خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة القادمة أنت عند الله غال ، للشيخ أحمد عبد الله عطوة
(بتاريخ20/جمادي الأول 1446هـ ، الموافق22/نوفمبر 2024م )
خطبة( الجمعة القادمة) (بتاريخ20/جمادي الأول 1446هـ ، الموافق22/نوفمبر 2024م ) انت عند الله غال”
****************************************
اعداد وترتيب العبد الفقير إلى الله الشيخ احمد عبدالله عطوه إمام بأوقاف الشرقية
المقدمة:-
الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ
وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد: عباد الله أوصيكم بلزوم تقوى الله حتى نلقاه قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ}.
إخوة الإيمان سنقف اليوم مع قصة عجيبة يخبرنا بها أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ كَانَ يُهْدِي إِلَى النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلم الْهَدِيَّةَ فَيُجَهِّزُهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: “إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ”، قَالَ: فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَالرَّجُلُ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: “مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ؟ ” فَقَالَ زَاهِرٌ: تَجِدُنِي يَا رَسُولَ اللهِ كَاسِدًا! فَقَالَ: “لَكِنَّكَ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ”، أَوْ قَالَ صَلى الله عَلَيه وسَلم: “بَلْ أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ”
للقصةفوائد:
أولاً: عناية هذا الصحابي بالنبي صلى الله عليه وسلم وإهداءه له، صورة من صور حب النبي صلى الله عليه وسلم إنه زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ من أهل البادية يأتي إلى المدينة محملاً بهدايا البادية مما لا يوجد في المدينة فيهديه لحبيبه صلى الله عليه وسلم، وهو بذلك يعمق حبه في قلب النبي كيف لا وهو الذي قال صلى الله عليه وسلم: «تَهَادُوا تَحَابُّوا» رواه البخاري في الأدب وصححه الألباني.
وفي أحداث القصة لقطة مؤثرة مثيرة تكشف عن مكنونات الصدور وما تحويه من فيض الحب والوداد للنبي صلى الله عليه وسلم، ما هي هذه اللقطة؟ إنها قول الراوي:” فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ” مشهدٌ فريدٌ للحب، ها هو المحب يلصق ظهره بصدر حبيبه ليزداد قرباً وتمازجاً للتعبير عن عظيم سعادته وغاية أنسه باحتضان رسول الله له، يلتصق ظهره بصدر رسول الله ليعمق الحب والوداد ولينهل من بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم. نعم إنه مشهد من مشاهد الحب يتمنى الكثير لو كان في موضع زاهر رضي الله عنه، إنها قصة من أروع قصص الحب، فصلى الله وسلم عليك يا رسول الله ورضي الله عنك يا زاهر!
ثانياً: عناية النبي صلى الله عليه وسلم بأتباعه ومقابلة إحسانهم بإحسان مثله فها هو صلى الله عليه وسلم يجهز زاهراً رضي الله عنه ويجمع له ما يحتاجه من المدينة مما ليس في البادية، ليكشف لنا أن العلاقة بينهما قوة متينة، إنه علاقة وطيدة من الحب والوداد لخصها صلى الله عليه وسلم بقوله: “إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ” بل العلاقة أعلى من ذلك تصل إلى المزاح بالقول والفعل في مشهد كله أُنسٌ وحبٌ وودادٌ، تأملوا المشهد: زاهرٌ في السوق يبتاع ويشتري والسوق قد غص برواده، فأتي صاحب القلب الودود الرحيم عليه الصلاة والسلام إلى السوق فاتجه إلى زاهر ممازحاً ومداعباً ” فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَالرَّجُلُ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم:”مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ؟”
لله أنت يا رسول الله ما أعظم شمائلك! ما أعظم تواضعك! ما أطيب قلبك! ما أسعد القلوب التي عاشرتك وشاهد مثل هذا المشهد، مشهدٌ غايةٌ في التواضع غايةٌ في الطيبة غايةٌ في الحب غايةٌ في اليسر والسماحة إنه مشهد من مشاهد التواضع صاحبه أعظم من مشى على الأرض وخير من طلعت عليه الشمس ما أسعدك وأهنأك يا زاهر رضي الله عنك وأرضاك إذ فزت بحضن النبي صلى الله عليه وسلم وفزت بمزاحه ومداعبته. إن هداية هذا المشهد درسٌ بليغ للمربين والدعاة وحمال الدين ودعاة الخير ودرسٌ للأباء والأمهات أن اقتربوا ممن تقومون على تربيتهم وتعليمهم لا تجعلوا بنكم وبينهم حواجز مازحوهم ولاعبوهم أدخلوا عليه الفرح والأنس والسرور تعهدوهم بالهدية والإحسان تعهدوهم بالمدح والثناء على ما يقومون به من خير وصلاح ونجاح إنكم بذلك تدخلون السعد على نفوسهم وتبنون فيها صروحاً من الخير وتدفعونهم إلى مزيد من العطاء والنجاح.
يخطئ كل الخطأ من يزعم أن المزاح مع الأهل والأبناء والمتربين والتلطف بهم والإهداء إليهم والتبسم في وجوههم والثناء عليهم يسقط هيبة المتربي أقول لأولئك دونكم هدي خير من زكى النفوس وقام على تربيتها وكفى، دونكم هدي محمد صلى الله عليه وسلم.عن أبي هريرة قال :” « كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجلس بين ظهري أصحابه فيجيء الغريب و لا يدري أيهم هو حتى يسأل» ” رواه الألباني رحمه الله٠ كان ودودا لطيفا شديد الإحساس بهمومهم ، كثير الاهتمام بدقائق أحوالهم٠ و هذا جليبيب رضي الله عنه رجل من صحابته الكرام، كان في وجهه دمامة، و كان فقيرا و يكثر الجلوس عند النبي صلى الله عليه و سلم، فقال له النبي ذات يوم فيما يرويه أنس رضي الله عنه : «” يا جليبيب ألا تتزوج يا جليبيب ؟ فقال : يا رسول الله و من يزوجني يا رسول الله؟ فقال : أنا أزوجك يا جليبيب فالتفت جليبيب إلى الرسول فقال : إذا تجدني كاسدا يا رسول الله٠ فقال له الرسول صلى الله عليه و سلم:” غير أنك عند الله غير كاسد٠” فزوجه رسول الله فتاة من الأنصار٠ و لم تمض أيام على زواجه حتى خرج مع رسول الله في غزوة استشهد فيها رضي الله عنه٠ فلما انتهى القتال، اجتمع الناس و بدأوا يتفقدون بعضهم بعضا، فسألهم النبي و قال : ” هل تفقدون من أحد؟ قالوا نعم يا رسول الله نفقد فلانا و فلان، فقال صلى الله عليه و سلم:” و لكنني أفقد جليبيبا٠ فقوموا نلتمس خبره “، ثم قاموا و بحثوا عنه في ساحة القتال٠٠٠ فوجدوه شهيدا بجانبه سبعة من قتلى المشركين، فقال النبي صلى الله عليه و سلم:” قتلتهم ثم قتلوك أنت مني و أنا منك، أنت مني و أنا منك٠” فتربع جالسا بجانب الجسد، ثم حمله على ساعديه حتى حفروا قبره، قال أنس رضي الله عنه:” فمكثنا و الله نحفر القبر و جليبيب ماله فراش غير ساعد النبي صلى الله عليه و سلم» ٠” هاتان لقطتان مؤثرتان لرسول الله صلى الله عليه و سلم مع صحابيين جليلين زاهر و جليبيب رضي الله عنهما٠ كلاهما فقير لا مال لهما لا يملكان شيئا من متاع الدنيا و لا جمال يزينهما لكن كليهما في نظر الرسول صلى الله عليه و سلم ” عند الله غال”٠ ” عند الله أنت غال ” تبرز أن قيمة الإنسان ليس بما يملك من حطام زائل، أو يكنز من متاع فانٍ، بل قيمته فيما يحمل من قِيَم و مبادئ، و ما انطوت عليه سريرته من صدق و حب لهذا الدين ” عند الله أنت غال” تصرف انتباهنا إلى أن أهم ما يجب الحرص عليه في هذه الدنيا هو مقامنا عند الله لا عند الناس٠ فرضا الله يسير بلوغه أما رضا الناس فغاية لا تدرك٠ ” عند الله أنت غال” تصحح معاييرنا التي نزِنُ بها الناس، هذه الأخيرة قد يصيبها التطفيف، بل قد تصيبها عدوى مما يروج في المجتمع من مقاييس زائفة، فنحتاج أن نقوِّمَ الناس بميزان الشرع لا ميزان الهوى٠ ” عند الله أنت غال ” توضح أن أساس نجاح أية دعوة إصلاحية هو الاهتمام بالإنسان قبل العمران٠ هذا ما كشفت عنه سيرة رسول الله مع الشباب، و ما جلَّته بوضوح قصتا الصحابيين زاهر و جليبيب رضي الله عنهما إذا كان سيد المربين صلى الله عليه و سلم يمزح مع زاهر رضي الله عنه ، يضُمُّه و يُعَبِّر له عن حبه و حب الله له، فما الذي نتوقع من زاهر عندما يستشعر هذا الكم من الحب والتقدير؟ أكيد سيبادل رسول الله حبا بحب، و سيزيد تعلقه بهذا الدين الذي يعلي من شأنه و يحفظ كرامته٠ و كيف سيحس جليبيب رضي الله عنه الفقير الذي لا أسرة له و لا مسكن، و رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرض عليه الزواج؟ و يعده أنه سيزوجه إحدى فتيات الأنصار٠ و يفي بوعده صلى الله عليه و سلم، و يجعل له بيتا يؤويه و زوجا يسكن إليها، بل و يدعو رسول الله لزوجته الصالحة التي استجابت لطلب رسول الله و استيقنت أنه لن يضيعها، قال لها داعيا:” اللهم صُبَّ عليها الخير صبّا صبّا، و لا تجعل عيشها كدّا كدّا” و قد كان فعلا لقد بادل جليبيب رسول الله صلى الله عليه و سلم عطفا بعطف، لقد استجاب لدعوى النفير و هو عريس لا زال في أيام عرسه الأولى، و استشهد في غزوته تلك ٠ ” عند الله أنت غال” ترسم لنا المنهج الأمثل في التعامل مع الشباب إنه منهج الاحتضان العاطفي و النأي عن محاكمتهم انطلاقا من المظهر إنه تربية بالحب ، و تزكية بالاحتضان إنه منهج فريد لتجسير العلاقة بيننا و بينهم، عسى أن تردم الهوة و تبعث الثقة بيننا من جديد
الخطبة الثانية:
الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمد عبده ورسوله أما بعد :
عباد الله ومن هدايات القصة ودروسها:
ثالثاً: القصة درس عظيم في التواضع فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفيض الحب على رجل من البادية دميم الخلقة بل يقبل هديته ويهدي إليه ويمازحه، وهذا زاهر رضي الله عنه يستصغر نفسه عندما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ؟ ” فَقَالَ زَاهِرٌ: تَجِدُنِي يَا رَسُولَ اللهِ كَاسِدًا! أي لا قيمة لي ولا ثمن وكان ثمرة هذا التواضع واستصغار النفس أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبه الكبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم البشارة العظيمة والوسام الذي ظفر به هذا الصحابي رضي الله عنه إنه وسام: “لَكِنَّكَ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ”، إنه وسام: “بَلْ أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ” فما أعظما من بشارة، وما أعظمه من وسام، هكذا يرفع الله المتواضعين ويعلي شأنهم: قال صلى الله عليه وسلم: « وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» رواه مسلم
تواضَعْ تَكُنْ كالنجمِ لاحَ لِنَاظرٍ … على صَفْحَاتِ الماءِ وهو رَفِيعُ
ولا تكُ كالدّخَانِ يعْلُو بنَفْسِه … إلى طبَقَاتِ الجوِّ وهو وَضِيعُ
رابعاً: أن قيمة العبد عند الله ليست بشكله ولا بهيئة بل بما وقر في القلب من الإيمان والتقوى ومحبة الله ورسوله، فهذا رجل من البادية وصف في رواية ابن حبان بأنه َكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا، ومع بشره رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: “بَلْ أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ” وما أعظم أن يكون العبد غالٍ عند الله عز وجل ولعل ما أوصله لهذه المنزلة عظيم محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه في تلك المحبة، وما كان عليه من التقوى و الصلاح فيا فوز من كان متقياً لله وعَمَرَ قلبه بحب الله عز وجل وحب رسوله صلى الله عليه وسلم فيكون غالي الثمن عند ربه عز وجل.
عباد الله من يريك أن يكون غالياً عند الله عز وجل فعليه بطاعة الله وتقواه والمداومة على ذكر الله عز وجل محبته ورسوله صلى الله عليه وسلم، لنتذكر قول الله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]