خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان ( أَنْتَ عِنْدَ اللهِ أَنْتَ غَالٍ ) للشيخ ثروت سويف

بتاريخ 20 جمادي الأولي 1446هـ ، الموافق 22 نوفمبر 2024م

خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 20 جمادي الأولي 1446هـ ، الموافق 22 نوفمبر 2024م. بعنوان ( أَنْتَ عِنْدَ اللهِ أَنْتَ غَالٍ ) للشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذه الخطبة
أولاً : من أكون أنا عند الله ؟ وما اسمي في السماء ؟ وبماذا يتحدث الله عني في الملإ الأعلى ؟ وفي أي السجلات مكتوب اسمي ؟
ثانياً : أنت عند الله غال فكيف ذلك ؟
ثالثا : المنَهْجُ التربوي للْحَبِيبُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَرْبِيَةِ أَصْحَابِهِ من قصة زاهر بن حرام
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً.
وتبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدّره تقديراً.
واشهد ان لا اله الا الله وحده له الحمد بالإيمان، وله الحمد بالإسلام، وله الحمد بالقرآن، عز جاهه، وجل ثناؤه، وتقدست أسماؤه.
فسبحان من قهر بقوته القياصرة، وكسر بعظمته الأكاسرة، الذين طغوا وبغوا، فأرداهم ظلمهم في الحافرة.
يا رب في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، لا إله إلا أنت سبحانك .
واشهد ان محمدا رسول الله سيد الأنام ومصباح الظلام ورسول الملك العلام
اللهم صل على نبيك الذي بعثته بالدعوة المحمدية، وهديت به الإنسانية، وأنرت به أفكار البشرية، وزلزلت به كيان الوثنية.
اللهم صلّ وسلم على صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والصراط الممدود.
اللهم صل وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصيّ، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل.
اللهم صل وسلم على من جعلته خاتم الأنبياء، وخير الأولياء وأبر الأصفياء، ومن تركنا على المحجة البيضاء، لا يزيغ عنها إلا أهل الأهواء، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد
فإنّ الله اصطفى محمدًا على سائر الأنبياء والمرسلين، وجعله رسولاً للعالمين أجمعين، فاختار له صحابة أخيارًا صالحين، آمنوا به واتبعوه وآزروه ونصروه، وفدوه بالنفس والنفيس، فكانوا خير صحبة لخير نبي.
‌يقول الصحبي الجليل عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي ‌قُلُوبِ ‌الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَيْرَ ‌قُلُوبِ ‌الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي ‌قُلُوبِ ‌الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ ‌قُلُوبِ ‌الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ ) مسند أحمد
نعم اطلع ‌الله ‌على ‌قلوب عباده، فوجد أصفاها وأنقاها قلب الحبيب المصطفى، فاختاره ليكون للعالمين بشيراً ونذيراً وخاتماً للنبيين، ثم اطلع على قلوب خلقه فرأى أنقى وأصفى قلوباً بعد قلب الحبيب المصطفى قلوب صحابته، فجعلهم هداة يهدون إلى الحق وإلى سواء السبيل.
أولاً : من أكون أنا عند الله ؟ وما اسمي في السماء ؟ وبماذا يتحدث الله عني في الملإ الأعلى ؟ وفي أي السجلات مكتوب اسمي ؟
أخي المسلم : هل سألت نفسك يوما هذه الأسئلة ؟
ولتوضيح الأمر ، وازالة اللبس والغموض ، واماطة اللثام أقول لك :
انا من انا.. انا في الوجود وديعة..وغدا سأرحل عابرا في لحظتى
انا ما قصدت سواك رب العزة ….انا ما خفضت لغير ذاتك جبهتي
انا من انا..انا عبد لذاتك سيدي…فاملاء بنورك ياعظيم بصيرتي
انا ما مددت يدا لغيرك طالبا……فاغفر بعفوك يا مهيمن زلتي
يا من يراني في علاه ولا اراه..يامن يجير المستجير اذا
دعاه
يا من يجود على العباد بفضله..جل القدير وجل ماصنعت يداه
يا من له الالاء في اكوانه……واذا سالنا العفو لم
نسال سواه
هبني رضاك فانت اكرم واهب..واغفر لعبدك ياعظيما في علاه
هل تعلم انك بالطاعة والذكر تذكر في الملأ الأعلي ويذكرك ربك ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ شرف ذكرك لله تعالى يقودك للشرف الأكبر، وهو: أن يذكرك الله مع غناه عنك، فهل رأيت ملوك الدنيا يفعلون ذلك بك؟!
فما من عطاء يناله المؤمن من ربه أعظم من أن يذكره الله.
ومن لازم ذكر الله كان الله له محبًا ومعينًا ونصيرًا فذكر الله للعبد مفتاح فوزه وسعادته.
فما هو الهم الذي سيصيبك وهو يذكرك؟! ما الخوف الذي يقلِقك وهو يذكرك؟! ما هو المرض الذي سيضرك وهو يذكرك؟! ما المكروه الذي سيلحقك وهو يذكرك؟!
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ إن الذكر نور للذاكر في دنياه، ونور له في قبره، ونور يسعى بين يديه في العبور على الصراط، ونور له في معاده.
اخي أنت تَذكره خاشعًا وعابدًا، وهو يذكرك مؤيدًا وحافظًا.
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ اذكره وأنت على وجه الأرض؛ ليذكرك وأنت تحت الأرض وحين العرض فذكرك له محدود، وذكر الله لك غير محدود!
قال ثابت البناني: إني أعلم متى يذكرني ربي عز وجل، ففزعوا من ذلك، وقالوا: كيف تعلم ذلك؟! فقال: إذا ذكرته ذكرني: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾.
حتى تتيقن أن المسألة مسألة توفيق؛ انظر إلى الذكْر، من أسهل الطاعات لكن لا يوفق له إلا القليل.
أقرب الناس لله أكثرهم ذكرًا له، قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾، وقال: “أَنَا مَعَ عَبْدِى مَا ذَكَرَنِى وَتَحَرَّكَتْ بِى شَفَتَاهُ”.
الذكر أيسر حبال الوصل مع ﷲ وأقواها، قال اﷲ: تذكره سبحانه في ملأ فيذكُرك في خيرٍ منه، سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ‌ذَكَرَنِي ‌فِي ‌نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شبراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً). (البخري ومسلم 2675).
[152] قال عَنْتَرَةُ: “وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالرِّمَاحُ نَوَاهِلٌ” ما نسيها ودماؤه تنزف، وأنت كيف نسيت محبوبك ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾.
قال ابن عباس: «ذكر الله إياكم أكثر من ذكركم إياه»، وقال سعيد بن جبير: أي: «اذكروني بطاعتي، أذكركم بمغفرتي
هناك أربع وعود ربّانية فمن اعطي اربعة اعطي هذه الوعود الأربع :
1- من ذكر ذكر، قال الله تعالى ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾
2 – ومن شكر زيد له ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ (إبراهيم 7)
3- ومن داعي استجيب له ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر 60)
4- ومن استفر غفر له ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (الأنفال 33)، فطوبى لمن: شكر، وذكر، ودعا، واستغفر.
أمر الله نبيه أن يقرأ القرآن على أُبي بن كعب، فقال أُبي: سمّاني الله؟ ذكرت عنده؟ فبكى ( فسأل هل نص علي باسمي ، أو قال : اقرأ على واحد من أصحابك فاخترتني أنت ؟ فلما قال له : ” نعم ” بكى إما فرحا وسرورا بذلك ، وإما خشوعا وخوفا من التقصير في شكر تلك النعمة . وفي رواية للطبراني من وجه آخر عن أبي بن كعب قال : نعم باسمك ونسبك في الملأ الأعلى قال القرطبي : تعجب أبي من ذلك ؛ لأن تسمية الله له ونصه عليه ليقرأ عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – تشريف عظيم ، فلذلك بكى إما فرحا وإما خشوعا .
[152] ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ لكل ذكر خاصيته وثمرته، وأما الأسماء التي معناها الاطلاع والإدراك (كالعليم والسميع والبصير والقريب وشبه ذلك) فثمرتها المراقبة، وأما الصلاة على النبي r فثمرتها شدّة المحبة فيه، والمحافظة على اتباع سنته، وأما الاستغفار فثمرته الاستقامة على التقوى، والمحافظة على شروط التوبة مع انكسار القلب بسبب الذنوب المتقدّمة.
علينا ان نراجع انفسنا هل نحن ممكن يختصم فيهم وفي درجاتهم الملأ الأعلي روي الإمام أحمد في مسنده عن مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ: احْتَبَسَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى قَرْنَ الشَّمْسِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيعًا، فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، وَصَلَّى وَتَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: ” كَمَا أَنْتُمْ، عَلَى مَصَافِّكُمْ كَمَا أَنْتُمْ “، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: ” إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمُ الْغَدَاةَ، إِنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ، فَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي، فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ، فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي يَا رَبِّ. قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي رَبِّ. قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي يا رَبِّ. فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ صَدْرِي، فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ. قَالَ: وَمَا الْكَفَّارَاتُ؟ قُلْتُ: نَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجُمُعَاتِ وَجُلُوسٌ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَواتِ ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْكَرِيهَاتِ. قَالَ: وَمَا الدَّرَجَاتُ؟ قُلْتُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَلِينُ الْكَلَامِ، وَالصَّلَاةُ وَالنَّاسُ نِيَامٌ. قَالَ: سَلْ. قُلْتُ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ، فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ ” وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا وَتَعَلَّمُوهَا.
” وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به, ويده الذي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولأن إستعاذني أعيذنه” . هكذا يمن الله علينا وهو الذي خلقنا ووفقنا لذكره ، فإذ به يعطينا على هذا الذكر وهو الذي يعود علينا بتنوير القلوب وغفران الذنوب يعطينا أجراً حسناً عليه ،لو تخيل الإنسان أنه كلما ذَكر ربه من قلبه ذُكر في الملأ الأعلى ،وما أدراك ما الملأ الأعلى؟ إنه الحضرة القدسية إنها الملائكة تحيط بالعرش ،ربنا يذكر إسمك في الملأ الأعلى في الحديث ” أن الله إذا أحب عبداً نادى في الملأ الأعلى ووجه الكلام إلى جبريل يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبوه”. فيأخذ سيدنا جبريل الكلام وينزل به إلى من بعده ويقول إن ربكم يحب فلاناً فأحبوه، وتتسلسل هذه المحبة من الملأ الأعلى فيجد أحدكم نفسه وقد أحبه الناس من غير حول له ولا قوة {واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ} واعلموا أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء واعلموا أن الله – سبحانه وتعالى – عندما يذكرك في الملأ الأعلى فإنه يلقى عليك محبة منه .
أخي المؤمن هل انت من الصادقين إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول « إِنَّ الصِّدْقَ بِرٌّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ فُجُورٌ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا ». رواه مسلم
هل أنت عند الله صديق أم كذاب ؟
والله تعالى يقول (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) النور 26،
فهل أنت عند الله طيب أم خبيث ؟
والله سبحانه وتعالى يقول (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (2) التغابن ،
فهل أنت عند الله مؤمن أم كافر ؟ مهتد أم ضال ؟ موحد أم مشرك ؟
والله سبحانه وتعالى يقول (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) (14) الانفطار ،
فهل أنت ينادى عليك في السماء مع الأبرار ؟ ، أم أن اسمك مكتوب في سجل الفجار ؟
وقال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) (😎 البينة
واعلم انك لن تزيد في ملك الله ولن تنقصه فأنت في كون الله ذرة بل أقل روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ(..يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ».
فالمهم أن الإنسان يثبت على كلمة التوحيد، وعلى كلمة الحق والصدق واليقين نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الصدق في القول والعمل والفعل إن ربنا على ما يشاء قدير.
ألا تعلم أن آدم خرج من الجنة بذنب واحد، وأن إبليس دخل النار بذنب، فما يؤمنك؟ من الذي أعطاك صكاً بالأمان أن تمشي في هذه الدنيا وأنت غير خائف من سوء الخاتمة؟ سفيان الثوري رحمه الله لما هرب من الخليفة بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبسبب آخر جوهري: هو أن سفيان كان يخشى أن يقربوه فيفتنوه فأمير المؤمنين في موسم الحج لما تذاكر هو وسفيان الثوري خلع خاتمه ورماه وقال: أعط هذا لـ أبي عبد الله وقل له ليحكم البلاد بالكتاب والسنة.
ثانياً : انت عند الله غال فكيف ذلك ؟
(أنت عند الله غالٍ) شعار جليل، نجدد به حياتنا، ونملأ به فراغ نفوسنا، ونعرف به دورنا ومقصود نا، وتنطلق به ألسنتنا بين أصدقائنا، وننشره في الدنيا كلها، ونشرح به للإنسانية كلها قيمة الإنسان عندنا.
(أنت عند الله غالٍ) بيان محمدي شريف، يضع بين يديك مفاتيح الفهم والبصيرة.
إن محمدا صلى الله عليه و سلم هو قدوتنا في عظمته الاجتماعية و أسوتنا في أناقته الأخلاقية. ﴿ لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡءَاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا ﴾ 21 الأحزاب
تأملت مداعبته و ملاطفته لأصحابه و نظرت إلى عميق إحساسه بظروفهم، فازددت إعجابا به وحبا له بأبي هو و أمي٠
“أنت عند الله غالٍ” بتقواك واخلاقك ” أنت عند الله أنت غالٍ ” توضح أن أساس نجاح أية دعوة إصلاحية هو الاهتمام بالإنسان قبل العمران٠
وما كانت دعوات الأنبياء عليهم السلام و هم من هم المؤيدون من الله – لتنتصر و تنتشر دون تثمين للرأسمال الأهم في هذا الكون : الإنسان٠
وما كانت جهودهم لتثمر ، و لا لمسيرتهم أن تستمر لولا اهتمام ببناء الانسان قبل البنيان ٠
روي الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرًا، وَكَانَ يُهْدِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ” ‌إِنَّ ‌زَاهِرًا بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ ” وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّهُ، وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَلَا يُبْصِرُهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي ، مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ، فَعَرَفَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ عَرَفَهُ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ” مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟ ” فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذًا وَاللهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ” لَكِنْ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ ” أَوْ قَالَ: ” لَكِنْ عِنْدَ اللهِ أَنْتَ غَالٍ “إسناده صحيح على شرط الشيخين.
فقد كان الْحَبِيبُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودودا لطيفا شديد الإحساس بهمومهم ، كثير الاهتمام بدقائق أحوالهم٠
و هذا جليبيب رضي الله عنه رجل من صحابته الكرام، كان في وجهه دمامة، و كان فقيرا و يكثر الجلوس عند النبي صلى الله عليه و سلم، فقال له النبي ذات يوم فيما يرويه عن أبي برزة الأسلمي ان جليبيبا كان امرأ من الأنصار وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لأحدهم ايم لم يزوجها حتى يعلم النبي صلى الله عليه وسلم هل له فيها حاجة أم لا؟.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم لرجل من الأنصار: “يا فلان زوجني ابنتك” قال نعم ونعمة عين قال: “اني لست لنفسي اريدها” قال لمن قال: “لجليبيب” قال يارسول الله حتى استأمر أمها. قأتاها فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك قالت نعم ونعمة عين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنه ليس لنفسه يريدها قالت فلمن قال لجليبيب، قالت حلقي ألجليبيب؟ لا لعمر الله لا ازوج جليبيبا.
فلما قام ابوها ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم قالت الفتاة من خدرها لابويها من خطبني اليكما؟ قالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت افتردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم امره؟ ادفعوني إلى رسول الله فانه لن يضيعني فذهب ابوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال شأنك بها فزوجها جليبيبا.
قال إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة لثابت اتدري ما دعا لها به النبي صلى الله عليه وسلم قال وما دعا لها به النبي عليه السلام قال: “اللهم صب عليها الخير صبا صبا ولا تجعل عيشها كدا كدا”.قال ثابت فزوجها اياه
ويروي ابا داوود في مسنده عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم «كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْقِتَالِ قَالَ: هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟، قَالُوا: نَفْقِدُ وَاللهِ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: انْظُرُوا هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟، قَالُوا: نَفْقِدُ فُلَانًا وَفُلَانًا. قَالَ: لَكِنِّي‌أَفْقِدُ ‌جُلَيْبِيبًا، فَاطْلُبُوهُ، فَوَجَدُوهُ عِنْدَ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأُخْبِرَ، فَانْتَهَى إِلَيْهِ فَقَالَ: قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ! هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، قَتَلَ سَبْعَةً وَقَتَلُوهُ! هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ بِذِرَاعَيْهِ هَكَذَا – فَبَسَطَهُمَا، فَوُضِعَ عَلَى ذِرَاعَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى حُفِرَ لَهُ، فَمَا كَانَ لَهُ سَرِيرٌ إِلَّا ذِرَاعَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى دُفِنَ. قَالَ: وَمَا ذَكَرَ غُسْلًا».
قال ثابت فما في الأنصار ايم انفق منها.
عباد الله : هاتان لطيفتان مؤثرتان لرسول الله صلى الله عليه و سلم مع صحابيين جليلين زاهر و جليبيب رضي الله عنهما٠
كلاهما فقير، لا مال لهما٠٠٠
لا يملكان شيئا من متاع الدنيا٠٠٠
و لا جمال يزينهما٠٠٠
لكن كليهما في نظر الرسول صلى الله عليه و سلم ” عند الله غال”٠
” أنت عند الله أنت غال ” تبرز أن قيمة الإنسان ليس بما يملك من حطام زائل، أو يكنز من متاع فانٍ، بل قيمته فيما يحمل من قِيَم و مبادئ، و ما انطوت عليه سريرته من صدق و حب لهذا الدين
” أنت عند الله أنت غال” تصرف انتباهنا إلى أن أهم ما يجب الحرص عليه في هذه الدنيا هو مقامنا عند الله لا عند الناس٠ فرضا الله يسير بلوغه أما رضا الناس فغاية لا تدرك٠
” أنت عند الله أنت غال” تصحح معاييرنا التي نزِنُ بها الناس، هذه الأخيرة قد يصيبها التطفيف، بل قد تصيبها عدوى مما يروج في المجتمع من مقاييس زائفة، فنحتاج أن نقوِّمَ الناس بميزان الشرع لا ميزان الهوى٠
هذا ما كشفت عنه سيرة رسول الله مع الشباب، و ما جلَّته بوضوح قصتا الصحابيين زاهر و جليبيب رضي الله عنهما
إذا كان سيد المربين صلى الله عليه و سلم يمزح مع زاهر رضي الله عنه ، يضُمُّه و يُعَبِّر له عن حبه و حب الله له، فما الذي نتوقع من زاهر عندما يستشعر هذا الكم من الحب والتقدير؟
أكيد سيبادل رسول الله حبا بحب، و سيزيد تعلقه بهذا الدين الذي يعلي من شأنه و يحفظ كرامته٠
و كيف سيحس جليبيب رضي الله عنه الفقير الذي لا أسرة له و لا مسكن، و رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرض عليه الزواج؟
و يعده أنه سيزوجه إحدى فتيات الأنصار٠
و يفي بوعده صلى الله عليه و سلم، و يجعل له بيتا يؤويه، و زوجا يسكن إليها، بل و يدعو رسول الله لزوجته الصالحة التي استجابت لطلب رسول الله و استيقنت أنه لن يضيعها، قال لها داعيا:” اللهم صُبَّ عليها الخير صبّا صبّا، و لا تجعل عيشها كدّا كدّا”، و قد كان فعلا٠
لقد بادل جليبيب رسول الله صلى الله عليه و سلم عطفا بعطف، لقد استجاب لدعوى النفير و هو عريس لا زال في أيام عرسه الأولى، و استشهد في غزوته تلك ٠
” أنت عند الله أنت غال” ترسم لنا المنهج الأمثل في التعامل مع الناس وخاصة الشباب
إنه منهج الاحتضان العاطفي و النأي عن محاكمتهم انطلاقا من المظهر
إنه تربية بالحب ، و تزكية بالاحتضان
إنه منهج فريد لتجسير العلاقة بيننا و بينهم، عسى أن تردم الهوة و تبعث الثقة بيننا من جديد٠
البر لا يبلي والذنب لا ينسي والديان لا يموت اعمل ما شئت كما تدين تدان وبالكيل الذي تكيل به يكتال لك والتائب من الذنب كمن لا ذنب له
قول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله ربي عقائد الموحدين فعرفوه ربا، وصفى قلوب المحبين فصب معرفته في قلب الصب به صبا
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة من سوء المأوى وآمل بها الفوز بالنعيم المقيم والدرجات العلى
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه النجباء وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم المعاد والجزاء وسلم تسليما.
أما بعد
فلقد كان صلى الله عليه وسلم يواسي الفقراء، وكيف أنه لم يلتفت إلى صور الناس؛ لأن العبرة بالقلوب والأعمال وليس بهذه المظاهر الكاذبة، هكذا تعلم منه الأصحاب الذين هم أولو الألباب رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
ثالثاً: من القيم التربوية للحبيب النبي صلى الله عليه وسلم في قصة زاهر بن حرام ……..
أخي الكريم : لعلّ فقيراً تبسمت له واحترمته، فرفع يداه فدعا لك، فأفلحت.
وربّ أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبرّه!
هنا قيمة تربوية جليلة في هذا الحديث فالنبى صلى الله عليه وسلم علم الأمة تلك القيمة التربوية الرفيعة، وهذا المعنى العظيم.
فالقيمة التى فُقدت فى مجتمعات مادية لا تزن الناس أو تحكم عليهم إلا من خلال المظهر الخارجى أو المقام والمنصب فتحقر هذا وتنتقص من ذاك وتمتهن كرامة هؤلاء وتسخر من أولئك، ولربما كان أدنى المهانين فى نظر الناس خيراً من ملء الأرض ممن يمتهنونه ويسخرون منه لأنه، ببساطة، عند الله ليس بكاسد. بينما نجد أناساً يشار إليهم بالبنان، وتُنظم فى مدحهم القصائد، وتدبج فى مناقبهم المقالات والمقولات، وهم فى الحقيقة لا يساوون عند الله جناح بعوضة. فى الحديث: «إنه ليأتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرأوا: (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا)». بكلمتين لخص رسول الله ذلك المعنى وعلم أمته أن القضية ليست قضية مظهر وقشرة خارجية قد لا تعبر عن نفاسة قدر أو نقاء معدن وأن العبرة ليست بمقام المرء عند الناس «عند الله». فكم من كاسد عند بنى البشر لكنه غالٍ عند رب البشر، وتلك هى القيمة الحقيقية التى حرص النبى دوماً أن يرسخها فى نفوس أتباعه. حرص على ترسيخها حين ضحكوا من دقة ساقى الصحابى الجليل عبدالله بن مسعود رضى الله عنه فأخبر أن تلك الساقين أثقل عند الله من جبل أحد. وحرص على ترسيخها حينما عجبوا من لين ونعومة ثوب حريرى أهدى إليه فقال: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا؟ مَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِى الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا». وحرص على ترسيخها حين ذكر الأشعث الأغبر المدفوع بالأبواب الذى هو رغم ذلك إذا أقسم على الله لأبرّه. تأمل عجيب شأنه يقسم على الله؟!! فيبره!! ما أرفع قدره! رجل بسيط من عوام الناس، بل من فقرائهم، جهل الناس مكانته، واحتجبوا عنه بظاهر حاله، فدفعوه بالأبواب، وأعرضوا عن إجابة حاجته، وردوا شفاعته فانحجبت عنهم معالم ولايته، لكنه يبقى صاحب المقام، المقام الحق، المقام الذى يُبتغى، والمنزلة التى تُرتجى، والمكانة التى يُبذل من الغالى والنفيس للوصول إليها وتحصيلها.. فعنده سبحانه؛ الناس درجات، والخلق مقامات، والورى طبقات.. لكنها ليست تتفاضل بمعايير أهل الدنيا، من مال وجاه ومنصب وعز ومظهر. حاشا وكلا، إنما هى مقامات وطبقات أخرى، رأس مالها التقوى، وخزانتها الخشية، ومفتاحها صحيح العقيدة، وكنزها خالص العبادة، واستثماراتها فى العمل الصالح والنفع لكل الخلق وخير الناس أنفعهم للناس كم من مواقف أصّل فيها النبى صلى الله عليه وسلم لذلك المعنى الراقى وشحذ الهمم لتطلب هذا القدر الرفيع عند المولى جل وعلا وليكون المرء مستحقاً لهذه الجملة الغالية «ولكنك عند الله لست بكاسد».
هذا وصلوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية، وأزكى البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عباد الله : إن الله يأمر بثلاث وينهى عن ثلاث يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي أذكروا الله يذكركم واستغفروه يغفر لكم واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر
جمع وترتيب \ ثروت سويف \ امام وخطيب ومدرس بالأوقاف المصرية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى