خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة القادمة: أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ للدكتور مسعد الشايب
(أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ)) الجمعة الموافقة 20من جماد أول 1446هـ الموافقة 22/11/2024م
===========================================
أولا: العناصر:
1. حفظ الشريعة الإسلامية للكليات الخمس.
2. من مظاهر محافظة الشريعة الإسلامية على النفس البشرية.
(تسعةُ مظاهر من الكتاب والسنة)
3. الخطبة الثانية: (صور من الهجرة الغير مشروعة).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، خلق فسوى، وقدّر فهدى، وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، بيده الخير، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، سيد الأولين والأخرين، وحبيب ربّ العالمين لا رسول بعده ولا نبي حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، صلاة وسلامًا عليه دائمين متلازمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه وأتباعه وأحبابه إلى يوم الدين، وبعد:
===========================================
(1) ((حفظ الشريعة الإسلامية للكليات الخمس))
===========================================
أيها الأحبة الكرام: فإن الله (عزّ وجل) هو واهب الحياة وخالقها، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ*الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}[لملك:2،1]، ولا يحلُّ لأحدٍ أن يعتديَ على حياة أحدٍ أو حتى على حياة نفسه، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ) (رواه ابن ماجه).
ومن محاسن الشريعة الإسلامية، ومن مقاصدها: أنها جاءت لتحقيق مصالح الناس، وجاءت للحفاظ عليها؛ فاهتمت بحفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسب و العرض، والمال، وهو ما يعرف في الفقه الإسلامي بالضروريات أو الكليات الخمس. وهي الأمور التي لابد منها لقيام مصالح الدنيا والدين؛ بحيث اذا عطلت لم تقم مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد، وآل مصير الانسان في الآخرة الى الخسران المبين، وسميت كليات لأن جميع الأحكام المشروعة تؤول اليها وتسعى للحفاظ عليها.
وقد جاءت المحافظة على النفس البشرية في المقام الأول عند كثير من العلماء والفقهاء، وقدموها على المحافظة على الدين ـ لا فرق في ذلك بين المسلم وغيره، وبغض النظر عن الجنس والعرق واللون والتوجه والثقافة…الخ، فتعالوا بنا أحبتي في الله لنرى كيف حافظت الشريعة الإسلامية على النفس البشرية من خلال تشريعاتها الحكيمة أمرًا ونهيًا، فأعيروني يا عباد الله القلوب وأصغوا إليّ بالآذان والأسماع، فأقول وبالله التوفيق: من مظاهر محافظة الشريعة الإسلامية على النفس البشرية:
===========================================
(2) ((تسعةٌ من مظاهر محافظة الشريعة الإسلامية على النفس البشرية))
===========================================
1ـ النهي عن إيرادها موارد الهلكة، كالأكل والشرب والتعاطي للخبائث…الخ، وكالنهي عن تعذيبها، قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة:195]، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف:157]، وجاء عقبة بن عامر (رضي الله عنه) إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال: يا رسول الله، إن أختي نذرت يعني أن تحج ماشية، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، فَلْتَحُجَّ رَاكِبَةً، وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا) (رواه أبو داود)، وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: بينما النبي (صلى الله عليه وسلم) يخطب، إذا هو برجل قائمٍ في الشمس فسأل عنه؟. قالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم، ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، قال: (مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ) (رواه البخاري)، ومن مظاهر محافظة الشريعة الإسلامية على النفس البشرية أيضًا:
==========
2ـ النهي عن الانتحار، وتحريمه وتجريمه، والانتحار: هو إنهاء الحياة وإزهاق الروح بطريقة ما، قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}[النساء:29]، وقد حذرنا النبي (صلى الله عليه وسلم) من الإقدام على الانتحار، وبيّن أن من قتل نفسه بشيء عُذب به يوم القيامة، فقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)(رواه البخاري)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (…وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ…)(رواه مسلم).
===
ومبالغة في التحذير من الإقدام على (الانتحار) ترك النبي (صلى الله عليه وسلم) الصلاة على مَنْ قتل نفسه (المنتحر)، فعن جابر بن سمرة (رضي الله عنه) قال: (أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ (سهام عريضة)، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ)(رواه مسلم)، ومن مظاهر محافظة الشريعة الإسلامية على النفس البشرية أيضًا:
==========
3ـ النهي عن قتل نفس الغير والاعتداء عليها حتى ولو كانت غير مسلمة وتحريمه وتجريمه والمبالغة في عقوبته، كما سنرى في الخطبة الثانية عند الحديث عن الهجرة الغير مشروعة وبعض صورها، قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[المائدة:32]، ومن مظاهر محافظة الشريعة الإسلامية على النفس البشرية أيضًا:
==========
4ـ النهي عن التشدد في العبادة والغلو المؤدي لضررها، قال (صلى الله عليه وسلم) لعبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما): (يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟). فقلت: بلى يا رسول الله قال: (فَلاَ تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا…)(متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلَا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى) (مسند الشهاب)، ومن مظاهر محافظة الشريعة الإسلامية على النفس البشرية أيضًا:
==========
5ـ تشريع القصاص وأخذ النفس بالنفس، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:179]، وقال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[المائدة:45]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ)(رواه البخاري)، ومن مظاهر محافظة الشريعة الإسلامية على النفس البشرية أيضًا:
===========
6ـ تشريع حدّ الحرابة مجابهة للمفسدين في الأرض، قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ*إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة:34،33]، ومن مظاهر محافظة الشريعة الإسلامية على النفس البشرية أيضًا:
==========
7ـ تشريع الجهاد، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}[الأنفال:60]، وقال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة:251]، قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ أَوْ دُونَ دَمِهِ أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) (رواه الترمذي)، وصدق الشاعر حينما قال:
تحياتي لمجتمع السلام***وكفي ممسكٌ بيدِ الحسام
فإن جنحوا لسلمٍ فهو سلمٌ***ترفرف عليه أسراب الحمام
و إن مالو لحربٍ فهي حربٌ*** تشيب لهولها رأس الغلام
فإنا قد بلونا القوم قبلا***و خضنا في العداوة و الخصام
==========
8ـ ومن مظاهر محافظة الشريعة الإسلامية على النفس البشرية أيضًا، إباحة التداوي والعلاج دفعًا للأمراض، والأكل والشرب، وستر الجسد بالملابس والأزياء، وغيرها من الأمور المباحات، قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف:31]، وقال بعض الأعراب: يا رسول الله، ألا نتداوى؟. قال: (نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً إِلَّا دَاءً وَاحِدًا). قالوا: يا رسول الله، وما هو؟ قال: (الهَرَمُ) (رواه الترمذي)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ) (رواه ابن ماجه)، ومن مظاهر محافظة الشريعة الإسلامية على النفس البشرية أيضًا:
==========
9ـ إباحة الأكل من الميتة للمضطر، (عند الضرورة) كمن نفذ منه الطعام والشراب وهو بصحراء…الخ، قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[البقرة:173].
عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
===========================================
(الخطبة الثانية)
((صورتان من الهجرة الغير مشروعة))
===========================================
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الأحبة الكرام إذا كنا نتحدث عن حفاظ الشريعة الإسلامية على النفس البشرية عمومًا، فينبغي أن نبينَ ونوضحَ أن الهجرة الغير مشروعة وصورها في وقتنا الحاضر من طرق عدم المحافظة على النفس البشرية، ومن صور هذه الهجرة الغير مشروعة الآتي:
==========
1ـ الهجرة إلى البلاد الأوربية وغيرها عن طريق التسلل عبر الجبال وعبر البحار، وهذه الهجرة فضلا عن أنها دخول لتلك البلاد بطرق غير رسمية، فإن فيها تعريضَ النفس للهلاك قبل الدخول لتلك البلاد، وبعد الدخول، ونحن منهيون عن إلقاء أنفسنا إلى التهلكة، ومنهيون عن قتلها والاعتداء عليها كما تقدم.
===
كما أن الإسلام يأمرنا بالحياة الكريمة، وتوعد المسلم إذا عاش ذليلا مستضعفًا في غير بلاد الإسلام، وأمره بالهجرة لبلاد الإسلام إذا كان الأمر كذلك، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء:97]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ). قالوا: وكيف يذل نفسه؟. قال: (يَتَعَرَّضُ مِنَ البَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ)(رواه الترمذي).
===
فالمهاجرين لتلك البلاد بطرق غير رسمية يعملون بشكل أشبه بالعبودية، ونادرًا ما يلجئون للقضاء خشية التعرض للطرد أو الإبعاد، وفي العديد من الدول لا يملكون حق الطعن على القرارات الإدارية التي تؤثر عليهم، وعلى حياتهم، فهجرتهم هذه محرمة شرعًا.
==========
2ـ أيضا من الهجرة الغير مشروعة؛ الهجرة للجماعات المتشددة والانضمام إليها، التي تجابه الدول، والأنظمة الحكوميةـ في أنحاء العالم، وخصوصا في منطقتنا العربية ـ بغير وجه حق ـ، وتنشر الإرهاب في جنبات العالم، وتسفك الدماء، وهو ما كان يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وما شابهها من جماعات تدعي الإسلام، والإسلام منهم براء.
===
فقد نهى الإسلام عن الإرهاب، وسفك الدماء بغير وجه حق سواء أكانت دماء مسلمة أم غير مسلمة، قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[الأنعام:151]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (لَنْ يَزَالَ (لَا يَزَالُ) الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا)(رواه البخاري). كما عدّ النبي (صلى الله عليه وسلم) سفك الدماء من السبع الموبقات. (متفق عليه)، وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) أيضا قال: (إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ)(رواه البخاري)، وكفل الإسلام لغير المسلمين حرية الاعتقاد، وتكفّل بحفظ وحماية أرواحهم، وأموالهم، وأعراضهم، فقالَ تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[البقرة:256]، وقالَ مخاطبًا النبيَّ (صلى الله عليه وسلم): {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس:99]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)(رواه البخاري)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(رواه أبو داود)، وعن خالد بن الوليد (رضي الله عنه) قال: غزوت مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خيبر، فأتت اليهود فشكوا أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أَلَا لَا تَحِلُّ أَمْوَالُ الْمُعَاهَدِينَ إِلَّا بِحَقِّهَا…)(رواه أبو داود).
===
والدواعش (قاتلهم الله) قد استحلوا كلَّ ذلك اليوم، وضربوا بنصوص القرآن والسنة عُرَضَ الحائط، فما نسمعه اليوم من هجرة بعض الشباب إليهم في العديد من البلاد هجرة غير مشروعة لا يرضاها الله (عزّ وجلّ)، ولا يرضاها النبي (صلى الله عليه وسلم).
===========================================
فاللهمّ أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به عاملين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب