خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة : والشهداءُ عندَ ربِّهم لهُم أجرُهُم ونورُهُم ، ثروت سويف

خطبة الجمعة بتاريخ 14 رمضان 1446 هـ ، الموافق 14 مارس 2025م ، تحت عنوان : ( والشهداءُ عندَ ربِّهم لهُم أجرُهُم ونورُهُم ) ، للشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذه الخطبة
أولا : يوم الشهيد وكرامة الشهادة
ثانياً : فضل الشهادة من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة
ثالثاً : تاريخ الشهداء العظام من أنبياءٌ الله وصحابة رسول الله في مواكب الشهداء
رابعاً : منزلة الشهيد
خطبة الجمعة word : والشهداءُ عندَ ربِّهم لهُم أجرُهُم ونورُهُم ، ثروت سويف
خطبة الجمعة pdf : والشهداءُ عندَ ربِّهم لهُم أجرُهُم ونورُهُم ، ثروت سويف
الخطبة الأولي
الحمد لله الذي جعل الشهادة بابًا من أعظم أبواب الجنة, دار السلام, أحمده سبحانه, حث الأمة على المضي في درب الشهادة في سبيل الملك العلام
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي جعل الشهداء عنده احياء يرزقون فقال تعالى ( وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ (154) البقرة
وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله, خير من ضرب الأمثال في حب الشهادة, وفي بذل التضحيات العظام, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأئمة الأبرار الأعلام وسلم تسليمًا كثيرًا.
اما بعد
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
إن السلام وإن أهداه مرسله وزاده رونقاً منه وتحسيناً
لم يبلغ العشر من قول يبلغه أذن الأحبة أفواه المحبينا
مر علينا يوم الشهيد
وهو يوم التاسع من مارس من كل عام وقد أعلنته مصر منذ عام 1969م تخليداً لذكرى رحيل رئيس أركان حرب الجيش المصري الفريق البطل عبد المنعم رياض
عباد الله : إن الشهادة في سبيل الله درجة عالية لا يَهبُها الله إلا لمن يَستحقُّها، فهي اختيار من العلي الأعلى للصفوة من البشر ليَعيشوا مع الملأ الأعلى، ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ﴾ [آل عمران: 140]
أولا : يوم الشهيد وكرامة الشهادة
عباد الله : يتميز يوم الشهيد بأنه يوم يذكرنا برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وابطال عظام ضحوا بأرواحهم لتعيش أممهم
وكما تميزوا في الدنيا بالشهادة يتميزون يوم القيامة بهيئة خاصة دون غيرهم, كما تنبعث من أجسادهم ريح طيبة تتطاول لها الأعناق وتنحني لها الهامات إجلالا واحتراماً. يقول النبي صلى الله عليه وسلم :«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ – أي يجرح – أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ – يجري متفجرا أي كثيرا – دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ». رواه مسلم.
إن للشهداء فضلاً لا تحتويه العبارة ولا تحدُّه الإشارة والشَّهادةُ في سبيلِ الله من أَعظَمِ القُرُباتِ وأثمَنِها؛ فَفِيها يُقدِّمُ المُؤمِنُ أغلى ما يَملِكُ على الإطلاقِ إرضاءً للهِ ودِفاعاً عن دِينِهِ، فاسْتحقَّت بِذلِكَ ثَمناً عظيماً من فيضِ كَرَمِ الله سُبحانهُ، وكانت من أرفعِ الرُّتَبِ وأَعْلاها، وأَنفَسِ المَقاماتِ وأَحسَنِها وأبْهاها. وقَد أورَدَت آياتُ القرآنِ العظيمِ وأحاديثُ الرَّسولِ صلي الله عليه وسلم فضائل عديدةٍ ومَراتِبَ عظيمةٍ خَصَّها اللهُ لِمنْ ماتَ في سَبيلِه واستحقَّ منزِلَة الشَّهادةِ، وفيما يَأتي عَرضٌ لِبعضِ ما ذُكِرَ في أَجرِ الشَّهيد لكن نبدأ بالتعريف به
مَن هو الشهيد؟ لماذا سمى الشهيد شهيدا ؟
أوضحت السنة النبوية الشريفة أن الشهداء لهم تعريف خاص، تتبَّعنا هذه التعريفات للشهداء فوجدنا أولها: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)) مَن اعتنق الحق، وأخلص له، وضحى في سبيله، وبذل دمه ليروي شجرة الحق به فهذا شهيد
يقول الإمام النووي – رحمه الله “وأما سبب تسميته شهيدًا فقال النضر بن شميل: لأنه حي؛ فإن أرواحهم شهدَت وحضرت دار السلام وأرواح غيرهم إنما تَشهدها يوم القيامة
وقال ابن الأنباري: إن الله تعالى وملائكته يشهدون له بالجنة.
وقيل: لأنه شهد عند خروج روحه ما أعده الله تعالى له من الثواب والكرامة.
وقيل: لأن ملائكة الرحمة يشهدونه فيأخذون روحه.
وقيل: لأنه شهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله.
وقيل: لأن عليه شاهدًا بكونه شهيدًا، وهو الدم.
وقيل: لأنه ممن يشهد على الأمم يوم القيامة بإبلاغ الرسل الرسالة إليهم، وعلى هذا القول يشاركهم غيرهم في هذا الوصف”
قال علي – رضي الله عنه – يوم الجمل : الْمَوْت طَالِبٌ حَثِيثٌ لَا يَفُوتُه الْمُقِيمُ، ولَا يُعْجِزُه الْهَارِبُإن لم تُقْتلوا تموتوا، وإن أشرف الموت القتْلُ. (دُرَرُ الحِكَمِ لأبي منصور الثعالبي )
ويكفي في عظمته أن يصفه الإمام علي رضي الله عنه بأنه أكرم الموت، لما فيه من عزة ورفعة لمن اختاره، كما وصفه رسول الله بأنه أشرف الموت
فيما روى احمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ الْخَثْعَمِيِّ لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بماله ونفسه، قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: من أهريق دمه وعقر جواده. رواه أبو داود والنسائي وأحمد
والكرامة في موت الشهادة تتمثل في أنها لقاء الإنسان مع ربه، وهذا اللقاء هو الأمنية التي يسعى إليها المؤمن وهي مضمونة للشهداء، بل إن سيرهم للحرب والقتال لا يكون إلا وقد وضعوا نصب أعينهم لقاء ربهم
لأن الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام وأعلى درجاته.. قال الله تعالى: وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:95-96}.
ثانياً : فضل الشهادة من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة
أما في القرآن الكريم فمنها
1ــ ان الله اشترى تلك الانفس فَمِنَ الْعَبْدِ تَسْلِيمُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَمِنَ اللَّهِ الثَّوَابُ وَالنَّوَالُ فَسُمِّيَ هَذَا شِرَاءً
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ التوبة: 111
فربح بيعهم لانهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه
2 – إن الشهيد الذي غادَرَ هذه الدنيا ليس بميتٍ يُحسَب في عداد الأموات، بل هو حيٌّ يعيشُ حياةً برزخيَّة يعلمها الله تعالى
خرج أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق، لئلا يزهدوا في الشهادة، ولا ينكلوا عن الحرب؟ فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، وأنزل الله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ.١٧١_١٧٢ ال عمران
3 – لقد وصفها الله بأنها اصطفاء وانتقاء للأفذاذ من البشر ليكونوا في صُحبة الأنبياء؛ ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ النساء: 69
4 ــ ان لهم نور يوم القيامة يقول سبحانه: ﴿ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾ الحديد: 19
لَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أَجْرٌ جَزِيلٌ وَنُورٌ عَظِيمٌ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَتَفَاوَتُونَ بِحَسَبِ مَا كَانُوا فِي الدَّارِ الدُّنْيَا مِنَ الْأَعْمَالِ
يقول ابن النحاس في كتابه “مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق” (ص: 270) مبينًا الحكمة في جعل أرواح الشهداء في أجساد الطيور ذات اللون الأخضر والقناديل المعلقة في ظل العرش: “لأن ألطف الألوان اللون الأخضر، وألطف الجمادات الشفافة الزجاج، ولهذا جعل أرواح الشهداء في ألطف الأجساد وهو الطير، واختار ألطف الألوان وهو الأخضر، ويأوي ذلك الطير الأخضر إلى ألطف الجمادات وهي القناديل المنورة المفرحة في ظل العرش؛ لتكمل لها لذة النعيم في جوار الرب الكريم
اما من السنه فاليك بعض الفضائل
1 – ان من فضل الشهادة ان الله يجرى عليهم اجرهم يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم ( مثَلُ المجاهد في سبيل الله – والله أعلمُ بِمَن يجاهدُ في سبيله – كمثل الصائم القائم، وتوكَّل الله للمجاهد في سبيله بأنْ يتوفَّاه أنْ يُدخِلَه الجنَّة، أو يرجعه سالمًا مع أجرٍ أو غنيمةٍ)) البخاري
وان رجعوا كان بغنيمة ونصر وان ماتوا ادخلهم الجنة روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجُه إلا إيمانٌ بي وتصديقٌ برسلي أنْ أرجِعَه بما نالَ من أجرٍ أو غنيمةٍ أو أدخله الجنة ولولا أنْ أشقَّ على أمَّتي ما قعدتُ خلفَ سريَّة ولوددت أنِّي أُقتَل في سبيل الله ثم أُحيَا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ) البخاري
بل وينمي لهم عملهم كما عند الترمذي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((كلُّ ميتٍ يُختَم على عمله إلا الذي مات مُرابِطًا في سبيل الله؛ فإنَّه يُنمَى له عملُه إلى يوم القيامة، ويأمنُ من فتنة القبر
٢ – ان من ألوان الكرامة والفضل أيضًا أن الملائكة تظله بأجنحتها؛ فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: “جيء بأبي إلى النبي ـ أي شهيدًا يوم أحد ـ قد مُثل به فوضع بين يديه فذهبتُ أكشف عن وجهه فنهاني قومي فسمع, أي النبي , فسمع النبي صوت صائحة فقال: ((لما تبكين؟ فلا تبكي مازالت الملائكة تظله بأجنحتها)).
٣ – فالشهيد وحده من أهل الجنة هو الذي يحب أن يرجع إلى الدنيا كما في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي قال: ((ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا, وأن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة)), وفي رواية: ((لما يرى من فضل الشهادة)) أخرجه البخاري ومسلم.
وليس عجبًا إذًا أن يجد هذا البيان النبوي الرفيع صدًا ضخمًا وأثرًا بالغًا وسلطانًا قويًا على نفوس تلك الصفوة المختارة, والصحبة التقية من الصحابة الكرام الأعلام, فتوطدت في نفوسهم أعمق معاني الشهادة, وترسخت في قلوبهم أسمى درجات الحب لها والولع بها والعمل الدؤوب لبلوغ مقامها, والتنعم برياضها.
٤ – ان الله طيبهم وطيب ذكرهم وريحهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يُكْلَمُ أحدٌ في سبيل الله – واللهُ أعلَمُ بمن يُكلَم في سبيل الله – إلاَّ جاء يوم القيامة وجرحُه يَثعب دمًا، اللون لون دمٍ، والرِّيح رِيح مِسك) رواه البخاري
٥ – بل جعل فضل اوقاتهم ولو يسيرة خير من الدنيا وما فيها فعن أنس بن مالك – رضِي الله عنه – عن النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لَغدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها)) البخاري
ومَن أراد الجنَّةَ فليعلَمْ أنَّ محمدًا – صلى الله عليه وسلم – قال: ((واعلَمُوا أنَّ الجنة تحت ظلال السيوف)) البخاري.
ولا يجتمع عليهم غبار جهنم مع الجهاد والشهادة فقد أخرج النسائي أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا يجتمعُ غبارٌ في سبيل الله ودخانُ جهنم في جوفِ عبدٍ أبدًا )
روى الحافظ ابن عساكر عن محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة قال: أملي عليَّ عبد اللّه بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس وأنشدها إلى الفضيل بن عياض في سنة سبعين ومائة:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا * لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه * فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل * فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا * رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا * قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبَّار خيل اللّه في * أنف امرىء ودخان نار تلهب
هذا كتاب اللّه ينطق بيننا * ليس الشهيد بميت لا يكذب
قال: فلقيت الفضيل بن عياض بكتابه في المسجد الحرام ، فلما قرأه ذرفت عيناه وقال: صدق أبو عبد الرحمن ونصحني ، ثم قال : أنت ممن يكتب الحديث ؟ قال : قلت : نعم ، قال : فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا ، وأملى عليّ الفضيل بن عياض :حدثنا منصور بن المعتمر ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أن رجلاً قال : يا رسول اللّه علِّمني عملاً أنال به ثواب المجاهدين في سبيل اللّه ، فقال : “هل تستطيع أن تصلي فلا تفتر ، وتصوم فلا تفطر ؟ ” فقال : يا رسول اللّه أنا أضعف من أن أستطيع ذلك ، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ” فوالذي نفسي بيده لو طُوِّقت ذلك ما بلغت المجاهدين في سبيل الله ، قال أبو هريرة أوما علمت أن الفرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له بذلك الحسنات ؟!
الحديث رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير
ومعناه أي قال أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه مُبيِّنًا فضْلَ الجِهادِ وثَوابَه: «إنَّ فرَسَ المجاهدِ ليَستَنُّ في طِوَلِه»، أي: يَذهَبُ ويَجيءُ في مرَحٍ ونَشاطٍ وهو مَربوطٌ في حَبْلِه، «فيُكتَبُ له حسَناتٍ»
بل ان طالب الشهادة بصدق ينالها بنيته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن سأل اللهَ الشَّهادة بصدقٍ، بلَّغه الله منازِلَ الشُّهداء وإن مات على فِراشه)) رواه مسلم
وهذا سيف الله المسلول خالد بن الوليد يقول: خُضت أكثر من مائة معركة، وما في جسمي موضع شبر إلا وفيه ضربة سيف، أو طعنة رمح، وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا قرت أعين الجبناء، يقول للروم والفرس: جئتكم برجال يحبون الموت كما تحبون الحياة، ويقول مطمئناً من يقع شهيداً بأنه لن يحدث له إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة.
ثالثا : تاريخ الشهداء العظام من أنبياءٌ الله وصحابة رسول الله في مواكب الشهداء.
ان التاريخ الاسلامي مليء بالشهداء العظام الذي غيروا مجري التاريخ بحياتهم واستشهادهم وسطروا احرف من نور ليضيئوا للعالم طريق الهداية بتضحياتهم
وإن الشهداء الذين ذهبوا إلى الله – على اختلاف أماكنهم ودرجاتهم – لهم نماذج في التاريخ القديم والحديث، وما أحوج الأمة الإسلامية إلى هذه النماذج ! ما أحوجها أن تعرف من رجالها الكبار! ومَن أبطالها الذين تأخذ منهم الأسوة ! ذلك لأن أعداء الإسلام ما طمعوا فيه، ولا نالوا منه، ولا تجرؤوا عليه، إلا لأن أمتنا ثشبَّثت بالحياة على الأرض، وأخلدت إلى الهوى والشهوة، وقاتلت على الحُطام الفاني، ونافسَت فيما لا وزن له عند الله.
وسيد الشهداء من بني البشر هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيار الله تعالى له- صلى الله عليه وسلم- بأن يجمع له مع النبوة الشهادة
روى البخاري تعليقا والبيهقي مسندا عن عائشة – رضي الله تعالى عنها- قالت : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول في مرضه الذي مات فيه : يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر وهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم وفي رواية «ما زالت أكلة خيبر تعاودني» .
وعاش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد حادثة سم اليهودية له في خيبر ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي قبض فيه ، جعل يقول : هذا أوان انقطاع أبهري ، وهو عرق في الظهر .
فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مات شهيدا ، مع ما أكرمه الله به من النبوة
وروى ابن سعد بسند صحيح ، والبيهقي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال : لأن أحلف تسعا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة ، وذلك أن الله اتخذه نبيا ، وجعله شهيدا» .
ومن الأنبياء غير الحبيب المصطفى من أذاقه الله تعالى طعم الشهادة كنبي الله زكريا نبي الله يحيي عليهما السلام وغيرهما كثيرٌ من أنبياء بني إسرائيل كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾ وقوله: ﴿ وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾
وروى ابن جريرٍ رحمه الله من حديث أبي عبيدة رضي الله عنه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مئة رجل واثنا عشر رجلا من عباد بني إسرائيل، فأمروا من قتلهم بالمعروف، ونهوهم عن المنكر، فقتلوا جميعا من آخر النهار في ذلك اليوم، وهم الذين ذكر الله عز وجل؛ يعني قوله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾
وروى ابن أبي حاتم رحمه الله عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: ” قتلت بنو إسرائيل ثلاثمائة نبيٍّ من أول النهار وأقاموا سوق بقلهم من آخره”.
لقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقَّفون تلك المنح والعطايا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيَتسابقون إلى ميدان الجهاد، ويتسابقون إلى الشهادة في سبيل الله
لقد كان الإسلام هو شرفهم الأول وغاية آمالهم، فهذا عبد الله بن أم مكتوم – رضي الله عنه الذي يقول له النبي : ((مرحباً بالذي عاتبني فيه ربي)) – لما أتى داعي الجهاد في سبيل الله، وارتفعت راية الإسلام، ونادى النفير للجهاد، فيقول له الصحابة: إنك معذور، أنت أعمى، وذلك لقوله تعالى: لَّيْسَ عَلَى الاْعْمَى [الفتح:17]. فيجيبهم: لا والله، والله يقول: انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً [التوبة:41].
فلما حضرت المعركة أعطوه الراية، وقالوا: إياك أن نؤتى من قبلك فقال رضي الله عنه: بئس حامل القرآن إن أتيتم من قبلي، فوقف مكانه حتى قتل، فكان قبره تحت قدميه رضي الله عنه وأرضاه.
عمير بن الحمام
ففي معركة بدر وحين التقى المسلمون بالمشركين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض))، فقال: عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض، قال: “نعم”، قال بخ بخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما يَحمِلُك على قولك: بخ بخ؟)) قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءةَ أن أكون من أهلها! قال: ((فإنك من أهلها)) فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: “لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل” رواه مسلم
لما ترك المجاهد الفراش والأزواج جاد عليه الملك الوهاب بكثرة الأزواج من الحور العين والجزاء عند الله من جنس العمل، فاز بوصال مَن خُلقت من النور، ونشأت في ظلال القصور مع الولدان والحور، في دار النعيم والسرور، والله لا يجفُّ دم الشهيد حتى تلقاه، وتستمتِع بشهود نورها عيناه، حوراء عيناء، جميلة حسناء، بكر عذراء، كأنها الياقوت لم يطمثها إنس قبله ولا جان، كلامها رخيم، وقدها قويم، وشعرها بهيم، وقدرها عظيم، وجفنها فاتر، وحسنها باهر، وجمالها زاهر، ودلالها ظاهر، كحيل طرفها، جميل ظُرفها، عذب نطقها، عجب خَلْقها، حسن خُلُقها، زاهية الحُليِّ، بهية الحُلل، كثيرة الوداد، عديمة الملل، قد قصرت طرفها عليك، فلم تنظر سواك، وتحبَّبت إليك بما وافق هواك، لو برَز ظفرها لطمس بدر التمام، ولو ظهر سُوارها ليلاً لم يبقَ في الكون ظلام، ولو بدا معصمها لسَبى كل الأنام، ولو اطَّلعتْ بين السماء والأرض لمُلئ ريحًا ما بينهما، كلما نظرتَ إليها ازدادتْ في عينيك حسنًا، وكلما جالستها زادتْ إلى ذلك الحسن حسنًا، أيَجمٌل بعاقل أن يسمع بهذه ويقعُد عن وصالها، كيف وله في الجنة من الحور العين أمثال أمثالها؟!
جاء جليبيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبسم عليه الصلاة والسلام، لما رآه، وقال وهو يناصحه: ((يا جليبيب أتُريدُ الزواج؟ فقال يا رسول الله: من يزوجني، ولا أسرة عندي، ولا مال، ولا دار، ولا شيء من متاع الدنيا. فقال عليه الصلاة والسلام: اذهب إلى ذلك البيت من بيوت الأنصار، فأقرئهم مني السلام، وقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأمركم أن تزوجوني))، فذهب وطرق عليهم الباب وكانوا من سادات الأسر، ومن كبريات العشائر في الأنصار، فخرج ربُّ البيت، ورأى جُليْبيبًا وهيئته وفقره وعوزه، فقال له ماذا تريد؟ فأخبره الخبر، فعاد إلى زوجته، فشاورها، ثم قالوا: ليته غير جليبيب؛ لا نسب، ولا مال، ولا دار، فشاوروا تلك البنت الصالحة، التي تربت في مدرسة التوحيد، فقالت: وهل نردُّ رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فتزوج بها، وعمر بيته الذي أسسه على تقوى الله – عز وجل – ورضوانه، ترفرف عليه المسكنة، ويزينه التكبير والتهليل والتحميد، وتظلله الصلاة في الهجيرِ، والصيام في شدة الحر. قصة زواج جليبيب رضي الله عنه رواها أحمد في المسند
وحضر النبي صلى الله عليه وسلم، معركة من المعارك، فلما انتهت بالنصر، قال صلى الله عليه وسلم، لأصحابه: ((هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا. ثم قال صلى الله عليه وسلم: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا. ثم قال صلى الله عليه وسلم: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: لا. قال: صلى الله عليه وسلم: لكني أفقد جليبيبًا فاطلبوه فطُلب في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعةٍ قد قتلهم، ثم قتلوه، فأتى النبيُ صلى الله عليه وسلم، فوقف عليه، فقال: قتل سبعةً ثم قتلوه. هذا منِّي وأنا منه، هذا مني وأنا منه، ثم وضع ساعديه، ليس له إلا ساعدا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حُفِر له، ووضع في قبره)) أخرجه مسلم
أنسُ بن النَّضر
روي البخاريُّ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: غاب عمِّي أنسُ بن النَّضر عن قتال بدرٍ، فقال: يا رسول الله، غبتُ عن أول قتالٍ قاتلتَ المُشركين! لئن الله أشهدني قتالَ المُشركين ليرينَّ اللهُ ما أصنعُ، فلمَّا كان يومُ أُحُدٍ وانكشف المُسلمُون، قال: اللهمَّ إنِّي أعتذرُ إليك ممَّا صَنع هؤلاء – يعني أصحابه – وأبرَأُ إليك ممَّا صنع هؤلاء – يعني المُشركين – ثمَّ تقدَّم فاستقبله سعدُ بن مُعاذٍ فقال: يا سعدُ بن مُعاذٍ، الجنَّة وربِّ النَّضر، إنِّي أجدُ ريحَها من دون أُحُدٍ، قال سعد: فما استطعتُ يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربةً بالسَّيف أو طعنةً برُمحٍ أو رميةً بسهمٍ، ووجدناه قد قُتل وقد مَثَّل به المُشركُون، فما عرَفه أحدٌ إلاَّ أُختُه ببنانه، قال أنس: كنَّا نرى أو نظنُّ أنَّ هذه الآية نزلَت فيه وفي أشباهه: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ [الأحزاب: 23]؛ إلى آخر الآية، وقال: إنَّ أُخته – وهي تُسمَّى الرُّبيِّع – كسرَت ثنيَّة امرأةٍ، فأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالقِصاص، فقال أنس: يا رسول الله، والذي بعثك بالحقِّ لا تُكسر ثنيَّتُها، فرضوا بالأرش وتَركوا القصاص، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من عباد الله مَن لو أقسم على الله لأبرَّه)) البخاري.
عمرو بن الجموح
وهذا عمرو بن الجموح رجل أعرج لا جهاد عليه، قد أسقط الله عنه الجهاد، لكنه يسمع النداء: يا خيل الله اركبي، حي على الجهاد، ويريد أن ينطلق للجهاد في سبيل الله جل وعلا، فيقول أبناؤه الأربعة الذين ما تركوا غزوة مع رسول الله؛ يقولون لأبيهم: يا أبانا لقد أسقط الله عنك الجهاد، ونحن نكفيك، فيبكي عمرو بن الجموح وينطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشتكي لرسول الله وهو يقول: يا رسول الله! إن أبنائي يمنعوني من الخروج للجهاد في سبيل الله، ووالله إني لأريد أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فيلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمرو ويقول: يا عمرو فقد أسقط الله عنك الجهاد، فقد عذرك الله جل وعلا، ومع ذلك يرى النبي رغبة عارمة في قلب عمرو بن الجموح للجهاد في سبيل الله، فيلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبنائه الأربعة ويقول لهم: (لا تمنعوه! لعل الله أن يرزقه الشهادة في سبيله).
وينطلق عمرو بن الجموح، لا أقول يبحث عن النصر، بل يبحث عن الشهادة في سبيل الله جل وعلا، ويرزقه الله الشهادة في سبيله، صدق الله فصدقه الله جل وعلا.
ويمر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعدما قتل فيقول: (والله لكأني أنظر إليك تمشي برجلك في الجنة وهي صحيحة).
أم حرام بنت ملحان
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت رضي الله عنه فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه فنام رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم استيقظ وهو يضحك
قالت فقلت يا رسول الله ما يضحكك قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة
قالت فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك
قالت فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله كما قال في الأولى
قالت فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال أنت من الأولين
فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت رضي الله عنها . رواه البخاري ومسلم واللفظ له
من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسْـ …ـمَك فوق هاماتِ النجومِ منارا
كنا جبالاً في الجبالِ وربما …صِرْنا على موج البحارِ بحارا
كنا نرى الأصنام من ذهبٍ فنهـ …ـدمُها ونهدمُ فوقَها الكفارا
لو كان غير المسلمين لصاغها …حُلْيًا وحاز الكنزَ والدينارا
ان تاريخنا قديمًا كما ذكرنا وحديثا امتلأ برجال نالوا الشهاده ك عمر المختار والفريق عبدالمنعم رياض والشهيد المقدم ابراهيم الرفاعي والشهيد العقيد محمد زرد والعريف سيد زكريا خليل” أسد سيناء”
وعبد الرحمن القاضي ” صاحب أشهر صورة في الحرب” وغيرهم
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، الحمد لله الذي وعد عباده الصادقين الذي يجاهدون في سبيله بجنات النعيم، والحياة الأبدية في الآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد ان مُحمداً عبده ورسوله.
أما بعد
فإن الشهيد في مقامه كالنَّجم يَسموا فوق كل مكان
فالله كرَّمه وأعلى شأنه وله الخلود بجنة الرضوان
حيٌّ، وكل الناس في أجداثهم فالرُّوح في الرَّوضات والأفنان
رابعاً : مَنْزِلَةُ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-:
ان للشهداء منازلُ من النعيم الخاص الممدود من الله واهب الخيرات للمحسنين، ذلك أنهم استرخصوا أرواحهم فداءً لدينهم وثوابتهم، وقدموا لله كل شئ ولم يأخذوا من دنيا الناس شيئاً، إنهم هم المثلُ الباقية والقدواتُ الماثلة للأجيال المؤمنة وهي تخطو نحو النصر وبناء الأوطان في كل مرحلة، ولهذا فقد ربح بيع نفوسهم لمولاهم وهو أعلم بهم فهم في اعلي المنازل والدرجات
روي البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض)).
واي منزلة بعد الكلام مع ربهم مواجهة واي كرامة تلك اسمعوا إلى جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ -رضيَ اللهُ عنهُما- وهو يذكرُ كيفَ جبرَ بقلبِه النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- لمَّا لاحظَ عليه الحُزنَ والانكسارَ
روي ابن ماجاة وغيره عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قال: لَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ يَوْمَ أُحُدٍ، لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا جَابِرُ، أَلَا أُخْبِرُكَ مَا قَالَ اللَّهُ لِأَبِيكَ؟» وَقَالَ: يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ، فَقَالَ: «يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا “، قَالَ: «أَفَلَا أُبَشِّرُكَ، بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟» ، قَالَ: بَلَى: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ” مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي، فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً، فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ، قَالَ: يَا رَبِّ، فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] “
فيا اللهَ هل تتصوروا حالَ جابرٍ، بعدَ هذا الخبرِ الجَابرِ؟
ان الشهداء لهم منازل من النعيم يوم القيامة حيث لا يفزعون ولا يحيق بهم خوف ولا أذى، قال الله تعالى: ﴿ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾ وتفسيراً لذلك جاء في الحديث الذي رواه الترمذي في السنن عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة من دمه . ويرى مقعده من الجنة . ويجار من عذاب القبر . ويأمن من الفزع الأكبر . ويحلى حلة الإيمان . ويزوج من الحور العين . ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه ) فسبحان الواهب المنان.
فالله تعالى جعل للشهيد عُرسًا، حيث يزوجهم الله بالحور العين اللاتي ذكرهن الله تعالى في كتابه بقوله : ’’ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ *فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ,, (الرحمن: 56 -58).
أن الشهيد أصاب الفردوس الأعلى، والأجر العظيم، والفوز المبين والكرامة العليا، كما أن الشهادة في سبيل الله طريق مباشر إلى الجنة، ففي معركة بدر، وعندما التقى المسلمون بالمشركين، قال النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (قوموا إلى جنةٍ عرضُها السماواتُ والأرضُ) (رواه مسلم).
وان منازلهم وابوابهم في الجنة اعلي المنازل والابواب فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رأيت الليلة رجلين أتياني فصَعِدا بي الشجرة فأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل، لم أر قط أحسن منها، قالا لي: أما هذه فدار الشهداء))؛ رواه البخاري.
روي الامام احمد في مسنده عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيد يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “الشُّهَدَاءُ أَرْبَعَةٌ: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الْإِيمَانِ، لَقِيَ الْعَدُوَّ فَصَدَقَ اللَّهَ فَقُتِلَ، فَذَلِكَ الَّذِي يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهِ هَكَذَا- وَرَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى سَقَطَتْ قَلَنْسُوة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَ قَلَنْسُوَةُ عُمَرَ- وَالثَّانِي مُؤْمِنٌ لَقِيَ الْعَدُوَّ فَكَأَنَّمَا يَضْرِبُ ظَهْرَهُ بِشَوْكِ الطَّلْحِ، جَاءَهُ سَهْمٌ غَرْب فَقَتَلَهُ، فَذَاكَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثُ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا لَقِيَ الْعَدُوَّ فَصَدَقَ اللَّهَ حَتَّى قُتِلَ، فَذَاكَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعُ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ إِسْرَافًا كَثِيرًا، لَقِيَ الْعَدُوَّ فَصَدَقَ اللَّهَ حَتَّى قُتِلَ، فَذَاكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ”. مسند احمد
ان الله تعالى أمَّن الشهيد من فتنة القبر، ويُجار من عذابه، ولا يسأله الملكان.. قال رجل يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلا الشَّهِيدَ قَالَ (كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً) (الترغيب والترهيب وإسناده صحيح). فالشهيد لا يسأله الملكان في قبره. ولعل السبب في ذلك أنه قد اُمتحن بأهوال الحرب حتى استشهد؛ فكان ذلك امتحانًا كافيًا في الدلالة على قوة إيمانه وصدقه المبين مع ربِّ العالمين. ان الشهداء يأمنون من الفزع الأكبر، ولا يُصعقون من النفخ في الصور، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)
عن النبي اللَّهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية؟ ’’وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ’’ فأخبره أن الشهداء هم المستثنون من الصعق في الآية.
ان هذه الخطبة رسالة لكل شهيد ورسالة خاصة في يوم الشهيد الي شهداء غزة الأبية فهم أسياد الشهداء لا تجزعوا من تركهم ولا تحزنوا إن اكلتهم السباع فإن الله يحشرهم يوم القيامة من بطون الطير وأمعاء السباع واليكم الدليل علي هذا فبعد انتهاء غزوة أُحد ذهب الرسول عليه الصلاة والسلام يبحث عن سيدنا حمزة ليجده فى بطن الوادى بجسد مُمثل به، فحزن الرسول حُزناً شديداً وبكى على عمه، وقال النبى الكريم: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جَائِرٍ فأمرَهُ ونَهاهُ، فَقَتَلهُ»، كما قال صلى الله عليه وسلم: والَّذى نفسى بيدِه إنَّه لَمكتوبٌ عندَ اللهِ فى السَّماءِ السَّابعةِ حمزةُ أسَدُ اللهِ وأسَدُ رسولِه
والدليل كما جاء في صحيح الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال : أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مرَّ يومَ أُحُدٍ بحمزةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ ، وقد جُدعَ ومُثِّلَ بِهِ فقالَ: لولا أن تَجزعَ صفيَّةُ لترَكْتُهُ حتَّى يَحشرَهُ اللَّهُ من بُطونِ الطَّيرِ والسِّباع فَكَفَّنَهُ في نَمِرةٍ ، إذا خمَّرَ رأسَهُ بدَت رجلاهُ ، وإذا خمَّرَ رجليهِ بدا رأسُهُ ، فخمَّرَ رأسَهُ ، ولم يُصلِّ على أحدٍ منَ الشُّهداءِ غيرَهُ وقالَ: أَنا شَهيدٌ عليكُم يومَ القيامةِ .
وكان يجمع الثلاثة في قبر ، والاثنين فيسأل : ” أيهما أكثر قرآنا; فيقدمه في اللحد ، وكفن الرجلين والثلاثة في ثوب ” .
صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56].
وقد قال : ((من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا))، اللهم صل على نبيك وحبيبك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم ارحم شهدائنا الابطال شهداء مصر المجاهدين وشهداء المسلمين
اللهمَّ ارفع الحصار عن غزة وانصر أهلها على الظلم والعدوان. اللهم منزّل الكتاب ومجرى السحاب وهازم الأحزاب عليك باليهود فاهزمهم وانصرنا عليهم، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم زلزل أقدامهم ونكس أعلامهم وأذهب ريحهم اللهم آمين.
جمع وترتيب / ثروت سويف / امام وخطيب ومدرس بالأوقاف المصرية