خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة( الجمعة القادمة) (بتاريخ 4 جمادي الأخر 1446هـ ، الموافق 6 ديسمبر 2024م ) “لغة القرآن والحفاظ على الهوية ”
خطبة( الجمعة القادمة) (بتاريخ 4 جمادي الأخر 1446هـ ، الموافق 6 ديسمبر 2024م )
“لغة القرآن والحفاظ على الهوية ”
****************************************
اعداد وترتيب العبد الفقير إلى الله #الشيخ احمد عبدالله عطوه إمام بأوقاف الشرقية
عناصر الخطبة٠٠٠٠٠٠؟
1- حب اللغة العربية٠٠٠٠٠٠؟
2 ـ فضائل اللغة وأهميتها٠٠٠٠٠؟
3 ـ اللغة العربية عبر التاريخ الإسلامي٠٠٠٠٠؟
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فاتقوا الله رحمكم الله فتقوى الله هي الوصية الجامعة والذخيرة النافعة، واستعدوا للمنايا فهي لا بدّ واقعة واحذروا زخارف الدنيا المضلة، فمن استكثر منها فما ازداد إلا قلة وليكن استكثارهم وازديادكم من التقوى، فهي خير زاد يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[الحشر: 18].
أيها المسلمون:
من أحب الله أحب رسوله محمدًا ومن أحب رسوله محمدًا أحب لغة القرآن الكريم لغةٌ كريمة نزل بها أفضل كتاب ونطق بها أفضل مخلوق هي وعاء علوم الدين وذخائر التراث لا تكون معرفة القرآن والسنة إلا بها ولا يتم فهم علومهما ومقاصدهما بدونها، تعلّمها وإتقانها من الديانة فهي أداة علم الشريعة ومفتاح الفقه في الدين.
أيها الإخوة المسلمون:لغة الأمة
هى لغة القران فهى ميزان دقيق، ومعيار أساسي في حفظ الهوية وتحديد الذات فهي شريان الأمة وأقنوم الحضارة ومصدر عظيم من مصادر القوة وإذا أضاعت أمة لسانها أضاعت تأريخها وحضارتها كما تُضيِّع حاضرها ومستقبلها.
اللغة هي أهم ملامح الشخصية الإنسانية، إن لم تكن أهمها، اللغة هي التي تربط المرء بأهله وأمته ودينه وثقافته فهي التأريخ وهي الجغرافيا
اللغة مظهر من مظاهر قوة الابتكار في الأمة فإذا ضعفت قوة الابتكار توقفت اللغة وإذا توقفت اللغة تقهقرت الأمة وإذا تقهقرت الأمة فذلكم هو الموت والاضمحلال والاندثار.
إن شواهد التأريخ قديمها وحديثها تظهر بجلاء أنه لم تتقدم دولة ولم تُشَد حضارة ما لم تكن العلوم والتعليم بلغة الأمة نفسها، لا بلغة أجنبية عنها.
أيها المسلمون:
لقد استطاعت لغة القرآن الكريم أن تحقق متطلبات المجتمع التاريخية عبر الأحقاب المختلفة بكل المستويات الدينية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية في عصر النبوة ثم الخلافة الراشدة ثم في حكم بني أمية وما وافقه من تعريب الدواوين ونظم الإدارة للمجتمعات المختلفة والأقاليم والجيوش والحياة العامة كما استجابت اللغة لحاجات الحضارة أيام بني العباس وما واكبها من حركة الترجمة بل هي لا غيرها كانت لغة العلم والبحث العلمي في الطب والعلوم والرياضيات والفلك والهندسة وغيرها.
الدولة الإسلامية على مرّ عصورها لم تأخذ من الأمم في احتكاكها معها إلا بمقدار الحاجة الماسة، للتعبير عن بعض المعاني التي لم تكن موجودة في لغتها، ولم تفتنهم لغات هذه الأمم رغم حضارتها العريقة، كفارس والروم واليونان بل زادهم ذلك تمسكًا وحرصًا.
والعجيب في هذا التأريخ الإسلامي العظيم، وهذا الدين الأخاذ أن أبناء الأمم الأخرى هم الذين كانوا يتسابقون إلى تعلم لغة القرآن لغة الدين والعلم، بل هم الذين نبغوا فيها، وشاركوا على نحو مدهش في وضع قواعدها، وجمع معاجمها، انطلاقًا من الشعور الإسلامي الرائع الذي أحل لغة القرآن أرفع المنازل لأنها لغة الدين والتنزيل.
وفي كل أرجاء الأمة وأصقاعها تتردد أصداء هذا الحديث النبوي فيما يروى عنه أنه قال: ((إن العربية ليست لأحدكم بأب ولا أم، إنما هي اللسان، فمن تلكم العربية فهو عربي)) والحديث ضعيف في إسناده، ولكنه صحيح في معناه، كما يقرّر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
أيها الإخوة في الله:
وإذا كانت لغة القرآن ولغة الإسلام بهذه القوة وبهذه المقدرة وبهذه المنزلة، فلا غرابة أن تكون مستهدفة من أعدائها فلقد علم المشتغلون بدراسات التاريخ المعاصر والمتابعون لمسيرة الاستعمار وسياساته أن التهجم على اللغة والتهوين من شأنها والسخرية من المشتغلين بها والتهكم بها في وسائل الإعلام، والقصص والروايات والمسرحيات في سياسات مرسومة وحملات مكثفة، ثم تلقّف ذلك مِن بعدهم وعلى طريقهم أذناب وأجراء وعملاء.
نعم، ليس من المستغرب أن تتعرض لغة شعب من الشعوب في مرحلة الغزو والاحتلال إلى الإذابة والمحو؛ لأن اللغة معلم بارز في تحديد الهوية وإثبات الذات، فكيف إذا كانت اللغة هي لغة القرآن، ولسان الإسلام؟!
وقد يكون من غير الحصيف أيها الإخوة أن نلوم أعداءنا فيما يقومون من أجل مصالحهم، وتحقيق أهدافهمج وسعيهم في تحطيم غيرهم، ولكنَّ الأسف والأسى أن يصدر ذلك ويتبناه فئات من بني قومنا تعلقوا بالأجنبي وولّوا وجوههم شطره ثقافيًا وفكريًا وأصبحوا ينظرون إلى ثقافة الإسلام بازدراء وإلى لغة القرآن باحتقار والأجنبي لم يضمن ولاءهم اللغوي فحسب ولكنه ضمن ولاءهم الفكري والسياسي.
لماذا هانت علينا أنفسنا؟ وهانت علينا بلادنا؟ وهانت علينا لغتنا، لغة ديننا ولغة قرآننا؟
إن ما أصاب الأمة من ظروف سياسية واقتصادية وضعف في الديانة أدى إلى ركود الفكر، وضعف الثقافة حتى آل الأمر إلى هذه التبعية المشينة.
إن الأزمة أزمة عزّة لا أزمة لغة وأزمة ناطقين لا أزمة كلمات، لم تضعف اللغة ولم تعجز ولكن ضعف أبناؤها وقصَّر حماتها إن من الظلم والحيف أن يتَّهم هؤلاء الأبناء العاقون الكسالى لغتهم من غير حجة ولا برهان ضعافٌ في أنفسهم مهازيل في طموحاتهم يُرهبون أنفسهم بثورة المعلومات، وترتجف قلوبهم لتقدم التقنيات.
مسكين هذا المثقف الذي ضعف وتخاذل، فشرَّق وغرَّب، يفتِّش لعله يجد له ملجأ أو مدَّخلا.
ما الذي يريده هؤلاء المساكين؟ هل يريدون أن ينسلخوا من هويتهم فيهاجروا بألسنتهم وعقولهم إلى أعدائهم ويتحولوا إلى مخلوقات تفكر بعقول غير عقولها، ورطانة بلسان غير لسانها؟! هل يتخلون عن هويتهم ودينهم وعزهم بسبب نظرة ضيقة ومنفعة آنية هي في مآلها ومصيرها ضرر ماحق وخطر داهم وبلاء محدق؟!
أيها المسلمون:إننا في هذا الزمن نخشى على لغة القرآن ولغة صاحب القرآن صلى الله عليه وسلم نخشى عليها أن تندثر وتمحى معالمها ونخشى على أنفسنا وأولادنا وبناتنا نخشى على أجيالنا أن يتعجموا ويصبحوا من الأعاجم وعند ذلك لا قدر الله سنُضيع القرآن ونضيع لغة القرآن سنضيع هويتنا وعلامتنا بين الأمم ونصبح خليط وأعاجم بل أسوأ الأعاجم.مثل الفرس والروم والترك دخلوا في الإسلام فإذا بهم ينطقون ويتعلمون كلمات اللغة العربية بشكل غير صحيح وذلك لحاجتهم إلى تعلم الإسلام وأحكامه وإلى تلاوة القرآن الكريم فتنبه لذلك العقلاء والفطناء تنبه لذلك الصحابة رضي الله عنهم-، وخافوا على لغة القرآن أن تتأثر أو يُنال من رسومها ومعالمها، فسارعوا إلى معالجة الوضع، وألفوا علوم اللغة العربية؛ كتبوا قواعدها، وحفظوا رسمها ونطقها، وضعوا الفتحة والكسرة والضمة والسكون، قال عمر رضي الله عنه-تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم”وقال عبد الملك بن مروان: “أصلحوا ألسنتكم فإن المرء تنوبه النائبة فيستعير الثوب والدابة، ولا يمكنه أن يستعير اللسان وجمال الرجل فصاحته.
وما دام الأمر كذلك فإن لغات العالم أجمع قاصرة عن اللغة العربية لغة القرآن وصاحب القرآن -صلى الله عليه وسلم-، قال الثعالبي: “من أحب الله أحب رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن أحب النبي العربي؛ أحب العرب، ومن أحب العرب أحب العربية التي نزل أفضل الكتب على أفضل العرب والعجم”.
كيف نفهم القرآن ونفسر القرآن، ونفهم الدين وأحكام الدين إذا لم نكن نتقن اللغة العربية؟
إن اللغة العربية هي انتماؤنا ووجهتنا وشرفنا وعلامتنا بين الأمم؛ كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما-: “أما بعد: فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في اللغة العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي”.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على توفيقه وهدايته، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه لا منتهى لغايته، وأستغفر الله وأستهديه، وأسأله الإعانة على ذكره وشكره وحسن عبادته.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أسمائه وصفاته وربوبيته ووحدانيته،
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، اجتباه من خلقه واصطفاه لرسالته، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته، والتابعين ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله في كل حال، وأخلصوا له في الأقوال والأعمال، والتزموا الطاعة والامتثال.
أيها الإخوة المسلمون:
عباد الله: ومما يُؤسف له: أن أسماء كثير من أسواقنا ودكاكيننا تحولت اسماؤها من العربية إلى الأعجمية، وتأملوا بأنفسكم لتروا العجب العُجاب، وما هذا إلا بسبب الانهزامية والضعف والتراجع والنقص الذي يشعر به أولئك أصحاب الأسواق والدكاكين أمام من لا خَلاق لهم ولا دين، حتى من أتونا وافدين عجمونا قبل أن نُعربهم، جبرونا أن نتكلم معهم بلغة مُكسرة مفككة حتى يفهموا ما نقول وما نريد وللأسف.
أيها الناس: إن الأمر خطير، ولنا رجاء فيمن سنوا هذه السنة السيئة أن يتراجعوا ويتشبثوا بلغة القرآن، ويُعرِّبوا تلك الكلمات التي عقدت ألسنتهم، ولا ينطقوا بها إلا وقت الحاجة.
وتأملوا في حال بعض دولنا العربية في الشمال الإفريقي لا يعرفون اللغة العربية ولا يتحدثونها وهم عرب يتحدثون الفرنسية والإيطالية والأسبانية والإنجليزية.
أثر فينا الأعاجم ولم نُؤثر فيهم، وغيروا علينا ولم نغير عليهم، ودائماً يُشعروننا أنهم الأقوى ونحن الأضعف.
اقرأوا ثقافات الأمم تجدون أن كل أمة وكل ناحية تحافظ على هويتها وموروثاتها؛ في اللباس، وفي اللغة، وفي الطعام، وفي العادات والتقاليد، والعبادات، حتى ولو كانوا على باطل
إن ديننا لا يمنع أن نتعلم لغة القوم وندرسها ونتقنها، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: “أمرَني رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- أن أتعلَّمَ لَهُ كتابِ يَهودَ، قالَ: “إنِّي واللَّهِ ما آمَنُ يَهودَ علَى كتابي” قالَ: فما مرَّ بي نِصفُ شَهْرٍ حتَّى تعلَّمتُهُ لَهُ، قالَ: فلمَّا تَعلَّمتُهُ كانَ إذا كتبَ إلى يَهودَ كتبتُ إليهِم، وإذا كتَبوا إليهِ قرأتُ لَهُ كتابَهُم”(صحيح الترمذي، للألباني).
بل إننا بحاجة اليوم أن نتعلم لغات العالم لنستفيد منها وذلك مطلوب ومرغوب، لكن نتحدثها معهم، وفي التعامل معهم، وفي وقت الحاجة إليهم، وليس مع أبنائنا وبناتنا ومجتمعنا الذين لا حاجة لهم بذلك، وليس على حساب لغة القرآن، وليس أن تصبح سائدة على ألسنتنا في الحاجة وغير الحاجة، وليس أن نفاخر بها ونتباهى ونشعر الآخرين أننا ارتقينا بها فوقهم أو أفضل منه
اللهم احفظ علينا ديننا ولغتنا وهويتنا
هذا هو الطريق، وذلكم هم المسار، وعلى الله قصد السبيل، وَكَفَىٰ بِرَبّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان: 31].
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى، والنبي المجتبى، فقد أمركم بذلك ربكم جل وعلا فقال عز قائلاً عليمًا: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، نبي الرحمة والملحمة، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.