خطبة الجمعة القادمة : ( أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ )، للشيخ ثروت سويف بتاريخ 21 / مارس – 21 رمضان

خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 21 / مارس 2025م الموافق 21 رمضان المبارك 1446هـ تحت عنوان ( أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ )
بر الوالدين فضائل، وآداب، في ضوء السنة والكتاب
للشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذه الخطبة
أولاً أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ
ثانيا : بر الوالدين في حياتهما وبعد وفاتهما
ثالثا : اياك والعقوق
رابعاً : من الآثار وأقوال العلماء الواردة في بر الوالدين
خطبة الجمعة القادمة: ( أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ )، للشيخ ثروت سويف بتاريخ 21 / مارس – 21 رمضان
خطبة الجمعة القادمة: ( أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ )، للشيخ ثروت سويف بتاريخ 21 / مارس – 21 رمضان
الخطبة الاولي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، أحمده – سبحانه – تفرَّد بالمجد والثناء إجلالاً وإعظامًا، وأشكره تعالى حَبَانا نِعمًا مباركةً فِعامًا
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل لنا من تصرُّم الزمان عِبَرًا عِظامًا، فذا عامٌ تلا عامًا، ونحن بحمد الله اعزاءاً كراماً أمرنا ببر الوالدين وقرنهما بعبادته تماماً
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله خيرُ من حاسَبَ نفسَه – بأبي هو وأمي – قدوةً وإمامًا، صلَّى الله وبارَك عليه وعلى آله المتألِّقين بدورًا وأعلامًا، وصحبه البالغين من الهمة الشمَّاء مجدًا ترامى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليمًا كثيرًا ما تعاقَبَ المَلَوَان ودامًا.
أمّا بعد
فاذا أردت النجاح في الدنيا والآخرة فعليك ببر والديك وخاطبْ والديك بأدب ولا تقل لهما أُفٍّ، ولا تَنهْرهُمَا، وُقل لهما قولا كريما مصداقا لقول الله عز وجل في سورة الإسراء: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا [الإسراء:23، 24] صدق الله العظيم
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} أَيْ: تَوَاضَعَ لَهُمَا بِفِعْلِكَ {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا} أَيْ: فِي كبرهما وعند وفاتهما {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}
الإسراء
اخي المسلم : أطع والديك دائما في غير معصية تلطَّفْ بوالديك ولا تعبس بوجههما، ولا تُحدق النظر إليهما غاضبا ( وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ 15 )لقمان
أولاً : أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ
اعلم يا عبد الله أنّ أحق الناس بالإكرام أمك ثم أبوك، واعلم أن الجنة تحت أقدام الأمهات
روي الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: « قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ )) فالأم عانت صعوبة الحمل، وصعوبة الوضع، وصعوبة الرضاع والتربية، فهذه ثلاث منازل تمتاز بها الأم حُسن الصحبة بالأم لا يقل مع مرور الزمن بل يزداد، الأخلاق مع الأم لا تتغير مع تغير الأحوال، المعاملة مع الأم لا تتبدل مهما طال بها العمر، البر بالأم لا يذبل بعد عجزها وضعفها، بل يزداد نضارة
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ، قَالَ: جِئْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ مَعَكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَ: «حَيَّةٌ أُمُّكَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَالْزَمْهَا» قَالَ: قُلْتُ: مَا أَرَى رَسُولَ اللَّهِ فَهِمَ عَنِّي، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «حَيَّةٌ أُمُّكَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَالْزَمْهَا» ، قَالَ: قُلْتُ: مَا أَرَى رَسُولَ اللَّهِ فَهِمَ عَنِّي فَأَتَيْتُهُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «حَيَّةٌ أُمُّكَ؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَالْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ»المصنف – ابن أبي شيبة
و ينبغي أن يعلم أن بر الوالدة من أوجب الواجبات على الأبناء والبنات، ففضلها على الابناء عظيم، ولا يستطيع الابن أن يوفي حقهما، ويبدو هذا واضحًا فيما ثبت في السنة، ففيها عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ، ” أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَمَلْتُ أُمِّي عَلَى عُنُقِي فَرْسَخَيْنِ فِي رَمْضَاءَ شَدِيدَةٍ، لَوْ أَلْقَيْتَ فِيهَا بَضْعَةً مِنْ لَحْمٍ لَنَضِجَتْ، فَهَلْ أَدَّيْتُ شُكْرَهَا؟ فَقَالَ: «لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ» المعجم الصغير للطبراني
هى وحدها الأم تعبت وربت وترجوا حياتك ولو مع غيرها روى البخارى ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ تَقَعُ فِي النَّارِ. وَقَالَ: كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتْ: الْأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتْ الصُّغْرَى: لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هُوَ ابْنُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى). قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، وَمَا كُنَّا نَقُولُ إِلَّا الْمُدْيَةُ . رواه البخاري ومسلم
إِنَّ دَاوُدَ – عليه السلام – قَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى لِسَبَب اِقْتَضَى بِهِ عِنْده تَرْجِيح قَوْلهَا، إِذْ لَا بَيِّنَة لِوَاحِدَة مِنْهُمَا، فَيُحْتَمَل أَنْ يُقَال: إِنَّ الْوَلَد الْبَاقِي كَانَ فِي يَد الْكُبْرَى وَعَجَزَتْ الْأُخْرَى عَنْ إِقَامَة الْبَيِّنَة.
وَاحْتَالَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ بِحِيلَة لَطِيفَة أَظْهَرَتْ مَا فِي نَفْس الْأَمْر، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا لَمَّا أَخْبَرَتَا سُلَيْمَان بِالْقِصَّةِ فَدَعَا بِالسِّكِّينِ لِيَشُقّهُ بَيْنهمَا، وَلَمْ يَعْزِم عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَاطِن، وَإِنَّمَا أَرَادَ اِسْتِكْشَاف الْأَمْر فَحَصَلَ مَقْصُودُهُ لِذَلِكَ؛ لِجَزَعِ الصُّغْرَى الدَّالّ عَلَى عَظِيم الشَّفَقَة، وَلَمْ يَلْتَفِت إِلَى إِقْرَارهَا بِقَوْلِهَا هُوَ اِبْن الْكُبْرَى؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا آثَرَتْ حَيَاته، فَظَهَرَ لَهُ مِنْ قَرِينَةِ شَفَقَةِ الصُّغْرَى وَعَدَمِهَا فِي الْكُبْرَى ـ مَعَ مَا انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مِنْ الْقَرِينَة الدَّالَّة عَلَى صِدْقهَا ـ مَا هَجَمَ بِهِ عَلَى الْحُكْم لِلصُّغْرَى.
فالأم بطبيعتها تحن على أبنائها، ولكنها في بعض اللحظات عند الغضب تدعو عليهم بالشقاء، وهذا لا يصح، لأنها قد تصادف ساعة إجابة، ويجب الدعاء لهم بالرحمة والهداية
انه قلب الأمِّ
قال إبراهيم المنذر ـ رحمه الله ـ:
أَغْرَى امْرُؤٌ يَوْمًا غُلَامًا جَاهِلًا * بِنُقُودِهِ كَيْمَا يَنَالُ بِهِ الوَطَرْ
قَالَ: ائْتِنِي بِفُؤَادِ أُمِّكَ يَا فَتَى * وَلَكَ الدَّرَاهِمُ وَالجَوَاهِرُ وَالدُّرَرْ
فَمَضَى وَأَغْمَدَ خِنْجَرًا فِي صَدْرِهَا * وَالقَلْبُ أَخْرَجَهُ وَعَادَ عَلَى الأَثَرْ
لَكِنَّهُ مِنْ فَرْطِ سُرْعَتِهِ هَوَى * فَتَدَحْرَجَ القَلْبُ المُقَطَّعُ إِذْ عَثَرْ
نَادَاهُ قَلْبُ الأُمِّ وَهْوَ مُعَفَّرٌ * وَلَدِي حَبِيبِي هَلْ أَصَابَكَ مِنْ ضَرَرْ
فَكَأَنَّ هَذَا الصَّوْتَ رَغْمَ حُنُوِّهِ * غَضَبُ السَّمَاءِ عَلَى الغُلَامِ قَدِ انْهَمَرْ
وَرَأَى فَظِيعَ جِنَايَةٍ لَمْ يَأْتِهَا * أَحَدٌ سِوَاهُ مُنْذُ تَارِيخِ البَشَرْ
وَارْتَدَّ نَحْوَ القَلْبِ يَغْسِلُهُ بِمَا * فَاضَتْ بِهِ عَيْنَاهُ مِنْ سَيْلِ العِبَرْ
وَيَقُولُ: يَا قَلْبُ انْتَقِمْ مِنِّي وَلَا * تَغْفِرْ فَإِنَّ جَرِيمَتِي لَا تُغْتَفَرْ
وَاسْتَلَّ خِنْجَرَهُ لِيَطْعَنَ صَدْرَهُ * طَعْنًا فَيَبْقَى عِبْرَةً لِمَنِ اعْتَبَرْ
نَادَاهُ قَلْبُ الأُمِّ كُفَّ يَدًا وَلَا * تَذْبَحْ فُؤَادِيَ مَرَّتَيْنِ عَلَى الأَثَرْ
ثانيا : بر الوالدين في حياتهما وبعد وفاتهما
اخا الإسلام يتوجب على الابن أن يدعو لهما بالرحمة في حياتهما وبعد مماتهما عرفانًا بالجميل روي الحاكم عن أبي أسيد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: فيما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من برّ أبويّ شيء أبرّهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم، الصّلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرّحم الّتي لا توصل إلّا بهما، وإكرام صديقهما» ) رواه الحاكم في المستدرك (4/ 155) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي
أيها المسلمون: : ينبغي على الابن أن يتواضع لهما تواضعًا مقرونًا بالرحمة والرأفة والتوقير وحافظ على سمعة والديك وشرفهما ومالهما، لا تأخذ شيئا بدون إذنهما و لا تبخل بالنفقة على والديك حتى يشكواك، فهذا عار عليك، وسترى ذلك من أولادك، فكما تدين تدان.
وقصة امية بن ابي صلت أخرجها الطبراني في المعجم الصغير: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَبِي أَخَذَ مَالِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لِلرَّجُلِ: ” اذْهَبْ فَأْتِنِي بِأَبِيكَ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ، وَيَقُولُ: إِذَا جَاءَكَ الشَّيْخُ ، فَسَلْهُ عَنْ شَيْءٍ قَالَهُ فِي نَفْسِهِ مَا سَمِعَتْهُ أُذُنَاهُ” ، فَلَمَّا جَاءَ الشَّيْخُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا بَالُ ابْنِكَ يَشْكُوكَ ، أَتُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ مَالَهُ؟» ، فَقَالَ: سَلْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ أَنْفَقْتُهُ إِلَّا عَلَى عَمَّاتِهِ أَوْ خَالَاتِهِ أَوْ عَلَى نَفْسِي” ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِيهِ ، دَعْنَا مِنْ هَذَا أَخْبِرْنَا عَنْ شَيْءٍ قُلْتَهُ فِي نَفْسِكَ مَا سَمِعَتْهُ أُذُنَاكَ» ، فَقَالَ الشَّيْخُ: وَاللَّهِ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا يَزَالُ اللَّهُ يَزِيدُنَا بِكَ يَقِينًا ، لَقَدْ قُلْتُ فِي نَفْسِي شَيْئًا مَا سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ ، فَقَالَ: «قُلْ ، وَأَنَا أَسْمَعُ» قَالَ: قُلْتُ: غَذَوْتُكَ مَوْلُودًا وَمُنْتُكَ يَافِعًا … تُعَلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْكَ غَذَوْتُكَ مَوْلُودًا وَمُنْتُكَ يَافِعًا … تُعَلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْكَ وَتَنْهَلُ
إِذَا لَيْلَةٌ ضَافَتْكَ بِالسُّقْمِ لَمْ أَبِتْ … لِسُّقْمِكَ إِلَّا سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ
كَأَنِّي أَنَا الْمْطَرُوقُ دُونَكَ بِالَّذِي … طُرِقْتَ بِهِ دُونِي فَعَيْنَايَ تَهْمُلُ
تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْكَ وَإِنَّهَا … لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ وَقْتٌ مُؤَجَّلُ
فَلَمَّا بَلَغْتَ السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي … إِلَيْهَا مَدَى مَا فِيكَ كُنْتُ أُؤَمِّلُ
جَعَلْتَ جَزَائِي غِلْظَةً وَفَظَاظَةً … كَأَنَّكَ أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ
فَلَيْتَكَ إِذْ لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي … فَعَلْتَ كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ
تَرَاهُ مُعَدًّا لِلْخِلَافِ كَأَنَّهُ … بِرَدٍّ عَلَى أَهْلِ الصَّوَابِ مُوَكَّلُ
قَالَ: فَحِينَئِذٍ أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بِتَلَابِيبِ ابْنِهِ وَقَالَ: «أَنْتَ وَمَالُكُ لِأَبِيكَ»
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ. قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ » رواه مسلم
روى الحاكم بإسناد صحيح عن كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “احْضَرُوا الْمِنْبَرَ”. فَحَضَرْنَا، فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ: “آمِينَ”. فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ قَالَ: “آمِينَ”. فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ قَالَ: “آمِينَ”. فَلَمَّا نَزَلَ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْكَ الْيَوْمَ شَيْئًا مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ. قَالَ: “إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام عَرَضَ لِي، فَقَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ. قُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ قَالَ: بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ. قُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ قَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ الْكِبَرُ عِنْدَهُ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ. قُلْتُ: آمِينَ”
ففي هذا الحديث إخوة الإسلام ثلاثة أمور عظام: صوم رمضان والصلاة على النبي كلما ذكر، وبر الوالدي
ان بر الوالدين اعظم الأعمال التى يعملها العبد المسلم حتي انه عده بعدالصلاة المكتوبة روي الإمام البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي » صحيح البخاري
يقول حبر الأمة ابن عباس ثلاث آيات مقرونات بثلاث،ولا تقبل واحدة بغير قرينتها
وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول [التغابن: 12] فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [البقرة: 43] فمن صلى ولم يزكِّ لم يقبل منه
أن اشكر لي ولوالديك [لقمان: 14] فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه
أخي المسلم أجب نداءهما مسرعا بوجه مبتسم قائلا: نعم يا أمي ويا أبي و أكرم صديقهما وأقرباءهما في حياتهما، وبعد موتهما لأن من تمام البر صلة أهل وُدّ الوالدين، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ « أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللهُ إِنَّهُمُ الْأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ ».مسلم
و لا تجادلهما ولا تُخطِّئهما وحاول بأدب أن تبين لهما الصواب و لا تعاندهما، ولا ترفع صوتك عليهما، وأنصت لحديثهما وتأدب معهما، ولا تزعج أحد إخوتك إكراما لوالديك و ساعد أمك في البيت، ولا تتأخر عن مساعدة أبيك في عمله و لا تجلس في مكان أعلى منهما، ولا تمد رجليك في حضرتهما متكبرا و تتكبر في الانتساب إلى أبيك ولو كنت موظفا كبيرا، واحذر أن تنكر معروفهما أو تؤذيهما ولو بكلمة عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ – تَعَالَى – إلَى مُوسَى – صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَا مُوسَى وَقِّرْ وَالِدَيْك فَإِنَّهُ مَنْ وَقَّرَ وَالِدَيْهِ مَدَدْت فِي عُمُرَهُ وَوَهَبْت لَهُ وَلَدًا يَبَرُّهُ، وَمَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ قَصَّرْت عُمُرَهُ وَوَهَبْت لَهُ وَلَدًا يَعُقُّهُ. الكبائر للذهبي
وفي صحيح الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: «إِنَّ رِضَا الرَّبِّ عز وجل مِنْ رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطَ اللَّهِ عز وجل مِنْ سَخَطِ الْوَالِدِ»
عباد الله : ذكر شمس الدين ابو المظفر المعروف بسبط ابن الجوزى (٥٨١_٦٥٤) في كتابه مراة الزمان في تواريخ الاعيان
قال غزا صَخر بنُ عَمرو بن الشَّريد بني أسد بن خُزيمة، فساق إبلَهم، فنذروا به، فلحقوه، فطَعن ربيعةُ بن ثور صخراً في جنبه ونجا، وأقام مريضًا من تلك الطَّعنةِ سنةً، فسمع امرأتَه سلمى يومًا وهي تقول لأخرى وقد سألتْها عنه فقالت: لا حيٌّ فيُرْجى، ولا مَيْتٌ فيُسْلَى، ولقد لقيتُ منه الأمرَّين.وذلك بمسمع من صخر فقال: أما والله لئن قَدِرْتُ لأقدمنك قبلي فقال لها: ناوليني السيف لأنظر هل تُقله يدي، فناولته فإذا هو لا يُقلَّه فقيل انه قتلها بعدما كان يفضلها عن امه
وكانت أمُّ صَخْر إذا سُئلت عنه تقول: أرجو له السلامة والعافية إن شاء الله تعالى. فقال صخر:
أرى أمَّ صخرٍ ما تَمَلُّ عيادتي … ومَلَّتْ سُليمى مَضْجعي ومَكاني
وأيُّ امرئٍ ساوى بأم حَليلةً … فلا عاش إلَّا في أذىً وهوانِ
وما كنتُ أخشى أن أكونَ جِنازَةً … عليكِ ومَنْ يغترُّ بالحَدَثانِ
لعَمري لقد أيقظْتُ مَن كان نائماً … وأسمعتُ مَنْ كانت له أُذنانِ
أهمُّ بأمر الحَزْمِ لو أستطيعُه … وقد حِيل بين العَيْرِ والنَّزَوانِ
فلما طال عليه البلاء، نَتأتْ قطعةٌ من جنبه مثل الكَبِد في موضع الطعنة، فقالوا له: لو قطعتَها رَجونا أن تبرأ، فقال: افعلوا، فقطعوها فمات، فرثتْه أختُه الخنساء بالمراثي المشهورة
ولله در من نظم هذه الابيات عن امراة تتزوج وتنجب ولدين احدهما تركها وعاش بعيدا والاخر عاش معها وكانت تقول له يا غالي وتحبه وشاء الله ان تشل وتقعد فقالت له زوجته تخلص من امك فاني قد مللت واحملها الي دار اخيك ويحملها فلا يجد اخاه في بيته فيحتار ثم يفكر ان يرميها في مغاره
ﺍﺳﻤﻊ ﻗﺼﺔ ﺭﺟﻞ ﺿﻞ … ﺃﻏﻮﺍﻩ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻓﺬﻝ
ﺟﺎﺀﺗﻪ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ … ﺇﻥ ﺃﺧﺎﻙ ﺑﺄﻣﻚ ﺃﻭﻟﻰ
ﺧﺬﻫﺎ ﻟﺪﺍﺭ ﺃﺧﺎﻙ ﻭﺩﻋﻬﺎ … ﺇﻧﻰ ﺳﺌﻤﺖ ﺍﻟﻌﻴﺸﺔ ﻣﻌﻬﺎ
ﻟﻮ ﺗﻬﻮﺍﻧﻰ ﺑﺤﻖ ﺧﺬﻫﺎ … ﺧﺬﻫﺎ ﻳﺎ ﺯﻭﺟﻰ ﻭﻻ ﺗﺮﺟﻌﻬﺎ
ﻟﺒﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﻘﻠﺐ ﺟﺎﻓﻰ … ﻟﻢ ﻳﺘﺬﻛﺮ ﺣﻀﻨﺎ ﺩﺍﻓﻰ
ﺣﻤﻞ ﺍﻷﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻛﺘﺎﻑ … ﺃﺭﺿﻰ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ ﻟﺒﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ
ﻛﻠﻤﺎ ﺳﺎﺭ ﺍﻟﺪﺭﺏ ﻳﻄﻮﻝ … ﻭﺻﻞ ﻟﺪﺍﺭ ﺃﺧﺎﻩ ﻓﻮﺟﺪ
ﻗﻔﻼ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻳﻘﻮﻝ … ﻻ ﻟﻦ ﺗﺠﺪﻭﺍ ﺑﺪﺍﺭﻩ ﺃﺣﺪﺍ
ﺳﺎﺭ ﺑﺄﻣﻪ ﻟﻒ ﻭﺩﺍﺭ … ﺗﺎﺭﺓ ﻳﺠﻴﺊ ﻭﻳﺬﻫﺐ ﺗﺎﺭﺓ
ﻛﻠﻤﺎ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ ﺛﺎﺭ … ﺃﺳﻤﻊ ﺃﻣﻪ ﺳﻮﺀ ﺍﻟﻘﻮﻝ
ﻇﻞ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻃﻮﻳﻼ … ﺃﻓﻜﺎﺭﺍ ﺗﻠﻮ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ
ﺃﻫﺪﺍﻩ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻟﺤﻴﻠﻪ … ﻗﺎﻝ ﺃﺗﺮﻛﻬﺎ ﺑﺄﻯ ﻣﻐﺎﺭﺓ
ﺳﺎﺭ ﺑﺄﻣﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﻝ … ﺑﺤﺮﺍﻡ ﻣﻌﻬﺎ ﻭﺣﻼﻝ
ﻛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻋﻮﻩ ﺍﻟﻐﺎﻟﻰ … ﻭﻫﻮ ﺍﻵﻥ ﻳﺮﺩ ﺍﻟﻔﻀﻞ
ﻭﻫﻰ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻴﻪ ﺗﻘﻄﻒ … ﻭﺭﻗﺎ ﻣﻦ ﺷﺠﺮ ﺃﻋﻼﻫﺎ
ﻛﻠﻤﺎ ﺳﺎﺭﺕ ﺗﻘﺬﻑ ﻭﺭﻗﺔ … ﻛﻴﻒ ﻷﻡ ﺗﻨﺴﻰ ﺿﻨﺎﻫﺎ
ﺃﻟﻘﻰ ﺃﻣﻪ ﻗﺎﻟﺖ ﻭﻟﺪﻯ … ﺃﺧﺸﻰ ﻋﻠﻴﻚ ﺗﺘﻮﻩ ﻳﺎ ﻛﺒﺪﻯ
ﺇﻧﻰ ﻗﺬﻓﺖ ﺍﻟﻮﺭﻕ ﻟﻴﻬﺪﻯ … ﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﺛﺮﻩ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ
ثالثا : اياك والعقوق
إن بر الوالدين من أهم المهمات، وأعظم القربات، وأجلِّ الطاعات، وأوجب الواجبات، وعقوقهما من أكبر الكبائر، وأقبح الجرائم، وأبشع المهلكات بل إن العقوق يأتي في الإثم بعد الإشراك بالله، لقول رسولنا الأكرم عن أبي بكرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟) ثَلَاثًا قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا (أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ) مَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْتُ لَيْتَهُ سكت . الأدب المفرد
إن البعض من الذين لا يعرفون المعروف، ولا يقدرون للوالدين الحقوق جعلوا حقوق الوالدين من أهون الحقوق، وعقوا آباءهم وعصوهم وأذاقوهم أليم الهوان والمعاكسة والمعاندة،
روي الحاكم عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كُلُّ الذُّنُوبِ يُؤَخِّرُ اللَّهُ مَا شَاءَ مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَجِّلُهُ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَيَاةِ قَبْلَ الْمَمَاتِ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ “
فالابن العاق يعاقب عقوبتين: إحداهما في الدنيا، والعقوبة الأخرى في اليوم الآخر نتيجة عقوقه، فإن جريمة العقوق هي الوحيدة من الكبائر التي لها عقوبتان: دنيوية وأخروية
وروي البيهقي في الشعب عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ” سَبْعَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ مَعَ الْعَالَمِينَ، يُدْخِلُهُمُ النَّارَ أَوَّلَ الدَّاخِلِينَ إِلَّا أَنْ يَتُوبُوا، إِلَّا أَنْ يَتُوبُوا، إِلَّا أَنْ يَتُوبُوا، فَمَنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ النَّاكِحُ يَدَهُ، وَالْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ، وَالْمُدْمِنُ بِالْخَمْرِ، وَالضَّارِبُ أَبَوَيْهِ حَتَّى يَسْتَغِيثَا، وَالْمُؤْذِي جِيرَانَهُ حَتَّى يَلْعَنُوهُ، وَالنَّاكِحُ حَلِيلَةَ جَارِهِ “
فلا تعقن والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك
نعوذ بالله من العقوق، ومن قساوة القلوب، ومن جميع المعاصي والذنوب
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مُباركًا فيهِ كَمَا يحِبّ ربّنا ويَرضَى، وأَشهَد أن لاَ إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهَد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد:
فيا أيّها النّاس، اتَّقوا الله تعالى حقَّ التَّقوى
رابعاً : من الآثار وأقوال العلماء الواردة في بر الوالدين
قال صلى الله عليه وسلم: ” البر والصلة وحسن الجوار، عمارة الديار وزيادة في الأعمار
وقال الحسن: البر أن تطيعهما في كل ما أمراك به، ما لم تكن معصية الله،والعقوق هجرانهما،وأن تحرمهما خيرك.
قال عروة في قوله تعالى: ” واخفض لهما جناح الذل من الرحمة “. هو ألا يمنعهما من شيء أراده قال يزيد بن أبي حبيب: كان العلماء يقولون: حق الأم أعظم من حق الأب،ولكل حق.
ورأى ابن عمر رجلا يطوف بالبيت حاملا أمه، وهو يقول لها: أتريني جزيتك يا أمه؟ فقال ابن عمر: ولا طلقة واحدة، أو قال: ولا زفرة واحدة
وروى في الخبر المرفوع: ” ما بر أباه من سدّد النظر إليه “.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من أراد أن يصل أباه بعد موته، فليصل إخوان أبيه “.
وقال صلى الله عليه وسلم: ” الود يتوارث، والبغض يتوارث “.
وقال عليه السلام: ” ثلاثٌ يطفئن نور العبد: أن يقطع ودّ أهل بيته، ويبدّل سنّة صالحة، ويرمي بصره في الحجرات “.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا يدخل الجنة عاقّ، ولا منان، ولا مدمن خمر، ولا مدمن سحر، ولا قتات “.
قال مكحول: بر الوالدين كفارة للكبائر.
قال محمد بن المنكدر: بت أغمز رجل أمّي، وبات عمي يصلي ليلته، فما تسرني ليلته بليلتي
روي عن ابن عباس أنه قال: إنما ردَّ الله عقوبة سليمان بن داود عن الهدهد لبره كان بأمه.
رأى أبو هريرة رجلا يمشي خلف رجل، فقال: من هذا؟ فقال: أبي. قال: لا تدعه باسمه ولا تجلس قبله، ولا تمش أمامه. مكتوب في كتب الله عز وجل: لا تقطع ما كان أبوك يصله فيطفأ نورك قال كعب: مكتوبٌ في التوراة، اتق ربك، وبرّ والديك، وصل رحمك، يمدّ لك في عمرك، وييسِّر لك يسرك، ويصرف عنك عسرك.
والآثار في بر الوالدين كثيرة جداً، وقد نص الله في كتابه من خفض الجناح لهما، والحضّ على برهما ما يكفي
وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم مَنْ أصبح مرضيا لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة ومن أمسى فمثل ذلك وإن كان واحداً فواحداً وإن ظلماً وإن ظلماً وإن ظلماً
ومن أصبح مسخطاً لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى النار ومن أمسى مثل ذلك وإن كان واحداً فواحداً وإن ظلماً وإن ظلماً وإن ظلماً (5)
وقال صلى الله عليه وسلم إن الجنة يوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم (6)
وقال صلى الله عليه وسلم بِرَّ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وأختك وأخاك ثم أدناك فأدناك (7)
ويروى أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام يا موسى إنه من بر والديه وعقني كتبته باراً ومن برني وعق والديه كتبته عاقاً
وقال صلى الله عليه وسلم ما على أحد إذا أراد أن يتصدق بصدقة أن يجعلها لوالديه إذا كانا مسلمين فيكون لوالديه أجرها ويكون له مثل أجورهما من غير أن ينقص من أجورهما شيء (
وقال مالك بن ربيعة بينما نحنعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِمَا قَالَ نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا (1)
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ الأب (2)
وقال صلى الله عليه وسلم بر الوالدة على الولد ضعفان (3)
وقال صلى الله عليه وسلم دعوة الوالدة أسرع إجابة
قيل يا رسول الله ولم ذاك قال هي أرحم من الأب ودعوة الرحم لا تسقط (4)
وسأله رجل فقال يا رسول الله من أبر فقال بر والديك فقال ليس لي والدان فقال بر ولدك كما أن لوالديك عليك حقاً كذلك لولدك عليك حق (5)
وقال صلى الله عليه وسلم رَحِمَ اللَّهُ وَالِدًا أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ (6)
أَيْ لَمْ يَحْمِلْهُ على العقوق بسوء عمله
هذا، وصلُّوا وسلِّموا – رحمكم الله – على خير البرايا من الأمم، الهادي إلى الطريق الأَمَم، ما انتَحَى العلياءَ قاصدٌ وأَمّ، كما أمركم المولى الرحيم في كتابه الكريم، فقال – سبحانه -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
وصلِّ ربِّي على المختار من مُضَرٍما غرَّدَتْ فوق غُصنِ البانِ وَرْقاءُ
والآلِ والصحبِ والأتباع قاطبةً ما لاحَ برقٌ تلا ومضٌ وأصداءُ
اللهم صلِّ وسلِّم على سيد الأولين والآخرين، ورحمة الله للعالمين: نبينا وحبيبنا وسيدنا وقدوتنا: محمد بن عبد الله، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأعلِ بفضلك كلمة الحق والدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأدِم الأمن والاستقرار في ديارنا يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام
جمع وترتيب / ثروت سويف امام وخطيب