خطبة الأسبوععاجل

خطبة بعنوان: “خلق الإيثار وأثره في حياة الأمة بين الواقع والمأمول”، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 4 صفر 1438هـ – 4 نوفمبر 2016م

خطبة بعنوان: “خلق الإيثار وأثره في حياة الأمة بين الواقع والمأمول“، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 4 صفر 1438هـ – 4 نوفمبر 2016م.

لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا

لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا

 

 

ولقراءة الخطبة كما يلي: 

عناصر الخطبة:

العنصر الأول: منزلة الإيثار ومكانته في الإسلام

العنصر الثاني: درجات الإيثار ومراتبه

العنصر الثالث: صور ونماذج  مشرقة لخلق الإيثار

العنصر الرابع : الإيثار في حياتنا المعاصرة بين الواقع والمأمول

     المقدمة:                                                            أما بعد:

العنصر الأول: منزلة الإيثار ومكانته في الإسلام

عباد الله: للإيثار منزلة كبيرة في الإسلام؛ فهو يعتبر مِن محاسن الأخلاق الإسلاميَّة، وهو مرتبة عالية مِن مراتب البذل، ومنزلة عظيمة مِن منازل العطاء.

ومعني الإيثار: ” أن يقدِّم غيره على نفسه في النَّفع له، والدَّفع عنه، وهو النِّهاية في الأخوة “. (التعريفات للجرجاني) .

فالإيثار هو أن يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس على حاجته، برغم احتياجه لما يبذله، فقد يجوع ليشبع غيره، ويعطش ليروي سواه.

وهناك فرق بين الإيثار والسخاء والجود؛ فإذا كنت ممن يسهل عليهم العطاء ولا يؤلمهم البذل فأنت سَخِي، وإن كنتَ ممن يعطون الأكثر ويُبقون لأنفسهم فأنت جواد. أما إن كنت ممن يعطون الآخرين مع حاجتك إلى ما أعطيت لكنك قدمت غيرك على نفسك فقد وصلت إلى مرتبة الإيثار؛ ورتبة الإيثار من أعلى المراتب، وإنما ينشأ الإيثار عن قوة اليقين وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة، مع الرغبة في الأجر والثواب؛ لذا أثنى الله على الصحابة الكرام، ومدح المتحلِّين به، وبيَّن أنَّهم المفلحون في الدُّنْيا والآخرة. قال الله تبارك وتعالى: { وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]. يقول ابن كثير في تفسيره: :” أي: يقدِّمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدؤون بالنَّاس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك”. ويقول ابن تيمية: ” وأمَّا الإيثَار مع الخصاصة فهو أكمل مِن مجرَّد التَّصدق مع المحبَّة، فإنَّه ليس كلُّ متصدِّق محبًّا مؤثرًا، ولا كلُّ متصدِّق يكون به خصاصة، بل قد يتصدَّق بما يحبُّ مع اكتفائه ببعضه مع محبَّة لا تبلغ به الخصاصة”.  (منهاج السنة النبوية) .

أحبتي في الله: لقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جميع الأخلاق أوفر الحظ والنصيب؛ فما من خلق إلا وقد تربع المصطفى صلى الله عليه وسلم على عرشه؛ وعلا ذروة سنامه؛ ففي خلق الإيثار كان هو سيد المؤثرين وقائدهم؛ بل وصل الحال به صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يشبع لا هو ولا أهل بيته بسبب إيثاره صلى الله عليه وسلم، يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: ” والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤثر بما عنده؛ فقد ثبت في الصحيحين أنه كان إذا جاءه ما فتح الله عليه من خيبر وغيرها من تمر وغيره يدخر قوت أهله سنة؛ ثم يجعل ما بقي عنده عدة في سبيل الله تعالى ؛ ثم كان مع ذلك إذا طرأ عليه طارئ أو نزل به ضيف يشير على أهله بإيثارهم فربما أدى ذلك إلى نفاد ما عندهم أو معظمه.” أ.هـ. ومن أجمل صور إيثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري في صحيحه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْدَةٍ، فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: أَتَدْرُونَ مَا البُرْدَةُ؟ فَقَالَ القَوْمُ: هِيَ الشَّمْلَةُ، فَقَالَ سَهْلٌ: هِيَ شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيَتُهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكْسُوكَ هَذِهِ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَلَبِسَهَا، فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَحْسَنَ هَذِهِ، فَاكْسُنِيهَا، فَقَالَ: «نَعَمْ» فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَمَهُ أَصْحَابُهُ، قَالُوا: مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لاَ يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ، فَقَالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيهَا.” و(البردة) الشملة، وهي كِساء يُشتمَل به، والاشتمال إدارة الثوب على الجسد كله.

ولقد امتدح الرسول – صلى الله عليه وسلم-  الأشعريين وأضافهم لنفسه تشريفا لهم لأنهم يتحلون بأفضل الصفات وفي مقدمتها خلق الإيثار؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ؛ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ”. (متفق عليه) . ( ومعنى أرملوا : نفذ زادهم ) يقول العيني: ” فيه منقبة عظيمة للأشعريين من إيثارهم ومواساتهم بشهادة سيدنا رسول الله وأعظم ما شرفوا به كونه أضافهم إليه ….وفيه فضيلة الإيثَار والمواساة”. (عمدة القاري) .

ولقد ربى النبي – صلى الله عليه وسلم – صحابته الكرام على هذا الخلق الكريم ولا سيما في السفر الذي يعرف فيه الصاحب الحق من غيره !! فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:” بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ؛ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ. قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ.” (مسلم). وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ فَقَالَ:” يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؛ إِنَّ مِنْ إِخْوَانِكُمْ قَوْمًا لَيْسَ لَهُمْ مَالٌ وَلَا عَشِيرَةٌ؛ فَلْيَضُمَّ أَحَدُكُمْ إِلَيْهِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ؛ فَمَا لِأَحَدِنَا مِنْ ظَهْرٍ يَحْمِلُهُ إِلَّا عُقْبَةٌ كَعُقْبَةِ؛ يَعْنِي أَحَدِهِمْ قَالَ: فَضَمَمْتُ إِلَيَّ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. قَالَ: مَا لِي إِلَّا عُقْبَةٌ كَعُقْبَةِ أَحَدِهِمْ مِنْ جَمَلِي.” (أحمد وأبودواد والحاكم وصححه) .( العقبة : النوبة)؛ وفيه حثهم على الإيثار بالتناوب بينهم على ظهر البعير لمن لا ظهر له .

أيها المسلمون: إن لصاحب الإيثار منزلة عالية عند الله؛ فهو يُرفع فوق الخلائق كلها ويُكرم على رؤوس الأشهاد؛ فقد جاء في الإسرائيليات: ” عن سهل بن عبد الله التستري قال موسى عليه السلام: يا رب أرني بعض درجات محمد صلى الله عليه وسلم وأمته! فقال الله عز وجل: يا موسى إنك لن تطيق ذلك، ولكن أريك منزلة من منازله جليلة عظيمة فضلته بها عليك وعلى جميع خلقي، قال: فكشف له عن ملكوت السماوات فنظر إلى منزلة كادت تتلف نفسه من أنوارها وقربها من الله تعالى، فقال: يا رب بماذا بلغت به إلى هذه الكرامة؟! قال: بخلق اختصصته به من بينهم وهو الإيثار، يا موسى لا يأتيني أحد منهم قد عمل به وقتاً من عمره إلا استحييت من محاسبته، وبوأته من جنتي حيث يشاء”. ( إحياء علوم الدين للإمام الغزالي)؛ وهكذا تظهر لنا أهمية خلق الإيثار ومكانته في الإسلام؛ وأن صاحبه أخير الناس وأفضل الناس عند الله تعالى؛ وصدق الشاعر أحمد محرم حيث يقول :

المالُ للرَّجلِ الكريمِ ذرائعٌ………………يبغي بهنَّ جلائلَ الأخطارِ

والنَّاسُ شتى في الخِلَالِ وخيرُهم…………..مَن كان ذا فضلٍ وذا إيثارِ

العنصر الثاني: درجات الإيثار ومراتبه

عباد الله: للإيثار درجتان وإن شئت فقل نوعان:

الدرجة الأولى: إيثار الحق على الخلق، وإيثار رضا الله عز وجل على غيره، قال ابن القيم رحمه الله: ” هو أن يريد ويفعل ما فيه مرضاة الله ولو أغضب الخلق؛ وهي درجة الأنبياء وأعلاها للرسل عليهم صلوات الله وسلامه؛ وأعلاها لأولي العزم منهم؛ وأعلاها لنبينا صلى الله عليه وسلم” .( مدارج السالكين)؛ ولا شك أن مجتمعنا في حاجة ماسة إلى هذا النوع؛ فكثير منا يعمل على رضا مديره أو رئيسه أو صديقه أو محبوبته أو جاره ويقدمه على رضا الله – عز وجل – فيخسر الاثنين معاً؛ وكما قيل: إذا آثرتَ الآخرة على الدنيا كَسبتَ الآخرة والدُنيا، وإذا آثرتَ الدُنيا على الآخرة خَسِرتَ الدنيا والآخرة معا !! فعليك أن تُؤثر رضا الله وتقدمه على رضا نفسك وهواك، وعلى رضا الناس أجمعين، إذ لا رضا يقدم على رضاه، ولا طاعة فوق طاعته، ولا محبة تفوق محبته… فالكلّ عليه أن يسعى إلى مرضات خالقه ومولاه؛ وبذلك يرضي عنك الله ويرضي عنك الناس؛ وإلا سخط عليك الناس وسخط عليك الله !! فعن عائشة – رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ” من التمس رِضا اللهِ بسخَطِ الناسِ ؛ رضِيَ اللهُ عنه ، وأرْضى عنه الناسَ ، ومن التَمس رضا الناسِ بسخَطِ اللهِ ، سخِط اللهُ عليه ، وأسخَط عليه الناسَ”.(صحيح الترغيب والترهيب للألباني)، وقد جرت سنة الله التي لا تبديل لها أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاته: أن يُسخط عليه من آثر رضاه، ويخذُله من جهته، ويجعل محنته على يديه، فيعود حامدُهُ ذامًّا، ومن آثر مرضاته ساخطًا، فلا على مقصوده منهم حصل، ولا إلى ثواب مرضاة ربه وصل، وهذا أعجز الخلقِ وأحمقهم.!!  لذلك قال الشافعي رحمه الله: ” رضا الناس غايةٌ لا تدرك فعليك بما فيه صلاحُ نفسك فالزمهُ”.

الدرجة الثانية : الإيثار مع الخلق: فتؤثر الخلق على نفسك فيما لا يحرم عليك دينا ولا يقطع عليك طريقا ولا يفسد عليك وقتا؛ وذلك بحب الخير للآخَرين، وتطهير النفس من كل أنانية وكراهية وشحناء. قال ابن القيم -رحمه الله- في شرحه لهذه الدرجة: ” يعني: أن تقدمهم على نفسك في مصالحهم مثل أن تطعمهم وتجوع؛ وتكسوهم وتعرى؛ وتسقيهم وتظمأ ” . (مدارج السالكين) . وهذا ما سنبينه بالتفصيل في العنصرين التاليين إن شاء الله تعالى !!

العنصر الثالث: صور ونماذج  مشرقة لخلق الإيثار

عباد الله: لقد ضرب لنا الصَّحابة والسلف الصالح أروع أمثلة الإيثَار وأجملها، ومَن يتأمَّل في قصص إيثارهم يحسب ذلك ضربًا مِن خيال، لولا أنَّه منقولٌ لنا عن طريق الأثبات، وبالأسانيد الصَّحيحة الصَّريحة؛ ومن هذه الصور:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنِّي مَجْهُودٌ ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ ، فَقَالَتْ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى ، فَقَالَتْ : مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ ، فَقَالَ : ” مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؟ ” ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ : هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ ؟ ، قَالَتْ : لَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي ، قَالَ : فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئْ السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ ، قَالَ : فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ” قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ ” . (مسلم)

ومن أروع هذه الصور الاختبار الذي وضعه عمر بن الخطاب ليختبر إيثار أصحابه!! ” فقد روي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أخذ أربعمائة دينار، فجعلها في صرة ثم قال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم تلكأ ساعة في البيت حتى تنظر ماذا يصنع بها. فذهب بها الغلام إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفذها. فرجع الغلام إلى عمر، فأخبره فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، وقال: اذهب بهذا إلى معاذ بن جبل، وتلكأ في البيت ساعة حتى تنظر ماذا يصنع، فذهب بها إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: رحمه الله ووصله، وقال: يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا وبيت فلان بكذا، فاطلعت امرأة معاذ فقالت: ونحن ! والله مساكين فأعطنا. ولم يبق في الخرقة إلا ديناران قد جاء بهما إليها. فرجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك عمر وقال: إنهم إخوة بعضهم من بعض”. (الحلية لأبي نعيم وابن المبارك في الزهد )

أحبتي في الله: لقد بلغ الإيثار ذروته عندهم أن جعل كلا منهم يسد دين أخيه وهو لا يعلم ويقدمه على سداد دينه هو ؛ ” فقد رُوِي أنَّ مسروقًا ادَّان دينًا ثقيلًا، وكان على أخيه خيثمة دين، قال: فذهب مسروق فقضى دين خيثمة، وهو لا يعلم، وذهب خيثمة فقضى دين مسروق وهو لا يعلم.

وما أجمل الإيثار على فراش الموت؛ يقول عبَّاس بن دهقان: ما خرج أحدٌ مِن الدُّنْيا كما دخلها إلَّا بشر ابن الحارث؛ فإنَّه أتاه رجل في مرضه، فشكا إليه الحاجة، فنزع قميصه وأعطاه إيَّاه، واستعار ثوبًا فمات فيه !! ” .( إحياء علوم الدين)

وما أروع إيثار الأم أولادها على نفسها محبة لهم وشفقة عليهم؛ مع حاجتها وخصاصتها للطعام؛ فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:” جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ؛ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً؛ وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا؛ فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا؛ فَشَقَّتْ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا؛ فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا؛ فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنْ النَّارِ “. (مسلم)

ومن هذه الصور إيثار أمنا عائشة- رضي الله عنها- عمر على نفسها بالدفن جوار الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لما طُعن عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اذْهَبْ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقُلْ: يَقْرَأُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَيْكِ السَّلَامَ. ثُمَّ سَلْهَا أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيَّ؛ قَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي؛ فَلَأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي؛ فَلَمَّا أَقْبَلَ قَالَ لَهُ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: أَذِنَتْ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَضْجَعِ؛ فَإِذَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي ثُمَّ سَلِّمُوا ثُمَّ قُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؛ فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَادْفِنُونِي وَإِلَّا فَرُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ.” (البخاري)

وما أجمل إيثار عائشة- رضي الله عنها- فقد جاء في موطأ مالك: ” أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن مسكينا سألها وهي صائمة وليس في بيتها إلا رغيف فقالت لمولاة لها: أعطيه إياه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه ؟ فقالت: أعطيه إياه. قالت: ففعلت. قالت: فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدي لنا: شاة وكفنها. فدعتني عائشة فقالت: كلي من هذا، فهذا خير من قرصك.”

يقول الإمام القرطبي معلقاً على ذلك: ” عائشة رضي الله عنها في فعلها هذا من الذين أثنى الله عليهم بأنهم يؤثرون على أنفسهم مع ما هم فيه من الخصاصة، وأن من فعل ذلك فقد وقى شح نفسه وأفلح فلاحا لا خسارة بعده؛ ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه.

ومعنى (شاة وكفنها) أن العرب كان هذا من طعامهم، يأتون إلى الشاة أو الخروف إذا سلخوه غطوه كله بعجين البر وكفنوه به ثم علقوه في التنور، فلا يخرج من ودكه شئ إلا في ذلك الكفن، وذلك من طيب الطعام عندهم.” (تفسير القرطبي)

أيها المسلمون: لقد تمسك الصحابة بخلق الإيثار في كل شئ ولا سيما في الطعام والشراب حتى لو أدى ذلك إلى ذهاب حياتهم وخروج أرواحهم؛ فعن حذيفة العدويّ، قال: « انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمّ لي ومعي شيء من ماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته ومسحت به وجهه، فإذا أنا به، فقلت: أسقيك؟ فأشار إليّ أن نعم. فإذا رجل يقول آه. فأشار ابن عمّي إليّ أن انطلق به إليه فجئته فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فسمع به آخر فقال: آه. فأشار هشام: انطلق به إليه فجئته فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمّي فإذا هو قد مات. رحمة الله عليهم أجمعين» ( إحياء علوم الدين)

وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأس شاة، فقال: إنّ أخي فلانا وعياله أحوج إلى هذا منّا. فبعث به إليهم، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتّى تداولها أهل سبعة أبيات حتّى رجعت إلى الأوّل؛ فنزلت { وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ} (الحشر/ 9).«الدر المنثور» .

” وحكي عن أبي الحسن الأنطاكيّ: أنّه اجتمع عنده نيّف وثلاثون رجلا بقرية من قرى الرّيّ، ومعهم أرغفة معدودة لا تشبع جميعهم، فكسروا الرّغفان، وأطفئوا السّراج، وجلسوا للطّعام، فلمّا رفع فإذا الطّعام بحاله لم يأكل منه أحد شيئاً، إيثاراً لصاحبه على نفسه”. ( تفسير القرطبي)

“واشتهى ابن عمر يومًا سمكةً، وكان قد نَقِهَ مِن مرضٍ فالتُمِسَت بالمدينة، فلم توجد حتى وُجِدَت بعد مُدَّةٍ، واشْتُرِيَت بِدرهم ونصفٍ، فشُوِيَت وجيء بها على رغيف، فقام سائلٌ بالباب، فقال ابن عمر للغلام لفَّها برغيفها، وادفعها إليه. فأبى الغلام، فردَّه وأمره بدفعها إليه، ثمَّ جاء به فوضعها بين يديه، وقال: كُلْ هنيئًا -يا أبا عبد الرَّحمن-، فقد أعطيته درهمًا وأخذتها. فقال: لفَّها وادفعها إليه، ولا تأخذ منه الدِّرهم”. (تاريخ دمشق لابن عساكر)

أيها المسلمون: لم يقتصر إيثار السلف الصالح على بعضهم البعض؛ بل تعدى إلى إيثار الكلاب والبهائم على أنفسهم. ” فقد روى أن عبد الله بن جعفر خرج إلى ضيعة له فنزل على نخيل قوم وفيه غلام أسود يعمل فيه؛ إذ أتى الغلام بقوته، فدخل الحائط كلب ودنا من الغلام فرمى إليه الغلام بقرص فأكله، ثم رمى إليه الثاني والثالث فأكله، وعبد الله ينظر إليه فقال: يا غلام كم قوتك كل يوم؟! قال ما رأيت! قال فلم آثرت به هذا الكلب؟! قال ما هي بأرض كلاب، إنه جاء من مسافة بعيدة جائعاً فكرهت أن أشبع وهو جائع! قال فما أنت صانع اليوم؟! قال: أطوي يومي هذا فقال عبد الله بن جعفر ألام على السخاء! إن هذا الغلام لأسخى مني، فاشترى الحائط والغلام وما فيه من الآلات فأعتق الغلام ووهبه منه.

وعن بعض الصوفية قال: كنا بطرسوس فاجتمعنا جماعة وخرجنا إلى باب الجهاد، فتبعنا كلب من البلد، فلما بلغنا ظاهر الباب إذا نحن بدابة ميتة فصعدنا إلى موضع عال وقعدنا. فلما نظر الكلب إلى الميتة رجع إلى البلد ثم عاد بعد ساعة ومعه مقدار عشرين كلباً، فجاء إلى الميتة وقعد ناحية ووقعت الكلاب في الميتة، فما زالت تأكلها وذلك الكلب قاعد ينظر إليها حتى أكلت الميتة وبقي العظم ورجعت الكلاب إلى البلد، فقام ذلك الكلب وجاء إلى تلك العظام فأكل مما بقي عليها قليلاً ثم انصرف.” (إحياء علوم الدين). فأنت ترى أن الكلب يعلم أن إخوانه الكلاب من أهل بلدته في مجاعة؛ فرجع مسرعا فناداهم وقدم لهم الطعام؛ وآثرهم على نفسه ولم يأكل معهم حتى شبعوا ومضوا ؛ ثم أكل ما بقى!! فأي إيثار هذا !! وأي حب هذا ؟!! وأي تكافل وتراحم هذا ؟!!إذا كان هذا يحدث في عالم الكلاب فما بالكم بعالم الإنسان الذي يأكل بعضه بعضاً !! وكأنه بلسان الحال يقول: أعيش وليمت الآخرون من أجل بقائي !!

أحبتى في الله: انظروا إلى إيثار هؤلاء الأفاضل الكرام من سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين، كانوا أهل إيثار وسخاء، كانوا أحبة في الله متراحمين متواصلين متباذلين، يوم كان القرآن دليلَهم، يوم كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إمامَهم وأمامَهم، يوم كانوا عاملين بكتاب الله، آخذين بسنة رسول الله، متخلقين بأخلاق الإسلام… فكم من عيون منهم بكت لبكاء عيون من المسلمين!!. وكم من قلوب لهم تألمت لآلام المتألمين!!!…وصدق الشاعر علي بن محمَّد التهامي في وصفهم حيث يقول:

أُسدٌ ولكن يؤثرون بزادِهم……………والأُسد ليس تدينُ بالإيثَارِ

يتزيَّنُ النَّادي بحسنِ وجوهِهم…………….كتزيُّنِ الهالاتِ بالأقمارِ

أيها المسلمون: هذا غيضٌ مِن فيض من صور ونماذج الإيثار عند سلفنا الصالح، وما أغفلناه أكثر ممَّا ذكرناه، ويكفي القلادة ما أحاط بالعنق!!!

العنصر الرابع : الإيثار في حياتنا المعاصرة بين الواقع والمأمول.

عباد الله: إن من ينظر إلى واقعنا المعاصر يجد أنه قد انتشرت فيه صفاتٌ مقابلة للإيثار كالجشع والطمع والشح والبخل والأثرة والأنانية وحب النفس؛ فالفرد يؤثِرُ ذاتهُ على كلِّ نفس ، يبني حياته على موت الناس ، وغِناه على فقر الناس ، ومجده على أنقاض الناس ، وأَمنه على خوف الناس !!

إن شرّ ما يصيب المجتمع هو التفكك وضعف الروابط بين أبنائه، وذلك بغلبة الأثرة والأنانية على أنفسهم، عندما يذكر المرء نفسه، وينسى أخاه، عندما يقول كل واحد: نفسي نفسي. عندما يقول كل فرد فيه: لي، ولا يقول: علي. عندما تعظُم الأنانية في نفسه على حساب غيره!!

أيها المسلمون: ما أحوج الأمة الإسلامية في هذه الظروف الراهنة؛ والأزمات القاسية إلى خلق الإيثار ؛ واعلم أخي المسلم أن اللقمة أو الشربة أو العون الذي تقدمه للآخر وتؤثره على نفسك تجده عند الله تعالى: { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}( المزمل: 20)؛ ” يقول أبو سليمان الدَّارني: لو أنَّ الدُّنْيا كلَّها لي فجعلتها في فم أخ مِن إخواني لاستقللتها له. وقال أيضًا: إنِّي لألقم اللُّقمة أخًا مِن إخواني فأجد طعمها في حلقي.” ( إحياء علوم الدين للغزالي)

أحبتى في الله: إنه الإيثار؛ الذي به تحصل الكفاية الاقتصادية والمادية في المجتمع، فطعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة، والبيت الكبير الذي تستأثر به أسرة واحدة مع سعته يكفي أكثر من أسرة ليست لها بيوت تؤويها. روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاَثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ».

إنه الإيثار؛ الذي يزرع في النفوس المودة والمحبة، والرأفة والرحمة، وينزع من القلوب الكراهية والبغضاء، فإن القلوب مجبولة على تعظيم صاحب الإيثار ومحبته، كما أنها مجبولة على بغض البخيل المستأثر ومقته!!

فمَن لليتيم إذا فشت الأثرة والأنانية وحب الذات في المجتمع؟! ومن للأرملة المسكينة…؟! ومن للفقير الجائع…؟! ومن للمشرد الضائع…؟!. من لهؤلاء إذا أصبح الكل يقول نفسي نفسي، ولا يهمه إلا مصالحه ومآربُه ؟!!

فأين الإيثار الذي علمه النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته؟!! وأين الإيثار الذي تربى عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم؟!!

فأين هذه النماذج الكريمة؟! وأين هذه القلوب العظيمة؟! أين هي مِن نماذجِ اليوم؛ يوم صاح الأيتام، وصاحت الأرامل، وصاح المحتاج المكروب، فلم تجد هذه الحناجر لها مغيثاً غير الله جل جلاله؟! أين هذه القلوب الرحيمة؟! وأين الإيثار؟! يوم قُطِعَتِ الأرحام، فضلاً عن أخُوّة الإسلام، حتى اقتتل الرجلان على شبر من الأرض، وتهاجر الأخَوَان على متاع من الدنيا زائل! يوم سَبَّ المسلمُ أخاه، وانتهك عرضَه، واستباح غَيْبَتَه على متر أو مترين من الأرض، وإنا لله وإنا إليه راجعون !!

فمتى نعود إلى خلق الإيثار؟ متى نتخلق بخلق الإيثار؟ متى نتخلى عن الأنانية وحب الذات؟ ومتى نطهر القلوب من الكراهية والأحقاد والضغائن؟…علينا أن نغير من أنفسنا: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ( الرعد : 11)

أيها المسلمون: علينا أن نتحلى بخلق الإيثار ونكون جميعا كالفرد الواحد وكالجسد الواحد؛ تسعد الأعضاء كلها بسعادته وتحزن لحزنه، ولا سيما في هذه المرحلة الحرجة. فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”(مسلم)؛ وعَنْ أَبِي مُوسَى؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.” (متفق عليه)؛ وهنا تصوير بلاغي للتكافل والإيثار بين أفراد المجتمع صوره لنا النبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث شبه الأفراد باللبن في الجدار؛ وشبه المادة التي تمسك اللبن وتشد بعضه بعضا وهي ( الأسمنت المخلوط بالرمل – المونة ) بالعلاقات والتضامن والإيثار والتعاون الذي بين أفراد المجتمع؛ فإذا فسدت المادة التي تمسك البنيان وتشده فلا شك أن مصيره إلى زوال وانهيار وهدم ؛ وكذلك العلاقات الإنسانية والأخلاقية والإيثار بين أفراد المجتمع إذا فسدت فإن المجتمع مصيره كذلك إلى زوال وانهيار وهدم!!!

فما أجمل أن نكون جميعا متعاونين متحابين متكافلين؛ فتسود بيننا علاقات الإيثار والود والمحبة والتراحم والتكافل !!!

الدعاء،،،،                                                            وأقم الصلاة،،،،،                     

كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

                                                                                                                                      د / خالد بدير بدوي

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى