أخبار الصحةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: ((ونغرسُ فيأكلُ من بَعدَنا)) د. محمد حرز

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: ((ونغرسُ فيأكلُ من بَعدَنا)) د. محمد حرز تاريخ: 4ذو القعدة 1446هــ – 2مايو 2025م

 

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ word : ((ونغرسُ فيأكلُ من بَعدَنا)) د. محمد حرز تاريخ: 4ذو القعدة 1446هــ – 2مايو 2025م

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ pdf : ((ونغرسُ فيأكلُ من بَعدَنا)) د. محمد حرز تاريخ: 4ذو القعدة 1446هــ – 2مايو 2025م

الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأنعام141)،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ من خلقهِ وخليلُهُ، القائلُ كما في الصحيحينِ البخارِي ومسلم مِن حديثِ أَنَسٍ – رضى اللهُ عنه – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلم – : « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا ، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ » ، فاللهم صلِّ وسلمْ على مسكِ الختامِ، وخيرِ مَن صلَّى وصام، ووقفَ بالمشعرِ وطافَ بالبيتِ الحرامِ، ، وعلى آلهِ وصحبهِ الأعلام، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعينَ لهم بإحسانٍ والتزام.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُم ونفسي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102).
أيُّها السادةُ: ((ونغرسُ فيأكلُ من بعدَنا)) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
أولُا: الإسلامُ منهجٌ متكاملٌ وتشريعٌ شاملٌ.
ثانيــــًا: رمزُ الإسلامِ الإتقانُ.
ثالثًا وأخيرًا: أعظمُ غرسٍ في حياتِك غرسُ الأبناءِ.
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن ((ونغرسُ فيأكلُ مَن بعدنا)) وخاصةً ونحنُ في موسم الحصادِ وعلى الجميعِ إخراجُ زكاةَ زروعِهِ قبلْ فواتِ الأوانِ مصداقٍا لقولِ الحقِّ جل وعلا{ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } ومانع ُ الزكاةِ على خطرٍ عظيمٍ روَى البخاريُّ في صحيحِه عن أبِي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلمَ: مَن آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ له مَالُهُ يَومَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أقْرَعَ له زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَومَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بلِهْزِمَتَيْهِ – يَعْنِي بِشَدْقَيْهِ – ثُمَّ يقولُ أنَا مَالُكَ أنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلَا (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) آل عمران:180 ومَا جاعَ فقيرٌ وربّ الكعبةِ إِلّا بشحِّ غنيٍّ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ وخاصةً ونحنُ في حاجةٍ إلى العملِ والإتقانِ والجدِّ والاجتهادِ مِن أجلِ المحافظةِ على وطنِنَا مصرَ الغاليةِ مِن أجلِ رفعتِهَا ونهضتِهَا وتقدمِهَا في جميعِ المجالاتِ التجاريةِ والصناعيةِ والزراعيةِ.
بِقَدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِي *** ومَنْ طَلبَ العُلا سَهرَ اللَّيالِي
ومَنْ طلبَ العُلا مِن غيرِ كَدٍّ *** أَضَاعَ العُمْرَ في طلبِ الْمُحَالِ
أولُا: الإسلامُ منهجٌ متكاملٌ وتشريعٌ شاملٌ.
أيُّها السادةُ : الإسلامُ منهجٌ متكاملٌ وتشريعٌ شاملٌ لكلِّ مجالاتِ الحياة.. إِيمانٌ وعملٌ.. عقيدةٌ وشريعةٌ.. و عبادةٌ ومعاملةٌ وفكرٌ وعاطفةٌ.. وأخلاقٌ وعمرانٌ..
ومسكينٌ من يعتقدُ أنَّ الإسلامَ صلاةٌ وعباداتٌ ومسجدٌ ويُهمل في الصلاةِ ثم الحياةِ والاقتصادِ والسياسةِ، وحمايةِ البيئةِ وعمارةِ الأرضِ حَجراً وشَجراً والنظافةِ ومما يشملُ البلادَ والعبادَ ويُقيمُ الدينَ والدنيا؛ هذا هو الإسلامُ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)[المائدة: 3]. أرضٌ أنشأَها اللهُ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[الملك: 15]، وأوصَانا بعمارتِها وعدمِ الإفسادِ فيها بعد إصلاحِها لا بحروبٍ ولا دمارٍ ولا بقطعِ للأشجار ولا فسادٍ. لذا أَمرَنا اللهُ جلَّ وعلَا ووجهَّنا دينُنا أن نكونَ إيجابيينَ في هذه الحياةِ ليسَ مع الناسِ في التعاملِ الأمثلِ والخلقِ الحسنِ بَلْ وحَتَّى مع الحيوانِ فلا نُعذِّبٌ حيوانًا وحَتَّى مَعَ الأرضِ نَزرعُها وِمع الجماد ِنَحمِيه من الإفسادِ!!
خلقَ اللهٌ أشجاراً نَراهَا ونَتَفَيَؤُ ظِلالَها ونستروحُ من عبيرِها، مِنْها ما يُثْمِرُ فيكونَ نَفعُها مما نَأكُل مِنْهَا (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ)[النمل: 60]. و خلق اللهُ أشجاراً لحمايةِ البيئةِ وللظَللِ والزينةِ (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)[لقمان: 11]، والأشجارُ في بعض جوانبِها لَها شبهٌ بالإنسانِ، فهل نَشعرُ بإحساسِها؟! لِذا أوصَانا -صلى الله عليه وسلم- حتى عِندَ قيام ِالساعةِ فقال: ” إن قامتِ السَّاعةُ و في يدِ أحدِكم فسيلةٌ، فإن استطاعَ أن لا تقومَ حتَّى يغرِسَها فليغرِسْها “(رواه أحمد). وقال -صلى الله عليه وسلم-: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاَّ كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً، وَلاَ يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً”(رواه مسلم). فشَجَّعَتِ الشَّريعَةُ الإسْلاميَّةُ على إعْمارِ الأرضِ وزِراعَتِها، كما رغَّبَتِ المُسلِمَ ليكونَ إيجابِيًّا في كُلِّ أحْوالِه، وأنْ يكونَ نافِعًا لنَفْسِهِ ولغَيْرِهِ، وقد حَثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على كُلَّ فِعلٍ من أفعالِ البِرِّ والإحْسانِ والصَّدَقَةِ والنَّفْعِ للغير حتَّى ولو لم يَرَ الفاعلُ ثَمرتَهُ، بَل الصدقاتُ الجاريةُ التي يبقَى أجرُهَا بعدَ الموتِ وكأنّ العبدَ ما زالَ مستمرًا في فعلِهَا الزراعةُ والغرسُ يا سادةٌ فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنه قال : قال رسولُ اللهِ صلّى اللهّ عليه وسلّم: “سبعٌ يَجري للعبدِ أجرُهُنَّ، و هوَ في قَبرِهٍ بعدَ موتِهٍ: مَن علَّمَ علمًا، أو أجرَى نهرًا، أو حفَر بِئرًا، أو غرَسَ نخلًا، أو بنَى مسجِدًا، أو ورَّثَ مُصحفًا، أو ترَكَ ولدًا يستغفِرُ لهُ بعد موتِه)) رواه البزار، فالإسلامُ دينُ العملِ والاجتهادِ، دينُ النشاطِ والحيويةِ، دينُ الريادةِ والعطاءِ، دينُ السعيِ في الأرضِ بحثًا عن الرزقِ وطلبًا للحلالِ، وليس دينَ الكسلِ والخمولِ، قالَ ربُّنَا : ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾(التوبة:105)، والمسلمُ ما خُلقَ ليكونَ عالةً، ولا ليكونَ نكرةً في الحياةِ، ولا ليكونَ عطَّالًا بطالًا، بل خُلِقَ للعبادةِ والعملِ، خُلِقَ للإنتاجِ والإنجازِ، والإسلامُ منهجُ حياةٍ أيها الأخيارُ وكيف لا؟ والله ُ جل وعلا لم يتركْ لنا شيئاً إلا وضَّحَهُ خيرَ توضيحٍ وبيّنَه كل بيانٍ قال جل وعلا ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89] ويقولُ ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ﴾ [الإسراء: 12] ويقول ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38].
وللهِ درُّ القائلِ
اُنظـــرْ لتــلـكَ الشجـــرةِ *** ذاتِ الغصـــونِ النضـرة
كيـف نمــتْ مِـن حـبــــةٍ *** وكيف صــارتْ شجـرة
فابحثْ وقُلْ مَـن ذا الـذي *** يخـرجُ منهــا الثمـــرة
ذاك هـــو اللــــهُ الـــــذي *** أنـعمُــهُ منـهـمـــــرة
ذو حكـمــــــةٍ بــالـغـــــةٍ *** وقـــــدرةٍ مـقـتـــــدرة
ثانيــــًا: رمزُ الإسلامِ الإتقانُ.
أيُّها السادةُ: اللهُ جلَّ وعلا خلقَ كلَّ شيءٍ فأتقنَهُ قالَ جلَّ وعلَا﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ النمل: 88 فاللهُ جلَّ وعلا صَنَعَ كُلَّ شَيءٍ في هَذَا الكَونِ بِإِتقَانٍ فلو نظرتَ إلى السماءِ وارتفاعِهَا إتقانٌ، بل انظرْ إلى الأرضِ واتساعِهَا إتقانٌ، انظرْ إلى النجومِ ومدارِهَا إتقانٌ، انظرْ إلى البحارِ وأمواجِهَا إتقانٌ، انظرْ إلى الجبالِ وارتفاعِهَا إتقانٌ ما بعدَهُ إتقانٌ!!اللهُ أكبرُ بل لو نظرتَ إلى نفسِكَ التي بينَ جانبيكَ سترى عجبًا عجابًا خلقَكَ فأحسنَ خلقِكَ وصورَكَ فأحسنَ تصويرَكَ فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقين قالَ -جلَّ وعلا )هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران: 6 قالَ -جلَّ وعلا ))فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) ((المؤمنون: 14(والمصورُ هو مَن أحسنَ وأبدعَ وأخرجَ الشكلَ النهائيَّ في كاملِ هيئتهِ وبهائهِ، وأتقنَ كلَّ شئٍ قالَ جلَّ وعَلا ((اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) ((غافر: 64(.
للهِ في الآفاقِ آياتٌ لعلَّ *** أقلّهَا هو ما إليهِ هداكَا
ولعلَّ ما في النفسِ مِن آياتهِ *** عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناكَا
والكونُ مشحونٌ بأسرارٍ إذا *** حاولتَ تفسيراً لهَا أعياكِا
فالإتقانُ في كلِّ شيءٍ صفةٌ مِن صفاتِ الرحمنِ جلَّ جلالهُ، لذا كان النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- يتوسلُ إلى ربِّهِ ويدعوهُ ويُثنِي عليهِ بأنَّهُ هو الذي صوَّرَ وجهَهُ وجمَّلَ خلقَهُ، وأتقنَ خلقتَهُ على أجملِ صورةٍ وخيرِ بهاءٍ فعن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- أن رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ قَالَ: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ .. إلى أن قال: وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ))رواه مسلمٌ، فالإتقانُ مطلبٌ شرعيٌّ ، وواجبٌ وطنيٌّ، وعملٌ إنسانيٌّ وَمَسْؤُولِيَّةٌ مُجْتَمَعِيَّةٌ، ومقصدٌ مِن مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميةِ، الكلُّ مطالبٌ بهِ، والكلُّ محاسبٌ عنهُ بينَ يديِ اللهِ لمَنْ فرطَ وأهملَ واستباحَ قال ربُّنَا جلَّ وعلا:﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾(الأنفال: 27)،ومِن أعظمِ الأماناتِ: الإتقانُ في العملِ، والإتقانُ صفةٌ نبيلةٌ، وغايةٌ ساميةٌ، وخلقٌ عظيمٌ مِن أخلاقِ الدينِ، ومبدأٌ كريمٌ من مبادئِ الإسلامِ ،وشيمةُ الأبرارِ المحسنينَ مِن الناسِ، وصفةٌ مِن صفاتِ المؤمنينَ، أمرَنَا بها الدينُ، وتخلَّقَ بها سيدُ المرسلينَ صلَّى اللهُ عليه وسلم .
وأولُ ما يجبُ على العبدِ أنْ يسعَى في إتقانِهِ هو توحيدُهُ للهِ -جلَّ وعلا-، فلا تعكرْ توحيدَكَ بشيءٍ مِن الشركِ، ولا تصرفْ وجهَكَ لغيرِ اللهِ، وجرّدْ توحيدَكَ لهُ سبحانَهُ، فمَن خرقَ توحيدَهُ في عملٍ فلن يُقبلَ منهُ، كما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) فمَن أتقنَ توحيدَهُ للهِ دخلَ الجنةَ وإنْ زنى وإنْ سرقِ كما في الصحيحين كما في حديث أبي ذرٍ رضى اللهُ عنه قال أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه ثَوْبٌ أبْيَضُ، وهو نَائِمٌ، ثُمَّ أتَيْتُهُ وقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقالَ: ما مِن عَبْدٍ قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ علَى ذلكَ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ علَى رَغْمِ أنْفِ أبِي ذَرٍّ)) وهذا هو أسوتُنِا وقدوتُنَا أتقنَ كلَّ شيءٍ عبادتَهُ وعملَهُ و تجارتَهُ كما في حديثِ المغيرةِ بنِ شعبةَ قال قَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فقِيلَ له: غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، قالَ: أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا))رواه البخاري، وتاجرَ صلَّى اللهُ عليه في مالِ خديجةَ فكان خيرَ التاجرِ الأمينِ وخيرَ الصادقِ وخيرَ مَن أتقنَ في عملهِ.
ومِن أعظمِ العباداتِ التي تحتاجُ إلى إتقانٍ الصلاةُ فمَن حافظَ عليها نجَا في الدنيا والآخرةِ لحديثِ النبـيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم عن أبـي هريرةَ رضي اللَّهُ عنه قال : سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم يقولُ : ( إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ مِن عملِهِ صلاتُهُ فإنْ صلُحتْ فقد أفلحَ وأنجحَ وإنْ فسدتْ فقد خابَ وخسِرَ) رواه ابنُ ماجة.
فالإتقانُ يكونُ في أعمالِ الدينِ والدنيَا فإياكَ أنْ تكونَ متقنًا في أمورِ الدينِ ولستَ متقنًا في أمورِ الدنيَا لحديثِ ( إنك أنْ تَدَعَ ورَثَتَكَ أغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِن أنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) رواه البخاري ولحديثِ ((كفَى بالمرءِ إثمًا أنْ يُضَيِّعَ مَن يقوتُ ))وإياكَ ثمَّ إياكَ أنْ تكونَ متقنًا لأمورِ الدنيَا ولستَ متقنًا لأمورِ الآخرةِ فتكونَ مِن الهالكينَ والخاسرينَ، قالَ ربُّنَا ((يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)) الروم( 7) يقولُ ابنُ كثيرٍ في تفسيرهِ : فإنَّ أكثرَ الناسِ ليسَ لهم علمٌ إلّا بالدنيا وشؤونِهَا، فهم فيها حُذاقٌ، و أذكياءٌ في تحصيلِهَا ووجوهِ مكاسبِهَا، وهم غافلونَ عن أمورِ الدينِ وما ينفعُهُم في الدارِ الآخرةِ، كأنَّ أحدَهُم مغفلٌ لا ذهنَ لهُ ولا فكرةَ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَاللَّهِ لَبَلَغَ مِن أحدِهم بدنياهُ أنْ يَقْلِبَ الدِّرْهَمَ عَلَى ظُفْرِهِ، فَيُخْبِرُكَ بِوَزْنِهِ وَمَا يُحْسِنُ أَنْ يُصَلِّيَ . …فاللهَ اللهَ في الإتقانِ اللهَ اللهَ في إتقانِ العملِ. وكيف لا؟ والمتقنُ لعملِهِ يحبُّهُ اللهُ، قال جلَّ وعلا ((وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: 195، وعَنْ أُم المُؤمِنينَ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَه((. وكيف لا؟ وإتقانُ العملِ شهادةٌ في سبيلِ اللهِ للحديثِ الذي رواهُ الطبرانيُّ في معجمهِ عن كعبِ بنِ عجرةَ قال مرَّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رجلٌ فرأَى أصحابُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من جلَدِهِ ونشاطِهِ فقالُوا: يا رسولَ اللهِ لو كانَ هذا في سبيلِ اللهِ؟! فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنْ كانَ خرجَ يسعَى على ولدِهِ صغارًا فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كان خرجَ يسعَى على أبوينِ شيخينِ كبيرينِ فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كانَ خرجَ يسعَى على نفسِه يعفُّهَا فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كانَ خرجَ يسعَى رياءً ومفاخرةً فهو في سبيلِ الشيطانِ). وهذا مِن تعظيمِ اللهِ أَمْرَ العملِ والصناعةِ باليدِ.
أحزانُ قلبِي لا تزول** حتى أبشرَ بالقبولِ
و أرى كتابِي باليمين ** وتقرُّعينِي بالرسولِ
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
ثالثًا وأخيرًا: أعظمُ غرسٍ في حياتِك غرسُ الأبناءِ.
أيُّها السادةُ: هَذَا زَمَنٌ انْفَتَحَ فِيهِ الْعَالَمُ عَلَى بَعْضِهِ، وَكُسِرَتْ عُزْلَةُ الْأَفْرَادِ وَالْأُمَمِ، وَتَخَطَّتِ الْأَفْكَارُ وَالمَعْلُومَاتُ حَوَاجِزَ الدُّوَلِ وَالرَّقَابَةِ.. وانْتَقَلَتْ ثَقَافَةُ الشَّكِّ وَالْإِلْحَادِ مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ فَوَصَلَتْ كَثِيرًا مِنْ أَبْنَاءِ المُسْلِمِينَ وَبَنَاتِهِمْ، فَضِعَافُ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ اسْتَسْلَمُوا لَهَا، وَغَرِقُوا فِي لُجَّتِهَا، فَنَخَرَتْ قُلُوبَهُمْ، وَأَزَالَتْ إِيمَانَهُمْ، وَعَاشُوا مُنْبَتِّينِ عَنْ أُسَرِهِمْ وَمُجْتَمَعَاتِهِمْ. وَهَذَا يُحَتِّمُ الْحَذَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ أَقْوَى فِي التَّحْصِينِ مِنَ الْحَصَانَةِ الذَّاتِيَّةِ، بِغَرْسِ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِ الصِّغَارِ، وَتَعَاهُدِهِ فِيهِمْ إِلَى أَنْ يَكْبَرُوا كَمَا كَانَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يَفْعَلُ مَعَ أَطْفَالِ الصَّحَابَةِ وَشَبَابِهِمْ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَالمُعَلِّمُونَ وَالمُعَلِّمَاتُ وَالمُرَبُّونَ قَرِيبِينَ مِنَ الْأَطْفَالِ وَالشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ، يَتَلَمَّسُونَ مَشَاكِلَهُمْ، وَيُجِيبُونَ عَلَى تَسَاؤُلَاتِهِمْ مَهْمَا كَانَتْ، فَإِنْ لَمْ تُجِبْهُ عَلَيْهَا أَنْتَ تَلَقَّى الْإِجَابَةَ مِنْ غَيْرِكَ سَوَاءً كَانَتْ خَطَأً أَمْ صَوَابًا. وَمَنْ تَأَمَّلَ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ وَجَدَ كَمًّا كَبِيرًا مِنَ النُّصُوصِ تَظْهَرُ فِيهَا عِنَايَةُ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِإِيمَانِ الصِّغَارِ وَالشَّبَابِ، وَتَرْسِيخِهِ بِكُلِّ الْوَسَائِلِ وَالْأَسَالِيبِ؛ حَتَّى لَا تَمِيدَ بِهِمُ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَقْلِبَهُمُ الشُّبُهَاتُ. تَأَمَّلُوا مَعِيَ قَوْلَ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّـهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: “كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا” (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: “عَلَّمَنِي رَسُولُ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ… إِلَى آخِرِ الدُّعَاءِ” (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).
كَمْ كَانَ عُمْرُ الْحَسَنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا الدُّعَاءَ؟! إِنَّهُ عَلَى الْيَقِينِ لَمْ يَتَجَاوَزْ سَبْعَ سَنَوَاتٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ابْنُ سِتٍّ أَوْ خَمْسٍ أَوْ أَرْبَعٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُوُفِّيَ وَعُمْرُ الْحَسَنِ سَبْعُ سَنَوَاتٍ فَقَطْ. بِاللَّـهِ عَلَيْكُمْ هَلْ يَزِيغُ الْحَسَنُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ يَلْتَزِمُ هَذَا الدُّعَاءَ الَّذِي يَنْضَحُ بِمَعَانِي الْإِيمَانِ مُنْذُ طُفُولَتِهِ؟! فَلَا غَرْوَ أَنْ يَقِفَ الْحَسَنُ مَوْقِفًا عَظِيمًا حِينَ افْتَرَقَتِ الْأُمَّةُ، فَيَتَنَازَلَ عَنْ أَعْظَمِ مَنْصِبٍ فِيهَا وَهُوَ الْخِلَافَةُ وَقَدِ انْعَقَدَتْ لَهُ؛ لِيَحْقِنَ دِمَاءَ المُسْلِمِينَ، وَيُصْلِحَ ذَاتَ بَيْنِهِمْ. فَهَلْ يَفْعَلُ الْحَسَنُ ذَلِكَ لَوْلَا الْإِيمَانُ الَّذِي عَمِرَ قَلْبَهُ بِالنَّشْأَةِ عَلَيْهِ مُنْذُ طُفُولَتِهِ، فَنَمَى إِيمَانُهُ مَعَ نُمُوِّهِ، فَلَمَّا ثَارَتِ الْفِتْنَةُ أَسْعَفَهُ إِيمَانُهُ، فَأَصْلَحَ اللهُ -تَعَالَى- بِهِ الْأُمَّةَ، وَأَطْفَأَ بِهِ نِيرَانَ الْفِتْنَةِ. وَفِي حَادِثَةٍ أُخْرَى عَجِيبَةٍ يَحْكِيهَا صَاحِبُهَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ المُعَلَّى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَيَقُولُ: “كُنْتُ أُصَلِّي فِي المَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّـهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- … ثُمَّ قَالَ لِي: “لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ، قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ” ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ؟ قَالَ: (الحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ العَالَمِينَ) [الفاتحة: 2] “هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ” (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).يُعَلِّمُهُ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ، وَيُعَظِّمُهَا فِي نَفْسِهِ، فَيُخْبِرُهُ أَنَّهَا أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِيَعْتَنِيَ بِهَا، وَيَفْهَمَ مَعَانِيَهَا، وَيَتَزَوَّدَ الْإِيمَانَ مِنْهَا.
وينشأُ ناشئُ الفتيـانِ منـَّا ***** على ما كان عوَّدهُ أبـوه
فاغرسْ في أبنائِك حبّ الإسلامِ وحب القيمِ والأخلاقِ وحب الوطنِ ،واغرسْ فيهم التربيةَ الحقيقيةَ فهم أمانةٌ في رقبتَك ستسألُ عنهم يومَ القيامةِ يومَ الحسرةِ والندامةِ وتربيةُ الأبناءِ مسؤوليةٌ كبيرةٌ في أعناقِ الآباءِ والأمهاتِ: قال جلَّ وعلا﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- ، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا،…. فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)).وعَنْ أَنَس بن مالك -رضي الله عنه- ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ)) وعن مَعْقِل بْن يَسَارٍ الْمُزَنِيّ -رضي الله عنه- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)).وفي رواية: (( فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ)) وعن عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ)).َالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- لِرَجُلٍ: يَا هَذَا أَحْسِنْ أَدَبَ ابْنِكَ فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عن أَدَبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ بِرِّكَ وطاعته لك. وعَنِ الْحَسَنِ البصري -رحمه الله- ، قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ وَعَّظَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ فَقَالَ: يَا أَهْلِي صَلَاتَكُمْ صَلَاتَكُمْ ، زَكَاتَكُمْ زَكَاتَكُمْ ، جِيرَانَكُمْ جِيرَانَكُمْ ، مَسَاكِينَكُمْ مَسَاكِينَكُمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْحَمَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَثْنَى عَلَى عَبْدٍ كَانَ هَذَا عَمَلهُ فَقَالَ: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55}فعلى الآباءِ أن يستشعرُوا أهميةَ هذه التربيةِ المنوطةِ بهم ، وأنهُ من الإساءةِ للأبناءِ والإخلالِ بالأمانةِ التي استودعَها اللهُ لهم أن يتركوهم بدون تربيةٍ وتوجيهٍ .
ليس اليتيمُ مَن انتهى أبواه مِنْ .. .. هَـمِّ الحياةِ وخلَّـفاه ذلـيلا
إنَّ اليــتــيمَ الــذي تَـلْــقَى لــه .. .. أُمَّاً تَخَلَّتْ أو أَبًا مَشْغُول
وكيف لا؟ والأبناء ذُخرٌ لآبائهم ورفع لدرجاتهم في الآخرة ، إذا أحسنَ الآباءُ تربيتهمُ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ، قَالَ: (( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))والإسلامُ هو المنقذُ للبشريةِ مما تعيشه من المتاهاتِ واعوجاجِ الطريق، وهو الكفيلُ بإخراجهم من الظلماتِ إلى نورِ الهدايةِ: قال الله جل وعلا ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [إبراهيم: 1)
فالله َ اللهَ في الغرسِ الحقيقيِ في أبنائنا واللهَ اللهَ في الإتقانِ فالإتقانَ الإتقانَ تُفلحوا !!! الإتقانَ الإتقانَ تساعدُوا في نهضةِ بلدِكُم، فكم مِن أممٍ تقدمتْ بسببِ إتقانِهَا ، وكم مِن أممٍ تأخرتْ بسببِ عدمِ إتقانٍها.
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى