خطبة الأسبوععاجل

خطبة بعنوان: الشكر حقيقته ووسائله وأثره في حفظ النعم ، للدكتور خالد بدير بتاريخ 15 رجب 1437هـ – 22 / 4 / 2016م

خطبة بعنوان: الشكر حقيقته ووسائله وأثره في حفظ النعم ، للدكتور خالد بدير بتاريخ 15 رجب 1437هـ – 22 / 4 / 2016م.

لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا

لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا

 

ولقراءة الخطبة كما يلي:

عناصر الخطبة:
العنصر الأول: منزلة الشكر في الإسلام
العنصر الثاني: حقيقة الشكر وأركانه
العنصر الثالث: النعم بين شكرها وكفرها
العنصر الرابع: وسائل تحقيق الشكر
العنصر الخامس: ثمرات الشكر وفوائده
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: منزلة الشكر في الإسلام
إن للشكر منزلة عليا في الإسلام؛ بل هو نصف الإيمان؛ والنصف الآخر هو الصبر؛ لأن حال المؤمن لا يخلو منهما؛ فَعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ!! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ!! إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ!! وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ!!” (مسلم)؛ وفي ذلك يقول ابن القيم: ” الإيمان يبنى على الصبر والشكر, فنصفه صبر ونصفه شكر, فعلى حسب صبر العبد وشكره تكون قوة إيمانه” ( الفوائد)
وإذا كان الواحد منا لا يخلو حاله من هذين؛ فهو إما صابر وإما شاكر؛ فقد جمع الأنبياء بين مقامي الشكر والصبر؛ ليكونوا بذلك في أعلى درجات الإيمان؛ وفي مقدمتهم رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا! فَقُلْتُ: لَا يَا رَبِّ وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ؛ فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ ؛ وَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وَشَكَرْتُكَ.” ( أحمد والترمذي)
ولو نظرنا إلى الصبر في حياة الأنبياء تجد أن الله خص أولى العزم منهم؛ فقال تعالى:{ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}(الأحقاف: 35)؛ وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي مقام الشكر نجد أن الله أثنى على أوّل رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشّكر. فقال: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً }(الإسراء: 3) . كما أثنى سبحانه على خليله إبراهيم بشكره نعمه. فقال: { إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} (النحل: 120- 121)؛ فأخبر عنه سبحانه بصفات ثمّ ختمها بأنّه شاكر لأنعمه، فجعل الشّكر غاية خليله. وأمر الله- عزّ وجلّ- عبده موسى أن يتلقّى ما آتاه من النّبوّة والرّسالة وتكليمه إيّاه بالشّكر. فقال تعالى: { يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الأعراف: 144) . وبهذا جمع الله لأنبيائه بين مقامي الشكر والصبر ليكونوا في أعلى درجات الإيمان والتقوى!!
العنصر الثاني: حقيقة الشكر وأركانه
أحبتي في الله: كلنا نتمنى أن ننال مقام الشكر في حياتنا كلها؛ وفي هذا العنصر نطوف حول حقيقة الشكر وأركانه؛ فكثير من الناس يظن أن الشكر كلمة تقال؛ ولكن حقيقة الشكر كما قال ابن القيّم:” الشّكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبّة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة.” «مدارج السالكين» . وكما قال ابن قدامة- رحمه الله تعالى-: « الشّكر يكون بالقلب واللّسان والجوارح. أمّا بالقلب فهو أن يقصد الخير ويضمره للخلق كافة. وأمّا باللّسان: فهو إظهار الشّكر لله بالتّحميد، وإظهار الرّضى عن الله تعالى. وأمّا الجوارح: فهو استعمال نعم الله في طاعته، والتّوقّي من الاستعانة بها على معصيته، فمن شكر العينين أن تستر كلّ عيب تراه للمسلم، ومن شكر الأذنين أن تستر كلّ عيب تسمعه. » «مختصر منهاج القاصدين» .
ومن هذين الأثرين تتبين أركان الشكر الثلاثة وهي: الاعتراف بالنعمة أولا؛ ثم الثناء على المنعم ثانيا؛ ثم العمل بالجوارح في طاعة الله ثالثا؛ وهاك البيان بالتفصيل:
أولا: الاعتراف بالنعمة:
ومعنى الاعتراف بالنعمة: أي تقر وتعترف وتوقن وتجزم أن الذي أسداك تلك النعمة هو الله؛ وما العبد إلا وسيلة فقط للحصول عليها؛ فلا تنسب النعمة للعبد وتنس الرب؛ لأن هذا فعل الجهال الذين في عقيدتهم زيف وضلال؛ فهم ينسبون النعم لغير بارئها؛ فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ. فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ. “[متفق عليه].
ولنا القدوة الحسنة في الأنبياء عليهم السلام واعترافهم بالنعم ونسبتها لله عز وجل؛ فهذا موسى عليه السلام يعترف بنعم الله عليه فيقول: يارب كيف أشكرك وأصغر نعمة وضعتها بيدي من نعمك لا يجازى بها عملي كله ! فأوحى الله إليه يا موسى الآن شكرتني!!
وعن أبي عمر الشيباني قال: قال موسى عليه السلام يوم الطور: “يا رب إن أنا صليت فمن قبلك، وإن أنا تصدقت فمن قبلك، وإن أنا بلغت رسالتك فمن قبلك، فكيف أشكرك؟” قال: يا موسى الآن شكرتني .
يقول القرطبي: فحقيقة الشكر على هذا الاعتراف بالنعمة للمنعم، وألا يصرفها في غير طاعته.”(تفسير القرطبي)
وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول في كل صباح:” اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ.” (أبوداود)
ثانياً : الثناء على المنعم:
عباد الله: إن العبد لو أسدى إليك معروفا ولم تثن عليه أو تشكره يظل غاضبا منك ساخطا عليك؛ فإن شكرته وأثنيت عليه ازداد فرحا وانشراحا وسرورا ؛ ولله المثل الأعلى؛ فالركن الثاني وهو الثناء المنعم – وهو الله عز وجل – بما أولاك من نعم وأسداك من معروف؛ ولهذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحي ليله كله في الثناء على الله عز وجل؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ” فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَمَسْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ وَقَدَمَاهُ مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ؛ وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ؛ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.”( مسلم)؛ وعَنْ جَابِرٍ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ؛ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ فَإِنَّ مَنْ أَثْنَى فَقَدْ شَكَرَ؛ وَمَنْ كَتَمَ فَقَدْ كَفَرَ؛ وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَهُ كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ » [أبو داود والترمذي واللفظ له].
ثالثا: العمل بالجوارح:
عباد الله: إن الشكر لا يكون باللسان وإنما بالعمل؛ يقول الإمام أبو حامد الغزالي: “..إن الناس يظنون أن الشكر أن يقول بلسانه: الحمد لله، الشكر لله، ولم يعرفوا أن معنى الشكر أن يستعمل النعمة في إتمام الحكمة التي أريدت بها وهي طاعة الله عزَّ وجلَّ”؛ ولهذا قال الله لآل داود { اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }. ( سبأ : 13)؛ قال ثابت البناني : بلغنا أن داود نبي الله جزّأ الصلاة في بيوته على نسائه وولده ، فلم تكن تأتي ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان قائم من آل داود يصلي ، فعمّتهم هذه الآية : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا } (رواه ابن أبي شيبة) .
فالله أمر آل داوود بالعمل شكراً، لأن هناك فرقاً بين شكر القول وشكر العمل، فشكر القول باللسان يسمي حمداً وبالعمل يسمي شكراً ، لذلك قال: اعملوا ، ولم يقل: قولوا شكراً، لأن الشاكرين بالعمل قلة، لذلك زيل الآية بقوله: { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}
وقد مر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم برجل في السوق فإذا بالرجل يدعو ويقول : ( اللهم اجعلني من عبادك القليل .. اللهم اجعلني من عبادك القليل ) فقال له سيدنا عمر: من أين أتيت بهذا الدعاء؟ فقال هذا الرجل: إن الله يقول في كتابه العزيز : { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }، وقال: { إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} ( ص : 24 )، فأسأل الله أن يجعلني من هؤلاء القليل، فبكى سيدنا عمر وقال: كل الناس أفقه منك يا عمر. فشكر النعمة استخدامها فيما خلقت له؛ فإذا أكرمك الله بمالٍ فلا تنفقه في حرام ، وإذا أنعم الله عليك بتلفازٍ فلا تستعمله في حرام، وشبكة الانترنت تستخدمها في الدعوة إلى الله، …..إلخ، لأن شكر هذه النعم استخدامها في طاعة الله، وكفرها استخدامها في الفساد والإفساد .
ومَن رزقه الله علمًا فشكره بالإنفاق منه بأن يعلم غيره، ويفقه أهله وجاره، ومَن رزقه الله جاهًا، فشكره بأن يستعمله في تيسير الحاجات للآخرين، وقضاء مصالحهم.
ومَن أفاض الله عليه إيمانًا راسخًا، ويقينًا ثابتًا، فشكره أن يفيض على الآخرين من إيمانه، وأن يسكب عليهم من يقينه؛ وذلك بأن يذكرهم بنعم الله وآلائه، وأن يحيي في قلوبهم الرجاء والخوف والخشية من الله، وأن يُثَبِّت في قلوبهم بأن الآجال والأرزاق بيد الله، وأن الخلق لا يملكون له نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، وأن من أسماء الله الحسنى أنه المحيي المميت، الرزاق، النافع الضار، القابض الباسط.
ومن رزقه الله الـذرية فإن شكرها يكون بأن يغرس في قـلبها عقيدة التوحيد من الصغر، وأن ينشئها على طاعة الله- عزَّ وجلَّ- وأن يحصنها ويعيذها من الشيطان كما أعاذت امرأة عمران ابنتها حين قالت: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (آل عمران: 36).
وكذلك شكر الله- عزَّ وجلَّ – على ما أنعم به علينا من جوارح، كاليدين والرجلين والعينين والأذنين وغيرها؛ أن نستخدمها في طاعة الله عز وجل؛ ” فقد روي أن أبا حازم جاءه رجل فقال له: ما شكر العينين؟ قال: إن رأيت بهما خيرًا أعلنته، وإن رأيت بهما شرًّا سترته.
قال: فما شكر الأذنين؟ قال: إن سمعت خيرًا وعيته، وإن سمعت بهما شرًّا أخفيته. قال: فما شكر اليدين؟ قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقًّا لله- عزَّ وجلَّ- هو فيهما، قال فما شكر البطن؟ قال: أن يكون أسفله طعامًا، وأعلاه علمًا، قال فما شكر الفرج؟ قال: كما قال الله- عزَّ وجلَّ-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ} (المؤمنون: 5 – 7)، قال: فما شكر الرِّجْلَيْنِ؟ قال: إن رأيت حيًّا غبطته بهما عمله، وإن رأيت ميتًا مقته كففتها عن عمله، وأنت شاكر لله- عزَّ وجلَّ، فأما من شكر بلسانه، ولم يشكر بجميع أعضائه، فمثله كمثل رجل له كساء، فأخذ بطرفه، ولم يلبسه، فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر” «عدة الصابرين ».
العنصر الثالث: النعم بين شكرها وكفرها
أحبتي في الله: لقد أنعم الله علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، قال تعالى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } (إبراهيم: 34)، وقال سبحانه: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } (النحل: 18).
وهنا وقفة لطيفة، فتجد أن الله ختم الآيتين بخاتمتين مختلفتين؛ ففي سورة إبراهيم ختمت بقوله تعالى: {إن الإنسان لظلوم كفار}، وأما في سورة النحل فختمت بقوله تعالى: {إن الله لغفور رحيم} فما تعليل ذلك؟
ولتلمس العلة في ذلك- والله أعلم- أنقل ما ذكره الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير حيث يقول: «وقد خولف بين ختام هذه الآية (آية النحل)، وختام آية سورة إبراهيم؛ إذ وقع هنالك {وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار} لأن تلك جاءت في سياق وعيد وتهديد عقب قوله تعالى: { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرًا} فكان المناسب لها تسجيل ظلمهم وكفرهم بنعمة الله. وأما هذه الآية فقد جاءت خطابًا للفريقين، كما كانت النعم المعدودة عليهم منتفعًا بها كلاهما. ثم كان من اللطائف أن قوبل الوصفان اللذان في آية سورة إبراهيم {لظلوم كفار} بوصفين هنا {لغفور رحيم} إشارة إلى أن تلك النعم كانت سبب لظلم الإنسان وكفره، وهي سبب لغفران الله ورحمته. والأمر في ذلك منوط بعمل الإنسان».
وأقف وقفة عند قول الإمام ابن عاشور : ” والأمر في ذلك منوط بعمل الإنسان” فأقول: الماء نعمة فإذا استخدمته في طاعة وحافظت عليه فقد شكرت النعمة وأديت حقها؛ فبذلك تنال الرحمة والمغفرة {إن الله لغفور رحيم}!!
أما إذا استخدمته في معصية وأسرفت فيه؛ فقد ظلمت نفسك وكفرت بالنعمة ولم تؤد حقها فبذلك دخلت في دائرة الظلم والكفران { إن الإنسان لظلوم كفار}!! فالأمر في ذلك منوط بعمل الإنسان!! وقس على ذلك بقية النعم من المال والتكنولوجيات الحديثة من النت والدش والفيس بوك والمحمول والبلوتوث وغير ذلك.
أيها المسلمون: لقد ذكر القرآن لنا نماذج عديدة من الأمم السابقة ممن بدلوا نعمة الله كفراً وماذا أحل بهم؛ وأكتفي بذكر مثالين؛ الأول: قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}(النحل:112)؛ والثاني: قوله تعالي:{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ } (سبأ: 15 – 17 } قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:” كانت سبأ في نعمة وغبطة في بلادهم، وعيشهم واتساع أرزاقهم، وزروعهم وثمارهم، وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه، ويشكروه بتوحيده وعبادته؛ فكانوا كذلك ما شاء الله، ثم أعرضوا عما أمروا به، فعوقبوا بإرسال السيل، والتفرق في البلاد شذر مذر.”( تفسير ابن كثير)
أحبتي في الله: اعلموا أن شكر الله على نعمه يستلزم مزيدها ونماءها؛ وجحد النعمة يستوجب زوالها وذهابها فضلا عن العذاب الشديد الذي أعده الله لصاحبها. وهذا هو العهد والميثاق الذي أخذه الله على نفسه في قوله:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ”(إبراهيم: 7).
قال بعض أهل العلم: « من أعطي أربعا لم يمنع أربعا: من أعطي الشّكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التّوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصّواب. » «إحياء علوم الدين» . وقال بكر بن عبد الله المزنيّ- رحمه الله تعالى-: «قلت لأخ لي أوصني. فقال: ما أدري ما أقول غير أنّه ينبغي لهذا العبد أن لا يفتر من الحمد والاستغفار، فإنّ ابن آدم بين نعمة وذنب، ولا تصلح النّعمة إلّا بالحمد والشّكر، ولا يصلح الذّنب إلّا بالتّوبة والاستغفار.» «عدة الصابرين» .
أيها المسلمون: أختم هذا العنصر بهاتين القصتين في شكر النعم وجحودها.
الأولى: عَن أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” إِنَّ ثلاثَةَ نَفَرٍ في بَنِي إِسْرَائِيلَ : أَبْرَصَ ، وأَقْرَعَ ، وأَعْمَى ، بدَا للهِ أنْ يَبْتَلِيَهُمْ فبعثَ إليهِم مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ ، فقال : أيُّ شيءٍ أحبُّ إليكَ ؟ قال : لَوْنٌ حَسَنٌ ، وجِلْدٌ حَسَنٌ ، قد قَذَّرَنِي الناسُ ، فَمسحَهُ ، فذهبَ ، وأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا ، وجِلْدًا حَسَنًا ، فقال : أيُّ المالِ أحبُّ إليكَ ؟ قال الإِبِلُ ، فَأُعْطِيَ ناقَةً عُشَرَاءَ ، فقال : يباركُ لكَ فيها ، وأَتَى الأَقْرَعَ ، فقال : أيُّ شيءٍ أحبُّ إليكَ ؟ قال : شَعْرٌ حَسَنٌ ، ويذهبُ هذا عَنِّي ، قد قَذَّرَنِي الناسُ ، فَمسحَهُ ، فذهبَ ، وأُعْطِيَ شَعْرًا حَسَنًا ، قال : فَأيُّ المالِ أحبُّ إليكَ ؟ قال : البَقَرُ ، فَأَعطَاهُ بَقْرَةً حامِلا ، وقال : يباركُ لكَ فيها ، وأَتَى الأَعْمَى ، فقال : أيُّ شيءٍ أحبُّ إليكَ ؟ قال : يردُ اللهُ إلِي بَصرِي ، فَأُبْصِرُ بهِ الناسُ ، فَمسحَهُ ، فَرَدَّ اللهُ بَصَرَهُ ، قال : فَأيُّ المالِ أحبُّ إليكَ ؟ قال : الغنمُ ، فَأعطاهُ شَاةً والِدًا ، فَأنتَحَ هذانِ ، ووَلَّدَ هذا ، فكانَ لِهذا وادٍ من إِبِلٍ ، ولِهذا وادٍ من بَقَرٍ ، ولِهذا وادٍ من غَنَمٍ ، ثُمَّ إنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ في صُورَتِه وهَيْئَتِه ، فقال : رجلٌ مِسْكِينٌ ، تقطعَتْ بهِ الحبالُ في سَفَرِهِ ، فلا بَلاغَ اليومِ إلَّا باللهِ ، ثُمَّ بِكَ ، أسألُكَ بِالذي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ والجِلْدَ الحَسَنَ ، والمالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عليهِ في سَفَرِي ، فقال لهُ : إنَّ الحقوقَ كثيرةٌ ، فقال لهُ : كَأَنِّي أَعْرِفُكَ أَلمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يُقَذِّرُكَ الناسُ ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللهُ ؟ فقال : لقد ورِثْتُ لِكَابِرٍ عن كَابِرٍ ، فقال : إنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إلى ما كُنْتَ ، وأَتَى الأَقْرَعَ في صُورَتِه وهَيْئَتِه ، فقال لهُ مِثل ما قال لِهذا ، ورَدَّ عليهِ مِثْلَ ما رَدَّ عليهِ هذا . قال إنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إلى ما كُنْتَ ، وأَتَى الأَعْمَى في صُورَتِه وهَيْئَتِه فقال : رجلٌ مِسْكِينٌ وابْنُ سَبيلٍ ، وتَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبالُ في سَفَرِي فلا بَلاغَ اليومَ إِلَّا باللهِ ، ثُمَّ بِك ، أسألُكَ بِالذي رَدَّ عليكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِها في سَفَرِي ، فقال : قد كُنْتُ أَعْمَى ، فَرَدَّ اللهُ بَصَرِي ، وفقيرًا ، فَخُذْ ما شِئْتَ ، فوَاللهِ لا أحمدُكَ اليومَ لِشيءٍ أَخَذْتَهُ للهِ ، فقال : أَمْسِكْ مالكَ ، فإنَّما ابْتُلِيتُمْ ، فقد رضيَ اللهُ عَنْكَ ، وسَخِطَ على صاحبَيْكَ.” ( متفق عليه )
الثانية: قال مكّيّ بن إبراهيم- رحمه الله تعالى-: «كنّا عند ابن جريج المكّيّ، فجاء سائل فسأله؟ فقال ابن جريج لخازنه: أعطه دينارا، فقال: ما عندي إلّا دينار إن أعطيته لجعت وعيالك. قال: فغضب وقال: أعطه. قال مكّيّ: فنحن عند ابن جريج، إذ جاءه رجل بصرّة وكتاب وقد بعث إليه بعض إخوانه، وفي الكتاب: إنّي قد بعثت إليك خمسين دينارا قال: فحلّ ابن جريج الصّرّة فعدّها فإذا هي أحد وخمسون دينارا قال: فقال ابن جريج لخازنه: قد أعطيت واحدا فردّه الله عليك وزادك خمسين دينارا»
العنصر الرابع: وسائل تحقيق الشكر
قد يقول قائل؛ إن قيمة الشكر قيمة جميلة ومقام محمود أريد أن أبلغه؛ فما هي الوسائل والأسباب المعينة والموصلة إلى درجة الشكر؟!
أقول: جمعتها ولخصتها لكم فيما يلي:
أولاً: الدعاء: وذلك بأن تكثر من الدعاء بأن يجعلك الله من الشاكرين. كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذا فقال:” يَا مُعَاذُ: لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.”(أحمد وأبوداود والنسائي)؛ والأقرب أن هذا الدعاء يقال في آخر الصلاة قبل السلام. فيحسن بالمؤمن أن يكثر الدعاء بتيسير الشكر في كل حال. وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء أن يجعله الله شكارا بصيغة المبالغة في الشكر فيقول:”… رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا لَكَ ذَكَّارًا لَكَ رَهَّابًا لَكَ مُطِيعًا إِلَيْكَ مُخْبِتًا إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا…” ( أحمد والترمذي وابن ماجة).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَنَّامٍ الْبَيَاضِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ. وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ .”( أبوداود)
ثانيا: ملازمة تقوى الله والعمل بطاعته: قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123]. قال ابن إسحاق:”أي: فاتقوني؛ فإنه شكر نعمتي” [السيرة3/113].
ولهذا كان صلى الله عليه يقوم الليل حتى تتورم قدماه شكراً لله تعالي؛ فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ؛ قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟! فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟!” ( متفق عليه )؛ فكثير منكم يتقاعس حتى عن صلاة الفرض!! فهل أنتم شاكرون؟!!
ثالثا: التفكر في نعم الله عليك: قال تعالى:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]. فانظر في نفسك كم نعمة تحملها؟!! وفي الكون كم نعمة أسداها الله لك؟!! فالمؤمن إذا شاهد نعمة تذكر حق المولى عليه وأحدث ذلك في نفسه شكرا عظيما لمولاه !! كما حصل للنبي سليمان عليه الصلاة والسلام لما سمع كلام النملة؛ فاستشعر عظيم نعمة الله عليه بسعة ملكه وتسخير البهائم له ومعرفته منطقهم؛ فشكر الله في الحال وخضع قلبه لله!! قال تعالى: { قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ* فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}.( النمل: 18 ؛ 19)
رابعا: القناعة والرضا وعدم النظر إلى ما في يد الغير: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ:” كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ؛ وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ.” [ابن ماجة والبيهقي]. فينبغي على العبد أن يقنع ويرضى بما قسمه الله له؛ ولا ينظر إلى من هو أعلى منه في الدنيا ؛ فإن ذلك أدعى لكمال الشكر؛ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” خَصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ كَتَبَهُ اللَّهُ شَاكِرًا صَابِرًا؛ وَمَنْ لَمْ تَكُونَا فِيهِ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ شَاكِرًا وَلَا صَابِرًا: مَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَاقْتَدَى بِهِ. وَمَنْ نَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا فَضَّلَهُ بِهِ عَلَيْهِ كَتَبَهُ اللَّهُ شَاكِرًا صَابِرًا. وَمَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَنَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَأَسِفَ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْهُ؛ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ شَاكِرًا وَلَا صَابِرًا.” ( الترمذي وابن ماجة)؛ فلو نظر الإنسان إلى أحوال الفقراء والمساكين والمتضررين الذين هم أنزل وأقل منه في الدنيا؛ لأدرك قلبه عظيم النعم التي هو فيها فيحدث ذلك شكرها لتثبت وتزيد!!
خامسا: المداومة على صلاة الضحى: لأن المداومة على صلاة الضحى يوميا شكرٌ لنعمة الصحة والعافية؛ فعن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى» [البخاري ومسلم].
سادسا: تذكر السؤال على النعم يوم القيامة: فينبغي على الإنسان أن يتذكر في كل نعمة أسديت إليه أنه مسئول عنها أمام الله؛ فإن ذلك أدعى لتمام الشكر !! قال تعالى: { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}. قال ابن كثير:” ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم، من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك. ما إذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته.”
أحبتي في الله: وقفت عند هذه الآية متأملاً قائلاً: الرسول صلى الله عليه وسلم دخل على صحابته الكرام وهم يأخذون الخبز فيغمسونه في الزيت أو الخل. فقال لهم:” لتسألن يومئذ عن النعيم!!” ؛ فكيف لو رأى زماننا هذا ؟!! إنهم مع حالهم أشكر منا لله عز وجل!! ونحن قد أغدقنا الله بالنعم غدقا ومع ذلك استعملناها في التخريب والفساد والإفساد والجحود والكفران!! وهذا ما أخبر به صلى الله عليه وسلم؛ روي أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ دَخَلَ يَوْمًا الْمَسْجِدَ وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ قَدْ تَخَلَّلَتْ فَرَقَّعَهَا بِقِطْعَةٍ مِنْ فَرْوَةٍ، فَرَّقَ َرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَقَّ أَصْحَابُهُ لِرِقَّتِهِ، فَقَالَ: ” كَيْفَ أَنْتُمْ يَوْمَ يَغْدُو أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ وَيَرُوحُ فِي أُخْرَى، وَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَصْعَةٌ وَتُرْفَعُ أُخْرَى، وَسَتَرْتُمُ الْبُيُوتَ كَمَا نَسْتُرُ الْكَعْبَةَ؟”، قَالُوا: وَدِدْنَا أَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَصَبْنَا الرَّخَاءَ وَالْعَيْشَ، قَالَ:” فَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ، وَأَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكَ”(حلية الأولياء)
العنصر الخامس: ثمرات الشكر وفوائده
أحبتي في الله: تعالوا بنا لنطوف سريعا مع الثمرات والفوائد التي أعدت للشاكرين؛ الذين شكروا الله على نعمه؛ واستخدموها في طاعة الله؛ والتي تتمثل فيما يلي:
– الشكر سببٌ لرضى الله عن عبده: قال تعالى: { وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ } [الزمر: 7].
– الشكر أمان من العذاب: قال تعالى: { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ } [النساء: 147]. قال قتادة رحمه الله: “إن الله جل ثناؤه لا يعذِّب شاكرًا ولا مؤمنًا”[تفسير الطبري: 9/342].
– الشكر سببٌ للزيادة: قال تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم: 7]. قال بعض السلف رحمهم الله تعالى: “النعم وحشية فقيدوها بالشكر”. وقال الحسن البصري: “إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء، فإذالم يشكر عليها قلبها عذابا، ولهذا كانوا يسمون الشكر: الحافظ، لأنه يحفظ النعم الموجودة، والجالب، لأنه يجلب النعم المفقودة.”
– الأجر الجزيل للشاكرين في الآخرة: قال تعالى: { وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } [آل عمران: 144]. وقال سبحانه: { وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ } [آل عمران: 145]. ” قال كعب الأحبار- رحمه الله تعالى-: «ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدّنيا فشكرها لله، وتواضع بها لله إلّا أعطاه الله نفعها في الدّنيا ورفع له بها درجة في الآخرة. وما أنعم الله على عبد نعمة في الدّنيا، فلم يشكرها لله، ولم يتواضع بها إلّا منعه الله نفعها في الدّنيا، وفتح له طبقات من النّار يعذّبه إن شاء أو يتجاوز عنه” . «عدة الصابرين» .
وغير ذلك من الفوائد والثمرات التي لا يتسع المقام لذكرها خشية الإطالة!! نسأل الله أن يجعلنا من الشاكرين الذاكرين؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى