عاجل
ا.د/ محمد داود يكتب : وقفة مع رموز الأديان السماوية
المتأمل لرموز الأديان الثلاثة يرى أن الحكمة رمز لليهودية والمحبة رمز للمسيحية والرحمة رمزللإسلام. ويتساءل الإنسان .. ماذا لو اجتمعت معاني الحكمة مع المحبة مع الرحمة؟ هل سيصير العالم الذي نعيش فيه ملائكيًّا؟ .. نعم، لكن فئة من البشر أصروا على الانحراف بهذه المعاني البالغة في السمو إلى العداء والصراع .. ويتساءل العقلاء : أوليس البشر جميعًا لآدم ، وآدم من تراب ؟!! ألَسْنا أبناء آدم وأمُّناحوَّاء
أوليس البشر جميعًا – على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وثقافاتهم وأديانهم –ينتمون إلى أصل واحد، إلى أبيهم آدم وأمِّهم حوَّاء؟
إذن فلِمَ التقاطع والتدابُر والضغائن والأحقاد؟ * كيف وقد منحنا الله هذه الهبة الإلهيَّة العظيمة، ألا وهي نعمة العقل؟ تلك المنحة التي مكَّنت الإنسان أن يسود هذا الكون .. فاكتشف واخترع، واستطاع أن يجدسُبُلا لتسخير الطبيعة، لتكون طيِّعة له، فارتاد الفضاء، وقطع المسافات، وأزالحواجز الزمان والمكان، وصنع الحياة من جديد.
لقد ميَّز الله الإنسان أيضًا باللغة، التي بها يكون التواصل والتفكير واختزان الخبرات، ونقل التجارب والمشاعر … إلخ. وبهاتين المنحتين أنجز الإنسانإبداعات رائعة. * وأراد الله عزَّ وجل أن يسمو بالإنسان إلى مدارج أعلى وأسمى؛ فبعث الأنبياء– صلوات الله وسلامه عليهم – وأنزل الكتب السماوية؛ لتملأ قلب الإنسان نورًا ورحمةومحبة .. والأنبياء والرسل عليهم السلام جميعًا جاءوا لخير البشرية وهدايتهاوالسمو بها.
غير أن انحراف الفكر عند المتطرِّفين من أتباع كل دين قد أفسد فطرتهم،وانتكس بالمعاني السامية والغايات العظمى من الدين، فمارسوا الحروب باسم الدين،وأشعلوا نيران العداوة والبغضاء باسم الدين، فأفسدوا علينا نعمة الحياة ونعمةالسلام التي مَنَّ الله بها علينا، وأحالوا الحياة إلى صراعٍ ودمار.
والمتأمِّل للأديان الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام، يجد أن رموزهاذات دلالة على مقصودها وغايتها، فالحكمة اليهودية، والمحبة المسيحية، والرحمةالإسلامية – لو اجتمعت معًا – لأحالت العالم إلى جنَّة أرضيَّة تنعم بالسلام والتعاون والتواصل.
إنَّه سلام متميِّز عن سلام المصالح أو سلام الضعف، أو سلام القوة .. إنَّه سلام نابع من داخل النفوس والقلوب ..إنَّه أمان نابع من أعماق القلوب .. ولو اتَّخذ أتباع كل دين أنبياءهم أسوةً وقدوةفي الحكمة والمحبة والرحمة لملأوا الحياة أمنًا وأمانًا وبرًّا وعطاءً.
فالأديان كلها سبل لهداية البشر، والخطأ يكمن في الأفهام المغلوطة، والدين منها برئ .. فمثلا: الصليب رمز للتضحية والسماحة والمحبة في النصرانية، لكن تسييس هذا الرمز خرج به من دائرة النور إلى دائرة الشرِّ ليكون شعارًا للحروب كما نجدذلك بارزًا في الحروب الصليبية .. وهذه إساءة للصليب لا يقبلها المتديِّن الحقيقي ولا العقل السليم.
وفي الإسلام شُرِع القتال لدفع الظلم والعدوان، وليس للهجوم والعدوان على الآخر .. ولكن تسييس القتال حوَّله إلى عدوان وإرهاب، وهذه إساءة لدين الرحمةوالسماحة: الإسلام.
إن المتعصِّبين من أتباع كلِّ دين يرتكبون جريمة نكراء حين يجعلون من أفكارهم البشرية دينًا مقدَّسًا، والأخطر والأدهَى أنَّهم يرصدون العقوبات على من يخالف هذا الرأي وذلك الفكر.
وفي غفلة منَّا عن المقاصد العظمى من الأديان ورسالات السماء، نسينا رسالةالإنسان، وسمحنا لطائفة منَّا أن تحرمنا نعمةالمحبة والرحمة والسلام، فأضاعواعلينا مساحة الودِّ بيننا كأسرة إنسانية، ومساحة السمو والنور الربَّانية، وغاب عنَّا ذلك القبس الإلهي الذي أطلقه الله في قلوبنا، فمزقتنا الصراعات، وفرَّقت بيننا العداوات.
ولكن البشرية لن تعدم عقلاء يدعون إلى الحكمة والمحبَّة والرَّحمة التي من أجلها جاءت الأديان. *** كفانا عداءً وكفانا فرقة، ولنتقدَّم – ولو خطوةً – على طريق الحكمة المحبَّة و الرحمة….وما يعقلها إلا العالمون.
تم نسخ الرابط