خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجلمصــر

خطبة الجمعة القادمة : أمك في أمك ثم أمك للدكتور مسعد الشايب

خطبة الجمعة القادمة : أمك في أمك ثم أمك للدكتور مسعد الشايب ، بتاريخ  الجمعة 21 من رمضان 1446هـ الموافق 21 من مارس 2025م
===========================================
أولا: العناصر:
1. اهتمام الشريعة الإسلامية ببرّ الوالدين.
2. من مكانة برّ الوالدين في الشريعة الإسلامية.
3. الخطبة الثانية: (عظم حق الأم، وتقديمه على حق الأب، وأسبابه).
===========================================

خطبة الجمعة القادمة word : أمك في أمك ثم أمك للدكتور مسعد الشايب 

خطبة الجمعة القادمة pdf : أمك في أمك ثم أمك للدكتور مسعد الشايب

ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}[لقمان:14]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيه وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ، وبعد أيها الأحبة الكرام:
===========================================
(1) ((اهتمام الشريعة الإسلامية ببرّ الوالدين))
===========================================
فقد اهتمت الشريعة الإسلامية الغراء ببرّ الوالدين، اهتمامًا بالغًا، وقرنت الدعوة إلى الإحسان إليهما بالدعوة إلى توحيد الله (عزّ وجلّ) في خمس آيات قرآنية؛ وذلك لعظم منزلتهما بعد منزلة الحق تبارك وتعالى:
1ـ فإذا كان المولى تبارك وتعالى هو الذي أوجدنا فالوالدان هما سبب هذا الوجود.
2ـ وإذا كان سبحانه وتعالى هو الذي كلأنا ورعانا، وبرزقه غذانا فالوالدان هما من سعيا علينا وهما من باشر تلك التربية.
3ـ وإذا كان سبحانه وتعالى لا يطلب منا أجرًا على نعمه وآلائه فكذلك الوالدان لا يطلبان من جزاء ولا شكورًا نظير خدماتهما لنا.
4ـ وإذا كان سبحانه وتعالى لا يقطع فضله عن خلقه وعبيده حتى ولو كانوا مشركين كفرة فكذلك الوالدان لا يقطعان خيرهما وبرهما عن ولدهما ولو كان عاقًا لهما.
5ـ وإذا كان الله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده إلا كل خير فكذلك الوالدان لا يتمنيان لولدهما إلا كل خير بل يتمنيان أن يكون ولدهما أفضل منها.
6ـ كما أن رضا الله (عزّ وجلّ) من رضا الوالدين، وسخطه من سخطهما، قال (صلى الله عليه وسلم): (رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ)(رواه الترمذي).
لأجل كل ذلك قرنت الدعوة إلى برّ الوالدين والإحسان إليهما بالدعوة إلى توحيد الله (عزّ وجل)، فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[البقرة:83]، وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[النساء:36]، وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الأنعام:151]، وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء:23]، وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}[لقمان:14]، وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (ثَلَاثُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَقْرُونَةً بِثَلَاثٍ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهَا وَاحِدَةٌ بِغَيْرِ قَرِينَتِهَا، الأولى: قَوْله تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَلَمْ يُطِعْ رَسُولَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. وَالثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يُزَكِّ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. والثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى: {أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}، فَمَنْ شَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يَشْكُرْ وَالِدَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ)(الكبائر للذهبي).
===========================================
(2) ((من مكانة برّ الوالدين في الشريعة الإسلامية))
===========================================
إن برّ الوالدين والإحسان إليهما له منزلة عالية، ومكانة سامقة سامية في شريعتنا الإسلامية الغراء، ولا يدانيه تشريعٌ أخر في ذلك، ولم لا؟ وقد قرنت الدعوة إلى الإحسان إليهما بالدعوة إلى توحيد الله (عزّ وجلّ) كما تقدم أضف إلى ذلك ما يأتي:
=====
أبانت الشريعة الإسلامية أن برّ الوالدين من شيم وأخلاق الأنبياء والمرسلين، فهذا نوح (عليه السلام) من برّه بوالدية يدعو لهما، فيقول سبحانه وتعالى على لسانه: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}[نوح:28]، وإبراهيم (عليه السلام) يدعو لوالديه كذلك، فيقول سبحانه وتعالى على لسانه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ*رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}[إبراهيم:41،40]، وقال تعالى في شأن إسماعيل (عليه السلام)، وبرّه بأبيه: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات:102].
وقال تعالى مخاطبًا يحيي (عليه السلام): {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا*وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا*وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا}[مريم:12ـ14]، وقال سبحانه على لسان عيسى (عليه السلام): {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا*وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا*وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [مريم:30ـ32].
وها هو النبي (صلى الله عليه وسلم) يدخل القبور وينتهي إلى قبرٍ، ويبكي عنده بكاء شديدً، حتى فزع الصحابة، فقال (صلى الله عليه وسلم): (…فَإِنَ الْقَبْرَ الَّذِي رَأَيْتُمُونِي عِنْدَهُ قَبْرُ أُمِّي آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ وَإِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي زِيَارَتِهَا فَأَذِنَ لِي، فَأَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ الْوَلَدُ لِلْوَالِدِ مِنَ الرَّأْفَةِ)(صحيح ابن حبّان ومستدرك الحاكم).
ولما ماتت السيدة فاطمة بنت أسد بن هاشم (رضي الله عنها) أم علي، دخل عليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فجلس عند رأسها، فقال: (رَحِمَكِ اللَّهُ يَا أُمِّي، كُنْتِ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي، تَجُوعِينَ وتُشْبِعِينِي، وتَعْرَيْنَ وتَكْسُونَنِي، وتَمْنَعِينَ نَفْسَكِ طَيِّبَ الطَّعَامِ وتُطْعِمِينِي، تُرِيدِينَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ) ثم أمر أن تغسل ثلاثا وثلاثا، فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور، سكبه عليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بيده، ثم خلع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قميصه فألبسها إياه، وكفنت فوقه، ثم دعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم). …،فحفروا قبرها، فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بيده، وأخرج ترابه بيده. فلما فرغ، دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فاضطجع فيه، وقال:( اللَّهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، اغْفِرْ لِأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ، ولَقِّنْهَا حُجَّتَهَا، وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا، بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي، فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(المعجم الأوسط للطبراني).
وها هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مرة أخرى: (كَانَ جَالِسًا فَأَقْبَلَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ (الحارث بن عبد العزى بن رفاعة)، فَوَضَعَ لَهُ بَعْضَ ثَوْبِهِ، فَقَعَدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ أُمُّهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ (السيدة حليمة السعدية رضي الله عنها) فَوَضَعَ لَهَا شِقَّ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الْآخَرِ، فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ…)(سنن أبي داود).
فلا عجب في برّ الأنبياء والمرسلين بآبائهم وأمهاتهم، فهم القدوة لأتباعهم وأممهم، ونحن مأمورون بالاقتداء والاهتداء بهم، فقد قال الحق سبحانه وتعالى بعد أن ذكر ثمانية عشر نبيًا: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[الأنعام:90].
=====
ومن هنا أقول أيضًا: إن برّ الوالدين، والإحسان إليهما أمر دعت إليه جميع الشرائع والملل، والدليل ما تقدم من قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[البقرة:83]، وكذلك ما تقدم من أدلة على برّ الأنبياء بآبائهم، وها هو الكتاب المقدس يقول في أحد الوصايا العشر لموسى (عليه السلام) والتي تتشابه مع الوصايا العشر في القرآن الكريم: (أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ كَمَا أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ، وَلِكَيْ يَكُونَ لَكَ خَيْرٌ علَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ) (سفر التثنية 5: 16) (الكتاب المقدس) (ص:215).
=====
جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) برّ الوالدين من أحب العمل إلى الله بعد الصلاة المكتوبة، وأفضل من الجهاد التطوعي في سبيل الله، فعن ابن مسعود (رضي الله عنه)، قَالَ: سألت النبي (صلى الله عليه وسلم): أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى؟. قَالَ: (الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا). قُلْتُ: ثُمَّ أي؟. قَالَ: (بِرُّ الوَالِدَيْنِ). قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟. قَالَ: (الجِهَادُ في سبيلِ الله) (متفق عليه).
=====
أمرتنا الشريعة الإسلامية بصلة الوالدين وبرّهما ولو كانا كافرين، وتحمل آذاهما، فعن أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنها)، قالت: قدمت أمي وهي مشركة، في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي (صلى الله عليه وسلم)، مع ابنها، فاستفتيت النبي (صلى الله عليه وسلم) فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة؟ أفأصلها؟ قال: (نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ)(متفق عليه)، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما أكره، فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنا أبكي، قلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (اللهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ)(رواه مسلم)، وعن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) قال: (نَزَلَتْ فِيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: كَانَتْ أُمِّي حَلَفَتْ، أَنْ لَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ، حَتَّى أُفَارِقَ مُحَمَّدًا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَأَنْزَلَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ): {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطُعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان:15]…)(الأدب المفرد للبخاري).
===========================================
(3) ((من فوائد وثمار برّ الوالدين))
===========================================
لبرّ الوالدين والإحسان إليهما فوائد وثمار متعددة، بعضها في الدنيا، وبعضها في الأخرة، وبعضها في الدنيا والأخرة معًا، وبيانها كالتالي:
======
1ـ برّ الوالدين، والإحسان إليهما يساوي أجر الهجرة مع النبي (صلى الله عليه وسلم)، والجهاد التطوعي في سبيل الله، لأنها ضربٌ من الجهاد في سبيل الله، فعن كعب بن عجرة (رضي الله عنه)، أن رجلًا مرّ على النبي (صلى الله عليه وسلم)، فرأى الصحابة (رضي الله عنهم) من جلده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟!. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ)(معاجم الطبراني، وشعب الإيمان). فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: أقبل رجل إلى نبي الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله. قال: (فَهَلْ لَكَ مِنْ وَالِدَيْكَ أحَدٌ حَيٌّ؟). قال: نعم، بل كلاهما. قال: (فَتَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله تَعَالَى؟). قال: نعم. قال: (فارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ، فَأحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا)(اللفظ لمسلم).
=====
2ـ برّ الوالدين، والإحسان إليهما يساوي أجر العمرة والحج، فعن أنس (رضي الله عنه)، قال: أتى رجل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: (هَلْ بَقِيَ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ؟). قال: أمي، قال: (قَابْلِ اللَّهَ فِي بِرِّهَا، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ وَمُعْتَمِرٌ وَمُجَاهِدٌ…)(رواه أبو يعلى، وحسنه العراقي).
=====
3ـ برّ الوالدين من أعظم أسباب التيسير والفرج، والخروج من الضيق والأزمات، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ (رضي الله عنهما)، أن رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: (بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمُ المَطَرُ، فَمَالُوا إِلَى غَارٍ فِي الجَبَلِ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ صَالِحَةً، فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يَفْرُجُهَا. فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ، كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ وَلَدِي، وَإِنَّهُ نَاءَ بِيَ الشَّجَرُ، فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجِئْتُ بِالحِلاَبِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا، أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. فَفَرَجَ اللَّهُ لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى يَرَوْنَ مِنْهَا السَّمَاءَ…)(متفق عليه).
=====
4ـ برّ الوالدين، والإحسان إليهما من أسباب البركة والزيادة في العمر والرزق؛ لقوله (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)(رواه أحمد)، فما ذهبت البركة من بيوتنا، وأولادنا إلا بعقوق الوالدين.
=====
5ـ برّ الوالدين، والإحسان إليهما مكفرٌ للذنوب، وساترٌ للعيوب، فاللحظات التي نقضيها في برّ الوالدين تكفر لنا الساعات التي نضيعها في معصية الله (عزّ وجلّ)، فقد جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال يا رسول الله، إني أصبت ذنبا عظيما فهل لي توبة؟. فقال (صلى الله عليه وسلم): (هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟). قال: لا، قال: (هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟). قال: نعم، قال: (فَبِرَّهَا)(رواه الترمذي)، فإذا كان برّ الخالة والإحسان إليها يكفر لنا الذنوب والخطايا فبرّ الوالدين والإحسان إليهما من باب أولى.
=====
6ـ برّ الوالدين، والإحسان إليهما فيه نجاة من خطر دعائهما، الذي لا يخيبه ولا يردّه الحق تبارك وتعالى دنيا وأخرة، قال (صلى الله عليه وسلم): (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً، فَكَانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَقَالَتْ: اللهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ، فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ، قَالَ: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ، فَوَلَدَتْ مِنْكَ، فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ، وَقَالَ: يَا غُلَامُ مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ الرَّاعِي، قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا….)(متفق عليه واللفظ لمسلم).
عباد الله أقول قولي هذا، وأستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
===========================================
(الخطبة الثانية)
((عظم حق الأم، وتقديمه على حق الأب، وأسبابه))
===========================================
الحمد لله ربّ العالمين، أعد لمن أطاعه جنات النعيم، وسعر لمن عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلّ عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
=====
أخوة الإيمان والإسلام: لا شك أن حق الأم في البر أعظم من حق الأب ومقدمٌ عليه، بنصّ الأحاديث النبوية، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟. قال: (أُمُّكَ). قال: ثم من؟. قال: (ثُمَّ أُمُّكَ). قال: ثم من؟. قال: (ثُمَّ أُمُّكَ). قال: ثم من؟. قال: (ثُمَّ أَبُوكَ)(متفق عليه)، وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: سألت النبي (صلى الله عليه وسلم) أي الناس أعظم حقا على المرأة؟. قال: (زَوْجُهَا). قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟. قال: (أُمُّهُ)(رواه النسائي في الكبرى)، وذلك للأسباب الأتية:
=====
1ـ الأم تعبت أكثر من الأب في إنجاب الأولاد، فهي التي حملته في بطنها تسعة أشهر كرها، بينما وضعه أبوه شهوة، وهي التي أرضعت سنتين من لبنها، وصحة جسدها، قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}[الأحقاف:15].
=====
2ـ الأم هي التي تقوم بالدور الأكبر في رعاية أسرتها، فتدير بيت الزوجية وشئونه الداخلية من ناحية، ثم تشارك بفاعلية في التربية والسعي جنبًا إلى جنب مع الأب من ناحية أخرى، فمن باب الغنم بالغرم كانت عناية الشرع بها أكثر، وقدمتها على الأب، وزاد التأكيد على برها؛ لأن العقوق إليهن أسرع لضعفها، قال (صلى الله عليه وسلم): (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا…)(متفق عليه).
=====
3ـ كثيرًا ما تنجو الأسرة بالأم بعد فقد الأب وقلما تنجو بالأب بعد فقد الأم، فكم من امرأة مات عنها زوجها فحبست نفسها على أولادها حتي وصلت بهم إلى بر الأمان وخرجوا أناسًا صالحين في المجتمع، وقلما ينجح الأب بعد وفاة زوجته في تربية أولاده كما فعلت الأم، فعادة يتزوج بأخرى فتوغر العلاقة بين الأب وأبنائه، بل ربما تفسدها بالكلية، ولقد أشار النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إلى منزلة هذا النوع من الأمهات اللاتي ضحين بشبابهن ولذاتهن من أجل تربية أولادهن والقيام عليهم حين قال (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُفْتَحُ لَهُ بَابُ الْجَنَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ تَأْتِي امْرَأَةٌ تُبَادِرُنِي فَأَقُولُ لَهَا: مَا لَكِ؟ وَمَا أَنْتِ؟). أنا امرأة قعدت على أيتام لي. (مسند أبي يعلى).
===========================================
فاللهمّ ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّت ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى