خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز pdf ومسموعة 18 أبريل 2025
إذا استنارَ العقلُ بالعلمِ أنارَ الدنيا

ألقي اليوم الدكتور محمد حرز خطبة الجمعة اليوم حول : إذا استنارَ العقلُ بالعلمِ أنارَ الدنيا ، وجاء في خطبته اليوم:
أيُّها السادةُ: بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ أنْ يكونَ حديثُنَا عن إذا استنارَ العقلُ بالعلمِ أنارَ الدنيا، وخاصةً بالعقلِ والعلمِ يتعرف ُ الإنسان ُ منّا على خالقِه ورازقِه ومدبرِ شؤونه كلِّها ، وخاصةً والعقلُ وحده لا يكفي لرفعةِ الإنسانِ منا والعلم وحده لا يكفي لرفعة الإنسانِ بل للابد من العقلِ والعلمِ معًا لينهض الانسانُ وخاصةً وأنّ المُؤمِنَ أَكمَلُ النَّاسِ عَقلًا، وَأَرقَاهُمْ تَفكِيرًا، لِأَنَّهُ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا؛ إِذْ كُلُّ مَا يَرَاهُ مِن حَولِهِ يَدُلُّهُ عَلَى رَبِّهِ، وَرَضِيَ بِالإِسلَامِ دِينًا؛ إِذْ رَأَى فِي تَشرِيعَاتِهِ التَّكَامُلَ وَالتَّوَازُنَ وَالعَدلَ الَّذِي تَستَقِيمُ بِهِ الحَيَاةُ، وَرَضِيَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا؛ إِذْ عَلِمَ مِن حَالِهِ صِدقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَزُهدَهُ وَسُمُوَّ أَخلَاقِهِ وَتَأيِيدَ اللَّهِ لَهُ. وخاصةً وأنَّ التفوقَ العلمِيَّ في مختلفِ المجالاتِ مطلبٌ شرعِيٌّ ووطنِيٌّ وإنسانِيٌّ، ولا مجالَ لبناءِ دولةٍ قويةٍ بغيرِ العلمِ والتفوقٍ. وخاصةً أنّنَا نرَى العالمَ اليومَ يتقدمُ بعلمائِهِ في جميعِ المجالاتِ المختلفةِ، وخاصةً وأنَّ العالمَ اليومَ وقفَ حائرًا أسيرًا بسببِ الأوبئةِ المنتشرةِ، وبيَّنَ ضعفَنَا وعجزَنَا خاصةً في مجالِ الطبِّ والعلاجِ والدواءِ ،وخاصةً واللهُ جلَّ وعلَا جعلَ العلمَ النافعَ طريقًا مُوصلًا لمرضاتِهِ، وسبيلًا يُوصلُ إلى كلِّ خيرٍ وبرٍّ وهدَى. لذَا كانَ مِن دعائِهِ ﷺ إذا أصبحَ قالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا( رواه ابن ماجه……. وللهِ درُّ القائلِ:
فَمَنْ لَمْ يَذُقْ مُرَّ التَّعَلُّمِ سَاعَةً ***تَجَرَّعَ ذُلَّ الجَهْلِ طُولَ حَيَاتِهِ
ومَنْ فاتَهُ التَّعْليمُ حالَ شَبابِهِ *** فَكَبِّرْ عليْهِ أرْبَعًا لوَفاتِهِ
خطبةُ الجمعة القادمة pdf : إذا استنارَ العقلُ بالعلمِ أنارَ الدنيا د. مُحمد حرز
وتابع /
العقلُ زينة ُ وكيف لا؟ والعقلُ من أجلِّ مواهِب الله لعبدِه، وكلما عظُم حظُّ العبد من العقل انتفعَ بمواعِظ القرآن وهدايةِ الوحي أيَّما انتِفاع، وأمسكَ بمفاتيح الحضارة والرُّقيِّ، وتسخير أسباب الأرض وخيراتها للعيش فيها عيشةً كريمةً هانِئة، قال جل وعلا ((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46]، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق: 37] يعني: عقل (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)) سُئِل ابن المُبارك – رحمه الله -: ما أفضلُ ما أُعطِيَ الرجل؟ فقال: “غريزةُ عقل”، قيل: فإن لم يكن؟ قال: “أدبٌ حسن”، قيل: فإن لم يكُن؟ قال: “أخٌ صالحٌ يستشيرُه”، قيل: فإن لم يكُن؟ قال: “صمتٌ طويلٌ”، قيل: فإن لم يكُن؟ قال: “فموتٌ عاجل”.
وقال لُقمانُ لابنِه وهو يعِظُه: “يا بُنيَّ! اعلَم أن غايةَ السُّؤدَد والشرف في الدنيا والآخرة حُسن العقل، وإن العبدَ إذا حسُن عقلُه غطَّى ذلك عيوبَه وأصلحَ مساوئَه”.وسُئِل قتادةُ – رحمه الله -: أيُّ الناس أغبَط؟ قال: “أعقلُهم”. وسُئِل: أيُّ الناس أعلَم؟ قال: “أعقلُهم”.ولذا قالوا: “عدوٌ عاقلٌ خيرٌ من صديقٍ جاهل”.
العقلُ زينة ُ وكيف لا؟ َإِنَّ مِن أَكبَرِ النِّعَمِ الَّتِي أَنعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى الإِنسَانِ نِعمَةَ العَقلِ، الَّتِي تَمَيّزَ بِهَا الإِنسَانُ عَن سَائِرِ الحَيَوَانَاتِ، وَلِأَجلِ هَذِهِ النِّعمَةِ الَّتِي تَمَيّزَ بِهَا الإِنسَانُ كَلّفَهُ اللَّهُ بِحَمْلِ الأَمَانَةِ، فَأَرسَلَ إِلَيهِ الرُّسُلَ، وَأَنزَلَ عَلَيهِ الكُتُبَ، وَأَظهَرَ لَهُ الآيَاتِ، وَشَرَعَ لَهُ الشَّرَائِعَ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالتَّفَكّرِ فِيمَا جَاءَهُ مِن رَبِّهِ، لِيَقُودَهُ عَقلُهُ إِلَى الإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَالتَّقوَى، قَالَ تَعَالَى(( إِنَّا أَنزَلنَاهُ قُرآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعقِلُونَ)) وَقَالَ تَعَالَى((كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ)) العقلُ زينة ُ وكيف لا؟ لَقَد جَاءَ الإِسلَامُ بِتَكرِيمِ العَقلِ وَالدَّعوَةِ إِلَى إِعمَالِهِ، لِيَكُونَ دَلِيلًا لِصَاحِبِهِ إِلَى الإِيمَانِ، وَقَائِدًا لَهُ إِلَى الطَّاعَةِ وَالبِرِّ وَالإِحسَانِ، فَكَمْ نَقرَأُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِن مِثلِ قَولِهِ تَعَالَى: أَفَلَا تَعقِلُونَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَومٍ يَعقِلُونَ، كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَعقِلُونَ، أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكرَى لِأُولِي الأَلبَابِ..
العقلُ زينةُ الإنسانِ به شرَّفه، وبسببِه كلَّفه، والسعيدُ من كان عقلُه وافرا، يعرف به ربه، ويثقِّف به نفسه، ويقوِّم به لسانَه، ويقوِّي به جَنانه، فهو ثابتٌ راسخٌ، لا يُعْييه رأي، ولا يستخفُّه مُشْكِل، ولذا حرص الإسلام على تربية العقل، بتغذيته وتوجيهه وصيانته. فالعاقل يميز بين الأفكار، ويتفحصها، ويعرف غثها من رديئها، وصالحها من طالحها، ثم هو يتخذ القرار الصائب بعيدا عن العاطفة أو التخريف، لذا فإن العقلَ السليمَ يهدي ولا يضلُ، ينفعُ ولا يضرُ، لذا قال اللهُ جل وعلا، عن الكافرين: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [البقرة : 171]. العقلُ زينة ُ وكيف لا؟ والعقلُ نعمةٌ عظيمةٌ ومنةٌ كبيرةٌ أنعمَ اللهُ بها علينا ومنَّ بها علينا ,وفضلَنَا وميزَنَا على سائرِ المخلوقاتِ بهذه النعمةِ العظيمةِ قال جلّ وعلا: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء: 70]. وَقَالَ تَعَالَى {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]. وجعلَهُ سيّدَاً في هذا الكونِ بعقلِه وفكرِه قال جلّ وعلا:(( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (الجاثية:13) , فإذا تمَّ العقلُ تمَّ معه كلُّ شيءٍ وإذا ذهبَ العقلُ ذهبَ معه كلُّ شيءٍ فهو عنوانُ الرشادِ وعمودُ السعادةِ قال بعضُ الحكماءِ: (خلقَ اللهُ الملائكةَ من عقلٍ بلا شهوةٍ وخلقَ البهائمَ من شهوةٍ بلا عقلٍ وخلقَ ابنَ آدمَ من كليهمَا فمَن غلبَ عقلُه على شهوتِه فهو خيرٌ من الملائكةِ ومن غلبتْ شهوتُه على عقلِه فهو شرٌ من البهائمِ). قال ربنا: ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) (سورة الأعراف : 179) هؤلاء كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ؟ لماذا أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لماذا ؟ لأن لهم أعينٌ لكنهم لا ينظرون بها إِلا إلى الحرامِ، لهم أذنٌ لكنهم لا يسمعون بها إلا الحرامَ ،لهم قلوبٌ لكنها امتلأتْ بالحقدِ والبغضاءِ والحسدِ والكراهيةِ, لهم عقولٌ لكنها لا تفقُه شيئًا ولا تعرفُ شيئًا ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ.
وقال: في خطبة الجمعة اليوم المسموعة:
أيُّها السادةُ: العلمُ ينيرُ العقلَ، ويهدي إلى الحقِّ والصوابِ إذا استخدم في الخيرِ وقُصِد به النفع للنفس وللناس، والعلمُ سببٌ لتقدمِ الأممِ والشعوبِ، فلا سعادةَ ولا فلاحَ ولا تقدّمَ ولا رقيَّ إلَّا بالعلمِ، فبالعلمِ تُبنَى الأمجادُ، وتُشَيَّدُ الحضاراتُ، وتَسُودُ الشعوبُ، وتقلُّ الأمراضُ والأوبئةُ، فالعلمُ هوَ الركيزةُ العظمَى لأيِّ نهضةٍ في قديمِ التاريخِ وحاضرِه، وحيثُ كانت النهضةُ كانَ التعليمُ، وحيثُ كانَ التعليمُ كانتْ النهضةُ، فكم مِن أممٍ نهضتْ بسببِ تعليمِهَا، وكم مِن أممٍ تقدمتْ بسببِ تعليمِهَا، وكم مِن أممٍ تفوقتْ بسببِ تعليمِهَا، وكم مِن أممٍ تأخرتْ بسببِ جهلِهَا، وكم مِن أممٍ سادَ فيهَا الظلامُ وحلّتْ بهَا الأمراضُ والأوبئةُ بسببِ جهلِهَا، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.
ومنزلةُ العلمِ رفيعةٌ عاليةٌ، لا تُساويهَا منزلةٌ مِن المنازلِ، ولا تُقاربُهَا مكانةٌ مِن المقاماتِ، وما مِن إنسانٍ إلّا وهو محتاجٌ إلى العلمِ، وكيفَ لا؟ واللهُ تعالى أخرجَنَا مِن بطونِ أمهاتِنَا لا نعلمُ شيئًا، ولا نعرفُ شيئًا، قالَ ربُّنَا: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (النحل: 78)، ومَن توهَّمَ أنّهُ بلغَ الغايةَ في المعارفِ والعلومِ، ووصلَ إلى النهايةِ فقد أخطأَ وضلَّ ضلالًا مبينًا، فكلُّ ما عندَ الناسِ مِن العلومِ والمعارفِ قليلٌ على كثرتِهِ وتنوعِهِ، كمَا قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ الإسراء: 85.
لذا حثّنَا اللهُ جلَّ وعلَا على العلمِ، وبيَّنَ منزلةَ العلمِ والعلماءِ، والثوابَ العظيم َعندَ اللهِ تعالى لأهلِ العلمِ، فقالَ سبحانَهُ: ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) المجادلة: 11. ولم يأمرْ اللهُ -تعالى- نبيَّهُ ﷺ بالاستزادَةِ مِن شيءٍ إلَّا مِن العلمِ، فقالَ لهُ سبحانَهُ وتعالَى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا } (طه:114). وما ذاكَ إلَّا لِمَا للعلمِ مِن أثرٍ في حياةِ البشرِ، فأهلُ العلمِ هُم الأحياءُ، وسائرُ الناسِ أمواتٌ.
والعلمُ ميراثُ الأنبياءِ والرسلِ، ففِي صحيحِ البخارِي تعليقًا والسننِ الأربعةِ قالَ النبيُّ ﷺ: (إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظَ وَافِرٍ)، والعلمُ طريقٌ إلى الجنةِ يا سادة، كما صحَّ في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ أبِي الدرداء -رضي اللهُ عنه- قال: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ:” مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ” وفي روايةِ أبي داود: ( وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ )، وفي حديثِ أبِي أمامةَ رضى اللهُ عنهُ قال: ذُكِرَ لرَسولِ اللهِ ﷺ رجُلانِ، أحدُهُمَا عابدٌ، والآخَرُ عالِمٌ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: “فضلُ العالمِ على العابدِ كفضلِي على أدنَاكُم“ ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: “إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةَ في جُحرِها وحتَّى الحوتَ ليصلُّونَ على معلِّمِ النَّاسِ الخيرَ)) رواه الترمذي. وقال معاذُ بنُ جبلٍ – رضي اللهُ عنهُ – : وهو أعلمُ الأمةِ بالحلالِ والحرامِ بعدَ رسولِ اللهِ ﷺ: (تعلمُوا العلمَ فإنَّ تعلمَهُ حسنةٌ، وطلبَهُ عبادةٌ، ومذاكرتَهُ تسبيحٌ والبحثَ عنهُ جهادٌ وبذلَهُ قربةٌ وتعليمَهُ من لا يعلمُهُ صدقةٌ)، وقال أبو مسلمٍ الْخَوْلاَنِىِّ – رحمَهُ اللهُ –: ( العلماءُ في الأرضِ مثلُ النجومِ في السماءِ إذا بدتْ للناسِ اهتدُوا بهَا، وإذا خفيتْ عليهِم تحيرُوا)، بل العلمُ يبقَى، والمالُ يفنَى، كما في صحيحِ مسلمٍ ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )، وسُئِلَ أحدُ السلفِ: أجمعُ المالِ أفضلُ أم جمعُ العلمِ؟ فقال: بل جمعُ العلمِ؛ لأنَّ المالَ ينقصُ بالإنفاقِ والعلمُ يزدادُ، ولأنَّ مَن جمعَ العلمَ يزدادُ أحباؤهُ، ومَن جمعَ المالَ يزدادُ أعداؤهُ)، العلمُ خيرٌ مِن المالِ، فالعلمُ يحرسُكَ وأنتَ تحرسُ المالَ.
بل استشهدَ اللهُ بالعلماءِ دونَ غيرِهِم على أجلِّ مشهودٍ وهو توحيدُهُ، وقرنَ شهادتَهُم بشهادةِ الملائكةِ الأبرارِ، فقالَ تعالى:{ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران:18)، فانظرْ كيفَ بدأَ سبحانَهُ بنفسِهِ، وثنَّى بالملائكةِ، وثلَّثَ بأهلِ العلمِ، وناهيكَ بهذَا شرفًا وفضلًا وجلاًء ونبلًا، وقالَ عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ الزمر: 9.
علمُ العليمِ وعقلُ العاقلِ اختلفَـا *** مَن ذا الذي منهمَا قد أحرزَ الشرفَا
فالعلمُ قالَ أنَا أحرزتُ غايتَـُه *** والعقلُ قالَ أنا الرحمنُ بِي عُرفَا
فأفصحَ العلمُ إفصاحًا وقال له *** بأيّنَا الرحمنُ في قرآنِهِ اتصفَـا
فبانَ للعقلِ أنّ العلـمَ سيدُهُ *** وقبّلَ العقلُ رأسَ العلمِ و انصرفَا
لذا استعاذَ رسولُ اللهِ ﷺ مِن الجهلِ، كما في مسندِ أحمدَ وغيرِهِ: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ـ رضي الله عنها ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ « بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّى إِنِّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَزِلَّ أَوْ أَضِلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَىَّ )، ولَقد وردتْ فِي القرآنِ الكريمِ آياتٌ عديدةٌ للتحذيرِ مِن مَخاطِرِ الجَهلِ، فقالَ تعالَى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} ( الفرقان:63 )، بل خاطبَ اللهُ نبيَّهُ ﷺ بقولِهِ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }( الأعراف :199)، بل الجهلُ مِن علاماتِ الساعةِ ففي الصحيحينِ عن أَبي مُوسَى رضي اللهُ عنه قَالَ: قال النَّبِيُّ ﷺ « إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ أَيَّامًا يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ ، وَالْهَرْجُ: الْقَتْلُ)، والجهلُ مِن أخطرِ أسبابِ الضلالِ والانحرافِ عن الحقِّ والهدى والصوابِ، ففي الصحيحينِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـ رضي اللهُ عنهماـ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ” إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا ، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا )). أهلُ العلمِ أحياءٌ، وأهلُ الجهلِ أمواتٌ ..وللهِ درُّ عليٍّ بنِ أبِي طالبٍ رضى اللهُ عنهُ وأرضاهُ
مَا الفَخْرُ إلا لأَهلِ العِلمِ إنَّهُمُ ***على الهُدَى لِمَن اسْتَهْدَى أَدِلاَّءُ
وقَدْرُ كُلِّ امرِئٍ مَا كان يُحْسِنُهُ****والجَاهِلُون لأَهلِ العِلمِ أَعدَاءُ
فَفُزْ بِعِلْمٍ تِعِش حَيًّا بِه أَبَدا***النَّاسُ مَوتى وأَهلُ العِلمِ أَحْيَاءُ
واختتم الخطبة علّمُوا أولادَكُم فهُم أمانةٌ في أعناقِكُم .
أيُّها السادةُ: التعليمُ في هذا الزمانِ أصبحَ مِن ضرورياتِ الحياةِ، والتقدمُ العلمِيُّ أصبحَ لزامًا على كلِّ مُسلمٍ لينهضَ بدينِهِ ووطنِهِ وأمتِهِ، وأولادُكُم أمانةٌ في أعناقِكُم ستُسألونَ عنهُم يومُ القيامةِ بينَ يدَىِ اللهِ جلَّ وعلا، والتفريطُ في تعليمِ الأبناءِ بلا سببٍ جريمةٌ شنعاء، و التخلِّي عن هذه المسؤوليةِ بلا عذرٍ مِن الغدرِ بعينهِ، والخيانةِ بعينِهَا، فالتفريطُ في تعليمِ الأبناءِ والإهمالُ في تربيةِ النشءِ على الكتابِ والسنةِ مِن صورِ الغشِّ والعياذُ باللهِ كما في صحيحِ مُسلمٍ مِن حديثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ : ” مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ”، فإذا لم يعلمْ الرجلُ أولادَهُ كلامَ اللهِ وكلامَ رسولِهِ ﷺ كان غاشًّا لرعيتِهِ، وإذ لم يربِّ الرجلُ أولادَهُ على الكتابِ والسنةِ كان غاشًّا لرعيتِهِ، فاتقُوا اللهَ في أبناءِكُم، فكلّكُم راعٍ ومسئولٌ عن رعيتِه يومَ يقفُ بينَ قاضِي القضاةِ وجبارِ السمواتِ والأرضِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ : ” أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ…وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ) متفق عليه. فحذارَ حذارَ مِن علمٍ لا ينفعُ، لذا كان مِن دعائِهِ ﷺ: “ اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن عِلمٍ لا يَنفَعُ، وقلبٍ لا يَخشَعُ، ودُعاءٍ لا يُسمَعُ، ونفْسٍ لا تَشبَعُ)، بل قالَ النبيُّ ﷺ كمَا في حديثِ أبي هريرةَ رضى اللهُ عنهُ قال: قالَ رسولُ اللهِ:“ مَنْ تعلَّمَ العلْمَ ليُباهِيَ بِهِ العلماءَ ، أوْ يُمارِيَ بِهِ السفهاءَ ، أوْ يصرِفَ بِهِ وجوهَ الناسِ إليه ، أدخَلَهُ اللهُ جهنَّمَ“ رواه أبو دواد. بل إن أولَ مَن تسعرُ بهِ نارُ جهنمَ العالمُ الذي كان يأمرُ الناسَ ، ولا يأتمرُ ، وينهاهُم ولا ينتهِي)، فعلَى كلٍّ منَّا أنْ يسعَى ليخلصَ في علمِهِ وليصلَ لأعلَى درجاتِ التفوقِ في مجالِهِ عالمًا أو باحثًا أو صانعًا أو حرفيًّا. فمصرُ غنيةٌ بفضلِ اللهِ بعلمائِهَا في جميعِ المجالاتِ والتخصصاتِ في الفقهِ والحديثِ والطبِّ والفلكِ والهندسةِ والفضاءِ والتخطيطِ والقيادةِ، وهي في حاجةٍ إلى أبنائِهَا المخلصين لتنهضَ ولتكونَ في مقدمةِ الأممِ في جميعِ المجالاتِ والتخصصاتِ .
مصرُ الكنانةُ ما هانتْ على أحدٍ *** اللهُ يحرسُهَا عطفًا ويرعاهَا
ندعوكَ يا ربِّ أنْ تحمِى مرابعَهَا *** فالشمسُ عينٌ لهَا والليلُ نجواهَا
مَن شاهَدَ الأرْضَ وأَقْطَارَها *** والنَّاسَ أنـواعًا وأجناسًا
ولا رأى مصْـرَ ولا أهلها *** فما رأَى الدنيا ولا الناسَ
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبدُ الفقيرُ إلى عفوِ ربِّه