خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة للدكتور محمد داود: أمك ثم أمك ثم أمك

خطبة الجمعة للدكتور محمد داود: أمك ثم أمك ثم أمك ، بتاريخ (21 رمضان 1446هـ –  21 مارس 2025م)

خطبة بعنــــوان:
أمـــك ثم أمـــك ثم أمـــك
للدكتـــــــــور/ محمد حسـن داود
(21 رمضان 1446هـ –  21 مارس 2025م)

العناصـــــر :   
– أمك ثم أمك ثم أمك.
– دعوة الإسلام إلى بر الوالدين.
– في حق الأم وبرها.
– فضائل بر الوالدين وعواقب عقوقهما.
– دعوة إلى بر الوالدين.

خطبة الجمعة للدكتور محمد داود word : أمك ثم أمك ثم أمك ، بتاريخ (21 رمضان 1446هـ –  21 مارس 2025م)

خطبة الجمعة للدكتور محمد داود pdf : أمك ثم أمك ثم أمك ، بتاريخ (21 رمضان 1446هـ –  21 مارس 2025م)

  الموضــــــوع:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي وضع الرحمة في قلوب الأمهات، حتى إن الدابة العجماء لترفع حافرها عن ولدها؛ خشية أن تطأه، رحمة به، نحمده  سبحانه وتعالى على نعمه التي لا تحصى، وآلاؤه التي ليس لها منتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

إن من شيم الأتقياء وأخلاق الفضلاء، وشمائل النبلاء، البر والوفاء، فإذا كانت النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، فلا شك أن الأم هي أعظم الناس إحسانا، وأحقهم برا وحنانا، هي أحق الناس بالبر والوفاء، والإحسان والعطاء، وفاء لما بذلت، وجزاء عما قدمت وأعطت، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان: 14)، فكم حزنت؛ لتفرح، وجاعت؛ لتشبع، وبكت؛ لتضحك، وسهرت؛ لتنام، تعطي ولا تطلب منك أجرا، وتبذل الخير ولا تنتظر منك شكرا، كم تألمت لألمك وحزنت لحزنك، وتعبت من أجلك، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرً) (الأحقاف:15) أي: قاست بسببه في حال حمله ووضعه، مشقة على مشقة، وشدة بعد شدة، وتعبا على تعب، وضعفا بعد ضعف؛ فكان من وصية النبي (صلى الله عليه سلمَ) بها لما جاءه رجل فقال يا رسول الله، مَن أحقّ النّاس بحسن صحابتي؟ قال “أمّك” قال: ثمّ مَن؟ قال: “أمّك”، قال: ثمّ مَن؟ قال: “أمّك”، قال: ثمّ مَن؟ قال: “أبوك” (رواه البخاري)، وعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ ثَلَاثًا، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ” (رواه ابن ماجه).

إن للوالدين منزلة سامية، ودرجة عالية، إذ قرن الله (سبحانه وتعالى) ذكرهما بذكره وشكرهما بشكره، وجاء الأمر بطاعتهما مقرونا بالأمر بعبادته، تكريما لهما وحثا على رعاية حقوقهما وإشارة إلى مكانة برهما ودرجته، قال تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) (الإسراء: 23-24)، قال ابن عباس (رضي الله عنهما): “ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها أي إحداهما. قول الله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه. الثانية قول الله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه. الثالثة قول الله تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك) فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه”.

ومن هذا يتجلى لنا مكانة الوالدين وعظم أمرهما ومكانة برهما: فهو من أحب الطاعات إلى رب البريات؛ فعن عبد الله ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: “الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا” قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ” بِرُّ الْوَالِدَيْنِ “. قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ” الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ” (متفق عليه). هو وصية إلهية؛ قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) (لقمان:14) وقال سبحانه: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًاَ) (البقرة: 83) ووصية نبوية فعَنْ مُعَاذٍ قَالَ: “أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ”، وكان منها أن قال له: “وَلا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ” (رواه أحمد).

إن حق الأم على الابن عظيم؛ فقد دعانا الإسلام إلى محبتها وتوقيرها وصلتها والرفق بها واللين معها والتواضع لها والقيام على حاجتها، قال تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (الاسراء: 23-24)، وقال تعالى: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ  ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (الإسراء: 15)،

 ولعل هذه المواقف تشير إلى عظم هذا الحق: فعن مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَ: “وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟” قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: “ارْجِعْ ، فَبَرَّهَا” ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَ” وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ” قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ” فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا” ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَ “وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ” قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ” وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ ” (رواه ابن ماجه). وذاك رجل يطوف بالكعبة حاملا أمه على رقبته، إذ قال لابن عمر (رضي الله عنهما): يا ابن عمر أترى أني جزيتها؟ قال: لا، ولا بطلقة واحدة، ولكنك أحسنت والله يثيبك على القليل كثيراً. وآخر أَتَى عُمَرَ (رضي الله عنه)، فَقَالَ: “إِنَّ لِي أُمًّا بَلَغَ بِهَا الْكِبَرُ، أَنَّهَا لَا تَقْضِي حَاجَتَهَا إِلَّا وَظَهْرِي لَهَا مَطِيَّةٌ، أُوَضِّئُهَا، وَأَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهَا، فَهَلْ أَدَّيْتُ حَقَّهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ حَمَلْتُهَا عَلَى ظَهْرِي، وَحَبَسْتُ عَلَيْهَا نَفْسِي؟ قَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ تَصْنَعُ ذَلِكَ بِكَ وَهِيَ تَتَمَنَّى بَقَاءَكَ، وَأَنْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ وَأَنْتَ تَتَمَنَّى فِرَاقَهَا ” (البر والصلة لابن الجوزي).

فيما يجب أن نعلم أن بر الوالدين لا يقف عند حياتهما، بل يمتد إلى ما بعد مماتهما، فعنْ أَبِي أُسَيْدٍ (رضي الله عنه) قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جلوس عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فقَالَ:” نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا” (رواه أبو داود) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ: َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): “إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى لِي هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ” (رواه أحمد) ومن ذلك أن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) رأى رجلاً من الأعراب بطريق مكة، فإذا به وقد سلم عليه وحمله على حمارٍ كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، قال ابن دينار: فقلنا له أصلحك الله إنهم الأعراب وهم يرضون باليسير، فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان وداً لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وإني سمعت رسول الله يقول: ” إن أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه ” .

– إن من فضائل بر الوالدين أن فيه: زيادة العمر والرزق، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ” (رواه أحمد).

– تحصيل للخير: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ)” ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ”.

– غفران الذنوب، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٌ ؟ قَالَ: “هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ: لَا ، قَالَ : هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَبِرَّهَا “(رواه الترمذي).

– تفريح الكربات، وقضاء الحاجات، وإجابة الدعوات، كما في قصة أصحاب الغار، فقد قال قائلهم: “اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِهِمَا قَبْلَ وَلَدِي، وَإِنَّهُ نَاءَ بِيَ الشَّجَرُ فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا، أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ ، فَفَرَجَ اللَّهُ لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى يَرَوْنَ مِنْهَا السَّمَاءَ”.

– سبب لدخول الجنة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: “رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ” قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ” مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ” (رواه مسلم) وعَن أم المؤمنين عَائِشَةَ  (رضي الله عنها)، عَن النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)” دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ فِيهَا قِرَاءَةً قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ كَذَاكُمْ الْبِرُّ كَذَاكُمْ الْبِرُّ” (رواه أحمد). وقال ابن عمر (رضي الله عنهما) لرجل: تَفرَقُ منَ النارِ أن تَدخُلَها ؟ قال: إي واللهِ، قال: تحبُّ أن تدخُلَ الجنة ؟ قال: إي واللهِ، قال : أحيٌّ والداكَ ؟ قال: عندي أُمِّي، قال: فواللهِ لئِنْ ألَنتَ لها الكلامَ، وأطعَمتَها الطعامَ، لتدخُلَنَّ الجنةَ ما اجتَنَبتَ الكبائرَ”.

وكما جعل المولى سبحانه للبر فضائل، كان للعقوق عواقب، وكيف لا وقد عده المصطفى (صلى الله عليه وسلمَ) من الكبائر؛ فعن أَبِي بَكْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ: “أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا، الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَوْ قَوْلُ الزُّورِ”، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مُتَّكِئًا، فَجَلَسَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. ويكفى من عواقبه أنه نذير شؤم في الدنيا وفى الآخرة فقد قال الله (تعالى): (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(الرعد: 25) وعَن أَبِي بَكْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: “كُلُّ ذُنُوبٍ يُؤَخِّرُ الله مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ يُعَجِّلُ لَصَّاحِبِهَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْمَوْتِ” ويقول أيضا ” لا يدخلُ الجنةَ عاقٌّ”.

الخطبة الثانية:

عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “احْضُرُوا الْمِنْبَرَ” ،فَحَضَرْنَا، فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً، قَالَ: “آمِينَ”، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ، قَالَ: ” آمِينَ “، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ، قَالَ: “آمِينَ”، فَلَمَّا فَرَغَ، نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ، قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ سَمِعْنَا الْيَوْمَ مِنْكَ شَيْئًا لَمْ نَكُنْ نَسْمَعُهُ، قَالَ : ” إِنَّ جِبْرِيلَ (عَلَيْهِ السَّلامِ) عَرْضَ لِي ، فَقَالَ : بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ ، فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ ، قَالَ : بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ ، قَالَ : بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ الْكِبَرَ عِنْدَهُ ، أَوْ أَحَدُهُمَا ، ثُمَّ لَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ ، أَظُنُّهُ قَالَ : فَقُلْتُ : آمِينَ ” (شعب الإيمان للبيهقى) فما أعظم أن نفوز في هذا الشهر ببابين عظيمين إلى الجنة.

فلقد أمرنا الله (تعالى) ببر الوالدين فقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) (لقمان:14) ودعانا إلى شكرهما فقال تعالى: (أن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان: 14) وحثنا على صحبتهما بالمعروف فقال: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (لقمان: 15) ووجهنا إلى حسن معاملتهما فقال: (وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (الاسراء23-24) وأكد على الدعاء لهما، قال تعالى: (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الاسراء: 24) ونهانا عن عقوقهما، فقال: (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا) (الاسراء: 23) فاعلموا أن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، فبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، فقد حكي أن شابا كان بصحبة والده في رحلة الحج وفى رجوعهما أراد الأب أن يقضى حاجته، فقال لابنه انطلق مع القافلة وسألحق بكم، وﻣﻀﻰ ﺍلاﺑﻦ مع القافلة ﻭﺑﻌﺪ وقت يسير ﺍﻟﺘﻔﺖ الشاب فوﺟﺪ ﺃﻥ الأب قد تأخر كثيرا عن القافلة، فأسرع الشاب إلى والده فحمله على ﻛﺘﻔيه ورجع إلى القافلة مهرولا، وفى رجوعه حاملا والده شعر بدموع والده تتساقط على رأسه، ﻓﻘال يا أبى، والله ما أجد مشقة في حملك. فقال له الأب: ليس لهذا بكيت يا بني ولكن في هذا المكان حملت أنا والدي.

رب ارحمهما كما ربياني صغيرا، واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومـــدرس
دكتوراة في الفقه المقارن

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى