين، وإذا كانَ الاقتصادُ في استعمالِ الماءِ في العبادةِ مَطْلُوبًا وعَمَلًا مَرغُوبًا فَالاقتصادُ في غيرِ العبادةِ أَولَى وأَحرى، وإنْ كانَ الَّذي يُغرَفُ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ بَحْرًا.
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أنَّ رجلًا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : يا رسولَ اللهِ ، كيف الطهورُ ؟ ( فدعا بماءٍ في إناءٍ فغسل كفَّيه ثلاثًا ، ثم غسل وجهَه ثلاثًا ، ثم غسل ذراعَيه ثلاثًا ، ثم مسح برأسِه ، فأدخل إصبعَيه السبَّاحتَينِ في أُذُنَيه ومسح بإبهامَيه على ظاهرِ أُذُنَيهِ ، وبالسَّباحتَينِ باطنَ أُذُنضيه ، ثم غسل رجلَيه ثلاثًا ، ثلاثًا ثم قال : هكذا الوضوءُ ، فمن زاد على هذا أو نقصَ فقد أساءَ وظلَم ، أو ظلمَ وأساء )
وانطلاقا من هذه التّوجيهات القرآنيّة والنّبويّة يجب على المسلمين أن يبذلوا قصارى جهدهم في المحافظة على هذه الثّروة، بترشيد استهلاكها وحسن استغلالها، ويعلموا أنّ ذلك عبادة يتقرّب بها إلى واهب النّعم سبحانه وتعالى، وفي ذات الآن يلزمهم أن يراجعوا أنفسهم وأن يثوبوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى ربّهم، وأن يقلعوا عن المنكرات والمعاصي في الظّاهر والباطن، عسى الله أن يرحمهم ويفتح لهم من بركات السّماء، وينزل عليهم الغيث النّافع الذي به يحيي الله الأرض بعد موتها، وتطيب النّفوس ويكثر الخير. قال الله تعالى: «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ»(18).
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلًا عَلِيمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ: إن الله يأمر بثلاث وينهي عن ثلاث
( يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
واقم الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا
جمع وترتيب الشيخ ثروت سويف امام وخطيب ومدرس

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى