خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة : تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة ، للدكتور محمد داود

خطبة الجمعة القادمة : تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة ، للدكتور محمد داود، للدكتـــــور/ محمـد حســــن داود- الشيخ محمد حسن داود ، بتاريخ: (7 رمضان 1446هـ – 7 مارس 2025م)
العناصـــــر :
مكانة الهوية.
تعزيز الهوية وشهر رمضان.
تحقيق معاني حب الوطن والوفاء له من أعظم قيم تعزيز الهوية.
مصر منبع الحضارات.
اللغة العربية والحفاظ على الهوية.
خطبة الجمعة القادمة word : تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة ، للدكتور محمد داود.
خطبة الجمعة القادمة pdf : تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة ، للدكتور محمد داود.
الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله فاطر السبع الطباق، مقسم الأرزاق، الهادي لأحسن الأخلاق، مالك يوم التلاق، نحمده على آلاء تملأ الآفاق، ونعم تطوق القلوب والأعناق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: “إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ”، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، و بعد
فإن هوية الأمم هي مصدر الفخر، ومعيار التميز، ودليل العز، هي مفتاح الحضارة، ومن ثم كان تعزيزها والحفاظ عليها بناء، وكان التخلي عنها هدم،
وإن من القيم التي تعضد قيامها:
الوازع الديني في القلوب: فقد جاء الإسلام هديا شاملا، نورا يضيء الدروب، بلسما شافيا يداوي القلوب، سراجا منيرا، يبني ولا يهدم، يعمر ولا يخرب، يجمع ولا يفرق، دلنا على الفلاح، وبين لنا سبل الفوز في الدنيا والآخرة؛ فما من خير إلا وأمر به، وما من شر إلا ونهى عنه؛ أمرنا أن نقبل على الخير، ونقصر عن الشر، أن نحقق معاني تقوى الله (عز وجل) ومراقبته في السر والعلن، في القول والفعل؛ يقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “اعبُدِ اللهَ كأنَّك تراه، فإنْ لم تكُنْ تراه فإنَّه يراك”؛ فمراقبة الله (عز وجل) شجرة طيبة إذا نبت أصلها في القلب امتدت فروعها الى الجوارح فأثمرت عملا صالحا وقولاً حسنا وسلوكاً قويما وفعلاً كريما، وهذا واضح جلي تراه في أمر ذلك الراعي؛ قَالَ نَافِعٌ: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَصْحَابٌ لَهُ فَوَضَعُوا سُفْرَةً لَهُمْ، فَمَرَّ بِهِمْ رَاعٍ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : هَلُمَّ يَا رَاعِي فَأَصِبْ مِنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ، فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الشَّدِيدِ حَرُّهُ وَأَنْتَ بَيْنَ هَذِهِ الشِّعَابِ فِي آثَارِ هَذِهِ الْغَنَمِ ، وَبَيْنَ هَذِهِ الْجِبَالِ تَرْعَى هَذِهِ الْغَنَمَ وَأَنْتَ صَائِمٌ ؟ فَقَالَ الرَّاعِي: أُبَادِرُ أَيَّامِيَ الْخَالِيَةَ. فَعَجِبَ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ : هَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ، نَجْتَرِزُهَا نُطْعِمُكَ مِنْ لَحْمِهَا مَا تُفْطِرُ عَلَيْهِ وَنُعْطِيكَ ثَمَنَهَا ؟ قَالَ : إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي إِنَّهَا لِمَوْلايَ. قَالَ: فَمَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ لَكَ مَوْلاكَ إِنْ قُلْتَ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ ؟ فَمَضَى الرَّاعِي وَهُوَ رَافِعٌ إِصْبَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ: فَأَيْنَ اللَّهُ ؟ . قَالَ : فَلَمْ يَزَلِ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ الرَّاعِي فَأَيْنَ اللَّهُ! فَمَا عَدَا أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَبَعَثَ إِلَى سَيِّدِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ الرَّاعِيَ وَالْغَنَمَ ، فَأَعْتَقَ الرَّاعِيَ وَوَهَبَ لَهُ الْغَنَمَ .
لاسيما ونحن في شهر تقوية الوازع الديني بتقوى الله (عز وجل) وهو سبحانه القائل؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183) لا سيما ونحن في شهر تحقيق أسمى معاني المراقبة؛ فالصائم بوسعه أن يدعي الصيام أمام الناس ثم هو يأكل ويشرب في الخفاء، لكن المانع من ذلك هو مراقبة الله (تعالى)، فهو على يقين أن الله (تعالى) مطلع على سره وعلانيته، على يقين أنه إذا تخفى عن أعين الناس فلن يخفى أمره على الله، والله (جل وعلا) يقول: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (النساء: 1).
تحقيق معاني القيم الأخلاقية: أي التمسك بالأخلاق القويمة، والتحلي بالقيم الكريمة، والمبادئ العالية النبيلة؛ فها أنا وأنت نقرأ في كتاب الله (عز وجل) مدح المولى (تبارك وتعالى) لخيرة خلقه، وصفوة رسله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلمَ)؛ إذ توجه بتاج لا يزول أبد الدهر، وكساه كسوة لا تبلى مهما تغير الزمان، واختلف المكان، إنه قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)، ليس أي خلق، بل هو موصوف بالعظيم من العظيم، فما أحلاه من وصف، وما أحرى بنا أن نمتثله وساما، لاسيما وفريضة الصيام عبادة وثيقة الصلة بالقلب والجوارح، فهي مدرسة عظيمة تقوي الجوانب الإيمانية في قلب المسلم، والأخلاق الراقية والسلوك الطيبة في معاملاته مع الناس؛ فمن صام عن الطعام والشراب، ولم يصم لسانه عن أذى الناس والخوض في أعراضهم، ولم تصم يده عن إيذاء الآخرين والنيل منهم، فما أتم حقيقة الصيام؛ فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) “رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ” (رواه ابن ماجه)، ويقول النبي (صَلى الله عليه وسلم): “مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ” (رواه البخاري)، ولذلك يقولَ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ (رضيَ اللهُ عنْهُمَا): “إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلاَ تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً”.
إن الإسلام لم يقصر النظرة إلى الصيام على أنه حرمان مؤقت من الطعام والشراب، وهذا ما بينه المصطفى (صلى الله عليه وسلمَ) في قوله: “لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ” (رواه ابن خزيمة) بل إن الإسلام اعتبر الصيام مدرسة عظيمة، يسمو الإنسان فيها بالنفس إلى درجة التقوى، يصون فيها الحواس عن الشرور والآثام، يلتزم فيها بالسلوك الحسنة، والمعاملات الطيبة، ويعود نفسه فيها الصبر على طاعة الله، ويتعلم فيها الأمانة في العبادات، يشعر فيها بالفقير والمحتاج، إذ إن من أجل وأعظم وازكي وأطيب سمات المجتمع الحضاري، أن يشعر الغني فيه بالفقير.
من يفعل الخيرَ لا يعدم جوازيه * * * لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ
فما أحوجنا أن نترجم معاني الهوية إلى أفعال لا سيما ونحن في شهر الصيام؛ فنقدم الخير على اختلاف ألوانه وصنوفه، من مساهمة في بناء وتشييد مدارس أو مستشفيات، أو مساجد، أو اطعام جائع، أو توفير الدواء لمريض، أو تفريج كربة مكروب، أو قضاء حاجة محتاج، وإجابة سؤال سائل؛ فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ): “أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْىٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ ” (الترمذي).
إن الساعي لقضاء حوائج الناس والمجتمع؛ موعود بالإعانة، مؤيد بالتوفيق؛ والجزاء من جنس العمل؛ فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ” (رواه مسلم ) قال ابن عباس (رضي الله عنه (“صاحب المعروف لا يقع فإن وقع وجد متكئاً “. فطوبى لمن جعله الله مفتاحا للخير، ومغلاقا للشر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ ” رواه ابن ماجه(.
تحقيق معاني حب الوطن والانتماء له والوفاء له: فالمخلص لوطنه يشغل باله رفعة مجتمعه، والمضي به قدما نحو معالي الأمور، ولا يرضى له إلا السبق، ولا يقنع له إلا بالعلا، وإننا لنجد في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ) أسمى الأمثلة لحب الوطن، وترجمته في الواقع عملا وبناء، حماية ودفاعا وتضحية، فلقد وجه المصطفى (صلى الله عليه وسلمَ) إلى إجادة الانتماء للوطن، وحسن الولاء والانتماء له، وإخلاص الوفاء له، داعيا إلى ترجمة هذا الحب إلي عمل وجد، من أجل الوطن، وحفاظ عليه، إذ يلقى درسا بليغا يقرع كل الآذان، ويتردد صداه في كل زمان ومكان، وذلك عندما خرج مهاجرا، ووصل أطراف مكة، التفت إليها، وقال: “وَاللهِ إِنَّي أَعْلَمُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبَّهَا إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ”. لقد كان النبي (صلى الله عليه وسلمَ) يعيش هذا الحب والانتماء الوطني بكل وجدانه وجوارحه؛ فيا له من حب، ويا له من وفاء، ويا له من انتماء، فللمولى (سبحانه وتعالى) الحمد على نعمة الوطن، هذه النعمة التي لا تقدر بالأموال، ولا تساوم بالأرواح، بل تبذل الأموال لأجلها وترخص الأرواح في سبيل الدفاع عنها، نسأل الله (عز وجل) أن يحفظ وطننا الغالي الحبيب مصر من كل مكروه وسوء.
إن وطننا الغالي الحبيب مصر منبع الحضارات في كل زمان، ولم لا؟ وهي أم البلاد، وغوث العباد، ومهبط الأنبياء، وموطن الأولياء
ذكرت في القرآن بالأمن والأمان؛ قال تعالى: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) (يوسف:99)
وفيها نزل الوحي على نبي الله موسى (عليه السلام)، وكلمه الله (سبحانه وتعالى) بالواد المقدس طوي، وفيها تجلى الله (سبحانه وتعالى) للجبل
وأوصى بها الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ)؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، أَوَ قَالَ ذِمَّةً وَصِهْرًا” (رواه مسلم)
وأخبرنا فضل جندها ومكانته وأنهم خير أجناد الأرض، فقال: “إِذَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِصْرَ بَعْدِي فَاتَّخِذُوا فِيهَا جُنْدًا كَثِيفًا؛ فَذَلِكَ الجُنْدُ خَيْرُ أَجْنَادِ الأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ): وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “لِأَنَّهُمْ فِي رِبَاطٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ”.
فانظر تجد أن أول من خط بالقلم مصريا، وهو سيدنا إدريس (عليه السلام)، كما قال النبي (صَلى الله عليه وسلم) عنه: “وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِالْقَلَمِ” (ابن حبان) فكم نشر أهل مصر العلم في كل المجالات في ربوع الأرض على مر العصور والتاريخ فانظر في عصرنا الحاضر وتأمل هذه البعثات المصرية الموفدة إلى دول العالم في جميع التخصصات، من جانب آخر أنظر كثرة الوفود التي تأتي إلى مصر لتنهل من علومها في جميع الجامعات، وخاصة جامعة الأزهر الشريف.
أما عن الأخلاق الكريمة والقيم النبيلة فاستمع معي لقول عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما): “أهل مصر أكرم العرب كلهم، وأسمحهم يداً، وأفضلهم عنصراً”. وقال تاج الدين الفزاري (رحمه الله تعالى): “إن من أقام في مصر سنة وجد في أخلاقه رقة وحسنا”.
وفي مجال القرآن والقراءات وأعلى الأسانيد فإنك لن تجد ذلك في أرفع المقامات إلا في مصر، حتى قيل: القرآن نزل بمكة وقرئ بمصر، وما أعظم هذه الإذاعة المصرية العريقة؛ إذاعة القرآن الكريم، بقرائها ومبتهليها.
وما أعظم هذه الأجواء الإيمانية الطيبة في أوقات السنة عامة، وفي شهر رمضان خاصة إذ ترى في مشهد مملوء بالحب والمودة والألفة والتكافل موائد الرحمن. إذ تعمر المساجد بصلاة التراويح.
أما عن حب آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ) فيتحدث عن مكانته ودرجته دعاء سيدتنا السيدة زينب (رضي الله عنها)حيث قالت: “يَا أَهْلَ مِصْرَ، نَصَرْتُمُونَا نَصَرَكُمُ اللهُ، وَآوَيْتُمُونَا آوَاكُمُ اللهُ، وَأَعْنَتُمُونَا أَعَانَكُمُ اللهُ، جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا”.
مصــر الكنانة ما هانت على أحد *** الله يحرســها عطفــا ويرعاهـــــا
ندعوك يا رب أن تحمى مرابعها *** فالشمس عين لها والليل نجواها
والسنبلات تصلى فـي مزارعهـا *** والعطر تسبيحها والقلب مرعاها
إن المتأمل في تاريخ الأمم والمجتمعات وتعاقب الأمجاد والحضارات يجد أن في كل أمة ركنا ركينا، ألا وهو لسانها ولغتها، فاللغة هي عنوان الهوية، هي سمة التعبير عن الهوية، هي نور اللسان؛ تقوى بعناية أهلها وحفظهم لها، وتضعف بإهمالهم لها، بل من المقرر بداهة أنه لا توجد أمة دون لغة، وإننا أبناء هذه الأمة قد من الله علينا بأفصح لسان، وأبلغ بيان، وأفضل لغة، فلا شك أنها تستحق الفخر والاعتزاز بها، فهي لغة القرآن الكريم، قال تعالي: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الزمر: 27- 28)، وقال سبحانه: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف: 3) ومن ثم فلا يمكن أن نفهم ديننا فهما صحيحا، ولا أن نستقي أحكامه من الكتاب والسنة إلا بفهم لغتنا العربية فهما دقيقا، إذ إن القرآن نزل باللسان العربي، ولا شك أنه لا يصح فهمه وتفسيره إلا عن طريق هذا اللسان، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال” كُنْتُ لَا أَدْرِي مَا فَاطِرُ السَّمَوَاتِ حَتَّى أتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا، أي ابْتَدَأْتُهَا ” (شعب الإيمان). ومن ثم فالواجب على كل فرد أن يسعى إلى غرس مفاهيم اللغة العربية داخل قلبه وروحه ووجدانه، والاعتزاز بها داخله وفي قرارة نفسه، وأن يعلمها أولاده وأحفاده، وأن يكون دائما يقظا لكل محاولات تذويب الهوية، بالحفاظ على لغتنا وعنايتنا بها.
اللهم اهدنا اللهم لأحسن الأخلاق، واصرف عنا سيئها، وتقبل منا صالح الأعمال واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء
محمد حســـــــن داود
إمام وخطــيب ومدرس
دكتوراة في الفقه المقارن