ا.د/ محمد داود يكتب : ترويع الآمنين بين انحراف الفكر وكيد الأعداء
الإسلام دعوة إلى الله, إلى الإيمان والأمن والسلام والتعايش بين الناس على اختلاف ألوانـهم وأعراقهم وأديانـهم وثقافاتـهم. وقد ضمت حضارة الإسلام بين أعطافها جميع ثقافات العالم وشعوبه, وعاش الناس فى ظل دولة الإسلام آمنين من البطش والعنف والترويع والتفرقة العنصريَّة.
فلقد جاء دين الإسلام إنقاذًا للإنسان من كل ألوان الظلم والإفساد, وجاءت هداياته تحقق الأمن للفرد والمجتمع, فالإسلام يأمر أتباعه ألا يتعرضوا بسوء لأموال الناس وأعراضهم ودمائهم, وأن يحافظوا عليها, «فالمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» وجعل الإسلام مقياس الخيرية للإنسان عند الله بقدر عطائه من الخير لمجتمعه وأمان الناس من شره, قال النبى صلى الله عليه وسلم : «خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره» .
بل إن الأمن فى الإسلام يمتد ليشمل جوانب الأخلاق والمعاملات، فقد جاءت آيات القرآن الكريم صريحة فى النهى عن الغيبة والنميمة وسوء الظن والكبر والتعالى والغش… إلى آخر الأخلاق السيئة، وكل هذا لتحقيق الأمن الأخلاقى فى مجتمع المسلمين. ودعا الإسلام إلى تأمين الناس فى طرقاتهم ومساجدهم وأسواقهم, حتى لا يتعرضوا لأذى، بل وأوجب حقوقًا للمجالس بالطرقات.
• والأمن الذى يدعو إليه الإسلام ليس للمسلمين وحدهم، بل لهم ولغيرهم. قال النبى صلى الله عليه وسلم : «ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة».
• ولقد وضَّح القرآن أنه ينبغى: العدل مع غير المسلمين وعدم التعدي عليهم في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم, بل ولا يجوز ترويعهم وإخافتهم, ويعاملون بالعدل والقسط. قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة / 8.
وقد أجمل العلماء مقاصد, شريعة الإسلام فى الضرورات الخمس, وهى: (حفظ الدين, وحفظ النفس, وحفظ العقل, وحفظ العرض, وحفظ المال). هذا ما يغرسه الإسلام من فكر يقوم على العدالة والرحمة ومن سلوكيات حميدة تقوم على الخلق العظيم. لكن لا يسلم المجتمع من أشقياء ينحرفون عن صراط الله المستقيم, ومثل هؤلاء يحدثون اضطرابات وأذى وإفسادًا فى الأرض, وهم أحد شخصين:
● إما شخص أصابه خلل فى فكرة من خلال بعض التيارات المتشددة التى ترى فى التشدد والتزمت بطولة وقربة إلى الله تعالى، وهؤلاء واجههم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن شبابًا تذاكروا عبادتـهم، فقَالَ أَحَدُهُم: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا, وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟! أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ, لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ, فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».
● وإما شخص باع نفسه لأعداء الوطن والدين ووافق أن يستخدموه فى هذه الأعمال الإجرامية, وهؤلاء واجههم الإسلام ووضع لهم الحدود الرادعة من خلال حد الحرابة, قال تعالى: )إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ( المائدة/33. وفى الحديث النبوى، قَالَ صلى الله عليه وسلم : «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا. فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا». والله يقول الحق وهو يهدى السبيل