خطبة الأسبوععاجل

خطبة بعنوان: “حماية الأوطان ووسائل بنائها”، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 27 محرم 1438هـ – 28 أكتوبر 2016م

خطبة بعنوان: “حماية الأوطان ووسائل بنائها“، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 27 محرم 1438هـ – 28 أكتوبر 2016م.

لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا

لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا

 

 

ولقراءة الخطبة كما يلي: 

عناصر الخطبة:

العنصر الأول: حماية الأوطان في الإسلام

العنصر الثاني: أسس بناء الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

العنصر الثالث: وسائل بناء الأوطان

     المقدمة:                                                            أما بعد:

العنصر الأول: حماية الأوطان في الإسلام

عباد الله: إن الإسلام أوجب علي الإنسان حب وطنه؛ وشرع الجهاد من أجل الدفاع عن العقيدة والوطن، ودعا إلي حماية الوطن من أعدائه، وممن يريدونه بسوء، وممن يريدون إحداث القلاقل والفتن وإثارة المخاوف والاضطراب، وأن واجب كل إنسان أن يتصدى للفتن ما ظهر منها وما بطن؛ والذي يحدث القلاقل أو يشجع عليها أو يدعو لها ليس بكامل الإسلام، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ؛ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ” ( الترمذي وحسنه ) .

ومن الخيانة العظمي أن يخون مواطن وطنه ويتآمر ضده من أجل منفعة مادية أو مصلحة شخصية!! ومن فعل مثل ذلك كان بعيداً عن الدين بعيداً عن الله، لأن المؤمن الحقيقي من أمنه الناس علي دمائهم وأموالهم وأعراضهم.

أيها المسلمون: إن الإنسان الذي يخون وطنه ويتآمر مع أعدائه إنسان بعيد عن حظيرة الإيمان، إنه يرتكب أبشع أنواع الخيانة، إنه يخون الله الذي أمر بالدفاع والجهاد من أجل الوطن، ويخون رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي أمر بحماية أمانة الوطن، ويخون أماناته وأمانات الناس وقد قال رب العزة سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }( الأنفال 27 – 28)

قال ابن كثير” : أنزلت في أبي لُبابة بن عبد المنذر، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قُرَيْظة لينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشاروه في ذلك، فأشار عليهم بذلك -وأشار بيده إلى حلقه -أي: إنه الذبح، ثم فطن أبو لبابة، ورأى أنه قد خان الله ورسوله، فحلف لا يذوق ذواقا حتى يموت أو يتوب الله عليه، وانطلق إلى مسجد المدينة، فربط نفسه في سارية منه، فمكث كذلك تسعة أيام، حتى كان يخر مغشيا عليه من الجهد، حتى أنزل الله توبته على رسوله؛ فجاء الناس يبشرونه بتوبة الله عليه، وأرادوا أن يحلوه من السارية، فحلف لا يحله منها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فحله، فقال: يا رسول الله، إني كنت نذرت أن أنخلع من مالي صدقة، فقال يجزيك الثلث أن تصدق به”.( تفسير ابن كثير )

لقد غرس الرسول –صلى الله عليه وسلم- في نفوس الصحابة حب الوطن وحمايته والانتماء إليه؛ وهو القدوة والمثل الأعلى في حنينه لوطنه واشتياقه إليه؛ فعن عبد الله بن عدي أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو واقف على راحلته بالحَزْوَرَة مِنْ مَكَّةَ يَقُول: “وَالله إِنَّك لَخَيْرُ أَرضِ اللهِ وَأحَبُّ أرْضِ اللهِ إِلًى اللهِ، وَلَوْلاَ أنِّي أخْرِجْتُ مِنْكِ مَاَ خَرَجْتُ” ( الترمذي وحسنه)

فما أروعَها من كلمات! كلمات قالها الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو يودِّع وطنه، إنها تكشف عن حبٍّ عميق، وانتماءٍ صادقٍ؛ وتعلُّق كبير بالوطن، بمكة المكرمة، بحلِّها وحَرَمها، بجبالها ووديانها، برملها وصخورها، بمائها وهوائها، هواؤها عليل ولو كان محمَّلًا بالغبار، وماؤها زلال ولو خالطه الأكدار، وتربتُها دواء ولو كانت قفارًا.

ولقد عاتب الله – عز وجل – أحد الصحابة الأطهار لما أراد – بحسن نيته – أن يتخذ حليفا وظهيرا من قريش ؛ لما علم أن الرسول يقصدهم؛ فعن على رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ: ائْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا. فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا فَإِذَا نَحْنُ بِالْمَرْأَةِ فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ؛ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ. فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا؛ فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ. قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وكَانَ مِمَّنْ كَانَ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي؛ وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ. فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } (متفق عليه)؛ وهذا درسٌ عظيمٌ لكل أفراد الأمة أن يحفظوا أسرار وخطط بلادهم؛ وأن لا يتخذوا من أعدائهم نصيراً أو ولياً أو معيناً على هدم البلاد والأوطان وخرابها وفسادها؛ من أجل مصالح مادية؛ أو أهواء شخصية؛ أو أفكار متطرفة؛ أو غير ذلك من المآرب الأخرى !!

أحبتي في الله: يجب على كل أبناء الوطن أن يكونوا عيوناً ساهرة لحماية أمن الوطن؛ وأن يتضامنوا في درء أي خطر يتهددهم؛ وأن يتكاتفوا جميعاً عن بكرة أبيهم وبلا استثناء علي ردع كل من تسوّل له نفسه أن يجترئ علي الوطن وأن يسعى بذمتهم أدناهم، وأن يكونوا يداً علي من سواهم، بغض النظر عن عقائدهم فيجب أن يتعاونوا جميعاً مسلمين وغير مسلمين!!

العنصر الثاني: أسس بناء الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

عباد الله: لقد هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم  من مكة إلى المدينة ولم تكن هناك دولة؛ ولكن الرسول – صلى الله عليه وسلم- أقام الدولة الإسلامية في المدينة على ثلاثة أسس رئيسية؛ وفي هذا العنصر نقف مع حضراتكم مع هذه الأسس الثلاثة؛ ولماذا ركز – صلى الله عليه وسلم- عليها في بناء الوطن الجديد ( المدينة المنورة )؟!!

الأساس الأول: بناء المسجد: فكان أول خطوة قام بها في سبيل هذا الأمر ( بناء المسجد )؛ ولا غرو ولا عجب، فإن إقامة المسجد أول وأهم ركيزة في بناء المجتمع الإسلامي، ذلك أن المجتمع المسلم إنما يكتسب صفة الرسوخ والتماسك بالتزام نظام الإسلام وعقيدته وآدابه؛ وإنما ينبع ذلك كله من روح المسجد ووحيه. ولقد فطن الغرب إلى أهمية ومكانة المسجد في بناء الدولة الإسلامية؛ وفي ذلك يقول أحد المستشرقين ( يدعى زهير ) : ” ما زال المسلمون في قوة مادام معهم القرآن والمسجد ” . وذلك لأن المسجد  مجمع الفوائد كلها؛ قال الحسن البصري: [ أيها المؤمن! لن تعدم المسجد إحدى خمس فوائد أولها: مغفرة من الله تكفر ما سلف من الخطيئة، وثانيها: اكتساب رجل صالح تحبه في الله، وثالثها: أن تعرف جيرانك فتتفقد مريضهم وفقيرهم، ورابعها: أن تكف سمعك وبصرك عن الحرام، وخامسها: أن تسمع آية تهديك]

أحبتي في الله: المسجد في عهد سلفنا الصالح وصدر هذه الأمة الوضاء كان منطلَقًا للجيوش.

 المسجد في عهد سلفنا الصالح كان ملاذًا لهم، إذا ضاقت بهم الهموم واشتبكت الغموم أتوه وانطرحوا بين يدي ربهم، فتنفرج لهم الدنيا؛ فكان – صلى الله عليه وسلم- ينادي على بلال فيقول: ” يَا بِلَالُ أَقِمْ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا”.( أبو داود ).

 المسجد في عهد سلفنا الصالح كان منارة هدى ومعهد تعليم ومدرسة تربية، لكَم تعلم فيه الجاهل، واتّعظ فيه الغافل، واسترشد فيه الضال، واهتدى فيه المنحرف.

 المسجد في عهد سلفنا الصالح كان مكانًا لإطعام الجائع ومواساة الفقير، فبالله أهل الصفة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أين كانوا؟! كانوا في المسجد.

المسجد في عهد سلفنا الصالح كان يضجّ بالبكاء، وتتعالى فيه أصوات التكبير والتسبيح والثناء والألسنة الصادقة بالدعاء، فما أن يدخله الداخل حتى يزداد إيمانه، ويشتدّ في الحق بنيانه.

المسجد في عهد سلفنا الصالح كان مدرسة الأجيال وملتقى الأبطال، خرج من بين جنباته المفسر للقرآن العالم به والمحدث والفقيه والخطيب والمجاهد والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والداعي إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخرجت رحاب المساجد آنذاك قادة الدنيا الذين غيروا وجه التاريخ وأصبحت سيرتهم غُرّة في جبين الزمن وأنموذجًا لم تعرف البشرية مثله، ولكم أن تسألوا: وما هي تلك المساجد العظيمة التي أخرجت هؤلاء العظماء؟ إنها مساجد بنيت من الجريد وسعف النخيل، إنها مساجد بنيت من الطين، قد تجد فيها سراجًا ضعيفًا وقد لا تجده، إنها مساجد لم تكن مكيفة ولا منمقة ولا مزخرفة. لا، لكن أخرجت أولئك العظماء لأن العبرة بأهل الدار وليس بالدار، فهل من نظرة بعين العبرة لحال مساجدنا ومساجدهم، ما عرف التاريخ في مساجد فيها وسائل الراحة كمساجد الناس اليوم، ولكن أين الخريجون منها؟!

الأساس الثاني: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار: إن الرسول صلّى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، آخى بينهم على الحق والمواساة، وعلى أن يتوارثوا بينهم بعد الممات، بحيث يكون أثر الأخوة الإسلامية في ذلك أقوى من أثر قرابة الرحم.

روى البخاري عن ابن عباس قال: «كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجريّ الأنصاريّ دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلّى الله عليه وسلم بينهم، ثم نسخ بقوله : { وَأُوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ } [ الأنفال : 75 ] » .

ومن أروع الأمثلة في المؤاخاة ما كان بين عبدالرحمن بن عوف مع سعد بن الربيع؛ ” فعن أنس، قال: قدم عبدالرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبدالرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلنى على السوق. فخرج إلى السوق وتاجر حتى أصبح من أغنى أغنياء المدينة؛ يقول عبدالرحمن بن عوف: فلقد رأيتنى ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب ذهبا وفضة.” (السيرة النبوية لابن كثير) .

 فقد ضرب لنا سعد بن الربيع أروع الأمثلة في الإيثار والمواساة؛ وضرب لنا عبدالرحمن بن عوف أروع الأمثلة في العفة والخروج إلى سوق العمل والإنتاج من أجل بناء الوطن؛ وهذا تصديق لقوله صلى الله عليه وسلم:” ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله.”(البخاري ومسلم) .

وفيما فعله المهاجرون والأنصار نزلت العديد من الآيات تثني على سلوكهم في الإخاء والتعاون والتشارك في بناء الوطن كقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100]، وقال سبحانه في شأن مدح المهاجرين فقط: {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8]. ثم قال سبحانه في شأن مدح الأنصار فقط: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]،

عباد الله: لقد ساهمت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في بناء الأوطان وتقوية المجتمع المسلم الجديد في المدينة، وبتحقيقها ذابت العصبية وأشاعت في المجتمع عواطف ومشاعر الحب وملأته بأروع الأمثلة من الأخوة والعطاء والتناصح والتعاون في بناء الأوطان!!

فما أحوج الأمة الإسلامية – في هذه المرحلة- إلى مثل هذه المعاني السامية والقيم النبيلة من أجل بناء وطننا !!

الأساس الثالث: المعاهدات بين المسلمين وغيرهم

وتتمثل في صلة الأمة بالأجانب عنها والذين لا يدينون بدينها؛ فعقد صلى الله عليه وسلم معهم معاهدة أقرهم فيها على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم؛ وكانت من أهم شروط هذا الاتفاق والمعاهدة المبرمة معهم: الأخوة في السلم؛ والدفاع عن المدينة وقت الحرب؛ والتعاون التام بين الفريقين إذا نزلت شدة بأحدهما أو كليهما؛ ولكن اليهود أخلوا بهذه الشروط ولم يحافظوا على الوفاء بعهدهم مما اضطر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى محاربتهم وإجلائهم عن المدينة؛ لتكون بعدها نظيفة منهم ومن أعمالهم العدوانية تجاه المسلمين القائمين بالمدينة !!

وهنا وقفة: لماذا ركز النبي صلي الله عليه وسلم على هذه الأسس الثلاث مع أن في الإسلام أسساً غيرها كثيرة؟!!!

والجواب أن هذه الأسس الثلاث هي أساس بناء الأوطان وربطٌ للصلة من جوانبها الثلاثة : فالمسجد ليربط صلة وعلاقة العبد بربه، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لتربط علاقة المسلم بأخيه المسلم؛ والمعاهدات بين المسلمين وغيرهم لتربط علاقة المسلم بغير المسلم.

فإذا كانت علاقة المسلم بربه قوية وإيمانه عميق وذلك من خلال المسجد؛ وكانت علاقة المسلم بأخيه المسلم قائمةً على التعاون والإيثار والمحبة والتشارك؛ وكانت علاقة المسلم بغير المسلم قائمة على التعايش السلمي والتسامح؛ فلا شك أننا نبني وطناً قوياً متماسك الأركان والبنيان؛ يشد بعضه بعضا؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى!!

ولهذه الأسباب كان تركيز النبي – صلى الله عليه وسلم – على هذه الأسس الثلاثة في بناء الدولة الإسلامية !!

العنصر الثالث: وسائل بناء الأوطان

عباد الله: إن بناء الأوطان والقضاء على الفساد والإرهاب يتمثل في الوسائل التالية:

أولاً: فرض عقوبات رادعة للإرهابيين والمفسدين

وليكن الهدف من العقاب هو ردع كل مَنْ تُسَوِّل له نفسه أن يفسد أو يقدم على أي نوعٍ من أنواع الفساد بكل صوره، وليس الهدف التشفِّي أو الانتقام من المفسد أو من يقوم بعملية الإرهاب؛ لذلك عَمِل رسول الله  على تأصيل هذه المعاني في نفوس الصحابة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ” أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ، قَالَ: لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ”(البخاري)

يقول الإمام ابن تيمية – رحمه الله -: “إن إقامة الحد من العبادات ، كالجهاد في سبيل الله ، فينبغي أن يعرف أن إقامة الحدود رحمة من اللهّ بعباده : فيكون الوالي شديداً في إقامة الحد ، لا تأخذه رأفة في دين الله فيعطله . ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات ؛ لا شفاء غيظه ، وإرادة العلو على الخلق : بمنزلة الوالد إذا أدب ولده ؛ فإنه لو كف عن تأديب ولده -كما تشير به الأم رقة ورأفة- لفسد الولد ، وإنما يؤدبه رحمة به ، وإصلاحا لحاله ؛ مع أنه يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب ، وبمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه ، وبمنزلة قطع العضو المتآكل ،والحجم ، وقطع العروق بالفساد ، ونحو ذلك ؛ بل بمنزلة شرب الإنسان الدواء الكريه ، وما يدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة . فهكذا شرعت الحدود ، وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في إقامتها ، فإنه متى كان قصده صلاح الرعية والنهي عن المنكرات ، بجلب المنفعة لهم ، ودفع المضرة عنهم ، وابتغى بذلك وجه الله تعالى ، وطاعة أمره : ألان الله له القلوب ، وتيسرت له أسباب الخير ، وكفاه العقوبة البشرية ، وقد يرضى المحدود ، إذا أقام عليه الحد . وأما إذا كان غرضه العلو عليهم ، وإقامة رياسته ليعظموه ، أو ليبذلوا له ما يريد من الأموال ، انعكس عليه مقصوده .” ( السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية) ؛ لهذا قال عثمان -رضي الله عنه-:” إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، أي: يمنع بالسلطان باقتراف المحارم، أكثر ما يمنع بالقرآن؛ لأن بعض الناس ضعيف الإيمان لا تؤثر فيه زواجر القرآن، ونهي القرآن؛ لكن متى علموا أن هناك عقوبة من السلطان، ارتدعوا، وخافوا من عقوبة السلطان لئلا يفتنهم، أو يضربهم، أو ينفيهم من البلاد، فهم يخافون ذلك!!

ثانياً: عقد مصالحة بين أطراف الشعب عن طريق الحوار والإقناع:

إن من عوامل نجاح الطبيب أن يشخص الداء ثم يصف له الدواء؛ فلو كان التشخيص خطأً لأصبح الدواء ضاراً لا مصلحاً؛ فكذلك حينما نرى في واقعنا المعاصر الصراع بين طوائف المجتمع والأحزاب والجماعات المختلفة والمتفرقة والمتشاحنة؛ والتي يدعي كل فرد منها أنه على حق وهدي ورشاد؛ وما سواه على باطل وضلال وتيه؛ فضلا عن أسلوب الطعن والتجريح والسخرية وألوان الاحتقار والإثارة والاستفزاز؛ والطرف الآخر المحاور يبادله بنفس الشعور والإحساس؛ كما نرى ونسمع عن طريق الإعلام المسموع والمرئي والمقروء؛ وما أكثره على شبكات التواصل الاجتماعي!!  يقول إسحاق نيوتن: “كل فعل له رد فعل يساويه في القوة ويعارضه في الاتجاه”؛ فلذلك كل إنسان تحاوره يوم ترفع صوتك يرفع صوته، ويوم تحترمه يحترمك، ويوم تكنيه يكنيك، يقول أحدهم وهو يحاور خصمه:

أكنيه حين أناديه لأكرمه…..كذلك أدبت حتى صار من أدبي

ولا ألقبه السوءة اللقب …..أني وجدت ملاك الشيمة الأدب

فكذلك كل إنسان يتعامل بالقوة والقهر يبادل الطرف الآخر نفس الشعور ؛ لذلك نحتاج إلى إصلاح ذات البين؛ وعقد مصالحة بين أطياف المجتمع؛ حتى تسير السفينة ونبني وطننا ونقضي على الفساد والإفساد والإرهاب من جذوره ؛ أما حين يأبى أحد الأطراف المصالحة والمسالمة؛ ويصر على التخريب والتدمير والقتل وسفك الدماء والإفساد والإرهاب؛ فحينئذٍ نلجأ إلى اتخاذ العقاب الرادع لكل من تسول له نفسه بإهلاك البلاد والعباد !!

ثالثاً: نشر وسطية الإسلام والفكر الوسطي في الإعلام ووسائل الاتصال 

لأن آفة الانحراف عن الوسطية أو الشذوذ عنها يقود إلى التطرف والجهل والاستبداد والإفساد والقتل والتخريب والإرهاب، والتقليد الأعمى، والتصرفات المرتجلة دون رؤية وتشاور وتقدير هادئ لعواقب الأمور، ولذلك تعاني بعض المجتمعات الإسلامية من تفشي الغلو والتطرف في الدين بين صفوف المراهقين فكرياً، وذلك من خلال تطبيق ممارسات خاطئة بحجة التمسك بالدين، وفي الواقع هم أبعد ما يكونون عن الدين الإسلامي الحنيف دين الوسطية والاعتدال؛ كما أن المبتعدين عن وسطية الإسلام يسلكون في حياتهم مسالك وعرة، منهجهم القهر والإكراه، وسفك الدماء والتخريب ومصادمة المشاعر، ونشر الذعر والخوف، واستباحة الدماء والأعراض والأموال، لاتصافهم بصفتين شاذتين وخطيرتين هما:

1 – الجهل بأحكام الشريعة الإسلامية المقررة في القرآن والسنة، ولاسيما الأحكام العامة التي تمس الآخرين .

2 – التورط بتكفير المخالفين لهم لأدنى تهمة أو شبهة، واستباحة دمائهم، وهذا ظلم عظيم .

أيها المسلمون: إنَّ المحافظة على عُقول الناس من أهمِّ أسباب الإصلاح؛ لأنَّ الناس لو استقامتْ عقولهم، صاروا يُفكِّرون فيما ينفَعُهم ويبتَعِدون عمَّا يضرُّهم، إذًا هناك علاقةٌ كبيرة بين المحافظة على عقول الناس وبين الإصلاح ؛ لأن مما يذهب بأمن الناس انتشار المفاهيم الخاطئة حيال نصوص القرآن والسنة، وعدم فهمهما بفهم السلف الصالح، وهل كُفِّر الناس وأريقت الدماء وقُتل الأبرياء وخُفرت الذمم بقتل المستأمنين وفُجِّرت البقاع إلا بهذه المفاهيم المنكوسة؟!!

رابعاً: النهوض بالمجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها: ففي مجال الاقتصاد والعمل والإنتاج علينا جميعا أن نترك الكسل والركود والقهاوي والتسكع في الطرقات ونذهب إلى سوق العمل من أجل بناء وطننا؛ لذلك كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهتم بالعمل والاستثمار والترغيب فيه فيقول: ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إلىَّ من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري، وكان إذا رأي فتى أعجبه حاله سأل عنه: هل له من حرفة ؟ فإن قيل : لا. سقط من عينيه .وكان إذا مدح بحضرته أحد سأل عنه: هل له من عمل؟ فإن قيل: نعم .قال: إنه يستحق المدح. وإن قالوا: لا. قال: ليس بذاك.وكان يوصي الفقراء والأغنياء معاً بأن يتعلموا المهنة ويقول تبريرا لذلك: يوشك أن يحتاج أحدكم إلى مهنة، وإن كان من الأغنياء. وكان  كلما مر برجل جالس في الشارع أمام بيته لا عمل له أخذه وضربه بالدرة وساقه إلى العمل والاستثمار وهو يقول: إن الله يكره الرجل الفارغ لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة.”(إحياء علوم الدين – الإمام أبو حامد الغزالي).

وفي المجال الاجتماعي يجب علينا نشر قيم العدل والمساواة والحرية والتعاون والتكافل والبر والإحسان .

وفي المجال العلمي يجب علينا أن نهتم بالتعليم ونقدر الخريجين وذوي الكفاءات؛ فكم من خريج أبدع وتفوق ولكن لم يجد من يقدره؟!! وكم من عالمٍ عنده مواهب وكفاءات ولكنها دفنت حية؟!!

فكيف نحقق التنمية الاقتصادية وبناء الوطن وهناك خلل في توزيع الثروات والدخول؟!!! وكيف نبني وطننا وقد رُفع الجاهل وأُعدمت الكفاءات ؟!!! كيف نحقق التنمية الاقتصادية وانتشر بيننا التعامل بالرشوة والربا والغش والوساطات والمحسوبيات؟!! كيف نبني وطننا………………؟!!!!

إننا بحاجة إلى نعيد حساباتنا ونقف مع أنفسنا وقفة من جديد حتى نستطيع بناء وطننا الحبيب !! { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}( الرعد: 11)

خامسا الدعاء : فهو من أعظم وسائل البناء النافعة، وهو السلاح المعطل عند الكثير، وقد فرطوا به، إما جهلاً أو قلة يقين بأثره، ولنا القدوة في رسولنا صلى الله عليه وسلم في كثرة دعائه بالصلاح والإصلاح. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي؛ وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي؛ وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي؛ وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ؛ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ” ( مسلم )؛ وكان أيضا صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بقوله:” اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا ” ( أبو داود)

عباد الله: إن حلَّ ظاهرة الإرهاب والإفساد وعلاجَها لا يقتصر على فئةٍ معينةٍ، وإنما يشمل جميعَ أفراد المجتمع: شباباً وأسرةً ودعاةً ومؤسساتٍ وحكومةً؛ فإذا كان الطبيب يعطى المريض جرعة متكاملة حتى يشفى من سَقمه – إن قصر فى نوع منها لا يتم شفاؤه – فكذلك علاج هذه الظاهرة يكون مع تكاتف المجتمع بجميع فئاته، فكل فئة لها دور ، وباكتمال الأدوار يرتفع البنيان، وإلا كما قيل:

ومتى يبلغ البنيان يوماً تمامَه…………………. إذا كنت تبنى وغيرك يهدم

أيها المسلمون: نحن في سفينة واحدة ؛ ولابد أن نتضامن جميعا من أجل نجاة هذه السفينة ؛ كما علينا أن نأخذ على أيدي العابثين بهذه السفينة؛ وإلا غرقت بنا جميعا ؛ فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا ” ( البخاري )

إننا إن فعلنا ذلك وأصبحنا متضامنين متعاونين متكافلين يداً واحدة في الضرب بيد من حديد على كل متربص ببلدنا أو وطننا أو ديننا أو مقدساتنا أو أفراد مجتمعنا أو مؤسساتنا ؛ مع نشر تعاليم الإسلام السمحة ؛ فإننا بحق نستطيع بناء وطننا ونقضي على الإرهاب بكل صوره وأشكاله؛ ونعيش آمنين مطمئنين متحدين متعاونين متراحمين كما أراد لنا ديننا الحنيف!!!

الدعاء،،،،                                                            وأقم الصلاة،،،،،                     

كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

                                                                                                                                                          د / خالد بدير بدوي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى