استشراف المستقبل عند اليهود بقلم الدكتور يوسف زهران
استشراف المستقبل عند اليهود
بقلم الدكتور يوسف زهران
رسم اليهود مستقبلهم بناء على هدف واحد يسعون إليه، هو الهيمنة والسيطرة على العالم كله، ومن أجل ذلك وضعوا الخطط، ونفذوا ما رسموه، وسخروا كل أدواتهم وإمكانياتهم لهذا الغرض، وهذا يتضح فيما يلي : أولاً : استشراف اليهود السيطرة على العالم من خلال بروتوكولات حكماء صهيون الحقيقة الموجودة التي لا شك فيها أن النفوذ الذي يحاول اليهود الوصول إليه قائم، ملموس الوقائع، والآثار، ومما يدل على مخططهم الذي يستشرفون فيه السيطرة على العالم كله، ما خططوا له في بروتوكولات حكماء صهيون . فحوى البروتوكولات، وجملة مقاصدها، ومراميها : اشتملت على شرح للخطط المتفق عليها، وتتلخص في تدبير الوسائل للقبض على زمام السياسة العالمية، من وراء القبض على زمام الصيرفة، وفيها تفسير للمساعي التي انتهت بقبض الصيارفة الصهيونيين على زمام الدولار في القارة الأمريكية، ومن ورائها جميع الأقطار، وتفسير إلى جانب ذلك للمساعي الأخرى التي ترمي إلى السيطرة على المعسكر الآخر من الكتلة الشرقية، وانتهت بتسليم ذلك المعسكر إلى أيدي أناس من الصهيونيين أو الماديين . وتعدد وسائل الفتنة التي تمهد لقلب النظام العالمي، وتهدده في كيانه بإشاعة الفوضى، والإباحية بين شعوبه، وتسليط المذاهب الفاسدة، والدعوات المنكرة على عقول أبنائه، وتقويض كل دعامة، من دعائم الدين، أو الوطنية، أو الخلق القويم . سبب وضعها: عقد زعماء الصهيونية ثلاثة وعشرين مؤتمراً منذ سنة 1897 ، وكان آخرها المؤتمر الذي انعقد في القدس لأول مرة في 14 أغسطس سنة 1951، ليبحث في الظاهر مسألة الهجرة إلى إسرائيل، ومسألة حدودها، وكان الغرض من هذه المؤتمرات جميعاً دراسة الخطط التي تؤدي إلى تأسيس مملكة صهيون العالمية، وكان أول مؤتمراتهم في مدينة بال بسويسرا سنة 1897م برئاسة هرتزل، وقد اجتمع فيه نحو ثلاثمائة من أعتى حكماء صهيون، كانوا يمثلون خمسين جمعية يهودية، وقرروا فيه خطتهم السرية لاستعباد العالم كله، تحت تاج ملك من نسل داود . خطورتها: هذا الكتاب هو أخطر كتاب ظهر في العالم، ولا يستطيع أن يقدره حق قدره إلا من يدرس البروتوكولات كلها كلمة كلمة، في أناة وتبصر، ويربط بين أجزاء الخطة التي رسمتها، على شرط أن يكون بعيد النظر، فقيهاً بتيارات التاريخ وسنن الاجتماع، وأن يكون ملماً بحوادث التاريخ اليهودي والعالمي بعامة، لا سيما الحوادث الحاضرة وأصابع اليهود من ورائها، ثم يكون خبيراً بمعرفة الاتجاهات التاريخية، والطبائع البشرية، وعندئذ فحسب ستنكشف له مؤامرة يهودية جهنمية، تهدف إلى إفساد العالم وانحلاله؛ لإخضاعه كله لمصلحة اليهود، ولسيطرتهم دون سائر البشر. إن هذا الكتاب لينضح بل يفيض بالحقد والاحتكار والنقمة على العالم أجمع، وما يمكن أن تنطوي عليه النفس البشرية من خسة وقسوة ولؤم، ويكشف عن فطنة حكماء صهيون، كما يكشف عن معرفتهم الواسعة بالطرق التي يستطاع بها استغلال نزعاتها الشريرة العارمة، لمصلحة اليهود، وتمكينهم من السيطرة على البشر جميعاً، بل يكشف عن الوسائل الناجحة التي أعدوها للوصول إلى هذه الغاية . بعض عناصر المؤامرة : إن المجال لا يسمح بذكر كل عناصر المؤامرة كما جاءت في البروتوكولات، وحسبنا الإشارة إلى ما يأتي منها : 1- لليهود منذ قرون خطة سرية، غايتها الاستيلاء على العالم أجمع، لمصلحة اليهود وحدهم، وكان ينقحها حكماؤهم طوراً فطوراً حسب الأحوال، مع وحدة الغاية . 2- تنضح هذه الخطة السرية بما أثر عن اليهود من الحقد على الأمم، والضغن على الأديان، كما تنضح بالحرص على السيطرة العالمية . نماذج مما استشرفه اليهود في البروتوكولات وحققوه : كتب الأستاذ سرجي نيلوس في المقدمة والتعقيب اللذين كتبهما على البروتوكولات تفصيل ذلك: فيبدأ بالحديث عن كيفية وصول البروتوكولات إليه، وأنه درسها دراسة دقيقة كافية، وقارن بينها وبين الأحداث السياسية الجارية يومئذ، فأدرك خطورتها أتم إدراك، واستطاع من جراء هذه المقارنة أن يتنبأ بكثير من الأحداث الخطيرة التي وقعت بعد ذلك بسنوات كما قدرها، منها نبوءته بتحطيم القيصرية في روسيا، ونشر الشيوعية فيها، وحكمها حكماً استبدادياً غاشماً، واتخاذها مركزاً لنشر المؤامرات والقلاقل في العالم، ومنها نبوءته بسقوط الخلافة الإسلامية العثمانية على أيدي اليهود، قبل تأسيس إسرائيل . ومنها نبوءته باستحواذ اليهود على فلسطين، وقيام دولة إسرائيل فيها، ومنها إثارة حروب عالمية لأول مرة في التاريخ، يخسر فيها الغالب والمغلوب معاً، ولا يظفر بمغنمها إلا اليهود، وقد نشبت منها حربان – واليهود يهيئون الأحوال الآن لنشوب الثالثة – فنفوذ اليهود في أمريكا لا يعادله نفوذ أقلية، ثم أنهم أهل سلطان في روسيا، وهاتان الدولتان أعظم قوتين عالميتين الآن، واليهود يجرونهما إلى الحرب لتحطيمهما معاً، وإذا تحطمتا ازداد طمع اليهود في حكم العالم كله، حكماً مكشوفاً، بدل حكمهم إياه حكماً مقنعاً، ومن نبوءته أيضاً نشر الفتن والقلاقل والأزمات الاقتصادية دولياً، وبنيان الاقتصاد على أساس الذهب الذي يحتكره اليهود، وغير ذلك من النبوءات كثير . ثانياً : استشراف اليهود السيطرة على العالم من خلال الصهيونية التعريف بالصهيونية: هي الحركة الرامية إلى عودة اليهود إلى وطن أجدادهم، حسبما جاء في الوعد الإلهي، وغني عن القول أن الأمل الصهيوني أو المتتالية المفترضة أو المتوقعة تختلف كثيراً عن الواقع الصهيوني أو المتتالية المتحققة . العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية بشأن يهود العالم : ظل تاريخ الصهيونية متعثراً قبل ظهور هرتزل، وظلت الصهيونية فكرة غير قادرة على التحقق لأسباب عديدة؛ من أهمها أن دعاة الفكر الصهيوني كانوا من الصهاينة غير اليهود، أو من أعداء اليهود، الأمر الذي جعل أعضاء المادة البشرية المستهدفة “أي اليهود” يرفضون الدعوة إلى استيطان فلسطين، كما أنه لم تكن هناك أية أطر تنظيمية تضم كل الجماعات اليهودية، وعلاوة على هذا كان هناك يهود الغرب المندمجين، الذين كانوا يرون أن المشروع الصهيوني يهدد وجودهم ومكانتهم، وكل ما حققوه من مكاسب . وقد حل هرتزل كل هذه الإشكاليات، فقام بوضع العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية، استناداً للصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة التي نبعت من صميم هذه الحضارة، ومن تاريخها الفكري والاقتصادي والسياسي، ولم يكتف هرتزل بوضع العقد وإنما قام بتأسيس المنظمة الصهيونية، التي طرحت نفسها كإطار تنظيمي يمكن من خلاله توقيع العقد مع الحضارة الغربية، وفرض الصيغة الصهيونية الشاملة على الجماهير اليهودية، بحيث تتحول هذه الجماهير إلى مادة استيطانية، ويدخل المشروع الصهيوني إلى حيز التنفيذ، كما طوَّر هرتزل الخطاب المراوغ، الذي جعل بالإمكان إرضاء مختلف قطاعات يهود العالم الغربي، بل استيعاب كل ما قد يجد من مشاكل في المستقبل، الأمر الذي فتح الباب أمام تهويد الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة . وقد أشار هرتزل في المؤتمر الصهيوني الأول 1897م إلى ضرورة التفاهم التام مع الوحدات السياسية المعنية، حتى يتم الحديث عن حقوق الاستعمار، وعن المنافع التي سيقدمها الشعب اليهودي برمته مقابل ما يُعطَى له، كما أشار إلى أن هذا سيأخذ شكل اتفاقية، وكان الصهاينة يشيرون إلى وعد بلفور باعتباره العقد الذي مُنح للحركة الصهيونية . وقد كان هرتزل يهدف إلى تحديث المسألة اليهودية، ولذا فقد كان من اللازم أن يستخدم اللغة التعاقدية النفعية، التي تفهمها الحضارة الغربية . وبناء على ترجمة هذا العقد الصامت: تتعهد الحركة الصهيونية بمقتضى هذا العقد بإخلاء أوربا من يهودها “أو على الأقل الفائض البشري اليهودي” وتوطينهم في منطقة خارج هذا العالم الغربي، ويتحقق نتيجة ذلك ما يلي : 1- الهدف الأكبر: يُؤسِّس المستوطنون، في موقعهم الجديد، قاعدة للاستعمار الغربي، وتتعهد الصهيونية بتحقيق مطالب الغرب، ذات الطابع الإستراتيجي، ومنها الحفاظ على تَفتُّت المنطقة الإسلامية . 2- أهداف أخرى : أ- يتم بذلك تخليص العالم الغربي من اليهود الزائدين، باستيعابهم في ذلك الجيب، وتحويل فيض المهاجرين من اليهود . ب- عن طريق نَقْل اليهود، ستقوم الحركة الصهيونية بالسيطرة على الشباب اليهودي، وتسريب طاقته الثورية، من خلال القنوات الصهيونية . جـ- ستقوم الحركة الصهيونية بحشد يهود العالم وراء المشروع الصهيوني الغربي، بحيث يصبحون عملاء ووكلاء للغرب أينما كانوا . د- ستقوم الحركة الصهيونية بتجنيد يهود الغرب المعروفين بثرائهم؛ ليدعموا هذا المشروع الغربي، دون أن تطالبهم بالهجرة . هـ- عن طريق نقل اليهود، ستقضي الصهيونية على معاداة اليهود في الغرب . ونظير ذلك، سيقوم الغرب (ككل) برعاية هذا المشروع ودَعْمه، كما أنه سيساعد الحركة الصهيونية في الهيمنة على يهود العالم الغربي، الذين يشكلون غالبية يهود العالم . وبرغم تناقض بنود العقد، إلا أنه تم توقيعه (مجازاً) وأصبح قيام الصهيونية بـ “خدمة اليهود والمسيحيين” ممكناً، وبتوظيف المادة البشرية اليهودية في خدمة الحضارة الغربية . ثالثا: استشراف المستقبل في الحلم بالأرض المقدسة جاء في سفر زكريا [ 2 : 10 _ 13 ] :” رَنِّمِي وَابْتَهِجِي يَا أُورُشَلِيمُ، لأَنِّي قَادِمٌ لأُقِيمَ فِي وَسَطِكِ، يَقُولُ الرَّبُّ، فَتَنْضَمُّ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى الرَّبِّ وَيَكُونُونَ لِي شَعْباً، فَأُقِيمُ فِي وَسَطِكِ، فَتُدْرِكِينَ أَنَّ الرَّبَّ الْقَدِيرَ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكِ، وَيَرِثُ الرَّبُّ يَهُوذَا نَصِيباً لَهُ فِي الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَيَرْجِعُ فَيَصْطَفِي لِنَفْسِهِ أُورُشَلِيمَ، لِيَصْمُتْ كُلُّ بَشَرٍ فِي حَضْرَةِ الرَّبِّ؛ لأَنَّهُ قَدْ استيقظ مِنْ مَسْكَنِ قُدْسِهِ ” . ويذكر اليهود أن موسى عليه السلام أوصى “يشوع”بكتابة التوراة مرةً أخرى على أحجار المذبح، حين يدخلون الأرض المقدسة، فقد قال: “فيوم تعبرون الأردن إلى الأرض المقدسة التي يعطيك الرب إلهك؛ تقيم لنفسك حجارة كبيرة وتشيدها بالشيد، وتكتب عليها جميع كلمات هذا الناموس” . وتذكر التوراة أن الله تعالى قال لموسى: (اخرج أنت وشعبك من مصر؛ ليرثوا الأرض المقدسة التي وعدت بها أباكم إبراهيم أن أُوَرِّثها نسله، فلما صار بهم موسى في التيه – قالت التوراة – قال الله تعالى: لا تدخلوها/(2/48/أ)أنتم لأنكم أغضبتموني”، فلم يدخلوها هم ولا موسى وهارون، ولم يدخلها أحد ممن خرج من مصر سوى رجلين: يوشع بن نون، وكالب بن يوفينا) . وتذكر أيضا: أنه بعد أن فر اليهود من مصر، وبعد خروجهم من البحر؛ قال لهم موسى عليه السلام: ادخلوا الأرض المقدسة التي وعدكم الله بها على لسان أبيكم إبراهيم، فأبوا عليه، وخالفوا أمره، قال الله عز وجل حكاية عنهم: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخَلَهَا أَبَداً مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُون) [سورة المائدة، الآية: 24] وقال بعضهم لبعض: هلم فلنول علينا ولاة، ويؤمر كلّ سبط رجلاً عليه؛ وندع موسى، ونرجع إلى مصر، فقد كان الموت بين يدي فرعون خيراً لنا من الدخول إلى الأرض التي وعدنا بها . وتذكر التوراة أيضا أن الله حرم موسى وهارون من دخول الأرض المقدسة؛ لعدم إيمانهما: “فقال الرب لموسى وهارون: من أجل أنكما لم تؤمنا بي، حتى تقدساني أمام أعين بني إسرائيل، لذلك لا تدخلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيتهم إياها” (العدد20/ 12) . وبعد موت موسى عليه السلام، قاد يشوع بني إسرائيل؛ فأدخلهم الأرض المقدسة، في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وفيها أقاموا عدة دول . وفي العصر الحديث : في عام 1896م ذهب الصحفي اليهودي النمساوي تيودر هرتزل إلى السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، يعرض عليه إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، فرفض السلطان عبدالحميد هذا الأمر، فعرض عليه 2مليون ليرة ذهبية، فرفض السلطان، وقال له: لا أستطيع أن أتنازل عن قدم واحدة من هذه الأرض؛ لأنها ليست أرضي، وإنما أرض شعبي، دع اليهود يحتفظون بملايينهم، فإذا تفككت امبراطوريتي فإن اليهود قد يحصلون عليها بدون مقابل، ولكنهم لن يصلوا إليها إلا على أشلاء أجسادنا . في العام التالي عام 1897م عقد في مدينة بال بسويسرا المؤتمر الأول لوضع الحجر الأساسي للوطن الذي سيقيم فيه اليهود، وبدأت المفاوضات تجرى لإنشاء الوطن الجديد لليهود، واستغل الاستعمار الغربي ممثلا في انجلترا وفرنسا طمع الحسين بن عليّ أن يكون ملكا؛ فعرضت عليه المساعدة، وهي أن تنصبه ملكا على العرب، بعد استرداد الوطن العربي من العثمانيين؛ على أن يساعدهم في الحرب العالمية الأولى . وفى عام 1917م خرج وعد وزير الخارجية البريطاني جيمس آرثر بلفور لليهود؛ بإنشاء وطن قومي في فلسطين . وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة تركيا، سقطت الخلافة العثمانية، وقسمت الدول الإسلامية على الاستعمار الأوربي، ووضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وبدأ اليهود يهاجرون إليها، وقاموا بشراء الأراضي بمساعدة انجلترا، بل إن انجلترا جعلت اليهود يتولون الوظائف الحساسة في فلسطين، بعد طرد أصحابها منها . وفي 15 مايو 1948 م أعلن عن قيام دولة إسرائيل، وسارعت الدول الأوربية للاعتراف بها، فخطط اليهود لمستقبلهم، ونفذوا خطتهم بكل دقة، وساعدهم تشرذم وضعف الأمة الإسلامية، وعدم تطلعها إلى المستقبل، وما يحاك لها فيه من خطط وأمور تدبر بليل . رابعاً : النظرة المحدودة في عدم استشراف المستقبل عند اليهود، وآثاره من أمثلة عدم استشراف المستقبل في اليهودية : 1- مشاركة العلماء للعامة في المعاصي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ في المَعَاصي، نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ في مَجَالِسِهمْ، وَوَاكَلُوهُمْ، وَشَارَبُوهُمْ، فَضَربَ اللهُ قُلُوبَ بَعضِهِمْ بِبعْض، وَلَعَنَهُمْ “عَلَى لِسانِ دَاوُد وعِيسَى ابنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بما عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ” فَجَلَسَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مُتَّكِئاً، وقَالَ: (لا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأطِرُوهُمْ عَلَى الحَقِّ أطْراً) رواه الترمذي، رقم 3047 ، فبسبب وقوع العلماء فيما وقعت فيه العامة وقع العذاب على الجميع، فلم تستشرف علماؤهم المستقبل، ولم يتوقعوا خطورة هذا الأمر، فحل بهم العذاب جميعاً . 2- انغماسهم في مفاتن الدنيا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) رواه مسلم، رقم 2747 ، فلم يهتموا سوى بملذاتهم، وشهواتههم، حتى أصبح المستقبل عندهم في حكم العدم، وقصرت نظرتهم لما تحت أرجلهم فقط . 3- كثرة الظلم، والشح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم) رواه البيهقي رقم 10832 ، وهذا كثير في أيامنا، فحال الظالم دائما إلى بوار، فالظلم يهدم الدول، كما حدث مع بني إسرائيل . 4- التعنت مع الأنبياء عليهم السلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِم، وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا
اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ) رواه مسلم 1337، فبعدم استشرافهم إلى غد أفضل، تتغير فيه أحوالهم، تعنتوا مع الأنبياء، وأهملوا تعاليمهم؛ فحدث لهم ما حدث . 5- عدم إقامة العدل (عَنْ السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا، تَعْنِى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْد، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ رضي الله عنه، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: يَا أُسَامَةُ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ:إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) رواه البخاري رقم 4375، هذه نظرة مستقبلية من الإسلام في المساواة، والعدالة الاجتماعية، فلا فرق بين غني وفقير، وضرْبٌ للمثل بما وقعت فيه بنوا إسرائيل من تجاهل للمستقبل، وقصور في الاعتبار، فأهلكهم الله تعالى . في اللقاء القادم بإذن الله : استشراف المستقبل عند النصارى .