أخبار الأزهر

العلامة الجليل علي بن أبي بكر بن محمد الحضيري.. نور من الأزهر الشريف أضاء سماء الصحراء الليبية

 كتبت :  أم كلثوم عثمان الحضيري

من عمق الصحراء الليبية وقبل خمسمئة سنة  خرج من بلدة “الجديد سبها” في ليبيا إلى القاهرة قاصدا الأزهر الشريف , وعلى  ظهر الجمل إنسان عظيم نال شرف العلم  والمعرفة فأصبح نورا يستضاء به على منطقة الجديد التي اشتهرت بفضله بمنبر العلم والعلماء وحلقات الدرس في مساجدها , وتحفيظ القرآن الكريم , واصدار الفتوى والصلح بين المتخاصمين إلى يومنا هدا , إنه العالم الجليل والشيخ المربي الفاضل (علي بن أبي بكر الحضيري) .

ينسب الشيخ علي الحضيري إلى قبيلة الحضيري بمنطقة الجديد سببها في جنوب ليبيا , وتنسب القبيلة حسب ما توصلوا إليه إلى إحدى قبائل الأشراف , ويرجع نسب قبيلة الحضيري إلى أحفاد عبدالله أبو رشادة , الدي قدم من المغرب الأقصى (الساقية الجمراء في بداية القرن التاسع الهجري إلى بلدة الجديد الشارف  بسبها , في طريقه لأداء فريضة الحج , ومعه أخويه سيدي يوسف وسيدي علي , ولحسن علوم سيدي عبدالله وفقهه طلب منه أهل الجديد الشارف أن يبقى معهم ليبصرهم في العلوم الدينية , إلا أنه فضل مواصلة رحلته قاصدا بيت الله الحرام , بعد أن وعدهم وعاهدهم أن يبقى معهم في حال عودته في حال عودته سالما فدهب إلى مقصده , ثم عاد وطاب له المقام مع أهل البلاد , فأصبح معلما وفقهيا ومرشدا لهم .

  تزوج سيدي عبدالله من أهل الجديد وأنجب منها ذكرا سمي (محمد الحضيري), تربى وتعلم في بيت علم ودين فأصبح رجلا صالحا تقيل ومبحرا في العلوم , وبعده وضع حجر الإساس لبناء بلدة الجديد الحالية , فأول ما أنشأ  بها (الجامع العتيق) المعروف حاليا بالجامع الكبير , ثم بنى مسكنه بجواره في حوالي منتصف التاسع الهجري , ومنها تأسست منطقة الجديد في سبها والتي اشتهر فيها العلم والفقه وكثر فيها رجال الدين , ومن بينهم الشخصية الكبيرة التي نحن بصددها وهو الشيخ علي بن أبي بكر الحضيري .

ولد رحمه الله سنة 980 هجرية الموافق 1572م ببلدة الجديد , مقر إقامته وموطن أسرته , فوالده الشيخ المربي أبو بكر محمد الحضيري بن عبدالله القادم من الساقية الحمراء بالمغرب , ووالدته الشريفة غصن إبنة الحاج عبد الهادي بن الشريف كولان والمقيم ببلدة ودان , وفي نشأته وجد عناية من والده حتى حفظ القرآن الكريم واتجه لدراسة العلم , وهو أصغر إخوته الدين كانوا كلهم حفظة القرآن الكريم , وكان بعظهم علماء يلقون الدروس ويصدر فتاوى .

  أما عن والده كان  رجلا حافظا للكتاب الله العزيز , عالما مربيا , أحضر عنه أحد أبنائه أنه ألف بعض الخطب القيمة  ورأى من يخطب بها في مناطق طرابلس وانتشرت في كثير من الجهات .

حج والده مرتين اجتمع في المرة الثانية بالشيخ سالم السنهوري في سنة 980 هجرية  وذلك في السنة التي ولد فيها الشيخ علي فسأله أربعين سؤالا فأجابه عن جميعها وهو دليل علمه وفضائله وتقواه , وهنا نرى الشيخ علي بن أبي بكر الحضيري شب واكتهل في أسرة تجمع بين طلب العلم وصلاح العمل .

وعن رحلات الشيخ علي الحضيري العلمية فكانت أولا رحلاته إلى الحجاز سنة 1002 هجرية  1594م لأداء فريضة الحج , ولكن في أثناء عودته جاور بالأزهر الشريف , طلبا للعلم مدة أربع سنين لازم فيها شيخه واستاذه الشيخ سالم السنهوري فانتفع منه ونال على يديه خيرا كثيرا, ثم رجع إلى بلده , ولكن ما لبث أن عاوده الحنين إلى الأزهر المعمور مقر العلم والعلماء , فقفل راجعا , وجاور الأزهر مدة عاميين , وظل كذلك يتردد على مصر , ويثق صلته بعلمائها , وينهل من منهم حتى بلغت رحلاته سبع عشرة رحلة ودلك في حياة استاذه الشيخ سالم السنهوري, وهذا إن دل على شيء يدل على شغف الشيخ علي الحضيري بالعلم وحبه في الاستزادة منه , حيث كان يمتطي على الجمل من بلدة الجدية بسبها في ليبيا إلى القاهرة مع ضعف الامكانيات وطول المسافة التي تبلغ ألاف الكيلومترات دون ملل أو كلل , لا ينظر شيء إلا ابتغاء وجه الله تعالى وطلب مرضاته .   

ومن أساتذته : 1- الشيخ سالم بن محمد السسنهوري : وقد حضر عليه مختصر خليل عدة مرات ورسالة أبي زيد القيرواني , وألفية العراقي في مصطلح الحديث , وصحيح البخاري, وألفية ابن مالك وغيردلك , فتفقه عليه واقتبس من فوائده وكان أكثر شيوخه تأثيرا فيه وعطفا عليه , حيث قربه منه  وزوجه ابنته وأجازه في أن يروي منه .

2- الشيخ ابراهيم اللقاني : صاحب الجوهرة وشروحها , وقد قرأ عليه مختصر خليل , صحيح البخاري , وأصول الفقه , وقطر الندى لأبن هشام وأجازه في جميع ما له من مروى ومسموع .

3 – الشيخ محمد الشبراوي : وقد درس عليه الفقه .

4- الشيخ يوسف الزرقاني : وقرأ عليه مختصر خليل , أصول الفقه والفرائض وقواعد العربية لأبن هشام .

5- الشيخ محمد الطهطاوي  والشيخ أبو بكر الشواني : وقرأ عليهما قواعد اللغة العربية .

6- الشيخ العسري : وقد قرأ عليه علم الكلام .

مؤلفاته :

كان عالما فقهيا , فرضيا اشتهر بالفقه وبه اعتنى وترك عددا من المؤلفات:

1- شرح على مختضر خليل من أربعة أجزاء

2- حاشية على مختصر الشيخ خليل من تقارير مشائخه في ثلاث أجزاء .

3- قصيدة نظمها تجاه قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها ما يفعله المحرم من بداية إحرامه إلى تمام نسكه .

4- منظومة في المواعظ .

5- منظومة لامية مخصصة وهي في المواعظ أيضا .

6- قصائد في مدح الرسول .

7- منسك لطيف .

8 – له فتاوي متفرقة .

9- كتاب الفتح والتيسير .

  فكان الشيخ علي الحضيري مفتيا مدرسا تأتي إليه القضايا من البلاد القريبة والبعيدة للفصل فيها , وقد وصفوه شيخ الإسلام ومفتلا الأنام وهو وصف له معناه ومغزاه , فقد أقاضوا علماء عصره عليه بالثناء وهدا دليل ما كان يتمتع به بينهم من علم وخلق وفضل

  وكان الشيخ رضي الله عنه يعقد حلقات الدرس بالمسجد لعامة الناس ولكنه كان يتعهد أناسا بالتربية والنصح والإرشاد ممن يتوسم فيهم الدكاء ويرى فيهم عمق الفكرة والميل إلى البحث حتى يسلم رسالة العلم التي وقف نفسه فيها إلى جيل من بعده يقوم بالمهمة , ومن هؤلاء : الحسن بن علي الحضيري , وعثمان بن علي الحضيري , إبرهيم بن حامد الحضيري , محمد الصالح بن حامد الحضيري , حسن بن الشريف فايز , محمد بن مختار الحضيري , الفقية صالح بن عبد الله العروري ., وغير دلك الكثير , ومنها اشتهرت بلدة الجديد بسبها بالعلم والعلماء وحلقات الدروس وتحفيظ القآن إلى يومنا هدا .

 فالشيخ علي الحضيري كثير لتلاوة القرآن الكريم , قوي الإيمان , يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر , لا يخاف في الله لومة لائم سعيدا في دنياه , جوادا عند نزول الملمات , ومكرما لأهل العلم .

وهذا نص الإجازة التي منحها الشيخ سالم السنهوري للشيخ علي الحضيري واخويه الشيخين حامد وعبدالله حرفيا

الحمد لله وكفى وسلام علي عبادة الذين اصطفى وبعد :

فقد اخذت الحديث (والكلام للشيخ السنهوري) وغيره من العلوم رواية ودراية عن الأئمة الأعلام ومشايخ الإسلام ممن تفتخر وتزدهي بوجودهم الليالي والأيام ، فأخذت صحيح البخاري عن ائمة كلا وبعضا ، أعلاهم شيخنا شيخ الاسلام خاتمة العلماء محمد نجم الدين الغيطى الشافعي بقراءتي عليه كاملا علي التمام قراءة بحث وتدقيق في المحافل التي من طلبة علم الائمة الأربعة تكاد أن تضيق بحق أخذه له قراءة علي التمام على شيخ الإسلام والعالم المحقق الهمام أبي يحيى زكريا الأنصاري بحق أخذه عن أئمة  عظام اعظمهم أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني  بحق أخذه عن أئمة اعظمهم أبو الفضل عبدالرحيم بن الحسيني العراقي قال العراقي أنابه الجمال أبوعبدالرحيم الأنصاري بن شاهد ، قال انابه أحمده بن على الدمشقي قال أنابه ابو القاسم هيبة الله البصيرى قال ، أنابه ابو عبد الله محمد بن بركات النحوي سماعا  قال أخبرتنا به أم الكرام كريمة بنت أحمد بن محمد المروزية قالت ، أنابه ابو الهيثم محمد بن المكي الكشميهين قال ، أنابه أبو عبدالله محمد بن يوسف بن صالح بن بشير الفربرى قال أنابه مألف الحافظ الأحبة الناقد الجهيد أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن ابراهيم بن الصغيرة بن الاجنف بن برزبة الأحنف مولاهم البخاري رحمه الله ورضى عنه سماعا عليه مرتين مرة بفربر ومرة ببخاري بذكره وأخذت الشمائل النبوية للحافظ الترمذي  عن شيخ الإسلام محمد نجم الدين الغيطى الشافعي قال ، أنا بها شيخ الاسلام أبو يحيى زكريا الأنصاري قال ، أخبرني بها أبو الفتح بن الحسين المدني عن الحافظ أبي الفضل العراقي عن أبي عبدالله محمد بن اسماعيل بن الخباز قال أنا بها عبدالله بن محمد بن عبدالله حضورا وأبو العباس أحمد بن عبد الدائم إذنا قال ، أنا بها عبدالرحمن بن أبي الكرام ، أنا بها أبو شجاع البسطامي ، أنا بها أبالقاسم الملخين أنا بها ابو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا بها أبو سعيد الهيثمي بن كليا الشاشي ثنا بها أبوعيسى الترمذي فذكرها وقد حضرني سيدي الفاضل الكامل المجد في طلب العلم الهمام القمقام الحبيب الأعظم والصديق الأقدم المحفوف بلطف ربه العلي سيد النوري نورالدين (علي) نجل سيدنا البركة النافع للعباد مربي الايتام والمحتاجين الجالين من شاسع البلاد مولانا أبي بكر الحضيري ، نفعنا الله ببركاته وأعاد علينا من صالح دعواته ، وكريم الولي الأكبر وحامل لواء الدين الأفخر سيدي عبدالله الحضيري دام النفع به مواضع عديدة من شمائل الترمذي وقرأ عليا جانبا من صحيح البخاري وحضرني سنين عديدة ومدة مديدة في إقرائي للطلبة بالجامع الازهر والمحل الانور للشيخ خليل وشراحه وحواشيه وما علقته عليه وسأل وأفاد وأبدأ وأعاد نفع الله به العباد وقد استخرت الله تعالى وأجزته أن يروى عني ما قرأ على وما حضر بشرط تقوي الله وقصد وجه الله ، ومراقبة النار ، وخوف القادر القهار ، وكذلك أجزت أخاه سيدي حامد ولى الله الأحد الواحد أن يروي عني من المسائل الفقهية التي سمعها مني حين حضر دروسي وحفضها ووعاها بالشرط السابق ، وكذلك أجزت أخاه سيدي عبدالله أن يروى عني صحيح الحافظ مسلم بن الحجاج القشيري بالشرط المذكور

أعظم الله لهم الاجور ودام النفع بهم ويسر الخيرات للأنام بسببهم وأسألهم الدعاء بالتوفيق والاخلاص أن ينفعني بعلمي يوم لا مفر ولا ناصر.

كتبه ببنانه راجي عفو ربه وغفرانه الفقير الحقير أبو النجا سالم بن محمد عزالدين بن محمد ناصر الدين السنهوري المالكي خادم السنة النبوية والفقيه بجامع الازهر المعمور بالذكر .

بتاريخ يوم الجمعة السادس والعشرون من شهر صفر الخير سنة أربع عشر بعد الألف من الهجرة النبوية.

وهده مقتطفات كتبت في حق الشيخ علي الحضيري رضي الله عنه

كتب عنه بعض من علماء عصره نوجز منهم: 

 أحد تلاميذ الشيخ اللقاني هدا النظم :

إِنَ الحُضَيْري عَلِياً حَازَ مَرْتَبةَ         مَنَ التَقِي وَعُلُومِ الْدينِ وًالأَدبِ

أَحْيَا بِلاَدًا مِنَ الجَهْلِ المُضرِ وقَدْ      كَانت مَنَ الْعِلمِ فَازَبِاَرَبِ

مِنْ بَعْضِ مَا رَأْينَا مِنْ مَنَاقِبِه         مَنْظُومَة قَدْ حَوتِ مِنْ وَاجِبَ الطَلبِ

عَقِيدةً وعِبِادَاتٍ ومَوعِظةً             كَدَا دُعاَءُ لأَهْلِ الدِينِ والحَسَبِ

مِنْ نُورِ نِبرَاسِهِ بَاتتْ مَكَارِمِهِ        أَنُعمْ الشَيخَ تَقِي للهِ مُحتَسِبِ

وكتب عليه الشيخ أحمد الخطابي المغربي هده النظم :

وهو الفقيه الصالح ابن الصلحا     والناصح الفردي بين الصلحا

علي الشهير بالحضيري            وفي من الهول وكل ضير

فالله يجزيه عن نيته                 ويبلغ الكل قصي أمنيته    

ويجعل النفع به مؤبدا              لكل من صلى ومن تعبدا

أما في العصر الحديث فقد كتب عنه أحد أحفاده العالم العلامة الشيخ محمد بن عثمان تاج الدين الحضيري في سنة 1287 هجري قائلا :

هَدَا كَتَابُ الفَتْحِ وَالتَسْيرِ            سماه شيخنا بدا التعبير

واسم دا الشيخ الدي نشير           له الحضيري العالم الحرير

أي جدنا علي الإمام الفاضل       شيخ شهير عالم وعامل

اغفر له يارب وانفعنا به          وبعلومه وسر شيخه

لأنه قد فاق كل العلما             بالزهد في الدنيا صاح فاعلما

قد شهدت بفضله الأقطار         كل القرى وهكدا الأمصار 

وكتب عنه أيضا الشيخ عبدالرحمن سالم عبدالسلام الأسمر الحضيري في قصيدة رائعة في حق الشيخ علي الحضيري , مطلعها :

شمس أضاءت في الجديد منيرة     بالعلم والأسرار في الأرجاء

وشعاعها أنار المكاتب كلها          فتح وتيسير من العظماء

أصل شريف طاهر ومطهر        من كل عيب طار في العلياء

فهو الحضيري علي جدنا          نبراس علم مهبط القراء

نظمه بليغ وميسر للجميع          للحفظ والتدريس والإصفاء

باب لعلم مثلما قال النبي           لعلي الكرار في الخلفاء

صدره مليء بالمكارم والتقى     ونور علم شاع في السماء

حكمه كتاب الله ثم السنة          لأعظم الأجداد والآباء

والأزهر قد شهد له               وأجازه للعلم والإفتاء

ونختم هده المسيرة العلمية ببعض من أبيات منظومة الفتح والتيسير للشيخ علي ابي بكر الحضيري :

هَدَا كَتَابُ الفَتْحِ وَالتَسْيرِ           سَميتَهُ وَالشُكرُ لِلقَدِيرِ

قَدْ يَسرَ النظْمَ عَلىَ الْمَشْهُورِ      مِنْ فَضْلهِِ التْسِيرُ للأُمُورِ

قٌدْ سَهلَ النقْلَ مَعَ التقْرِيرِ         مِنَ المَشَايخِ مَعَ التحْرِيرِ

إلى أُصولِ دِيِنِهِ المُنِيرِ            قٌوَاعِدِ الْخَمْسِ بِدَا اْلتَعْبِيرش

فَهُمُ بِالرمْزِ مِنَ الْمُشِيرِ           وَبَعْدَ دَا الأَبوَابُ لِلتفْسِيرِ

و توفي رحمه الله ليلة الخميس بعد العشاء ليلة الثالث والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 1061هـ , 1653م على إثر ألم ألم به بعد عمر بلغ إحدى وثمانين سنة  بعد عمر كان حافلا بالمآثر العظام مند حداثة سنه حتى صار طالب علما فمدرسا ومفتيا ومؤلفا إلى أن صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها , وقبره في قبة أخيه الشيخ حامد الحضيري ,التي سميت مقبرة الجديد بمقبرة سيدي حامد الحضيري .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى