خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة للدكتور مسعد الشايب : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ((تنشر لأول مرة))

الجمعة الموافقة 29 من ربيع الثاني 1446هـ الموافقة 1/11/2024م

((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)) ((تنشر لأول مرة))
الجمعة الموافقة 29 من ربيع الثاني 1446هـ الموافقة 1/11/2024م
===========================================
أولا: العناصر:
1. دعوة الشريعة الإسلامية للتحلي بالقوة، وبيان معناها.
2. أربعٌ من صور، وأشكال القوة التي أمرتنا بإعدادها الشريعة الإسلامية.
3. الخطبة الثانية: (القوة الاجتماعية أو المجتمعية).
===========================================
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله ربّ العالمين، أعز من أطاعه واتقاه، وأذل من خالف أمره وعصاه، نحمده سبحانه وتعالى، ونشكره على حلو نعمائه، ومر بلوائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله أفضل الأنبياء، وأكرم الأتقياء، وأشهد، صلاة وسلاما عليه دائمين متلازمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه وأتباعه وأحبابه إلى يوم الدين، وبعد أيها الأحبة الكرام:
===========================================
(1) ((دعوة الشريعة الإسلامية للتحلي بالقوة، وبيان معناها))
===========================================
فيروي لنا الإمام مسلمٌ في صحيحه، من حديث سيدنا أبي هريرة (رضي الله عنه)، وعن الصحابة أجمعين، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)(رواه مسلم).
===
أيها الأخوة الأحباب: هذا الحديث النبوي الشريف يرشدنا ارشادًا لطيفًا إلى أن المؤمن ينبغي أن يكون قويًا، حيث بيّن ووضح لنا المصطفى (ص) أن المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ عند الله من المؤمن الضعيف، فالمؤمن القوي في الإيمان، في الأخلاق، في العلم والتعلم، في الاقتصاد، في السياسة، في الاجتماع، في الإدارة والقيادة، في كافة المجالات خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف في كل ذلك، ومن الممكن أن نستأنس لذلك أيضًا بقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى…)(متفق عليه)، اليد المتعففة المكتفية بما عندها المكتفية بمواردها خير من اليد السائلة.
===
_ إذا كان الأمر كذلك فتعالوا بنا أحبتي في الله بإذن من الحق تبارك وتعالى في لقاء الجمعة الطيب المبارك، لنتعرف على عددٍ من أنواع القوة، التي أمرتنا شريعتنا الإسلامية الغراء بإعدادها، فأعيروني يا عباد الله القلوب، وأصغوا إليّ بالقلوب قبل الآذان، فأقول، وبالله التوفيق:
===
_ القوة: ضد الضعف وخلافه، ومنه، قولهم: قوى الله ضعفك: أَي أبدلك مَكَان الضعْف قُوَّة، وهي تعني القدرةَ، والطاقةَ على انجاز الأعمال سواء أكانت معقدةً شاقة أم بسيطة سهلة، فالقوة مبعث الحركة والنشاط عمومًا، ومن هنا كانت تسمية الجيوش الوطنية بالقوات المسلحة، وتلك تسمية محدثة.
===
_ والقوة التي نتحدث عنها اليوم هي القوة العامة الشاملة للأمة، وأوطانها، وبلدانها، ومجتمعاتها، تلك القوة التي تعيد للأمة مجدها، وتعلي من شأنها وذكرها، وبها تسترد الأمة ما سرق من أوطانها، وانتهب من ثرواتها، وخيراتها، وبها القضاء على البلطجة العالمية اليوم، والكيل بمكيالين. أما القوة الخاصة للأفراد، والموسومة بالقوة البدنية، والعقلية؛ فقد عشنا معهما في لقاء سابق، وبينت اهتمام شريعتنا الإسلامية الغراء بهما، فمن القوة العامة الشاملة للأمم، والشعب، والأوطان، والبلدان:
===========================================
(2) ((أربعٌ من صور، وأشكال القوة التي أمرتنا بإعدادها الشريعة الإسلامية))
===========================================
1ـ القوة الإيمانية، والتي تبدأ من الإيمان الحق الصادق للأفراد، والمجتمعات، والتزامهم بتقوى الله (عزّ وجلّ)، وتمسكهم بالقيم، والمبادئ، والأخلاق الدينية، وحرصهم على الأوبة، والتوبة، والإنابة، والرجوع إلى الحق سبحانه وتعالى، فالحق تبارك وتعالى يقول: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ*وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[النور:56،55].
===
_ ويقول ربنا أيضًا: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأعراف:96]، ويقول سبحانه وتعالى على لسان سيدنا هود (عليه السلام): {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}[هود:52]، ويقول سبحانه وتعالى في شأن أهل الكتاب: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ*وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}[المائدة:66،65].
===
_ إن تنكب الصراط المستقيم، وإعطاء ظهرنا لتقوى الله (عزّ وجلّ)، وتدمير القيم، والمبادئ والأخلاق، والأخذ بالمياعة، والخلاعة، والفسق، والفجور…الخ لا يزيد المجتمعات، والأوطان، والأمم إلا ضعفًا بل قد يزيلها، ويدمرها بالكلية، وصدق الله إذ يقول: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا*وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}[الإسراء:17،16]
===
_ ويقول سبحانه وتعالى أيضًا محذرا من الكفر بنعمه سبحانه وتعالى علينا: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[النحل:112].
===
_ وانظروا إلى عاقبة قوم سبأ بعد (بلقيس) بكثير، وإعراضهم عن دين الله (عز وجل) بعد أن كانوا يتمتعون بالبساتين اليانعة المثمرة، وبعد أن كانوا يعيشون في رغدٍ من العيش، فالحق تبارك وتعالى يقول في شأنهم: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ*فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ*ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}[سبأ:15ـ17].
===
_ واستمعوا إلى الحق تبارك وتعالى وهو يتحدث عن الأمم السابقة المكذبة، كعادٍ، وثمود، ومدين، وما أصابها بسبب التنكر لدين الله والتكذيب لرسله، فيقول سبحانه: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[العنكبوت:40]، وصدق الله إذ يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}[الرعد:11].
===
أيها الأحبة الكرام: إن القوة الإيمانية هي أهم قوة لنهضة الامم، والشعوب، والبلدان، وغيرها من القوى يبنى عليها، ومن تلك القوة العامة الشاملة للأمم، والشعوب، والبلدان، والتي تبنى على القوة الإيمانية:
===========================================
2ـ القوة الحضارية عمومًا، ونعني بها التقدم في الثقافة، والمدنية (التطور الفكري، والمادي العمراني)، والتقدم في الثقافة يعني التقدم في الفكر النظري مثل القانون والسياسة والاجتماع…الخ، فهذا التقدم يعني أن الإنسان يفكر تفكيرًا سليمًا، أما التقدم المدني فهو التقدم والرقي في العلوم التي تقوم على التجربة والملاحظة مثل: الطب، والهندسة، والزراعة…الخ. (معجم اللغة العربية المعاصرة(3/2080) بتصرف).
===
_ وقد قامت الشريعة الإسلامية بوضع أسس هذا التقدم الثقافي والمدني العمراني، والذي يعنينا في خطبة اليوم هو التقدم والاستثمار المدني العمراني، والذي يعرف بالتقدم الحضاري، أو القوة الحضارية.
===
_ فالحق تبارك وتعالى يقول في القرآن الكريم على لسان سيدنا صالح (عليه السلام): {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}[هود:61]، الشاهد: (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)، أي: طلب منا عمارتها، واستخراج كنوزها وخيراتها، وإحياء مواتها، فعمارة الأرض هو أحد المقاصد التي من أجلها خُلق الإنسان.
===
_ ومن هنا أمرت الشريعة الإسلامية أتباعها بالعمل، والإنتاج، والبناء بهدف عمارة الكون، وإغناء النفس والأهل، وتربية النسل، فقال سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[الملك:15].
===
_ وانظروا إلى نبينا (صلى الله عليه وسلم) وهو يعلم أصحابه (رضي الله عنهم) أن العمل والسعي على النفس، والأهل، والأولاد نوعٌ من أنواع الجهاد في سبيل الله حينما مرّ عليهم رجل قوي، وتعجب الصحابة (رضي الله عنهم) من قوته ونشاطه، وتمنوا أن لو كان ذلك في سبيل الله فقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ)(رواه الطبراني في الكبير والأوسط).
===
_ كما أن الشريعة الإسلامية دعت أتباعها إلى تعلم العلوم المدنية التي تقوم على التجربة والملاحظة، فالقرآن الكريم يحمل الكثير والكثير من الإشارات العلمية التي تلفت الأنظار إلى تلك العلوم كقوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت:53]، وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}[الأعراف:185]، وقوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ*وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}[الذّاريات:21،20]، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)(رواه الطبراني في الكبير).
===
أيها الأخوة الأحباب: إن ما نراه في مصرنا الحبيبة اليوم، من إنشاء عاصمة إدارية جديدة، والتوسع في إنشاء المدن الجديدة، والتوسع في إنشاء شبكة الطرق الحديثة، وتجديد البنية التحتية، والتوسع في إنشاء المعاهد والجماعات…الخ؛ لهو خطوة على الطريق الصحيح للقوة الحضارية، أيضًا من القوة العامة الشاملة للأمم، والشعوب، والبلدان، والتي تبنى على القوة الإيمانية:
===========================================
3ـ القوة الاقتصادية خصوصًا، وذلك بالتوسع في الزراعة، والصناعة، والتجارة، أو ما يعرف في شريعتنا الإسلامية بإحياء الأرض الموات:
===
_ ولنستمع إلى القرآن الكريم وهو يدعونا إلى الزراعة، والصناعة، والتجارة، فيقول الحق تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}[البقرة:267]، فأساس الإنفاق هو الزراعة، والزراعة مصدرٌ كبيرٌ من مصادر الصناعة الحديثة بطريق مباشر أو غير مباشر.
===
_ ويقول سبحانه: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}[هود:61]، أي: طلب منا عمارتها بكافة أشكال العمارة ومن أشكال العمارة: الزراعة، والصناعة، والتجارة.
===
_ وكما حثنا القرآن الكريم على الزراعة، والصناعة، والتجارة؛ فكذلك جاءت السنة النبوية المطهرة، فعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً، فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ، وَمَا أَكَلَتِ العافية، فهو له صدقة)(صحيح ابن حبّان)، وعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) أيضًا، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَزْرَعَهَا وَعَجَزَ عَنْهَا، فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، وَلَا يُؤَاجِرْهَا إِيَّاهُ)(رواه مسلم).
===
_ وقد اشتغل بالزراعة والصناعة، والتجارة العديد من الأنبياء والمرسلين، فأبو البشرية سيدنا آدم (عليه السلام) كان زرّاعًا، وسيدنا داود (عليه السلام) كان حدادًا، وسيدنا زكريا (عليه السلام) كان نجارًا، وسيد البشرية جمعاء نبينا (صلى الله عليه وسلم) كان تاجرًا.
===
_ وكان الأنصار من صحابة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يشتغلون بالنخل والزراعة، وكان كثيرٌ من المهاجرين من الصحابة (رضي الله عنهم) يشتغلون بالتجارة والصفق في الأسواق، وأشهرهم سيدنا عبد الرحمن بن عوف، وسيدنا عثمان بن عفان، وسيدنا أبو بكر (رضي الله عنهم أجمعين).
===
_ وقال سيدنا عمر (رضي الله عنه): (لَوْلَا هَذِهِ الْبُيُوعُ صِرْتُمْ عَالَةً عَلَى النَّاسِ)(مصنف ابن أبي شيبة)، وقال الإمام مجاهد تلميذ سيدنا ابن عباس (رضي الله عنهما) في تفسير قوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}[البقرة:267]: (التِّجَارَةُ)(مصنف ابن أبي شيبة).
===
_ وكان كثيرٌ من نساء الصحابة (رضي الله عنهم) يعملن بأيديهن ويتكسبن ويساعدن أزواجهن، فعلى سبيل المثال لا الحصر كانت السيدة زينب الثقفية زوج عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) من صناع اليدين (تصنع الشيء ثم تبيعه)، وجاءت ذات يوم إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالت : إن زوجي فقير، وإن بني أخ لي أيتام في حجري، وأنا منفقة عليهم هكذا وهكذا، وعلى كل حال فهل لي أجر فيما أنفقت عليهم؟ فقال: (نَعَمْ). وكانت صناع اليدين (أي تصنع باليدين وتكسب)(مسند ابن راهوية).
===
_ وقد أحسنت القيادة السياسية المصرية صنعًا في العشر سنوات الأخيرة حيث توجهت إلى التوسع الزراعي، واستصلاح الصحراء فيما يعرف بمشروع المليون ونصف مليون فدان زراعي جديد، وحاليًا تعمل جاهدة في مشروع منخفض القطارة، ونهر النيل الجديد الذي يشق الصحراء الغربية ويخضرها إن شاء الله.
===
_ كما توسعت القيادة السياسية في إنشاء المدن الصناعية الجديدة كمدينة الجلود، ومدينة الأثاث، ومدينة الرخام، ومنطقة السخنة الصناعية، ومنطقة شرق بور سعيد الصناعية، ومنطقة القنطرة غرب الصناعية، ووادي التكنولوجيا بشرق الإسماعيلية…وهكذا.
===
_ كما توسعت القيادة السياسية في إنشاء المناطق التجارية الحرة، والموانئ العالمية الجديدة كميناء دمياط، وميناء السخنة…وهكذا، أيضًا من القوة العامة الشاملة للأمم، والشعوب، والبلدان، والتي تبنى على القوة الإيمانية:
===========================================
4ـ القوة العسكرية، فالحق تبارك وتعالى يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}[الأنفال:60].
===
_ لأجل ذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (يَعْرِضُ غِلْمَانَ الْأَنْصَارِ، فِي كُلِّ عَامٍ فَيُلْحِقُ مَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمْ) أي: بصفوف المجاهدين (الهايكستب النبوي)، يقول سيدنا سمرة بن جندب (رضي الله عنه): فعرضت عامًا، فألحق غلامًا، وردني فقلت: يا رسول الله، لقد ألحقته ورددتني ولو صارعته لصرعته. قال: (فَصَارِعْهُ). فصارعته فصرعته فألحقني. (مستدرك الحاكم).
===
_ ولأجل ذلك أيضًا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يشجع الرياضة عمومًا، الرياضة التي تقوي الجسد، وتستخدم في المعارك خصوصًا، فقد مرّ النبي (صلى الله عليه وسل)م على نفر من أسلم ينتضلون (يتسابقون برمي السهام)، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا…)(رواه البخاري).
===
_ وقد فهم الخلفاء الراشدون، والصحابة (رضي الله عنهم) بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذلك، فقد كتب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى أهل الشام: (أَنْ عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمُ السِّبَاحَةَ وَالرَّمْيَ وَالْفُرُوسِيَّةَ)(فضائل الرمي للقراب)، وقال أيضًا: (…وَتَمَعْدَدُوا، وَاخْشَوْشِنُوا، وَاخْلَوْلِقُوا، وَاقْطَعُوا الرُّكَبَ، وَانْزُوا نَزْوًا، وَارْمُوا الْأَغْرَاضَ…)( مستخرج أبي عوانة)، وعن بلال بن سعد بن تميم الأشعري قال: (أَدْرَكْتُهُمْ (أي: الصحابة) يَشْتَدُّونَ بَيْنَ الْأَغْرَاضِ (يتسابقون بين العلامات)، وَيَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ كَانُوا رُهْبَانًا)(السنن الكبرى للنسائي).
===
أيها الأحبة الكرام: إن من إعداد القوة الذي أمرتنا به الآية الكريمة، التقدم العلمي في صناعة الآلات العسكرية الحربية: كالمدافع، والصواريخ، والطائرات، والدبابات، والمصفحات، والغواصات، والسفن، والبوارج…وهكذا، فما فاقنا أعداؤنا، وما تحكموا في مصائرنا، وما استباحوا من أرضنا وثرواتنا، وخيراتنا إلا بهذا التقدم العلمي العسكري، والحمد لله فقد بدأت مصرنا الحبيبة في تصنيع بعض الآلات الحربية العسكرية، وتلك خطوة على الطريق الصحيح.
===
أيضًا أيها الأحبة الكرام: من إعداد القوة الذي أمرتنا به الآية الكريمة، تسليح الجيوش العربية والإسلامية اليوم، وأقسم بالله غير حانثٍ، ولا مجاملٍ، ولا منافقٍ، ولا متملقٍ أن ما فعلته القيادة السياسية المصرية الحكيمة منذ سنوات من زيادة تسليح الجيش المصري، ومن تنويع موارد تسليحه شرقًا وغربًا، هو من هذا الإعداد الذي أمرت به الآية الكريمة، وهو الذي جعل الدولة المصرية اليوم تقف هذا الموقف القوي الصلب أمام الصهيونية العالمية، المتغطرسة بعتادها وترسانتها العسكرية الجبارة، وأمام من يعاونها من أمريكا والدول الغربية تجاه القضية الفلسطينية، وإرادة تصفيتها بالتهجير القسري لأهالي غزة إلى سيناء، ورسمها لهم خطًا أحمرًا لا يمكن بكلِّ حال تجاوزه، ولو كلفنا ملايين الأرواح والشهداء
عباد الله أقول قولي هذا، وأستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب……….
===========================================
(الخطبة الثانية)
((القوة الاجتماعية أو المجتمعية))
===========================================
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
===
أيها الأحبة الكرام: فمازال الحديث بنا موصولا، مع أنواع القوة، التي أمرتنا شريعتنا الإسلامية الغراء بإعدادها، ومن هذه القوة:
===========================================
4ـ القوة الاجتماعي أو المجتمعية، ونعني به تنمية العلاقات والروابط بين الأشخاص والأفراد، والقبائل والعائلات، والقرى والمجتمعات، بل وبين الدول والأوطان، وبين الأمم والملل المختلفة، وذلك بالتعايش السلمي، والتعاون على البر والتقوى، وقضاء حوائج الأخرين، والكلام الطيب، وحسن الخلق…الخ، فالحق تبارك وتعالى يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }[آل عمران: 103].
===
_ وعلاقة المسلم بغيره علاقة تكاملية تعاونية تعارفية، وليست إقصائية كما يدعي الجاهلون، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات:13].
وقال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة:8]، وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2].
===
وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ)(المستدرك للحاكم)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ…)(رواه مسلم)، فكل هذه النصوص دعواتٌ للقوة الاجتماعية بتقوية العلاقات والروابط بين…….، فقوتنا في وحدتنا.
===========================================
فاللهمّ اكتب لنا شهادة في سبيلك، وموتًا في بلد نبيك، أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به عاملين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى