خطبة الأسبوع

خطبة الأسبوع : الشكر حقيقته ووسائله وأثره في حفظ النعم للدكتور محمد سالم

لتحميل الخطبة بصيغة word إضغط هنا

لتحميل الخطبة بصيغة إضغط هناpdf

 

الشكر حقيقته ووسائله وأثره في حفظ النعم

العناصر:

1-هل أنت شاكر

2-معنى الشكر وحقيقته

3- سمى ربنا نفسه الشكور من أجل عباده

4- كيفية الشكر وأثره     كتبه د/محمد سالم

                                                 وبعد

فحديثنا اليوم أيها الاحبة عن الشكر… وما أدراكم ما الشكر… ولكن دعونا اولا نسمع هذه الكلمات  سمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلا يقول اللهم اجعلني من القليل؟؟!! فقال عمر:  ما هذا الدعاء؟؟!! فقال الرجل: أردت قوله تعالى “وقليل من عبادي الشكور” فقال عمر رضي الله عنه كل الناس أعلم منك يا عمر.. (تفسير القرطبي ج14/ص277)

فهل أنت من هذا القليل؟؟ أم أنت من الكثير؟؟!!

أأنت من القليل الشاكر… أم الكثير الغافل؟؟!!  نعم… لاشك كلنا سنقول الحمد الله… ولكن هل هذا هو الشكر؟؟؟ دعونا نسمع للعلماء وكيف عرفوا الشكر وبينوا حقيقته؟؟؟…ثم في نهاية الخطبة نعيد على انفسنا السؤال مرة أخرى لنعرف أين نحن؟؟ فمن كان شاكرا فليزدد ومن كان مقصرا فليتدارك… رحمنا ورحمكم الله…   كتبه د/محمد سالم

قال القرطبي في تفسيره ج1/ص397

وأما الشكر فهو في اللغة: الظهور من قوله دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن مع قلة العلف …كأنها رغم قلة علفها الا أن أثر النعمة ظهر عليها

قال الجوهري: الشكر الثناء على المحسن بما أولاك من المعروف

وقال أبو حيان في تفسيره البحر المحيط ج1/ص621

معنى الشكر: هنا الاعتراف بحق المنعم والثناء عليه

اذن فالشكر انما هو حق لله سبحانه لانه هو المنعم المتفضل ..ولكن أتعرفون ايها الاحبة ربك المستحق للشكر… يشكرك؟؟؟

نعم يشكرك …لا تعجب …يل وسمى نفسه الشكور من أجلك …من أجلك انت …كما وصف نفسه بالرحمة وسمى نفسه الرحيم أيضا من أجلك …وجعل من مظاهر رحمته جنته في الاخرة وقال عن الجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء

الا يستحق ربك الشكر؟؟!! …والله لو ظللت طوال عمرك شاكرا ما وفيت ربك حقه

قال تعالى لداود عليه السلام ” اعملوا آل داود شكرا” فقال داود كيف أشكرك يا رب والشكر نعمة منك؟؟!!  قال: الآن قد عرفتني وشكرتني إذ قد عرفت أن الشكر مني نعمة… قال يا رب: فأرني أَخْفَي نعمك علي؟؟؟ قال يا داود تنفس؟؟ فتنفس داود فقال الله تعالى “من يحصي هذه النعمة الليل والنهار”؟؟!!!                             كتبه د/محمد سالم

أي من يحصى عليك أنفاسك …بل ان شئت فقل ان امتنع نَفَسُك من يرده عليك؟؟؟ ولك ان تتخيل ان لو كان أحد من الخلق يملك هذا الهواء فماذا كان يصنع؟؟؟

 قال موسى عليه السلام يااارب كيف أشكرك وأصغر نعمة من نعمك لا يجازيها عملي كله؟؟!! فأوحى الله إليه يا موسى الآن شكرتني…. وقال الجنيد حقيقة الشكر العجز عن الشكر!!!

لان العجز من العبد اقرار بالكمال لله رب العالمين …ورغم ذلك يشكر الله لك شكرك… فالشكر شكران شكر العبد وشكر الرب قال الشنقيطي (في أضواء البيان ج4/ص234) شكر العبد لربه هو أن يستعين بنعمه على طاعته… وشكر الرب لعبده هو أن يثيبه الثواب الجزيل على عمله.

فشكر العبد لربه ينحصر معناه في استعماله جميع نعمه فيما يرضيه تعالى… فشكر نعمة العين ألا ينظر بها الى حرام وهكذا في جميع الجوارح…. وشكر نعمة المال أن يقيم فيه أوامر ربه ويكون مع ذلك شاكر القلب واللسان وشكر العبد لربه جاء في آيات كثيرة كقوله تعالى هنا  ” فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ”   وقوله تعالى   “وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ”  والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة

وأما شكر الرب لعبده فهو أن يثيبه الثواب الجزيل من عمله القليل ومنه قوله تعالى   “وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ”   وقوله تعالى   “إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شكور

فالشكر يتناول جميع الطاعات لقوله تعالى  ” اعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودُ شَاكِراً”     سبأ 13 

  يحتمل أن يكون مخاطبة لآل داود ويحتمل أن يكون مخاطبة لمحمد  صلى الله عليه وسلم  قال ابن عطية وعلى كل وجه ففيه تنبيه وتحريض على مداومة الشكر وأن على كل مسلم أفراداً وجماعات أن يقابلوا نعم الله بالشكر… وأن يشكروها بالطاعة والعبادة للَّه وأن يحذروا كفران النعم.

وهناك معنا لطيفا ذكره الرازي في تفسيره في معنى قوله تعالى “وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ”   إشارة إلى أن الله خفف الأمر على عباده وذلك لأنه لما قال   اعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودُ شَاكِراً   فهم منه أن الشكر واجب لكن شكر نعمه كما ينبغي لا يمكن لأن الشكر بالتوفيق وهو نعمة تحتاج إلى شكر آخر وهو بتوفيق آخر فدائماً تكون نعمة الله بعد الشكر خالية عن الشكر فقال تعالى إن كنتم لا تقدرون على الشكر التام فليس عليكم في ذلك حرج فإن عبادي قليل منهم الشكور

الشكر مطلب الرب من العبد:

قال تعالى فاذا أفضتم من عرفات فاذكر الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم والمراد بالذكر الثاني الاشتغال بشكر نعمائه والشكر مشتمل أيضاً على الذكر فصح أن يسمي الشكر ذكراً والدليل على أن الذكر الثاني هو الشكر أنه علقه بالهداية فقال   كَمَا هَدَاكُمْ   والذكر المرتب على النعمة ليس إلا الشكر

الشكر منهج الانبياء

قال تعالى عن نوح عليه السلام  ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا   أي كثير الشكر كان يحمد الله على كل حال وهذا أمر من الله… كونوا شاكرين كما كان أبوكم نوح

الشكر يستخرج بالنعم

قال الاصبهاني في حلية الأولياء ج6/ص125

كان من دعاء داود عليه السلام سبحان مستخرج الشكر بالعطاء ومستخرج البلاء بالدعاء

قال ابن عساكر في تاريخ دمشق ج5/ص190

قال محمود الوراق                         كتبه د/محمد سالم

إذا كان شكري نعمة الله نعمة  *** علي له في مثلها يجب الشكر 

فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله  *** وإن طالت الأيام واتصل العمر 

العافية مع الشكر احب الي الخلق من البلاء على الصبر

حلية الأولياء ج2/ص212

قال سفيان بن عيينة إني قرأت القرآن فوجدت صفة سليمان مع العافية التي كان فيها نعم العبد إنه أواب ووجدت صفة أيوب مع البلاء الذي كان فيه نعم العبد إنه أواب فاستوت الصفتان وهذا معافى وهذا مبتلى فوجدت الشكر قد قام مقام الصبر فلما اعتدلا كانت العافية مع الشكر أحب إلي من البلاء مع الصبر

بم يكون الشكر:

يقول العلامة أبو السعود في تفسيره 1/12 الشكر:هو مقابلة النعمة بالثناء… وآداب الجوارح… وعقد القلب على وصف المنعم بنعت الكمال… كما قال من قال أفادتكم النعماء منى ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا               كتبه د/محمد سالم

يعني يكون باقرار القلب لصاحب النعمة بها مع عمل الجوارح بالطاعات فيها والثناء باللسان على الله سبحانه وتعالى

قال القرطبي (في تفسيره 14/ص277)قال سفيان بن عيينة في تأويل قوله تعالى أن اشكر لي أن المراد بالشكر الصلوات الخمس… وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  كان يقوم من الليل حتى تفطر قدماه فقالت له عائشة رضي الله عنها أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟؟؟ فقال   أفلا أكون عبدا شكورا!!!   فظاهر القرآن والسنة أن الشكر بعمل الأبدان دون الإقتصار على عمل اللسان فالشكر بالأفعال عمل الأركان والشكر بالأقوال عمل اللسان والله أعلم

وقال ابن عطية الشكر على الحقيقة لا يكون إلا مقترناً بالإيمان لكنه ذكر الإيمان تأكيداً وتنبيهاً على جلالة موقعه

الشكر سلوك وليس مجرد قول

صحيح البخاري ج2/ص833

2234 حدثنا عبد اللَّهِ بن يُوسُفَ أخبرنا مَالِكٌ عن سُمَيٍّ عن أبي صَالِحٍ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  قال بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عليه الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ منها ثُمَّ خَرَجَ فإذا هو بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى من الْعَطَشِ فقال لقد بَلَغَ هذا مِثْلُ الذي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ الله له فَغَفَرَ له قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لنا في الْبَهَائِمِ أَجْرًا قال في كل كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ تَابَعَهُ حَمَّادُ بن سَلَمَةَ وَالرَّبِيعُ بن مُسْلِمٍ عن مُحَمَّدِ بن زِيَادٍ

فانظر الى الرجل رأف بالكلب فنزل البئر  يسقيه…فليست الدروشة هي الدين…ولكن الدين سلوك…رحمة حتى بالحيوان الاعجم …فكيف بالنسان وأخيه الانسان

الشكر يزيد النعم وكفران النعم يذهبها

أضواء البيان ج9/ص112

بين تعالى أن الشكر يزيد النعم والكفر يذهبها إلا ما كان استدراجاً فقال في شكر النعمة   “لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ   “

وقال في الكفران وعواقبه   وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ  

فاحذر الكفران لان كفران النعم يبدل الله بها الحال …الى اسوأ حال…وانظر صاحب الجنتين في الكهف …واصحاب الجنة في سورة القلم …وغيرهم من الذين استبدلوا الشكر بالكفران والطاعة بالعصيان.

اما من صحب النعم بالشكر كافأة الله بما لا يخطر على باله أخرج مسلم في صحيحه (4/2288/2984) عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ من الأرض فَسَمِعَ صَوْتًا في سَحَابَةٍ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ فَتَنَحَّى ذلك السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ في حَرَّةٍ فإذا شَرْجَةٌ من تِلْكَ الشِّرَاجِ قد اسْتَوْعَبَتْ ذلك الْمَاءَ كُلَّهُ فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فإذا رَجُلٌ قَائِمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ فقال له يا عَبْدَ اللَّهِ ما اسْمُكَ قال فُلَانٌ لِلِاسْمِ الذي سمع في السَّحَابَةِ فقال له يا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عن اسمى فقال أني سمعت صَوْتًا في السَّحَابِ الذي هذا مَاؤُهُ يقول أسق حَدِيقَةَ فُلَانٍ لِاسْمِكَ فما تَصْنَعُ فيها قال أَمَّا إِذْ قُلْتَ هذا فَإِنِّي أَنْظُرُ إلى ما يَخْرُجُ منها فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ وَآكُلُ أنا وَعِيَالِي ثُلُثًا وَأَرُدُّ فيها ثُلُثَهُ

من مبطلات الشكر:              كتبه د/محمد سالم

تفسير القرطبي ج3/ص312

وسمع بن سيرين رجلا يقول لرجل فعلت إليك وفعلت   فقال له اسكت فلا خير في المعروف إذا أحصي وروي عن النبي  صلى الله عليه وسلم  أنه قال   إياكم والامتنان بالمعروف فإنه يبطل الشكر ويمحق الأجر ثم تلا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى

كفران النعم وعدم الشكر:

لقد كان لسبأ في مسكنهم آيه جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور …الخ الايات وكيف ان هلاكهم كان بأيدهم لما طغوا وبغوا

 

كيف تؤدي شكر نعم الله عندك:

1-بمعرفة حق الله فيها

2-بمداومة الشكر عليها وشكر من اسدى الينا معروفا

أخرج الترمذي في سننه (4/339/1954) عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  من لَا يَشْكُرُ الناس لَا يَشْكُرُ اللَّهَ قال هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (سنن الترمذي ج4/ص339)

3-أن يكثر من هذا الدعاء

أخرج أبو داود في سننه (ج4/ص318/5073) حدثنا أَحْمَدُ بن صَالِحٍ ثنا يحيى بن حَسَّانَ وإسماعيل قالا ثنا سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ عن رَبِيعَةَ بن أبي عبد الرحمن عن عبد اللَّهِ بن عَنْبَسَةَ عن عبد اللَّهِ بن غَنَّامٍ الْبَيَاضِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  قال من قال حين يُصْبِحُ اللهم ما أَصْبَحَ بِي من نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لك فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ وَمَنْ قال مِثْلَ ذلك حين يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ

وبعد فهل انت من الشاكرين…. هل أديت شكر نعم الله عندك…هل ضبط جوارحك وافعالك وأقوالك بضوابط الشرع؟؟؟

اللهم اجعلنا من الشاكرين ….واغفر لنا أجمعين

كتبه د/ محمد سالم

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى