خطبة الأسبوع

خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 7 من رمضان 1438هـ الموافق 2 من يونيه 2017م تحت عنوان (التسامح الديني ضرورة شرعية ووطنية)للشيخ ماهر خضير

لتحميل الخطبة بصيغة Word

لتحميل الخطبة بصيغة Pdf

خطبة الجمعة القادمة  بتاريخ 7 من رمضان 1438هـ الموافق 2 من يونيه 2017م تحت عنوان

(التسامح الديني ضرورة شرعية ووطنية)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين نحمَده تبارك وتعالى على كل ما منح أو سلب، ونعوذ بنور وجهه الكريم من العناء والنصَب  ونسأله الخلود في دار السلام حيث لا لغو ولا صخب ..

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الملك وإليه المنقلب  هو المالك.. وهو الملك.. يحكم ما يريد فلا تعقيب ولا عجب قبض قبضتين.. فقبضة الجنة لرحمته.. وقبضة النار للغضب احتجب عن الخلق بنوره.. وخفي عليهم بشدة ظهوره.. أفلح من التزم الأدب  .

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم  أضاء للمؤمنين طريقهم.. أحبهم وحبَّب إليهم ربهم.. فتنوع العطاء والحب والسبب  إمام الغر المحجلين.. وخاتم الأنبياء والمرسلين.. وجهك بدر وصوتك طرب ….  سيد كل قبيلة وفريق … بالمؤمنين رحيم وشفيق . وبعد فأوصى نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل والحرص على رضائه والاستعداد للقائه

ثم أما بعد

أيها المسلمون عباد الله إن التسامح هو جوهر الرسالات السماوية التي جاءت بها الرسل جميعاً من عند الله عز وجل لتدعوا البشرية جميعاً إليه دون النظر إلى الجنس أو العرق أو الدين أو اللغة أو المكان فما من دين ارتضاه الله لعباده إلا وتجد فيه الحض والدعوة إلى التسامح والعفو وفى الوقت الذي لا تجد فيه التسامح والعفو فاعلم أن هناك حيد وبعد عن تعاليم الله تعالى

والتسامح هو نوع من أنواع الإحسان الذي جبلت النفوس على حبه وهو يعنى العفو عند المقدرة، وعدم ردّ الإساءة بالإساءة، والترفّع عن الصّغائر، والسُّموّ بالنّفس البشريّة إلى مرتبة أخلاقيّة عالية

والتسامح أنواع

  • التسامح الديني / فهو يعنى احترام عقائد الآخرين وحرية ممارسة الشعائر الدينية
  • التسامح الفكري والثقافي / وهو عدم التعصب للأفكار واحترام آداب الحوار والتخاطب
  • التسامح العرقي / وهو تقبل الأخر رغم اختلاف لونه أو عرقه ونبذ التميز العرقي

ومدار حديثنا اليوم أيها الكرام عن النوع الأول وهو التسامح الديني
فها هو الدين الإسلامي خاتم الرسالات كلها ومِسكُها  جاء  داعياً إلى التسامح والعفو والصفح الجميل ولم يدعو أبدا إلى التعصب أو التشدد  ومن عظمته أنه نظر إلى الإنسان أنه ليس بالملاك الذي لا يخطئ أبدا ولا هو بالشيطان المتربص بالشر أبداً بل هو بشرٌ له طبيعته  وله فطرته ونظرة الإسلام وتعاليمه راعت ذلك وهى بعيدة عن التزمت والتسيب، والإفراط والتفريط، وهذا ما امتاز به الإسلام .
ولقد جاء القرآن الكريم ليطلب من المسلمين ألاَّ يسفِّهوا عبادات غير المسلمين، وأن يحترموا مشاعر الآخرين، وهو ما يعتبر ركنًا من العقيدة الإسلامية، ويُلهِم الكتابُ والسنة المسلمين المُثُلَ الحقيقية للتسامح الديني ، ويحمل التاريخ الإسلامي من الأدلة الوفيرة على ذلك   .

حيث قال الله تعالى في  سورة البقرة (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) وبعدها في  آية يحفظها الجميع يقول الحق تبارك وتعالى ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) سورة البقرة وقال تعالى موضحاً ان الرسالة رسالة رحمة وسماحة للجميع حيث يقول الله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) سورة الأنبياء وفى سورة الأعراف  يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) وقال تعالى (فاصفح الصفح الجميل)سورة الحجر وحتى في حال الجدال وعرض الآراء وتبادل الحوار يأتي الأمر بالإحسان فقال تعالى  (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) يقول الإمام الفخر الرازي فى تفسيره ” وأما أهل الكتاب فجاءوا بكل حسن إلا الاعتراف بالنبي – عليه السلام – فوحدوا وآمنوا بإنزال الكتب وإرسال الرسل والحشر ، فلمقابلة إحسانهم يجادلون أولا بالأحسن ولا تستخف آراؤهم ولا ينسب إلى الضلال آباؤهم ” وقال سبحانه (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) سورة المائدة وقال تعالى (لكم دينكم ولى دين) سورة الكافرون


وجاء الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ليعلم ذلك لأصحابه عملياً ومن خلال كلامه ووصياه

عن جابر رضي الله عنه قال: “كنا مع رسول الله “صلى الله عليه وسلم” بذات الرقاع (إحدى غزوات الرسول)، ونزل رسول الله “صلى الله عليه وسلم” تحت شجرة فعلَّق بها سيفه.

 فجاء رجل من المشركين، وسيف رسول الله “صلى الله عليه وسلم” معلَّق بالشجرة فأخذه، فقال الأعرابي: تخافني؟ قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: لا، فقال الأعرابي: فمَن يمنعك مني؟ قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: الله، فسقط السيف من يد الأعرابي، فأخذ رسول الله “صلى الله عليه وسلم” السيف فقال للأعرابي: مَن يمنعك مني؟ فقال الأعرابي: كن خير آخذ. فقال “صلى الله عليه وسلم”: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: لا، ولكني أُعاهدك ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى رسول الله “صلى الله عليه وسلم” سبيله، فأتى أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس” [صححه ابن حبان].

ولقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على التسامح بقوله وفعله فقال ” من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو اخذ منه شيء بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة”

وها هو رسولنا يضع أعظم وثيقة للتسامح

“اذهبوا فأنتم الطلقاء”.. هذه أعظم وثيقة للتسامح أطلقها رسول الله “صلى الله عليه وسلم” يوم فتح مكة، حينما ملك أمر من طردوه وآذوه واتهموه باتهامات باطلة ما أنزل الله بها من سلطان وضيقوا الخناق على كل أتباعه ومناصريه، وبرغم كل ذلك لم يفكر رسولنا الكريم في الانتقام أو الثأر منهم أو حتى رد الإساءة بالإساءة، لا والله حاشاه بأبي هو وأمي..

وفى تلك الحادثة أبلغ ردٍ وأنجع جوابٍ لمن يدعى أن الإسلام انتشر بحد السيف

وعن أنس بن مالك قال: (كنت أمشي مع رسول الله “صلى الله عليه وسلم” وعليه برد نجراني (عباءة) غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه جبذة ـ [أي جذبه جذبة قوية] حتى رأيت صفح عنق رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قد أثَّرت بها حاشية البرد من شدة جذبته (تركت الجذبة علامة على عنق الرسول)، فقال: يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء  . فانظروا  الى سماحته صلوات الله وسلامه عليه

وانظروا أيها المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة ويقول لهم (اذهبوا الي الحبشة فإن بها رجل لا  يظلم عنده أحد) فالتعدي وهضم حق الغير لمجرد اختلاف المعتقد هو ظلم وجور .

وقد قبل الرسول الكريم هدية مالك «أيلة»، وقبل كذلك هدية «أكيدر» صاحب دومة الجندل، وهدية المقوقس، كما يجوز عيادتهم، والصدقة عليهم، وتعزيتهم على الوجه المشروع.
إن الإسلام دين المحبة، وقد قرنها الرسول «صـــلى الله عليه وسلم» مع الإيمان بقــــوله “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفســـه” وإن ذلـــك ليؤكد أن الأصـــل في عـــلاقات المسلمين بغيرهم من الأديان الأخـــرى هو «السلام»، وبهذه الروح الســـامية في التســـامح التي يجـــب أن تســـود العــالم إذا أريد أن تستقر في العالم كلمة السلام ليسعد الناس به.

 

وها هم أصحاب رسول الله ومن بعدهم ممن فهموا حقيقة الإسلام ودعوته إلى التسامح بشكلٍ عام

  • فقد قال رجل لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: “والله لأسبنك سبًّا يدخل معك قبرك”. فقال أبو بكر: “بل يدخل معك لا معي”
  • وهذا هو سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب المثل الرائع في التسامح الديني بأخذ الحق لأحد أقباط مصر من ابن الوالي ويقول لعمرو بن العاص (ياعمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) والقصة ذكرها ابن عبدالحكم فى كتاب “فتوح مصر وأخبارها” ص290 وابن الجوزي (أخبار عمر) ص 86

ويعطى عهدا للمسيحيين في بيت المقدس على دورهم وأموالهم وكنائسهم ويوصى بهم خيرا . بل وعمر بن الخطاب هو أول من أعطى فقراء أهل الكتاب من بيت مال المسلمين

  • وأما سيدنا علي بن أبي طالب فيقول عن التسامح : “إذا قدرت على عدوّك، فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه”.
    – وهذا سيدنا عمر بن عبد العزيز يصلي الليل في مسجد بني أمية، وكان السراج قد انطفأ، فاصطدمت قدماه برجل نائم، فقام النائم وقال: “أحمار الذي وطأني؟”.
    قال عمر: “لا..أنا عمر بن عبد العزيز ولست حماراً”.
  • قال الشافعي:
    وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى *** ودافع ولكن بالتي هي أحسن
  • وينقل لنا التاريخ نماذج كثيرة جدا يضيق المقام عن ذكرها فى التسامح بصفة عامة وفى التسامح الديني خاصة

والتسامح له أهميته لحل القضايا والقضاء على بذور الفتنة والفرقة وهو ضرورة شرعية ووطنية

يقول الأستاذ داود الكعبى (التسامح حل عقلاني لمعالجة أهم القضايا التي تعتري الإنسان , وتقضي على كافة أشكال العنف , وثقافة القتل والموت وإيجاد ثقافة بديلة هي ثقافة التسامح وهذا لا يعني إلغاء الاختلافات في العقيدة والمبدأ , حيث يرى احد المفكرين أن الاختلافات تقتضي التسامح وهو مسؤولية حضارية . وواحد من حقوق الإنسان , ويؤكد على أن الكراهية حينما تسود المجتمع لأسباب وعوامل دينية أو سياسية اجتماعية او اقتصادية , يكون التسامح هو الحل , وبخلافها لا يوجد حلا جذريا يعالج المشكلة من أساسها , فتحدث صدمات واحتراب , وقد تشوه صورة الإسلام المقدسة , وتضاف إليه قضايا وأمور وسماة جاهلية ما انزل الله بها من سلطان وهذا ما حدث في الوقت الراهن , فقد انتهكت أعراض , وسفكت دماء , وراحت أبرياء , تحت عناوين ومسميات عريضة )

ويقول أن التسامح مسؤولية اجتماعية , تقع على عاتق المصلحين والمفكرين والمثقفين , فضلا عن علماء الدين وأصحاب الفتوى من العلماء الأجلاء من الطوائف كافة , لان هؤلاء هم من تقع عليهم المسؤولية .

وعليه لابد من توافر سمات لهذا التسامح يقوم عليها إذ لابد من الانفتاح على الآخر , والاستماع الى رأيه … فلقد جاء عتبة بن ربيعة يتكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث يروى ابن هشام في السيرة أن عتبة بن ربيعة جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له : يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من المكانة  في العشيرة ، والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ، وكفرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أموراً لعلك تقبل بعضها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قل يا أبا الوليد أسمع ، فقال له عتبة ما قال حتى إذا فرغ قال له : أوقد فرغت يا أبا الوليد ؟ . قال نعم . قال : فاسمع مني ، قال : أفعل . فأخذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يتلو عليه من سورة فصلت ، حتى انتهى إلى الآية موضع السجدة منها وهي الآية 37 ، سجد ، ثم قال لعتبة: قد سمعت يا أبا الوليد فأنت وذلك ، فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بوجه غير الوجه الذي ذهب به ، وطلب عتبة إليهم أن يدعوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه ، فأبوا وقالوا له : سحرك يا أبا الوليد بلسانه .

وانتبه الى كلام عتبة البدء بكلمة ” يا بن أخي ” بكل ما تحمله من استثارة نفسية عاطفية

وانظر إلى الرد من النبي صلى الله عليه وسلم ناداه بكنيته مرتين يا أبا الوليد

ولم يقاطعه النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما سرد بل تركه حتى ينتهي وفي هذا خلق راق عال من النبي صلى الله عليه وسلم وسيقع في نفس محاوره بمكان فما أحوجنا إلى هذا التسامح الراقي في التحاور والتعامل

ومن سمات التسامح النظر فيما يخدم القضايا المصيرية , وما يدعو إلى بناء المجتمع والتعرف على الثقافات الأخرى .إذ أن الإنسان اليوم هو بأمس الحاجة إلى معرفة الآخر , والجلوس معه على طاولة حوار مستديرة , تسودها الديمقراطية وبث روح الإخوة والانسجام  بين الجميع لذا نقرأ في كتاب الله تعالى قوله تعالى : قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) يقول صاحب التحرير والتنوير ابن عاشور والمعنى أنا آمنا بأن الله أنزل تلك الشرائع ، وهذا لا ينافي أن بعضها نسخ بعضا . وفى سورة الشورى دعوة أيضا إلى التسامح الديني حيث يقول الله تعالى (وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير ) قال صاحب التحرير والتنوير وجملة لنا أعمالنا ولكم أعمالكم دعوة إنصاف ، أي أن الله يجازي كلا بعمله .

عباد الله

جدير بنا أن نوضح بأن هناك فارق كبير بين التسامح الديني وبين التفريط في حقوق الدين فليس معنى أننا نقول التسامح أننا ندعوا إلى التنازل عن ثوابت عقيدتنا وديننا وإسلامنا كلا وعياذا بالله من الخذلان بل نعتز بديننا ونؤمن بأنه هو الدين القيم الذي فيه صلاح البلاد والعباد، وهو أعظم المنن التي منّ بها الكريم الوهاب، وقد تكفل الله لمن سلكه بسعادة الدنيا والآخرة، فيه المبادئ السامية، والأخلاق العالية، والنظم العادلة. إنه الدين الذي ينبغي لنا أن نفتخر به، وأن نتشرف بالانتساب إليه، فمن لم يتشرف بهذا الدين ويفخر به ففي قلبه شك وقلة يقين.

إن الحق يخاطب حبيبه  قائلاً: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْـأَلُونَ [الزخرف:44]. أي: شرف لك وشرف لقومك وشرف لأتباعك إلى يوم القيامة.

ورحم الله من قال

وممـا زادني شـرفاً وتيهـاً         وكدت بإخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي         وأن صيرت أحمد لي نبياً

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه ثم توبوا إليه

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً كما أمر والصلاة والسلام على سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه ما أشرق صبح وأضاء شمس وقمر وبعد

عباد الله إن التسامح شعاع من نور يشع على القلوب العاتبة فتسمو وتصفح وتتقارب القلوب قبل الأبدان وتترابط وبذلك تقوى المجتمعات والدول والأوطان فمحال أن تجد دولة أو وطن قام على التعصب والتشدد محال . وإنما نجد الأوطان القوية قامت على التسامح والعفو القائم على إحقاق الحق وإقامة العدل فإن من سنن الله تعالى انه يقيم دولة العدل وان كانت كافرة ولا يقيم دولة الظلم وان كانت مسلمة قال تعالى (اعدلوا هو اقرب للتقوى)

عباد الله

ان القرآن الكريم لم يستخدم عبارة التسامح الديني وانما تكلم عن حرية التدين فى نحوٍ من مائة أية ثم جاء الرسول الكريم ليضع  دستور المدينة الذي وضعه النبي في مجتمع تعددي مكوَّن من يهود ونصارى ومسلمين ووثنيين، وأراده عقدًا اجتماعيًّا ينظِّم العلاقة بين القبائل على أساس وحدة سكان المدينة، والمساواة بينهم في الحقوق والكرامة الإنسانية، والعمل على رفع الظلم، والاحتكام إلى الشورى. وجاء صلح الحديبية عهدًا من النبي إزاء نصارى نجران، يستند إلى مبادئ التسامح ويكفل الاعتراف بالآخر. وتشهد العهدة العمرية التي أبرمها الخليفة عمر بن الخطاب مع البطريرك الأورشليمي صفرونيوس على التسامح إزاء الأديان الأخرى.) فقه التسامح في الفكر العربي الإسلامي بتصريف

ودعونا نوضح ان هناك فارق بين العقيدة والدين وبين بعض الممارسات التاريخية التي قد تنحرف عن مسار العقيدة الربانية فكم من الحروب والإبادات باسم الدين زوراً وبهتاناً والدين منها براء . فقد تعمد البعض بجهل او عن عمد بقصد إلصاق التهم بدين الإسلام اجتزاء بعض الآيات من سياقها والحدث التاريخي الذى نزلت فيه الآيات وتنزيلها على غير مرادها ومقصدها مثل تلك الآيات التي تجعل من القتال واجباً دينياً فكان منهم سفك الدماء وقتل الأبرياء وانتهاك أعراض معصومة محرمة ونهب أموال وثروات ومقدرات شعوب فسقطت دول وضاعت أوطان ولا حول ولا قوة إلا بالله .

لذا وجب على الجميع أن يقوم بدوره في نشر المفاهيم الصحيحة ونشر ثقافة التسامح وعلى المسئولين القيام بدورهم من خلال المؤسسات الإعلامية والتعليمية والتوجيهية من اجل إعداد جيل فاهم وواعي به تقوى البلاد والأوطان وتقوى بعيدا عن ثقافة الكره والتعصب والتشدد الدخيلة والتي رفضتها كل الأديان.

وعلى أفراد المجتمع الإيمان بالحقوق والحرية والكرامة للكل  والإقرار بحق الاختلاف فقلد قال الله عز (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) سورة الغاشية  قال القرطبي رحمه الله يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( فذكر ) يا محمد عبادي بآياتي ، وعظهم بحججي وبلغهم رسالتي ( إنما أنت مذكر ( يقول : إنما أرسلتك إليهم مذكرا لتذكرهم نعمتي عندهم ، وتعرفهم اللازم لهم ، وتعظهم .
وقوله : ( لست عليهم بمسيطر ) يقول : لست عليهم بمسلط ، ولا أنت بجبار تحملهم على ما تريد . يقول : كلهم إلي ، ودعهم لي وحكمي فيهم .

وعلى أبناء الوطن الوفاء والإخلاص لوطنهم ومَحبّة المواطنين جميعاً سواء اتفقوا معاً أم اختلفوا، بمَوجب ما يتمتّعون به من خَيرات مُشتركة، وما يتعرّضون له من خَطر يُهدّدهم جميعاً، وبما يَجعل الوَطن لكلّ المواطنين   فلقد قال الحق سبحانه (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) سورة الممتحنة

ولقد جعل الله عز وجل حماية الأوطان والدفاع عنها جهاداً في سبيله، فقال في كتابه العزيز(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) سورة آل عمران

فلتفوتوا الفرصة على المتربصين بالوطن والذين يريدون به كيدا وعلموا الجميع السماحة والمحبة بعزة وكرامة واعطاء لك ذى حق حقه كما علمنا ديننا العظيم

 

فاللهم احفظ بلادنا من كل شر وكيد يارب العالمين

الدعاء ……………………. وأقم الصلاة

أعدها الفقير إلى عفو ربه

ماهر السيد خضير

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى