الدكتور احمد طه إمام المركز الإسلامي بميونخ بألمانيا فى حوار شامل صريح :

– حال وواقع الدعوة الاسلامية أقل بكثير من المأمول والمرتجى رغم الأعداد الكبيرة للمسلمين بألمانيا

– نعانى عدم وجود مؤسسات إسلامية حقيقية تخدم المسلمين و تصحح صورة الإسلام والمسلمينلمركز الاسلامى بميونخ

– الدعاة والأئمة أصحاب المستويات العالية فهما وعلما وواقعا قليلون جدا من حيث عدد المسلمين هنا

– المانيا دولة قانون دون استثناء والحرية فيه مكفولة للأفراد و المسلم يطمئن فيه على نفسه و دينه

– لنا تواجد حقيقي في المشاركات السياسية والإعلامية والبرلمانية والقضائية.. و لا يعني تراجعنا عن هويتنا

– تفاعلنا مع الأحداث دائما دفاع المتهم بالشيء لمحاولة التبرئة منه.. وهذا ندائى للقائمين على العمل الإسلامي

– الأولى تأسيس مؤسسات مرجعية تهتم بقضايا المسلمين تتعاون مع الغرب وهذا سيجعلنا أكثر تأثيرا و انتشارا لصحيح قضايانا

– المؤسسات الإسلامية دورها عظيم .. لكن يظل قليلا لما يحتاجه الشباب في الغرب تعزيزا لعقيدته و ثقافته

– ليس جيدا انحصار العمل الإسلامي فقط في المساجد والمراكز بل لا بد تنوعه بين اجتماعي ورياضي وتربوي وترفيهي

حاوره – أحمد نور الدين :

فى حواره المطول الصريح  لى ..  اكد فضيلة الدكتور احمد طه إمام المركز الإسلامي بميونخ بألمانيا ان المسلمين فى الغرب يعانون عدم وجود مؤسسات إسلامية حقيقية تخدم المسلمين و تصحح صورة الإسلام واتباعه.. موضحا أن الدعاة والأئمة أصحاب المستويات العالية فهما وعلما وواقعا قليلون جدا من حيث عدد المسلمين هنا.. مشددا ان المانيا دولة قانون دون استثناء والحرية فيها مكفولة للأفراد و المسلم يطمئن فيه على نفسه و دينه، وان المسلمين لهم تواجد حقيقي في المشاركات السياسية والإعلامية والبرلمانية والقضائية, دون تراجع عن الهوية الاسلامية.. متحسرا ان تفاعلنا كمسلمين هنا مع الأحداث دائما دفاع المتهم بالشيء لمحاولة التبرئة منه, مطالبا بتأسيس مؤسسات مرجعية تهتم بقضايا المسلمين تتعاون مع الغرب وهذا سيجعلنا أكثر تأثيرا و انتشارا لصحيح قضايانا.. وغيرها من الاطروحات والمنطلقات التى طرحها حلا لأزمة المسلمين فى الغرب فى ذلك الحوار .. والى التفاصيل .

**  بداية …ما اهم ملامح خريطة المسلمين العرقية فى ميونخ واهم مساجدها ؟

* المسلمون في مدينة ميونخ الألمانية يمثلون من حيث التعداد حوالي مئة وأربعين ألفا وزيادة من مجموع مليون و500 ألف تقريبا أي ما يزيد على 9% تقريبا من إجمالي عدد السكان وتتعدد الجاليات المسلمة فيه، تتقدمهم الجالية التركية ثم البلقان (البوسنة- كرواتيا- ألبانيا) ، ثم من العرب العراقية والتونسية والمصرية ثم باقي الجنسيات، وتضم المدينة ما يزيد على خمسين مسجدا ومصلى منهم ما يقارب عشرة مساجد عربية، والأخرى ما بين التركية، والألبانية، والبوسنية، يتقدمهم من حيث المساحة والأقدمية والمرجعية، المركز الإسلامي بميونخ وهو ما أتشرف بإمامته ومسجد السليمانية “اتحاد المراكز الثقافية الإسلامية” ومساجد أخرى كثيرة .

** كيف ترى فضيلتكم واقع وحال المسلمين والدعوة الاسلامية فى ميونخ خاصة والغرب عامة ؟

* كما بينت لسيادتكم أن عدد المسلمين في ميونخ يصلون إلى مئة وأربعين ألف نسمة وربما أكثر، وهذا العدد المفروض أن يكون مؤثراً ومنتجا لأضعاف ما يقوم به الآن أو ينتجه، ولكن للأسف الحال والواقع أقل بكثير من المأمول والمرتجى من خلف هذه الأعداد الكبيرة التي هي في ازدياد مستمر، والتي نطمح أن تعاود أدراجها مرة ثانية لنفسها ودعوتها، والحالة هذه تنطلي على كل بلاد الغرب خاصة بلاد أوربا، وأما الدعوة أو التعريف بالإسلام ـ وهذا مصطلح أحبه أكثر ـ فهي كذلك مع ما يُقدم ويُنتج إلا أنه يظل ضعيفا بالمقارنة أيضا بالعدد وكذلك الإمكانيات، والتحديات.

** هل هناك عقبات تعترى المسلمين والدعوة هناك ؟

* بالطبع ما من مجتمع إلا وله معوقات وعقبات تعتري أفراده ومؤسساته خاصة إذا كانوا أقلية، وأيضا لكون الإسلام دين غير معترف به في ألمانيا حتى الآن، من هذه العقبات عدم وجود مؤسسات إسلامية حقيقية متنوعة تخدم المسلمين في الملفات المختلفة وتقوي من تصحيح الصورة الحقيقة للإسلام والمسلمين، كذلك ضعف إنتاجية المؤسسة الواحدة والرضا بما تقدمه من إنتاج وقد يكون هذا لضعف الإمكانيات ، لكنه في النهاية غير كافيا، أضف إلى ذلك أن جميع مؤسسات المسلمين تقوم على الجهود الذاتية والدعم الداخلي من الأفراد وهذا مع ما يقوم به الأخوة مشكورين إلا أنه يظل غير كافياً للمؤسسة من حيث ما تقوم به أو تطمح لتقديمه، فالمعوق المالي أحد أكبر المعوقات الحقيقية هنا، بالإضافة إلى الضعف الشديد في تخصصات مختلفة وخاصة الدعاة والأئمة وأقصد بهم أصحاب المستويات العالية فهما وعلما وواقعا، الذين هم قليل جدا من حيث عدد المسلمين هنا وعدد مراكزهم .

** وكيف تواجهون و تحلون هذه المشكلات؟

* لحلول هذه المعوقات ممكن أن يطرح في عدة صور منها : اهتمام المسلمون بإنشاء وإقامة مؤسسات متنوعة كالحقوقية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك الجمعيات التي تقدم نموذجا مشرفا للإسلام والمسلمين ، ومنها مخاطبة  مؤسسات الدولة بتقديم دعم وعون للمؤسسات الإسلامية باعتبار أن الإسلام أصبح جزءا من ألمانيا وقد أقرت بذلك المستشارة الألمانية في أكثر من لقاء، فلماذا لا تدعم الدولة جزء من هذه المؤسسات (الدستور الألماني يلزم الحكومة بالحيادية الدينية، وبالتالي تعاملها مع المؤسسة الدينية من خلال تعاقدات بعد الاعتراف المؤسسي الذي لم يحصل عليه المسلمون بعد)، وأيضا مخاطبة المؤسسات الإسلامية العالمية لا سيما مناراته الأزهر الشريف بتقديم العون والدعم المادي والمعنوي وكذلك الاحتضان والرعاية لتلك المؤسسات وغير ذلك كثير  يطول ذكره وبيانه .

** هل تسمح لكم السلطات الألمانية بالدعوة الى الاسلام فى مناحى الدولة المختلفة هناك ؟

* نحن نعيش في بلد آمن وعادل بامتياز، غني بقيمه القانونية السائدة على الجميع دون استثناء (دولة القانون)، والحرية فيه مكفولة للأفراد وبالتالي يضمن ويطمئن فيه المسلم على نفسه وعلى دينه، وحياته،ودعوته، وبالتالي أستطيع أن أقول أن البيئة والمناخ المتاح هنا يكفل لك حرية تامة ومساعدة حقيقية ، فالدولة لا تقف أمام المسلمين في ما يضمن لهم حرية الاعتقاد والعمل الإسلامي بل على  العكس تشجع  لكثير منه وتتعاون بصورة كاملة خاصة ما يكون نموذجا لإسلامنا الجميل من وسطية وحضارية وأخلاقي، ونحن بطبيعتنا نتحرك بين المجتمع الألماني ومؤسساته وكذلك  المراكز والمساجد في أي مكان دون قيود أو معوق ولله الحمد.

** كيف ترى اذابة المسلمين فى المجتمع الألماني؟ وهل هناك مشكلات تخص الهوية العربية ؟

* المسلمون جزء من المجتمع الألماني فهم لا يقلون عن خمسة ملايين مسلم في ألمانيا وهو عدد ليس بالقليل ولهم تواجد حقيقي على الساحة الألمانية، فأكثر (أبناء الجيل الثاني والثالث) يتكلمون لغة البلد وكذلك يتواجدون في مؤسسات الدولة كافة ويعملون في مهن مختلفة, الرائد منها وغيره ، كما أن لهم تواجداً حقيقياً في المشاركات السياسية والإعلامية والبرلمانية والقضائية، والدولة تساعد على مزيد من الاندماج بين أطياف وأفراد الشعب دون النظر لأي تمييز سواء كان ديني أم عرقي أم غير ذلك، ونحن بدورنا نشجع وندعو جميع المسلمين إلى مزيد من الاندماج والمشاركة الحقيقية, وهذا بالطبع لا يعني التراجع بهويتنا أو التخلي عنها بل على العكس نحن نركز دائما ونخاطب الناس في جميع الميادين على أهمية الهوية ونؤطر سبل المحافظة عليها بأشكالها الأربع العقيدة واللغة والعرف والتاريخ ، خاصة مع الجيل الثاني والثالث الذي ولد وربي هنا حتى لا يفقد هويته أو يضيع معالمه .

** قلتم فضيلتكم مسبقا: ” من المعوقات الحقيقية لمعيشة المسلمين ببلاد غيرهم عدم وجود رموز لهم “..لماذا لا توجد هذه الرموز والقدوات فى تلك البلاد؟

* الرموز والقدوات هم دائما فئة قليلة امتثالاً للحديث النبوي الشريف: ” الناس كإبل مائة لا تكاد ترى فيها راحلة ” والرواحل والرموز ما أحوجنا إليها أفرادا كانوا أم مؤسسات, فليس شرطا أن يكون الرمز فردا بل ربما كانت مؤسسة حقيقية تؤدي دورها وتسد ثغرتها، والكلام على وجود الرموز أمر في غاية الأهمية فكما تعلم نحن شعوب كثيرة ومذاهب مختلفة وأعراف متنوعة, وللأسف حتى الآن لم نجتمع تحت ظل مؤسسات أو رموز نستطيع أن نشد بها العود، أو نستبصر بها الحلول  في وقت المحن والشدائد، لكم يحزنني أننا كل عام نختلف على صيام رمضان، وموعد العيد وقضايا كثيرة نمر بها نحتاج إلى عودة رموز تجمع ولا تفرق وتستوعب ولا تهمش .

** وما آليات واطر ايجاد تلك الرموز هناك ؟

* يجب كما بينت أن نفكر في  الرموز على مستويين المستوى الأول: المستوى المؤسسي وهذا لا بد أن ننوعه ونقويه على مستوى البلد والمدينة ليكون ظلا يلجأ إليه كل محتاج ومستفسر، ومرجعية واقعية في الأمور كلها، وهذا مهم  كالمؤسسات الفقهية والعلمية والقانونية وغيرها، والمستوى الثاني: المستوى الفردي وهذا لا بد أن يكون في التخصصات المختلفة مما يكون أيضا مرجعية حقيقة نعتمد عليها ونلتف حولها، هذا من الناحية التخصصية ، كذلك الرمز الآخر الذي لا بد أن نهتم به هو الرمز المُجَمّع الذي إذا قال أسمع أو أمر يطاع ممن يرزق القبول بين الناس وهذا ليس شرطا أن يكون متخصصا في فن أو صاحب مكانة علمية رفيعة بل ربما يكون من بين الناس لكنه القيمة والقامة بينهم ، ويأنس الناس به ، وأهم آلية نحتاجها لإفراز تلك الرموز هي الأسرة والبيت بالتنشئة على هذا المعنى، وأيضا دور المراكز الإسلامية في تكوين هذه الرموز والبحث عنها وتقديمها للمجتمع.

** لفضيلتكم خطبة بعنوان (المسلمون فى اوروبا بين التأسيس والعمل قبل الدفاع والجدل).. ماذا تعنى فضيلتكم بذلك تفصيلا ؟

* أهتم دائما بواقع الأئمة من خلال محاضراتي وخطبي التي أقدمها هنا في أوربا ، وهذه الخطبة أردت منها ما يخدم الفكرة السابقة من أنه لا بد أن نُكوّن مؤسسات عاملة منتجة تدافع عن قضايا المسلمين وتخدم تواجدهم هنا، وفي الآونة الأخيرة تثار قضايا كثيرة تهم الشأن الإسلامي لكن للأسف لا أجد معالجة حقيقية لتلك القضايا أو طرحا بناءً يخدم المسلمين هنا ، المشكلة أن تفاعلنا مع الأحداث دائما إنما هو دفاع المتهم بالشيء لمحاولة التبرئة منه، وهذا في فهمي خطأ ولا يؤدي دورا حقيقا بل العكس يحصر المجتمع المسلم دائما في زاوية المدافع الصاد للضربات ،  والأولى أن نفكر بمنظور تأسيسي عملي صحيح لنخرج من هذا الأمر ونحاول أن نبرز للمجتمع الذي نتعايش معه صورة حقيقة عن الإسلام والمسلمين ، فمثلا قضية  تفجيرات باريس الأخيرة والتي راح ضحيتها أكثر من مائة شخص ، وقبلها قضية الصحيفة الفرنسية شارلي ابدو ، وقضية الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وداعش، وغيرها من القضايا التي يُتهم فيها الإسلام والمسلمين، هذا غير قضايا المسلمين الداخلية والتي أشرت إلى بعضها من قبل كل هذا يجعل للأسف الشديد المسلمون يقدمون دفوعهم عن إسلامهم لتبرئته من هذا وتخرج المظاهرات، والأئمة على المنابر يدافعون وهذا جيد لكنه غير كاف لأنه في النهاية موقف دفاعي سرعان ما يتلاشى لننتظر غيره لندافع مرة ثانية مع أن الأولى أن نؤسس جمعيات أو مؤسسات تهتم بقضايا المسلمين وتكون مرجعية ورمز لتلك القضية  تتعاون مع المجتمع الأوربي وتخاطب مؤسساته الرسمية وتصدر منها البيانات المعلنة وتفتح لها أبواب الإعلام في ذلك وهذا سيجعلنا أكثر تأثيرا وأعمق انتاجا وأوسع انتشارا لصحيح قضايانا

** كيف ترى دور المؤسسات الاسلامية فى تعزيز ثقافة الشباب المسلم فى الغرب ايجابا وسلبا ؟

* المؤسسات الإسلامية لها دور عظيم في تعزيز ثقافة الشباب المسلم ولكن من وجهة نظري غير كافٍ فمع ما يقدم في تلك  المؤسسات إلا انه يظل قليلا لما يحتاجه الشباب في الغرب ليعزز به ثقافته ويقوي به عقيدته ولينشر وسطه إسلاما صحيحا بفهم صحيح وسطي لا مجال فيه لإفراط أو تفريط .

** وكيف يتم تنمية هذا الدور ليكون دورا محوريا مهما هناك؟

* نحتاج هنا لتنمية هذا الدور أن نقدم الشباب أنفسهم في خدمة وإنشاء مؤسساتهم، فالفجوة العمرية الموجودة بين القائمين على العمل الإسلامي أو غير المتخصصين فيه وبين الشباب أصابت استياءً وبعدا كبيرا بين الشباب ومؤسساتهم ، كذلك المنتج الذي يقدم في المؤسسات لا بد أن يهتم بصورة أكبر من الموجود بفئة الشباب، فالشباب عندما يسمع بمحاضرة أو محاضر او خطيب يتكلم في مشاكله وما يلامس واقعه سرعان ما تجده وتجد تفاعله ، كذلك تنوع المؤسسات مهم جدا فليس جيدا أن ينحصر العمل الإسلامي فقط في المساجد والمراكز بل لا بد أن يتنوع بين اجتماعي ورياضي وتربوي وترفيهي وغير ذلك بما يجد فيه الشباب المسلم الغربي ملاذا فيه واشباعا لطاقاته وطموحاته ، وأخيراً وهو نداء للقائمين على العمل الإسلامي لا بد أن نذهب نحن للشباب ولا ننتظر أن يأتوا هم إلينا  فإننا نخسر بذلك طاقات كبيرة بعدم التقدم نحوهم وفتح باب الحوار معهم  .

** يقيم الان المركز الإسلامي بمونتريال ملتقى الفكر الإسلامي للشباب لغرس الدين فى نفوسهم وكيفية التحدث والدفاع عنه بالحكمة والحجة البالغة .. هل يمكن تكرار تلك التجربة لديكم ؟

* مثل هذه الملتقيات والمؤتمرات تقام بفضل الله في ألمانيا وأحيانا كهذا الملتقى يجتمع إليه من جميع أوربا ، فالتجربة موجودة ومتنوعة بفضل الله لكن الأهم هو كيف نعمل في سياق تعاوني بين المراكز والمؤسسات الإسلامية على  مستوى القارة الأوربية ؟، وكيف نستطيع أن نخدم الملتقى بالموضوعات والأطروحات الجيدة ؟، وغير مكررة، وكذلك الخدمة الإعلامية التي تقرب مثل هذه الملتقيات إلى الجميع، لو تم هذا سيكون قد خدمنا أنفسنا وإخواننا خدمة جليلة وقدمنا عرضا ونموذجا حقيقا للتعاون المثمر .

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى