خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة القادمة : دروسٌ وعبرٌ مِنْ حادث تحويل القبلة / للدكتور مسعد الشايب
الجمعة 15 من شعبان 1446هـ الموافقة 14 من فبراير 2025م

خطبة الجمعة القادمة : دروسٌ وعبرٌ مِنْ حادث تحويل القبلة / للدكتور مسعد الشايب
الجمعة 15 من شعبان 1446هـ الموافقة 14 من فبراير 2025م
===========================================
أولا: العناصر:
1. مقدمــــــــة، ومدخــــــل.
2. سبعةٌ من الدروس والعبر المستفادة من هذا الحادث العظيم.
3. الخطبة الثانية: (تحويل السلوك السلبي إلى سلوك إيجابي أعظم الدروس).
خطبة الجمعة القادمة : دروسٌ وعبرٌ مِنْ حادث تحويل القبلة / للدكتور مسعد الشايب
خطبة الجمعة القادمة : دروسٌ وعبرٌ مِنْ حادث تحويل القبلة / للدكتور مسعد الشايب
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله ربِّ العالمين، القائل في كتابه الكريم: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[البقرة:142]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، سبحانه سبحانه يفعل ما يشاء بقدرته، ويحكم ما يريد بعزته، ولا منازع له في جبروته، ولا شريك له في سلطانه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلاةً وسلامًا عليك يا سيدي يا رسول الله دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وعلى آلك وأصحابك وأتباعك وأحبابك، ومن سار على نهجك، واتبع هديك إلى يوم الدين، وبعد:
===========================================
(1) ((مقدمــــة ومدخــــل))
===========================================
أيها الأحبة الكرام: فعن محمد بن مسلمة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (إِنَّ لِرَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا)(المعجم الأوسط)، والمؤمن الكيس الفطن هو الذي يغتنم تلك الأيام، ويتعرض لتلك النفحات بالطاعات والعبادات، ومن تلك الأيام المباركة شهر شعبان المعظم، الذي سمي بهذا الاسم لتشعب وتعدد أعمال البرّ فيه.
===
ومن الأحداث العظيمة في تاريخ الدعوة الإسلامية؛ والذي وقع في هذا الشهر المبارك، وتعارفت أمتنا العربية والإسلامية على تجديد الاحتفاء والاحتفال به في شهر شعبان ـ وبالتحديد في ليلة النصف منه؛ حادثُ تحويل القبلة في الصلاة من بيت المقدس إلى الكعبة بيت الله الحرام.
===
ذلكم الحدث المليء بالدروس والعبر والعظات، المفيدة للفرد، وللمجتمع، والجماعة، والوطن، والأمة ككلٍ، والذي يُعدّ علامة فارقة في تاريخ دعوتنا الإسلامية، فينبغي على الأمة الإسلامية بشيوخها رجالا ونساء، وبشبابها فتيانًا وفتياتٍ أن يقفوا أمامه طويلا، مستخلصين منه الدروس والعبر، جاعلين إياه نبراسًا في حياتهم، فتعالوا بنا أحبتي في الله ونحن نجدد الاحتفاء والاحتفال بتلك الذكرى العطرة، تعالوا بنا نستخلص بعض الدروس والعبر والعظات المستفادة من ذلكم الحدث العظيم، فأقول وبالله التوفيق: من أهم الدروس والعبر المستفادة من هذا الحادث العظيم:
===========================================
(2) ((سبعةٌ من الدروس والعبر المستفادة من هذا الحادث العظيم))
===========================================
1ـ عظم مكانة النبي (صلى الله عليه وسلم) عند ربه، حيث استجاب الحق لرغبته في التوجه في الصلاة للبيت الحرام فوجهه إليه، قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}[البقرة:144]، وتأملوا في روعة التعبير القرآني ونظمه، الذي يدل على عظم قدر النبي (صلى الله عليه وسلم) وعلو مكانته، فالحق تبارك وتعالى يقول: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} ترضاها أنت يا محمد، ولم يقلْ: أرضاها أنا ربُّ العزة تبارك وتعالى، ولذا تقول السيدة عائشة (رضي الله عنها): (وَاللهِ، مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ)(متفق عليه).
===
كما أعلمه سبحانه وتعالى بما سيردده اليهود من إشاعاتٍ وأراجيف محاربة للقبلة الجديدة، بهدف زعزعة المؤمنين في أمر صلاتهم إلى الكعبة، وتشكيكهم في صلاتهم إلى بيت المقدس، كما أنه (سبحانه وتعالى) لقّن المصطفى (صلى الله عليه وسلم) الردّ على تلك الإشاعات والأراجيف، فقال تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[البقرة:142]، فكل ذلك يبين ويوضح لنا مكانة النبي (صلى الله عليه وسلم) ومنزلتَه، وقدره عند ربّ العزة (تبارك وتعالى).
==========
2ـ ضرورة تميز المسلم في عباداته وطاعاته، وشخصيته وسلوكه، ومظهرِه ومخبرِه، فاليهود حينما قالوا: محمد يخالفنا ويتبع قبلتنا وعما قليل سيكون على ديننا؛ كان لا بد أن يصدر الأمر الإلهي باستقلال المسلمين في قبلتهم وتوجههم في الصلاة إلى بيت العرب، فنزل قول الله (عزّ وجلّ): {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}[البقرة:144].
===
وقد أرشدنا النبي (صلى الله عليه وسلم) في كثير من أحاديثه؛ إلى ضرورة استقلال المسلم وتميزه في كل أمور حياته، وعدم تبعيته إلا لشرائع دينه، وقد حذرنا النبي (صلى الله عليه وسلم) عمومًا من التشبه بغير المؤمنين فيما ليس بخير، فقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)(رواه أبو داود)، وكره النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يتخذ المسلمون ناقوسًا كناقوس النصارى، أو بوقًا كبوق اليهود، أو إيقاد نار للإعلام بدخول وقت الصلاة وأمر بلالا أن يناديَ بالصلاة. (رواه البخاري).
===
وحينما علم بصيام اليهود للعاشر من المحرم أراد مخالفتهم فقال: (لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ)(رواه مسلم)، وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه)، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهنّ في البيوت فسأل الصحابة (رضي الله عنهم) النبي (صلى الله عليه وسلم) فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة: 222]، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ). فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه)(رواه مسلم).
===
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِنَّ اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ)(متفق عليه)، (لا يصبغون)، أي: لا يغيرون لون الشيب. (فخالفوهم)، أي: بصبغ شعر الرأس واللحية ولكن بغير السواد. وعن أمّ المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) أنها: (كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ وَتَقُولُ: إِنَّ اليَهُودَ تَفْعَلُهُ)(رواه البخاري)، (خاصرته)، أي: وسطه تحت الأضلاع وفوق الورك، وعن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه)، عام حج (يقصد أخر حجة له) وهو على المنبر وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي (شرطي)، يقول: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينهى عن مثل هذه، ويقول: (إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ)(متفق عليه)، وفي رواية: (وَإِنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) سَمَّاهُ الزُّورَ يَعْنِي الوِصَالَ فِي الشَّعَرِ)(رواه البخاري)، أي: سمى وصل الشعر (ما يسمى بالباروكة) زورًا، والزور الكذب والتزيين بالباطل والوصل داخل فيه.
===
فالمسلم ينبغي أن يكون مستقلًا في كل شيء…إلخ، فالمسلم المسلم ينبغي أن يكون مستقلا في عباداته، وشخصيته، وسلوكه، ومظهره، ومخبره وكل شيء، لا يتبع إلا دينه، ولا يسير إلا خلف رسوله.
==========
3ـ الإشارة إلى مكانة بيت المقدس، وربطه بالمقدسات الإسلامية، فقد أُمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالتوجه إليه في الصلاة التي كانت ركعتين في الصباح وركعتين في المساء ـ تلك الصلاة التي أدركتها السيدة خديجة (رضي الله عنها) مع سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم.
===
وبعد فرض الصلوات الخمسة بصورتها المعروفة ليلة الإسراء والمعراج أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالتوجه إليه أيضًا، قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}[البقرة:143].
===
ولما هاجر النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة ظلّ يتوجه إليه في الصلاة ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا حتى كان تحويل القبلة إلى الكعبة بيت الله الحرام، فعن البراء بن عازبٍ (رضي الله عنه) قال: (صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صُرِفْنَا نَحْوَ الْكَعْبَةِ…)(متفق عليه).
===
فبيت المقدس هو أولى القبلتين، وقد رغبنا النبي (صلى الله عليه وسلم) بالصلاة فيه، فعن ميمونة، مولاة النبي (صلى الله عليه وسلم) قالت: قلت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس قال: (أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ…). قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟. قال: (فَتُهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ)(رواه ابن ماجه).
===
وقد بيّن النبي (صلى الله عليه وسلم) أن الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة، فقال (صلى الله عليه وسلم): (الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَالصَّلَاةُ بِمَسْجِدِي بِأَلْفِ صَلَاةٍ، وَالصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِ مِائَةِ صَلَاةٍ)(المعجم الكبير للطبراني)، فبيت المقدس هو أحد المقدسات الإسلامية التي لا تفريط فيها ولا هوان.
==========
4ـ ما عليه اليهود من صفات وخصالٍ ذميمة في كل زمان ومكان، فقد وصفهم القرآن الكريم كما سمعنا بسفاهة العقول وخفتها، فقال تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ}، كما أنهم أصحاب صلفٍ وعنجهيةٍ وغرور، فقد قالوا: (محمدٌ يخالفنا ويتبع قبلتنا، وقالوا للمسلمين: لو لم نكن على هدى ما صليتم لقبلتنا فاقتديتم بنا فيها)(تفسير الطبري).
===
كما أنهم أصحاب فتنة وبلبلةٍ وتشويشٍ على المسلمين بأراجيفهم وإشاعاتهم، فقد قالوا: إن كانت الصلاة إلى بيت المقدس خطأ؛ فلم توجه محمد إليه أولا، وإن كان التوجه إليه صحيحًا؛ فلم تحولّ عنه لاحقا، ونسوا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يتوجه باختياره، وأن الأمر بيد الله، وأن {لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، كما أنهم ادعوا ضياع صلاة مَنْ صلى إلى بيت المقدس، ومات قبل أن تتحول القبلة إلى الكعبة، فردّ الله عليهم قائلا: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}[البقرة:143].
===
يقول ابن عباس (رضي الله عنهما): (صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ عَنِ الشَّامِ إِلَى الْكَعْبَةِ……فَأَتَى رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ) رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَقُرْدُمُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ! مَا وَلَّاكَ عَنْ قِبْلَتِكَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ؟، ارْجِعْ إِلَى قِبْلَتَكَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا نَتَّبِعْكَ، وَنُصَدِّقْكَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ فِتْنَتَهُ عَنْ دِينِهِ)(دلائل النبوة للبيهقي).
===
ومن أراد أن يقف على ذميم خلالهم وسيئ صفاتهم فليرجع إلى أوائل سورة البقرة فقد تحدثت عنهم وعن صفاتهم في أكثر من مائة آية، وليرجع أيضًا إلى رسالة العالِمية (الدكتوراه) (بنو إسرائيل في الكتاب والسنة) لفضيلة الراحل شيخ الأزهر السابق، شيخ مشايخنا، دفين البقيع الدكتور/ محمد سيد طنطاوي (رحمه الله).
==========
5ـ التأكيد على تحول القيادة الدينية للأرض، من الأمة العبرية (أبناء إسحاق بن إبراهيم (عليهما السلام) إلى الأمة العربية (أبناء إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام)، فتحويل القبلة كان بعد الإسراء والمعراج، وقد أأتم أنبياء بني إسرائيل بالنبي (صلى الله عليه وسلم) في الصلاة ببيت المقدس، وها هو تحويل القبلة من هذا البيت إلى الكعبة بيت الله الحرام بيت العرب وبيت آبائهم وأجدادهم بمثابة التأكيد على ذلك.
==========
6ـ العبودية الحقة لله باتباع أوامره وإن كانت على غير هوانا، والأدب مع الله، فالعبادات والطاعات أمرٌ رباني لا يخضع لرغبات البشر، فقد ظلّ النبي (صلى الله عليه وسلم) متوجهًا في الصلاة إلى بيت المقدس قبلة اليهود ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، مع أنه كان يتمنى أن يتوجه في الصلاة تجاه بيت الله الحرام، قبلة أبويه إبراهيم وإسماعيل، وصدق نبينا (صلى الله عليه وسلم) إذ يقول: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ)(السنة لابن أبي عاصم).
===
وحينما تطلع النبيُ (صلى الله عليه وسلم) إلى ذلك لم يطلب بلسان المقال، وإنما طلب بلسان الحال، فقد وردّ أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقول: (يَا جِبْرِيلُ، وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ صَرَفَ وَجْهِي عَنْ قِبْلَةِ يَهُودَ). فيردّ جبريل (عليه السلام) قائلًا: (إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَادْعُ رَبَّكَ وَسَلْهُ)(الطبقات الكبرى)، فظلّ النبي (صلى الله عليه وسلم) يقلب بصره في السماء مناجيًا رب العزّة بلسان الحال لا بلسان المقال أن يوجهه في صلاته إلى الكعبة حتى نزل جبريل (عليه السلام) بآيات تجويل القبلة:
==========
7ـ المؤمن لا بد له من اختبار وامتحان وابتلاء، وقد يكون ذلك بالخير، وقد يكون بالشر، قال تعالى: {الم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت:1ـ3]، وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء:35]، وقد اختبر الحق تبارك وتعالى المؤمنين من العرب، بأمرهم إلى التوجه في الصلاة إلى بيت المقدس أولا، تاركين الكعبة قبلة آبائهم وأجدادهم، وعنوان فخرهم، وعزهم ورائهم، ليرى ـ وهو أعلم ـ هل يتبعوا النبي (صلى الله عليه وسلم)، أم يتعصبوا لقبلة آبائهم وأجدادهم، ويرتدوا على أدبارهم خائبين خاسرين، وصدق الله إذ يقول: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ}[البقرة:143].
عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون…………
===========================================
(الخطبة الثانية)
((تحويل السلوك السلبي إلى سلوك إيجابي أعظم الدروس))
===========================================
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
===
أيها الأحبة الكرام: مازال الحديث بنا موصولا مع حادث تحويل القبلة…ـ وأهم الدروس والعبر المستفادة منه، ومن هذه الدروس والعبر:
====
تغيير السلوكيات السلبية وتحويلها إلى سلوكيات إيجابية؛ فنتحول من التبعية إلى الاستقلال في عقيدتنا وشريعتنا، ومظهرنا، ومخبرنا، وأخلاقنا، وشخصيتنا، وفي كل شيء كما تقدم.
ونتحول من ترديد الشائعات والأراجيف إلى التثبت في رواية الأخبار، فقد قال تعالي مناديًا على أهل الإيمان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات:6]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبَا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)(رواه مسلم في مقدمة الصحيح).
====
ونتحول من التواكل إلى التوكل على الله (عزّ وجلّ)، والأخذ بالأسباب، وصدق الله إذ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7]، وعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا)(رواه الترمذي).
====
ونتحول من البطالة والكسل إلى العمل والإنتاج، والبناء، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[الملك:15]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ)(رواه مسلم).
====
ونتحول من الإسراف والتبذير، إلى التوفير والترشيد، فالحق تبارك وتعالى يقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف:31]، وقال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا*إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}[الإسراء:27،26]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}[الفرقان:67]، وقال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}[الإسراء:28].
ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًيٍ وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ)(متفق عليه)، (معي) جمع أمعاء وهي المصارين. (سبعة أمعاء) كناية عن الشره والرغبة في متاع الدنيا وملذاتها والحرص على التشبع من شهواتها التي من جملتها تنوع المآكل والمشارب والامتلاء منها، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ الْآدَمِيِّ، لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتِ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ، فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ)(رواه الترمذي)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)(متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (كُلُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلَا مَخِيلَةٍ)(رواه النسائي).
====
إن تحويل الطاقات السلبية إلى طاقات إيجابية لهو عمل العقلاء في كل زمان ومكان، ولا يقدر عليه إلا أولوا البصائر والنهى.
===========================================
فاللهمّ أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علمًا نصير به خاشعين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
=====
اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب