خطبة الجمعة : الحال أبلغ من المقال ، للدكتور مسعد الشايب
خطبة الجمعة : الحال أبلغ من المقال ، للدكتور مسعد الشايب ، الجمعة غرة شعبان 1446هـ الموافقة 31/1/2025م
خطبة الجمعة : الحال أبلغ من المقال ، للدكتور مسعد الشايب ، الجمعة غرة شعبان 1446هـ الموافقة 31/1/2025م
لتحميل خطبة الجمعة : الحال أبلغ من المقال ، للدكتور مسعد الشايب pdf
أولا: العناصر:
- بيان المراد بقولنا: الحال أبلغ من المقال.
- نماذج لبيان: أن الحال أبلغ من المقال.
- الخطبة الثانية: (دخول الإسلام جنوب شرق آسيا).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله ربِّ العالمين، خلق الإنسان، وعلمه البيان، وأقام الشمس والقمر بحسبان، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عَبدُه ورسولُهُ، صلاة وسلاما عليه دائمين متلازمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه وأتباعه وأحبابه إلى يوم الدين، وبعد:
===========================================
- بيان المراد بقولنا: الحال أبلغ من المقال
أيها الأحبة الكرام: فإنه مما ينبغي على المنتسب للرسالة المحمدية؛ أن يكون حاله أبلغ من مقاله، بمعنى: أن يكون سلوكه، وهيئته، وما هو عليه، وما ألزم به نفسه؛ أقوى وأبلغ في الدعوة إلى الله – عز وجل – وفي الهداية إلى صراطه المستقيم، وفي كل شئون حياته من كلامه وأقواله، كما كان نبينا – صلى الله عليه وسلم- والسلف الصالح – رضوان الله عليهم – فقد سئلت السيدة عائشة (رضي الله عنها) عن خلق رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقالت: (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، قَوْلَ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ): {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:4])(مسند أحمد)، وتعلمنا من مشايخنا: أن حال رجل واحد في ألف واحد أقوى وأبلغ من قول ألف رجل في رجل واحد..
فتعالوا بنا يا أحباب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – بإذن من الحق تبارك وتعالى في لقاء الجمعة الطيب المبارك لنعيش مع مجموعة من النماذج القرآنية، والنبوية، والتاريخية التي تبين وتوضح لنا: (أن الحال أبلغ من المقال)، فأعيروني يا عباد الله القلوب، وأصغوا إلى بالآذان والأسماع، فأقول، وبالله التوفيق” أول ما نبدأ به من نماذج نبدأ بسيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
- نماذج لبيان أن الحال أبلغ من المقال:
النموذج الأول: النبي –صلى الله عليه وسلم – يدعو ربه بلسان الحال، لا بلسان المقال: فحينما هاجر نبينا (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة؛ ظل متوجهًا في الصلاة إلى بيت المقدس قبلة اليهود ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، مع أنه كان يتمنى أن يتوجه في الصلاة تجاه بيت الله الحرام، قبلة أبويه إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام).
وحينما تطلع النبيُ (صلى الله عليه وسلم) إلى ذلك لم يتطلع، ولم يطلب بلسان المقال، وإنما طلب بلسان الحال، فقد وردّ أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقول: (يَا جِبْرِيلُ، وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ صَرَفَ وَجْهِي عَنْ قِبْلَةِ يَهُودَ). فيردّ جبريل (عليه السلام) قائلًا: (إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَادْعُ رَبَّكَ وَسَلْهُ)(الطبقات الكبرى)، فظلّ النبي (صلى الله عليه وسلم) يقلب بصره في السماء مناجيًا رب العزّة بلسان الحال لا بلسان المقال أن يوجهه في صلاته إلى الكعبة حتى نزل جبريل (عليه السلام) بآيات تجويل القبلة.
نزل بقول الحق تبارك وتعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [البقرة:144].
وتأملوا في روعة التعبير القرآني ونظمه، الذي يدل على عظم قدر النبي (صلى الله عليه وسلم) وعلو مكانته، فالحق تبارك وتعالى يقول: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} ترضاها أنت يا محمد، ولم يقلْ: أرضاها أنا ربُّ العزة تبارك وتعالى، ولذا تقول السيدة عائشة (رضي الله عنها): (وَاللهِ، مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ)(متفق عليه).
النموذج الثاني: النبي – صلى الله عليه وسلم – يوجه صحابته بلسان الحال، لا بلسان المقال: فبعد صلح الحديبية الذي وقع في العام السادس الهجري بين النبي – صلى الله عليه وسلم – وقريش على أن يعود النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابته، هذا العام بدون زيارة للبيت الحرام، وأن من أتى من قريش للنبي – صلى الله عليه وسلم – وجب على المسلمين رده في حين لا تطالب قريش بالمثل، فهاجوا الصحابة وماجوا وظنوا أن ذلك إجحافا بهم وبحقوقهم، حتى اشتد سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في مقولته مع سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وتقاعس الصحابة في التحلل من إحرامهم، ونحر هديهم بعد أن أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ثلاث مرات.
فدخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على السيدة أم سلمة – رضي اللَّه عنها – وهو شديد الغضب، فأخبرها بما كان من تقاعس الصحابة في نحر الهدي، والتحلل من الإحرام. فقالت: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك.
فخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلم يكلم أحدا منهم حتى نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما.
النموذج الثالث: أبو بكر – رضي الله عنه – يعلم الأمة المسارعة للخيرات بلسان الحال، لا بلسان المقال: فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟). قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟). قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟). قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ)(رواه مسلم).
النموذج الرابع: سيدنا علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – يدفع نصرانيا للإيمان بحاله دون مقاله: فقد وروي أن سيدنا عليا (رضي الله عنه) فقد درعه، فوجدها عند نصراني، فقال: (هَذِهِ دِرْعِي، بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ شُرَيْحٌ). فقال شريح: ما تَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فقال علي (رضي الله عنه): (هَذِهِ دِرْعِي ذَهَبَتْ مِنِّي مُنْذُ زَمَانٍ). فقال شريح: مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيُّ؟. قَالَ: مَا أُكُذِّبُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الدِّرْعُ هِيَ دِرْعِي. فقال شريح: مَا أَرَى أَنْ تُخْرَجَ مِنْ يَدِهِ، فَهَلْ مِنْ بَيِّنَةٍ؟. فقال علي (رضي الله عنه): (صَدَقَ شُرَيْحٌ). فقال النصراني: أَمَّا أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ أَحْكَامُ الْأَنْبِيَاءِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَجِيءُ إِلَى قَاضِيهِ، وَقَاضِيهِ يَقْضِي عَلَيْهِ هِيَ وَاللهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ دِرْعُكَ، اتَّبَعْتُكَ مِنَ الْجَيْشِ وَقَدْ زَالَتْ عَنْ جَمَلِكَ الْأَوْرَقِ، فَأَخَذْتُهَا، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فقال علي (رضي الله عنه): (أَمَّا إِذَا أَسْلَمْتَ فَهِيَ لَكَ)(السنن الكبرى للبيهقي).
عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون……..
الخطبة الثانية
دخول الإسلام جنوب شرق آسيا
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الأحبة الكرام: إن من أعظم الأدلة على أن الحال أبلغ ألف ألف مرة من المقال ما كان من دخول الإسلام لدول جنوب شرق آسيا: أندونسيا، وماليزيا، والفلبين، وتايلاند…الخ، فقد دخل الإسلام هذه البلدان لا عن طريق الدعاة والعلماء، ولا عن طريق الغزوات والحروب، وإنما دخلها هم طريق التجار المسلمين، الذين قدموا الدين الإسلامي في أبهى صورة، وأعلى نموذج، فقد أغنى حالهم عن التكلم بلسانهم، أغنى حالهم من التزام الصدق، والاخلاص، والنصح، وجميع الأخلاق الإسلامية وخصوصا في البيع والشراء، أغنى ذلك عن التكلم والدعوة إلى الإسلام بلسانهم، ففتحوا بحالهم البلاد وقلوب العبادـ ونالوا أجر وثواب ملايين المسلمين الذين يقطنون تلك البلاد الآن.
فما أحوجنا لهذا النموذج اليوم في زمن كثر فيه: الكذب، والغيبة، والنميمة، والغش، والخداع…الخ باسم الإسلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ما أحوجنا لهذا النموذج اليوم في التعامل مع الأزمات التي ضربت العالم الإسلامي والعربي في زمن كثرت فيه العنترية القوليةـ وصدق فيهم قول الشاعر:
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً … ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
ما أحوجنا لهذا النموذج اليوم في العمل، والإنتاج، والبناء، والنهوض بالوطن في زمن كثرت فيه الجعجة، ولا نرى طحنا.
===========================================
فاللهم إنا نسألك ثباتًا في القول والعمل، وفي الحياة وعند الممات، اللهمّ أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به خاشعين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم،
فاللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب