تجديد الخطاب الديني بين الوهم والحقيقة
خطبة الجمعة القادمة
وتؤكد وزارة الأوقاف على جميع السادة الأئمة الالتزام بنص الخطبة أو بجوهرها على أقل تقدير مع الالتزام بضابط الوقت ما بين 15 – 20 دقيقة كحد أقصى ، واثقة في سعة أفقهم العلمي والفكري ، وفهمهم المستنير للدين ، وتفهمهم لما تقتضيه طبيعة المرحلة من ضبط للخطاب الدعوي ، مع استبعاد أي خطيب لا يلتزم بموضوع الخطبة.
تجديد الخطاب الديني بين الوهم والحقيقة
بقلم د / محمد سالم
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يكاد الواحد منا يجلس في مجلس ويعرف الناس أنه إمام إلا واحبوا أن يظهروا أمامه بصورة المثقفين…. فتجد الواحد منهم يقول: بوجوب تجديد الخطاب الديني …. وأنا معهم …. نعم: يجب أن يجدد الخطاب الديني.
وأنا لا أريد هنا أن أعرض كل ما يمليه شيطان كل واحد منهم علىه في مقصده من الكلام عن التجديد في الخطاب الديني…. ولكن أقول : هناك من يرى أن تجديد الخطاب الديني هو أن لا نتكلم أصلا عن الدين!!!!! ومنهم من يرى أن التجديد لا يكون إلا بأن نتخلص من جميع الأزهرين وأئمة الأوقاف لأنهم ببساطه في نظرهم لا يمثلون إلا فئة متخلفة لا تعرف شيئا في شيئ!!!! أو فاسدوا العقيدة !!!! ومنهم من اتخذ الكلام في تجديد الخطاب الديني وسيله للقمة العيش.
قد تعجب…. لقمة العيش!!!! وانا أقول نعم: لقمة العيش…. فنحن الشعب الوحيد الذي يستفيد من كل شيئ في أي مكان وفي أي وقت!!!!!
كنت جاسا في مسجدي يوما : فقال لي أحد أساتذة المناهج التربوية (مجلس استشاري مسؤول عن جوده التعليم) وما أدراك ما جودة التعليم!!!!
فقال لي (وُكِلَ إلينا البحث عن تجديد الخطاب الديني) فقلت له: وما صلتكم أنتم بهذا الأمر؟؟؟؟ وماذا ستكتب وأنت لا تعرف عنا شيئا !!!!: قال: ما كتبناها في المدارس سنكتبه في الخطاب الديني … فقلت له ولكن هذا لا يتوافق مع الحق … فقال امال عايزني اكتب إن الخطاب الديني كويس وممتاز ….. إمااال نعمل مؤتمرات ازاي وورش عمل … الخ
فقلت له: يعني الخلاصة إن دا كله أكل عيش؟؟؟؟ فقال لي بالضبط كده
فقلت في نفسي ليس الخطاب الديني هو الذي ينبغي أن يتغير بل ينبغي لهذا الشعب أن يتبدل. واقصد بهذا الشعب… النخبة ممن تلغ في دمه وتوهمه بأنها تريد له المصلحة.
هل الذي يتكلم عن تجديد الخطاب الديني يعي ما يقول؟؟؟
أنا على يقين بأن كل من يتكلم عنه لا يعرف ما يقول سوى إنه يركب موجة مع من يركب.. وإذا سألت واحدا منهم ماذا تقصد بتجديد الخطاب الديني؟؟؟ تيقنت أنه مجرد شعار يرفعه لا يعرف عنه شيئا!!! وليست لديه خطة أو منهج يمكن أن يقدمه!!!! ولكني أقول:
أولا: تجديد الخطاب الديني يبدأ من التعليم:
كيف تطالب إماما أن يجدد في منهجه والقائمين على المناهج ما هم إلا نقله لكتب الأقدمين لا يكادون يضعون شيئا يشرح ألفاظ القدامى التي كتبوها لأهل زمانهم لأنها كانت معلومة لديهم…. فتجد في درس الفقه أول ما تجد في باب المياه (4- وماء نجس وهو الذي حلت فيه نجاسة وهو دون القلتين أو كان قلتين فتغير. والقلتان خمس مائة رطل بغدادي تقريبا في الأصح ……) ثم لا تجد في مطبوعات الإدارة المركزية تبينا للقلتين في وقتنا المعاصر…ولا ما يقابله ….كم لتر ….أو خزان سعة كم؟؟؟ يساوي هاتين القلتين وقس على ذلك أبدا!!!!
ثانيا: طريقة التدريس في المعاهد والجامعات لابد أن تتبدل
ما زلت ترى أساتذة الجامعة كل واحد ينقل عن الأقدمين فلا تكاد ترى إلا كتبا منقول بعضها من بعض دون أدنى زيادة!!!! وكلما كان الواحد أحفظ كان أفضل!!! كأننا نريد أن نخرج نسخا من الكتب القديمة في طبعات حديثة!!! وكأنهم لا يعرفون شيئا من العلم إلا غلق باب الاجتهاد على يد ابن الصلاح…. فتجد الإمام إذا قصد كتابا حديثا كان أو قديما يجد فيه من الحشو ما لا يُعِيُنه على دعواه فتجد الإعراب و…و… الخ. في الوقت الذي نتمنى فيه أن نشرح البخاري شرحا دعويا ولو وجدنا أحدا يمول المشروع لشرحناه شرحا عجيبا باذن الله….. يستطيع الإمام أن يجد فيه بغيته من التعليم والتأديب لذلك يعد تفسير القرطبي من أفضل التفاسير عند الأئمة لأنه يعالج أحكام الآية والناس في حاجه لمعرفة الأحكام لا معرفه الإعراب ورغم ذلك كل الأساتذة يصرون على الأخذ من البيضاوي وجعله هو المقرر …. أين تفسير ابن عاشور؟؟؟؟ ….. أو قل لماذا لا تقوم الجامعه بتبني مشروع للتفسير يتوافق مع التوجه الدعوى للأئمة ليصبح هذا الدين حيا على الأرض؟؟؟؟ إن التعليم في واد وحاجات الناس في واد آخر
معاصرة الامام للاحداث واجب لتجديد الخطاب الديني:
نعم لابد للإمام أن يعاصر الأحداث ولكن كيف ذلك؟؟؟ وما زالت القيادة من التخلف بحيث لو شذ إمام فتحدث في أمور حديثة هم الذين يحاسبونه …. واذا لم يحاسبوه استأسد عليه أحد من غيرهم فلا تكاد تسمع لقيادات وزارة الأوقاف ركزا …. بل لا تسمع لهم حتى همسا…. فضلا عن أن تسمع لهم صوتا…. أو ترى لهم فعلا.
إن وزارة الاوقاف سريعة في تسليم أبناءها وهي الجهة الوحيدة التي يعتبر فيها رئيس العمل (الإمام في مسجده) تحت تصرف الناس عنده فلا يكاد الواحد من الجمهور يذهب الى الأوقاف إلا وسارعت الإدارة لضبط الإمام كأنه تاجر مخدرات …. وكم مرة تمنيت أن يكون أداء الشرطة في القبض على المجرمين مثل أداء مفتشي الأوقاف في محاسبة الأئمة… اليس هذا من العجب!!!!.
هل تفي منشورات الأوقاف بالغرض منها؟؟؟
تنفق وزارة الأوقاف ملايين الجنيهات على مطبوعات لا تساوي الورق الذي طبعت عليه… أليست مجله منبر الإسلام خاصة بوزارة الأوقاف … فلم يكتب فيها غيرهم؟؟؟!!! وهناك آلاف من الأئمة المميزين في الكتابه يستطيعون أن يملؤوها حياة وحيوية …. أفضل من تلك الكتابات المنفصلة عن الواقع
أما الكتب التي تصدرها فما هي إلا مصدر دخل لبعض أرباب الكراسي في الوزارة لكي ينشروا الكتاب باعداد هائلة في الوقت الذي لو نشر فيه الكتاب على نفقته لبار بوارا يجعله لا يمسك بعدها قلما أو يخط بيده خطا
وأخيرا : دورات الأئمة التي ما هي إلا لقمه عيش للمدرسين بها واكيد هايطلع حد من الوزارة يقول لنا إن المدرسين بهذه الدورات متطوعون …. ولا أملك إلا أن أقول: كل شيئ جائز!!!
لكن ما نفع الدورات إن كان من يدرسوا في الجامعه بنظامها القديم العقيم هم هم من سيدرس في الدورات التدريبية ……
أين الدعاه من حمله الماجستير والدكتوراة الذين حصلوا الشهادات؟؟؟….. ومباشرون للدعوة العمليه….. الذين يعايشون المجتمع بألامه وأماله …… لا شك أنهم في نظر الأوقاف ما هم إلا …….
كتبه د/ محمد سالم