خطبة الأسبوععاجل

خطبة جمعه بعنوان: رعاية الحقوق والحرمات من خلال خطبة الوداع، للدكتور خالد بدير

خطبة جمعه بعنوان: رعاية الحقوق والحرمات من خلال خطبة الوداع 

لتحميل الخطبة بصيغة  word أضغط هنا

لتحميل الخطبة بصيغة  pdf أضغط هنا

عناصر الخطبة:

العنصر الأول: رعاية الحرمات في ضوء خطبة الوداع

العنصر الثاني: نماذج من الحقوق في ضوء خطبة الوداع

العنصر الثالث: فضائل يوم عرفه

المقدمة:                                                            أما بعد:

العنصر الأول: رعاية الحرمات في ضوء خطبة الوداع

لقد أكدت خطبة الوداع على حق من أهم الحقوق السائدة بين المجتمع ألا وهو حق رعاية الحرمات؛ فقد تضمنت مجموعة من الحرمات التي بحفظها ورعايتها يعيش المجتمع في أمن وسلام واطمئنان؛ وهذه الحرمات تتمثل فيما يلي:-

أولا: حرمة الدماء

أيها المسلمون! لقد أكد نبيكم – صلى الله عليه وسلم – في خطبته المشهورة – حرمة سفك دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم فعن أبي بكرة – رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم النحر فقال: ” أي يوم هذا؟” قلنا: الله ورسوله أعلم، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: ” أليس ذو الحجة؟” قلنا: بلى، قال: “أتدرون أي بلد هذا؟” قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه، فقال: “أليس بالبلدة؟” قلنا: بلى، قال: ” فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا، وفي شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟” قالوا: نعم، قال: “اللهمّ اشهد، ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغٍ أوعى من سامع، ألا فلا ترجعُن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض” (البخاري ومسلم)

وعن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال:” اجتنبوا السبع الموبقات” قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال:” الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق…” (البخاري ومسلم)

أمة محمد – صلى الله عليه وسلم -! لقد نظر ابن عمر إلى الكعبة حيث الجمال والجلال والكمال والهيبة والحرمة فقال: ما أعظمك! وما أشد حرمتك، ووالله للمسلم أشد حرمة عند الله منك.

وقال ابن عمر: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله. (البخاري)

  وعند البخاري – أيضاً – عن ابن عمر قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-:” لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً”.

  وأعظم من ذلك كله  ما جاء عند أحمد والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله علبه وسلم قال:” يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دماً يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني حتى يدنيه من العرش”.فماذا عسى أن يكون الجواب عند سؤال رب الأرباب ؟!!.

وعن عبد الله بن مسعود – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” يجيء المقتول متعلقاً بقاتله يوم القيامة آخذاً رأسه بيده، فيقول: يا رب! سل هذا فيم قتلني؟ قال فيقول: قتلته لتكون العزة لفلان، قال: فإنها ليست له بؤ بإثمه، قال: فيهوى في النار سبعين خريفاً”.

فإياك قتل النفس ظلماً لمؤمن *** فذلك بعد الشرك كبرى التفسد

كفى زاجراً عنه توعدُ والتقى *** بنفي متاب القاتل المتعمد

ثانيا: حرمة أعراض المسلمين

لقد أكدت خطبة الوداع على رعاية حرمة أعراض المسلمين في قوله صلى الله عليه وسلم: ” فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا، وفي شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم”

إن الإسلام قد حمى الأعراض وصانها، وحرم الاعتداء عليها بالإيذاء أو النظر أو القذف، وجعل من يُقتل دفاعاً عن عرضه شهيداً، أو بمنزلة الشهيد، قال -صلى الله عليه وسلم-: “ومن قتل دون أهله فهو شهيد” ( أبوداود والترمذي والنسائي)

وتوعد الله سبحانه وتعالى الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المؤمنين، بالعذاب الأليم، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}(النور: 19)؛ وقد لعن الله الذين يتكلمون في أعراض الناس، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(النور: 23). وأمر الله أن يُجلدوا ثمانين جلدة ما لم يأتوا بأربعة شهداء، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(النــور: 4).

والمحافظة على الأعراض من الضرورات الخمس التي حافظ عليها الإسلام، فالإسلام جاء بالمحافظة على الضروريات الخمس وهي: حفظ الدين والنفس والنسل، وحفظ الأعراض، وحفظ العقول، فهذه الضروريات حافظت عليها جميع الشرائع.

وحرمة الأعراض -عباد الله- حرمة عظيمة، وصدق من قال:

والمال يغشى أُناساً لا طَبَاخ لهم         كالسيل يغشى أُصول الدِّندِن البالي

أصـون عرضي بمالي لا أدنسه          لا بارك الله بعد العرض في المالِ

عباد الله: إن العرض عند الإنسان أهم شيء يجب أن يحافظ عليه، فهو يجب أن يقوم بالمحافظة على عرضه ومحارمه؛ ولهذا أمر الإسلام بالمحافظة على العرض وصيانته والدفاع عنه؛ وجعل الإسلام لذلك وسائل وحدود.

هكذا أيها المسلمون نرى كيف حمى الإسلام الأعراض وصانها، وشدد على حمايتها. حتى يكون المجتمع نظيفاً يسوده الطهر والوئام والمحبة والأخوة. نسأل الله -عز وجل- أن يحمي أعراضنا، وأموالنا، ودماءنا، إنه على كل شيء قدير.

ثالثا: حرمة المال العام والخاص

من أهم الحرمات التي أكدت عليها خطبة الوداع حرمة المال سواء كان خاصا أم عاما؛ فقد حرم الإسلام كل طريقة تعدٍّ على مال الآخرين، سواء كان ذلك بالاختلاس، أو الحرابة، أو السرقة، أو السطو، أو غير ذلك من الطرق التي حرمها الإسلام، وجعل الحدود زجراً وردعاً للآخرين، وعظَّم جريمة السرقة، فجعل عقوبتَها القطع؛ ” وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ ” [المائدة: 38].ونهى عن الغَصْب والنهب والخيانة، ووبَّخ مَن فَعَل ذلك، وجعل له عقوبة رادعة؛ قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ” [النِّسَاء: 29].

ولحرمة المال شرع للإنسان الدفاع عن ماله من الاعتداء عليه بأية صورة من الصور السابقة، واعتبره شهيداً إن مات دفاعاً عن ماله، فعن أبي هريرة قال: جاء رجلٌ فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إن جاء رجلٌ يريد أخْذ مالي؟ قال: “فلا تُعطِه مالك”، قال: أرأيتَ إن قاتلني؟ قال: “قاتِلْه”، قال: أرأيتَ إن قتلني؟ قال: “فأنت شهيد”، قال: أرأيت إن قتلتُه؟ قال: “هو في النَّار”. (مسلم)، وعن عبدالله بن عمرو – رضي الله عنهما -: أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: “مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ” (متفق عليه).

وإذا كان الإسلام جعل لمال الإنسان الخاص حرمة وقداسة، فإنه لم يغفل عن حرمة المال العام، بل أعلى من شأن هذه الحرمة فجعلها أشد حرمة من المال الخاص، وعني عنايةً عظيمة بالمحافظة على أموال المسلمين، وأمَرَ بصيانتها، وحرَّم التعدي عليها، وقرنت الأموال بالأنفس في مواضعَ كثيرة من القرآن الكريم، فأمَر بالجِهاد بالأموال والأنفُس في سبيل الله، ونظَّم الأموال تنظيمًا سليمًا، فجعل في المال زكاةً حقًّا معلومًا للفقراء والمساكين وغيرهم ممَّن ذكروا في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وجعل فيها حقوقًا مُعيَّنة معلومة، وحرَّم التعدي على أموال الأمة بغير حقّ، ولو كان شيئاً يسيراً، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث عدى بن عميرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا (إبرة) فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا (خيانة وسرقة) يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.

رابعاً: حرمة الزمان والمكان

فقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة الزمان والمكان حينما كرر السؤال على الصحابة قائلا: أي يوم هذا؟ أي شهر هذا؟ أي بلد هذا؟ أليس يوم حرام وشهر حرام وبلد حرام؟!

وقد تكلمت مع حضراتكم في خطبة كاملة عن : حرمة الزمان والأشهر الحرم ؛ وخطبة كاملة عن حرمة المكان تحت عنوان: خصائص وفضائل البلد الحرام؛ ويمكن الوصول إليهما وتحميلهما عن طريق محرك البحث : جوجل. 

فعلينا أن نكون وقافين عند حدود الله وفرائضه وحرماته، قال – صلى الله عليه وسلم -:« إن الله حد حدوداً فلا تعتدوها، وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وترك أشياء من غير نسيان من ربكم ولكن رحمة منه لكم فاقبلوها ولا تبحثوا فيها »( أخرجه الحاكم وصححه)

وإياكم إياكم أن تنتهكوا حرمات الله في المكان الحرام أو الزمان الحرام لأن انتهاك الحرمات في الزمان الحرام والمكان الحرام زوال لكل حسناتك ولو كانت كالجبال: فَعَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّهُ قَالَ : لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا.( صحيح الترغيب والترهيب للألباني)

العنصر الثاني: نماذج من الحقوق في ضوء خطبة الوداع

تضمنت خطبة الوداع جملة من الحقوق الإسلامية والإنسانية؛ والتي بها قوام المجتمع الإسلامي القويم؛ إذا روعيت هذه الحقوق دون تقصير ساد المجتمع السعادة والرخاء والأمن والاستقرار؛ وتتمثل فيما يلي:-

أولا: حق المساواة: فقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم مبدأ المساواة الإنسانية؛ حيث المساواة بين الحاكم والمحكوم، وبين الغني والفقير، والقوي والضعيف، والصغير والكبير، والأبيض والأسود والأحمر، والرجل والمرأة، في الحقوق الإنسانية.. ” أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى)( الصحيحة للألباني)، وقال: «من بطأَ به عملهُ، لم يُسرعْ به نسبُه» (مسلم).

ثانيا: حق المرأة: فالنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بها في أكبر المحافل: «استوصوا بالنساءِ خيراً» (متفق عليه)؛ وأنهن عوان (أي أسيرات) لا يملكون لأنفسهن شيئا، فإن الإسلام أعطى للمرأة حقوقها ووصى بها.. وجعلها بنتا في بيت أبيها، وزوجة في بيت زوجها وهي سيدة ذلك البيت.. أعطاها حقها في الميراث، وكانت من قبل لا تأخذ شيئا.. جعل لها كرامة وكانت من قبل تباع وتشترى.. وجعل لها رأيا ولم يكن لها من قبل رأي.. فهذا هو الإسلام جعلها مصانة في بيتها معززة في حياتها.

ثالثا: حقوق متبادلة بين الزوجين: فقد اهتمت خطبة الوداع بالحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين، وجعلت حفظ الحقوق بين الزوجين هو الأساس في صيانة وحماية المجتمع من أي انحراف أو انحلال. وبين رسول الله في خطبة الوداع جانبا من تلك الحقوق فيقول: ” اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.”( مسلم)

ومن الحقوق المتبادلة أيضاً بين الزوجين أن يحفظ كل منهما سر الآخر ولا يذيعه، فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ” إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا “( مسلم)

رابعا: حق الاجتماع والأخوة والتعاون وحرية الاختلاف بضمان الوحدة حقوق مقدسة: ” يا أيها الناس إنما المؤمنون إخوة فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض”؛ وما أحوج الأمة الإسلامية في هذه الأيام إلى هذا الحق وهذا المبدأ العظيم؛ بدلا من أن يقتل بعضهم بعضا !!!

خامسا: شمولها لأمور الدنيا والآخرة: فخطبة الوداع قد عالجت شئون الحياة الاجتماعية، من علاقة الأخ بأخيه، والأفراد بالمجتمع، والحاكم بالمحكوم، والعبد بربه سبحانه وتعالى، وحذرت من الشيطان، وبينت أسس الدين ومقاصد الشريعة، وأنهم سوف يلقون ربهم فيسألهم عن أعمالهم في الآخرة..

سادسا: حق المعتقد والانتماء وحرية التدين والعبادة وحرية الفكر والإصلاح والتغيير حقوق مقدسة وحريات مصونة: ” يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا؛ كتاب الله وسنتي ألا هل بلغت اللهم فاشهد “.

سابعا: حق البلاغ: فعلى الداعية البلاغ وليس عليه النتائج؛ وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن انتهى من وصاياه رفع يديه إلى السماء وقال: ” اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد ..ثلاثا”؛ وهذا أمر محسوم في القرآن { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ }؛ والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقرر ذلك أن الداعية عليه أن يبذل قصارى جهده ومبلغ طاقته، وجل وقته، وأكثر ماله، وكل ما يملك، في سبيل دعوته، ولا ينتظر النتيجة ولا يحاسب عليها هل التزم الناس معه أم لا..

وهكذا كانت هذه الوصايا الجامعة؛ والحقوق المتبادلة؛ والقيم النافعة تمهد السبيل إلى الاستقرار الأسري والتوازن الاقتصادي والتكافل الاجتماعي والتعارف الإنساني، قياما بواجب الدعوة إلى هذا الدين بالتي هي أحسن.

هذا بعض ما جاء به صلى الله عليه وسلم للبشرية، فيه كل ما يتمناه ذو عقل راجح، وفطرة سليمة، فما أحوجنا إلى تعلم ما قرّره النبيُّ من حقوق للآخرين، وتأديته إليهم على أكمل وجه، إننا إذا فعلنا ذلك كنا دعاة للإسلام بحقٍّ ولو لم ننطق بكلمة.

وقد تكلمنا مع حضراتكم في خطبة كاملة عن : رعاية الحقوق والواجبات وأثرها في صلاح الفرد والمجتمع ؛ فليرجع إليها من شاء.

العنصر الثالث: فضائل يوم عرفه

عباد الله: إذا كنا قد تكلمنا في العنصرين السابقين عن رعاية الحرمات وحقوق الإنسان من خلال خطبة الوداع؛ فلا يفوتنا في هذا المقام أن نذكر فضل اليوم الأغر الميمون الذي قيلت فيه هذه الخطبة وهو يوم عرفة.

إن يوم عرفه من أفضل الأيام عند الله؛ فقد خصه الله – عز وجل – بفضائل وخصائص دون غيره من الأيام؛ وقد تضافرت الأدلة من القرآن والسنة على فضائل هذا اليوم والتي تتمثل فيما يلي:-

أولا: يوم عرفة أحد أيام الأشهر الحرم: قال الله- عز وجل- : {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [سورة التوبة : 39]. والأشهر الحرم هي : ذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم ، ورجب ويوم عرفه من أيام ذي الحجة.

ثانيا: يوم عرفة أحد أيام أشهر الحج: قال الله – عز وجل- : {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [سورة البقرة : 197] وأشهر الحج هي : شوال ، ذو القعدة ، ذو الحجة.

ثالثا: يوم عرفة أحد الأيام المعلومات التي أثنى الله عليها في كتابه: قال الله – عز وجل- : {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [سورة الحج:28]. قال ابن عباس –رضي الله عنهما : الأيام المعلومات : عشر ذي الحجة.

رابعا: يوم عرفة أحد الأيام العشر التي أقسم الله بها : منبها على عظم فضلها وعلو قدرها قال الله – عز وجل- : {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [سورة الفجر:2]. قال ابن عباس – رضي الله عنهما – : إنها عشر ذي الحجة قال ابن كثير: وهو الصحيح.

 خامسا: يوم عرفة أحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها على غيرها من أيام السنة؛ فقد أخرج البخاري عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء”.

سادسا: يوم عرفة أكمل الله فيه الملة: وأتم به النعمة، فعن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- : أن رجلا من اليهود قال : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال : أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا} [ سورة المائدة:5]. قال عمر – رضي الله عنه- : قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.

سابعا: صيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين: فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن صيام يوم عرفة؟ : ” يكفر السنة الماضية والسنة القابلة”( مسلم )؛  وهذا لغير الحاج وأما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف.

ثامنا: أنه يوم العيد لأهل الموقف: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام.” ( أبو داود وصححه الألباني)

تاسعا: عظم دعاء يوم عرفة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة ” (صححه الألباني في الصحيحة). قال ابن عبد البر – رحمه الله – : وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره.

عاشرا: كثرة العتق من النار في يوم عرفة: قال النبي صلى الله عليه وسلم :” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة”( مسلم).

حادي عشر: مباهاة الله بأهل عرفة أهل السماء: قال النبي صلى الله عليه وسلم:” إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء” ( أحمد وصحح إسناده الألباني) .

ثاني عشر: يوم عرفه فيه التكبير : فقد ذكر العلماء أن التكبير ينقسم إلى قسمين : التكبير المقيد الذي يكون عقب الصلوات المفروضة ويبدأ من فجر يوم عرفة قال ابن حجر –رحمه الله- : ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث وأصح ما ورد عن الصحابة قول علي وابن مسعود _ رضي الله عنهم_ أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى.

وأما التكبير المطلق فهو الذي يكون في عموم الأوقات ويبدأ من أول ذي الحجة حيث كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم يخرجون إلى السوق يكبرون ويكبر الناس بتكبيرهما؛ والمقصود تذكير الناس ليكبروا فرادى لا جماعة .

ثالث عشر: يوم عرفه فيه ركن الحج الأعظم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” الحج عرفة” (متفق عليه).

فحري بكم أيها المسلمون – عباد الله- أن تجتهدوا في هذه الأيام المباركات؛ وأن تكثروا من العبادات والطاعات؛وأن تغتنموا هذه النفحات والبركات؛ عسى أحدكم أن تناله نفحة لا يشقى بعدها أبدا ؛؛؛

رزقنا الله وإياكم حج بيته الحرام؛ وتقبل الله منا ومنكم ؛ وكل عام وأنتم بخير ؛؛؛

الدعاء……..                                                               وأقم الصلاة،،،،                         

                                                                              كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى