تكريم الله عز وجل لنبيه الخاتم صلي الله عليه وسلم، فضيلة الشيخ :عبد الناصر بليح
تكريم الله عز وجل لنبيه الخاتم صلي الله عليه وسلم.
فضيلة الشيخ :عبد الناصر بليح .
الحمد لله رب العالمين ..يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك..نحمده سبحانه وتعالي علي أن أسبغ علينا نعماً عدداً وبعث فينا سراجاً وهجاً.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه :”هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ”(الجمعة/2) .
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين أعظم البرية قدراً وشرفاً ..أرسله ربه بالهدي ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلي الله بأذنه وسراجاً منيراً..اختصه الله بالقرآن وميزه بجوامع الكلم وفصاحة اللسان..وفضله علي جميع مخلوقاته من أنس وجان..ختم به الرسالة.. وهدي به من الضلالة ..وبصربه من العماية..وأرشد به من الغواية.. فرض علي الناس طاعته.. وأوجب عليهم محبته..شرح له صدره ..ووضع عنه وزره.. ورفع له ذكره.. وأعلي قدره..وجعل الذل والصغار علي من خالف أمره .. صلي الله عليه وعلي أله وصحبه والذين عزروه ووقروه وأمضوا في محبته أرواحاً وأجسادا..ًوكانوا في نصرته ضراغم وأساداً..والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين ..وبعد:
فلقد كرم الله عز وجل نبيه محمداً صلي الله عليه وسلم تكريماً ما لم يكرمه أحداً من العالمين فالقارئ للقرآن الكريم بتدبر وتفكر ,يجده قد تحدث عن النبي صلي الله عليه وسلم حديثاً جامعاً لكل معاني الخير والفضل والهداية..وهذا مايزيد المؤمنين إيماناً ويقيناً ,بأن إتباعهم للنبي الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم هو عين الحق ,والخير,والهداية والسعادة في الدنيا والآخرة..
كيف وقد كرمه الله عز وجل تكريماً لم يكرمه لأحد من العالمين ؟.. ومن مظاهر هذا التكريم ..
* بعثته منة ورحمة :” فإن أعظم نعمة منَ الله بها علينا بعثة النبي الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم تحقيقاً لدعوة خليل الله إبراهيم عليه السلام ..قال تعالي:”لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ”(آل عمران/164).
*خاتم النبيين :
:” وتتجلي هذه النعمة وتلك المنة بالنظر إلي حال أهل الدين والإيمان قبل بعثته وبعد بعثته صلي الله عليه وسلم ..فلقد كان النبي يبعث إلي قومه خاصة وبعث صلي الله عليه وسلم إلي الناس كافة فأكمل الله تعالي به بنيان النبوة وانتظم عقدها ,وفي ذلك تمام النعمة والمنة وكمال الدين وإظهاره علي الدين كله ولوكره الكافرون ..قال تعالي :”وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”(سبأ/28) وروي عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحسن بناؤه وترك منه موضع لبنة فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنائه إلا موضع تلك اللبنة لا يعيبون سواها فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة ختم بي البنيان وختم بي الرسل “(صحيح) وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وكمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين”(صحيح).
* كتابه القرآن ناسخ لجميع الشرائع :” وقد جعل الله تعالي الكتاب الذي أنزله علي خاتم أنبياءه صلي الله عليه وسلم حكماً ومهيمناً علي ما أنزله علي النبيين من قبله وجعل شرعه ناسخاً لشرائع النبيين من قبله وجعله تاماًوكاملاً بيناً فقال تعالي:” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا “(المائدة/3).
* دينه الإسلام هو دين الأنبياء جميعاً :” كما جعل الله دينه الخاتم هو دين الأنبياء جميعاً أتمه الله وأملاه لعباده علي لسان خاتم رسله ولم يرضي من أحد عبودية لسواه فقال تعالي :”إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ “(آل عمران/19) .وقا ل تعالي :”وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَفِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ”(آل عمران/85) . ولايعذر أحد من البشر أعرض عن هذا الدين بعد بلوغه إياه ولا يقبل منه أي عمل غيره فعن أبي هريرة:”أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:”والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار.(صحيح ) .
*إظهار دينه علي سائر الأديان :” ومن مظاهر التكريم :” أن أظهر الله دين الإسلام وأعز المؤمنين من عباده بنصر هذا النبي الخاتم قال تعالي :”هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ “(التوبة/33) فقد أظهر الله عزوجل دينه وأيد نبيه بما لم يؤيد به نبي من قبله فهذا هو نبي الله إبراهيم عليه السلام بعد أن أقام الحجة علي قومه لم يؤمن له الإ زوجته سارة وابن أخيه لوط قال تعالي :”فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُالْحَكِيمُ “(العنكبوت/26) وهذا كليم الله موسي عليه السلام يدعو قومه إلي الجهاد في سبيل الله فيقول له قومه :”قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ”(المائدة/24) وهذا كلمة الله المسيح عيسي بن مريم يدعوا بني إسرائيل إلي الإيمان ويبشرهم ببعثة النبي الخاتم الذي يتم الظهورعلي يديه فيقول :”وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًابِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ”(الصف/6).
*قرن عزته سبحانه وتعالي بعزته “.
كما جعل عزته من عزته فقال تعالي :” وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ”(المنافقون/8). قال أبو إسحاق في قصة بني المصطلق : فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم هناك اقتتل على الماء ( جهجاه بن سعيد الغفاري ) وكان أجيراً لعمر بن الخطاب و ( سنان بن يزيد ) فقال سنان : يا معشر الأنصار وقال الجهجاه : يا معشر المهاجرين وزيد بن أرقم ونفر من الأنصار عند ( عبد الله بن أبي ) فلما سمعها قال : قد ثاورونا في بلادنا والله ما مثلنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ثم أقبل على من عنده من قومه وقال : هذا ما صنعتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو كففتم عنهم لتحولوا عنكم من بلادكم إلى غيرها فسمعها ( زيد بن أرقم ) رضي الله عنه فذهب بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غليم عنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبره الخبر فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله مر عباد بن بشر فليضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” فكيف إذا تحدث الناس يا عمر أن محمدا يقتل أصحابه لا ولكن ناد يا عمر : الرحيل ” فلما بلغ عبد الله بن أبي أن ذلك قد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فاعتذر إليه وحلف بالله ما قال ما قال عليه ( زيد بن أرقم ) وكان عند قومه بمكان فقالوا : يا رسول الله عسى أن يكون هذا الغلام أوهم ولم يثبت ما قال الرجل وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجراً في ساعة كان لا يروح فيها فلقيه ( أسيد بن الحضير ) رضي الله عنه فسلم عليه بتحية النبوة ثم قال : والله لقد رحت في ساعة مبكرة ما كنت تروح فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أما بلغك ما قال صاحبك ابن أُبي ؟ زعم أنه إذا قدم المدينة سيخرج الأعز منها الأذل ” قال : فأنت يا رسول الله العزيز وهو الذليل ثم قال : أرفق به يا رسول الله فوالله لقد جاء الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه فإنه ليرى أن قد سلبته ملكاً فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس حتى أمسوا وليلته حتى أصبحوا وصدر يومه حتى اشتد الضحى ثم نزل بالناس ليشغلهم عما كان من الحديث فلم يأمن الناس أن وجدوا مس الأرض فناموا ونزلت سورة المنافقين ..
* تأييده بالمعجزات:”
وقد كرم الله عزوجل نبيه صلي الله عليه وسلم إذ أيده بمعجزات لا تحصي ولا تعد فمن ذلك: القرآن وهو أعظمها.. .. وشق الصدر.. وإخباره عن البيت المقدس.. وانشقاق القمر.. وأن الملأ من قريش تعاقدوا على قتله فخرج عليهم فخفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم في صدورهم وأقبل حتى قام على رؤؤسهم فقبض قبضة من تراب وقال شاهت الوجوه وحصبهم فما أصاب رجلا منهم شئ من ذلك الحصى إلا قتل يوم بدر.. ورمى يوم حنين بقبضة من تراب في وجوه القوم فهزمهم الله تعالى .. وما كان من أمر سراقة بن ملك بن جعشم إذ تبعه في خبر الهجرة فساخت قوائم فرسه في الأرض الجلد.. وقصة شاة أم معبد.. ودعوته لعمر أن يعز الله به الإسلام..ودعوته لعلى أن يذهب الله عنه الحر والبرد وتفل في عينيه وهو أرمد فعوفى من ساعته ولم يرمد بعد ذلك ..ورد عين قتادة بعد أن سالت على خده فكانت أحسن عينيه.. ودعا لعبد الله بن عباس بالتأويل والفقه في الدين ..ودعا لجمل جابر فصار سابقا بعد أن كان مسبوقا.. ودعا لأنس بطول العمر وكثرة المال والولد ..ودعا في تمر حائط جابر بالبركة فأوفى غرماءه وفضل ثلاثة عشر وسقا.. واستسقى عليه السلام فمطروا أسبوعا ثم استصحى لهم السحابة،.. ودعا على عتيبة بن أبى لهب فأكله الأسد بالزرقاء من الشام.. وشهدت له الشجر بالرسالة في خبر الأعرابي الذي دعاه إلى الإسلام فقال هل من شاهد على ما تقول فقال نعم هذه السمرة (نوع من الشجر) ثم دعاها فأقبلت فاستشهدها فشهدت أنه كما قال ثلاثا ثم رجعت إلى منبتها.. وأمر شجرتين فاجتمعتا ثم افترقتا وأمر أنسا أن ينطلق إلى نخلات فيقول لهن أمركن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجتمعن فاجتمعن فلما قضى حاجته أمره أن يأمرهن بالعود إلى أما كنهن فعدن.. ..وسلم عليه الحجر والشجر ليالى بعث: السلام عليك يا رسول الله وقال انى لأعرف حجرا كان بمكة يسلم على قبل أن أبعث إنى لاعرفه الآن..وحن إليه الجذع وسبح الحصى في كفه ..وأعلمته الشاة بسمها ..وشكا إليه البعير قلة العلف وكثرة العمل.. وسألته الضبية أن يخلصها من الحبل لترضع ولديها وتعود فخلصها فعادت وتلفظت بالشهادتين.. وأخبر عن مصارع المشركين يوم بدر فلم يعد واحد منهم مصرعه.. وأخبر أن طائفة من أمته يغزون في البحر وأن أم حرام بنت ملحان منهم فكان كذلك.. وقال لعثمان بن عفان تصيبه بلوى شديدة فأصابته وقتل.. وقال للأنصار إنكم ستلقون بعدى أثرة فكانت زمن معاوية ..وقال في الحسن إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فصالح معاوية وحقن دماء الفئتين من المسلمين.. وأخبر بقتل الاسود العنسى الكذاب وهو بصنعاء ليلة قتله وبمن قتله ..وقال لثابت بن قيس تعيش حميدا وتقتل شهيدا فقتل يوم اليمامة.. وارتد رجل ولحق بالمشركين فبلغه انه مات فقال ان الأرض لا تقبله فكان كذلك.. وقال لرجل يأكل بشماله كل بيمينك فقال لا أستطيع فقال له لا استطعت فلم يطلق أن يرفعها إلى فيه بعد..ودخل مكة عام الفتح والأصنام حول الكعبة معلقة وبيده قضيب فجعل يشير به إليها ويقول جاء الحق وزهق الباطل وهى تتساقط.. وقصة مازن بن الغضوبة ..وخبر سواد بن قارب ..وأمثالها كثير.. وشهد الضب بنبوته ..وأطعم ألفاَ من صاع شعير بالخندق فشبعوا والطعام أكثر مما كان.. وأطعمهم من تمر يسير أيضا بالخندق..وجمع فضل الأزواد على النطع فدعا لها بالبركة ثم قسمها في العسكر فقامت بهم.. وأتاه أبو هريرة بتمرات قد صفهن في يده وقال أدع لى فيهن بالبركة ففعل قال أبو هريرة فأخرجت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا في سبيل الله وكنا نأكل منه ونطعم حتى انقطع في زمن عثمان ..ودعا أهل الصفة لقصعة ثريد قال أبو هريرة فجعلت أتطاول ليدعوني حتى قام القوم وليس في القصعة إلا اليسير في نواحيها فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار لقمة فوضعها على أصابعه وقال لى كل بسم الله فوالذي نفسي بيده مازلت آكل منها حتى شبعت.. ونبع الماء من بين أصابعه حتى شرب القوم وتوضؤا وهم ألف وأربعمائة ..وأتى بقدح فيه ماء فوضع أصابعه في القدح فلم تسع فوضع أربعة منها وقال هلموا فتوضؤا أجمعين وهم من السبعين إلى الثمانين..وورد في غزوة تبوك على ماء لا يروى واحدا والقوم عطاش فشكوا إليه فأخذ سهما من كنانته وأمر بغرسه فيه ففار الماء وارتوى القوم وكانوا ثلاثين ألفا.. وشكا إليه قوم ملوحة في مائهم فجاء في نفر من أصحابه حتى وقف على بئرهم فتفل فيه فتفجر بالماء العذب المعين.. وأتته إمرأة بصبى لها أقرع فمسح على رأسه فاستوى شعره فذهب داؤه.. وانكسر سيف عكاشة بن محصن يوم بدرفأ عطاه جذلا من حطب فصار في يده سيفا ولم يزل بعد ذلك عنده .. ومعجزاته صلى الله عليه وسلم أكثر من أن يجمعها كتاب أو يحصرها ديوان. (عيون الأثر (2/ 362).
*لم يناديه المولي عزوجل باسمه.
وكما نهانا المولي عز وجل أن نتجهم علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ونناديه باسمه وهذا من مظاهر تكريمه وتفضيله صلي الله عليه وسلم لأن الله عزوجل لم ينادي عليه صلي الله عليه وسلم باسمه قط ففي القرآن الكريم نادي علي جميع الأنبياء بأسمائهم : فقال تعالي :” وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ”(الأعراف/19).وقال تعالي:” قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ”(هود/46) . وقال تعالي:” وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ”(الصافات/105). وقال تعالي:” قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ”(الأعراف/144).وقال تعالي:”إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”(آل عمران/55).وقال تعالي :”وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَايَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ”(المائدة/116). ولما نادي المولي عزوجل علي خاتم أنبياءه لم يناديه باسمه لم يقل يا محمد وإنما قال تعالي:”يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ “(المائدة/67).وقال تعالي :” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ “(الأنفال /64) .
*اشتق الله له أسماءً من أسمائه الحسني. :”كما أنه سبحانه وتعالي اشتق له أسماً من أسمائه الحسني فقال تعالي :” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”(التوبة/128) .والله عزوجل من أسمائه رءوف رحيم قال تعالي:”وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”(النور/20). “بالمؤمنين رؤوف رحيم ” الرؤوف : المبالغ في الرأفة والشفقة ..وقال الحسين بن الفضل : لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم فإنه قال :”بالمؤمنين رؤوف رحيم ” وقال : ” إن الله بالناس لرؤوف رحيم “( البقرة/143)وقال عبد العزيز بن يحيى : نظم الآية لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز حريص بالمؤمنين رؤوف رحيم عزيز عليه ما عنتم لا يهمه إلا شأنكم وهو القائم بالشفاعة لكم فلا تهتموا بما عنتم ما أقمتم على سنته فإنه لا يرضيه إلا دخولكم الجنة .(تفسير القرطبي ج 8ص 273).
*أعطاه جوامع الكلم:” ومن أسمي ألوان التكريم من الله عزوجل لنبيه صلي الله عليه وسلم أن أعطاه جوامع الكلم .ومعني حوامع الكلم أنه صلي الله عليه وسلم منحه الله تعالي منت الحكمة ومن الفصاحة والبلاغة أنه صلي الله عليه وسلم كان يسوق المعني الجامع الواسع في مقاصده وفي أحكامه ,في ألفاظ محدودة .ولكنها جامعة ومشتملة علي كل ما يفيد وينفع ,ويغني عن التعقيد والإسراف في القول ..
عن عبد الله ابن عمرو قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً كالمودع فقال : ” أنا محمد النبي الأمي – قاله ثلاث مرات – ولا نبي بعدي أوتيت فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش وتجوز بي عوفيت وعوفيت أمتي فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم فإن ذهب بي فعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه ” (مسلم وأبو داود والترمذي). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :” فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون “(مسلم والترمذي)..
*وشرح الله له صدره: “ومن تكريم الله عزوجل لنبيه صلي الله عليه وسلم أن شرح له صدره ونوره وجعله فسيحاً واسعاً يقول تعالى :” أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ” يعني قد شرحنا لك صدرك أي نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا..
*ووضع الله عنه وزره:”ومن تكريم الله عزوجل لنبيه صلي الله عليه وسلم أنه غفر له ذنبه ماتقدم منه وما تأخر وهذا ما لم يحدث لأحد من البشر قال تعالى :”وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ”
* ورفع الله له ذكره:” وكرم الله عزوجل نبيه الخاتم بأن رفع ذكره في الأولين والآخرين ..قال تعالي:” وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ “
** منحه الله عز وجل الأجر الدائم: “ومن تكريم الله عز وجل لنبيه صلي الله عليه وسلم أن منحه الأجر الدائم وحباه بالخلق العظيم فقال تعالي:” وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ “(القلم/3).والمعني وإن لك أيها الرسول الكريم –عندنا لأجراً عظيماً لا يعلم مقداره أحد إلا نحن وهذا الأجر غير مقطوع ,بل هو متصل ودائم غير ممنون ..وعن مجاهد :غير محسوب. ويقول الإمام الطبري:”وقوله :”وإن لك لأجراً غير ممنون”يقول تعالى ذكره : وإن لك يا محمد لثواباً من الله عظيماً على صبرك على أذى المشركين إياك غير منقوص ولا مقطوع من قولهم : حبل منين إذا كان ضعيفا وقد ضعفت منته : إذا ضعفت قوته.”(تفسير الطبري ج12ص 179).
الخطبة الثانية :
الحمد لله وكفي والصلاة والسلام علي النبي المصطفي .
** ومن تكريم الله لنبيه صلي الله عليه وسلم قد أوجب الله عزوجل له حقوقاَ كثيرة علي أمته تكريماَ له صلي الله عليه وسلم – ومن هذه الحقوق .
* وجوب طاعته صلي الله عليه وسلم.
فمن وجوه التكريم للنبي الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم أنه سبحانه وتعالي أوجب علي كل مسلم طاعة هذا النبي الكريم في كل ما أمر به ,وفي كل مانهي عنه..وفي جوب إتباع النبي الأمي والإيمان به ..يقول الله تعالي :”لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”(الأحزاب/21).ونحن لا نكاد نعرف بشراً أوجب الله علي العباد أن يتخذوه أسوة وقدوة غير نبينا محمد صلي الله عليه وسلم فقد قرن طاعته بطاعته فقال تعالي :”مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا”(النساء/80) وجعل طاعته علامة للفوز بالجنة فقال تعالي :”وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا”(الأحزاب/71).
وجوب محبته صلي الله عليه وسلم.
وجوب ولزوم محبته صلي الله عليه وسلم وتقديم محبته علي الأهل والمال والولد والنفس لأن محبته من محبة الله عزوجل قال تعالي :” قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ”(التوبة/24). وروى الأمام أحمد عن زهرة بن معبد عن جده قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال : والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ” فقال عمر : فأنت الآن والله أحب إلي من نفسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الآن يا عمر”(انفرد بإخراجه البخاري) وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين “. (مختصر ابن كثير ج2ص159).
كما جعل المولي عزوجل لزوم محبته من محبة الرسول واتباعه صلي الله عليه وسلم علامة علي المحبة قال تعالي:” قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”(آل عمران/31).
*وجوب توقيره
لم يكتفي القرآن الكريم في تكريم النبي الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم بوجوب طاعته ومحبته بل أوجب أيضاً-التزام توقيره وتعظيمه,ويكفي في ذلك قوله تعالي في مطلع سورة الحجرات:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ “(الحجرات/1-3) .
*وجوب التأسي به صلي الله عليه وسلم .
ومن مظاهر التكريم للنبي الخاتم صلي الله عليه وسلم أن الله عزوجل أوجب التأسي به فقال تعالي : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”(الأحزاب/21). وهذه الآية أصل كبير في وجوب التأسي برسول الله صلي الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله ,ولهذا أمر تبارك وتعالي الناس بالتأسي بالنبي صلي الله عليه وسلم يوم الأحزاب في صبره ومثابرته ومرابطته ومجاهدته ,وانتظاره الفرج من ربه عزوجل ,مع أخذه بالأسباب في حفر الخندق ومشاركته بنفسه في أعمال الحفر الشاقة.
وجوب الصلاة عليه صلي الله عليه وسلم .
قال تعالي:” إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”(الأحزاب/56).وقد اوجب الله عز وجل الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم تكريماً له كما ذكر جمهور العلماء ففي تفسير أبي السعود لهذه الآية: “يصلون على النبي قيل الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن العباد طاعة وعبادة لله عز وجل “.
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله .