خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة القادمة للدكتور مسعد الشايب: صدقة الفطر…وأهم أحكامها الفقهية

خطبة الجمعة القادمة للدكتور مسعد الشايب: صدقة الفطر…وأهم أحكامها الفقهية، ٢٨ من رمضان ١٤٤٦ه الموافق ٢٨ من مارس ٢٠٢٥م
((صدقة الفطر…وأهم أحكامها الفقهية))
الجمعة ٢٨ من رمضان ١٤٤٦ه الموافق ٢٨ من مارس ٢٠٢٥م
===========================================
أولا: العناصر:
1. وقفات مع زكاة الفطر.
(أسماؤها، حكمة مشروعيتها، المطالب بها، مقاديرها الشرعية، جواز إخراجها قيمة، وبعض أدلته، وقت إخراجها، مصارفها الشرعية)
2. الخطبة الثانية: (الفرق بين زكاة الفطر والزكاة المخصوصة (صدقة الفرض).
خطبة الجمعة القادمة للدكتور مسعد الشايب word : صدقة الفطر…وأهم أحكامها الفقهية.
خطبة الجمعة القادمة للدكتور مسعد الشايب pdf : صدقة الفطر…وأهم أحكامها الفقهية
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[البقرة:271]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صادق الوعد الأمين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
===========================================
(1) ((وقفاتٌ مع زكاة الفطر)):
===========================================
أيها الأحبة الكرام: فما زلنا نعيش في رحاب شهر رمضان وطاعاته وعبادته، ومن أهم الطاعات والعبادات الواجبة علينا في شهر رمضان، ولا تكون إلا فيه زكاة الفطر، أو صدقة الفطر، فزكاة الفطر مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بشهر رمضان والصيام والصائمين كما سيتضح لنا إن شاء الله، وفي هذا الخطبة المباركة إن شاء الله أجلي، وأوضح، وأبين لكم أيها السادة أهم الأحكام الفقهية المتعلقة بزكاة الفطر، وما يتعلق بها من أسئلة واستفسارات، فأقول وبالله التوفيق:
===============
1ـ أسماؤها، ولم أضيفت كلمة الفطر إليها: زكاة الفطر أو صدقة الفطر سميت بذلك لأنها يجب إخراجها على المسلم بالفطر من أخر أيام شهر رمضان على مذهب جمهور الفقهاء، خلافًا للسادة الأحناف.
==
فمن مات قبل غروب شمس أخر يوم من شهر رمضان ولو بلحظة فلا زكاة عليه، ومن مات بعد غروب شمس أخر يوم من أيامه ولو بلحظة فقد أصبح مدينًا بالزكاة، وعلى ورثته إخراج زكاة الفطر عنه، ومن وُلد قبل غروب شمس أخر يوم من رمضان ولو بلحظة فعلى ولي أمره إخراج الزكاة عنه، ومن وُلد بعد غروب شمس أخر يوم من رمضان ولو بلحظة فلا زكاة عليه، ولا يطالب ولي أمره بذلك.
==
وزكاة الفطر تسمى بزكاة الخلقة؛ لأنها تؤخذ على كل مخلوق ومولودٍ من المسلمين، وتسمى أيضًا بزكاة الرؤوس؛ لأنها تؤخذ على كل رأسٍ من المسلمين، وتسمى أيضًا بزكاة الأبدان؛ لأنها تؤخذ على كل بدنٍ من المسلمين، فعن ابن عمر (رضي الله عنهما): (أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ رَجُلٍ، أَوِ امْرَأَةٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ)(رواه مسلم)، ومن هنا قال بعض الفقهاء: إنها تخرج حيث كان الشخص، ولو كان مسافرًا وبعيدًا عن بلده.
===============
2ـ حكمة مشروعية زكاة الفطر: وزكاة الفطر شُرعت طهرة للصائمين من اللغو (الكلام الباطل الذي لا فائدة فيه)، والرفث (الكلام الفاحش البذيء) فهي جبرٌ للخلل والنقصان الذي يطرأ على صيام شهر رمضان، فالصيام من العبادات الطويلة الشاقة على النفوس، والتي يصعب تأديتها على الوجه الأكمل.
==
كما أن زكاة الفطر شُرعت رفقًا بالفقراء والمساكين في هذا الشهر الكريم، وشُرعت إدخالا للفرح والسروح عليهم في يوم الفرح والسرور (يوم العيد)، وهذا من الجوانب الإنسانية في زكاة الفطر، فعن ابن عباسٍ (رضي الله عنهما) قال: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ…)(رواه أبو داود).
==
ومن هنا أقول: إن الحكمة في إخراج غير الصائمين لزكاة الفطر ـ كالأطفال الصغار ـ هو مراعاة الفقراء والمساكين، وهذا جانب من الجوانب الانسانية في الصيام ومظهرٌ من مظاهر الكرم والجود فيه.
===============
3ـ المُطالب بزكاة الفطر، مَنْ الذي يخرجها ويؤديها؟: وزكاة الفطر تجب على كل نفس من المسلمين، ويطالب بإخراجها وأدائها كلُّ الفئات، لا فرق بين صغيرٍ وكبير، ذكرٍ أو أنثى، حرٍّ أو عبد، غنيٍ أو فقير، صحيحٍ أو مريض.
==
فهي تجب على كلِّ مَنْ ملك قوته وقوت مَنْ تلزمه نفقتهم ليلة العيد ويومه، وكلنا يملك ذلك حتى الفقير، فالفقير يأخذ الزكاة ويخرجها في آن واحد، وهذا مما يشعره بكيانه في المجتمع، قال (صلى الله عليه وسلم): (أَدُّوا صَاعًا مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ، عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ، وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُعْطِي)(رواه أحمد والبيهقي في السنن).
==
ومن هنا فإن الراجح من أقوال أهل العلم خلافًا لقول بعض السلف: إن إخراج زكاة الفطر عن الجنين مستحبٌ، وليس بواجب، فهي زكاة أبدان، ونفوس، ورؤوس، وهو لم يخرج بعد للحياة لا برأسه، ولا ببدنه، ولا بنفسه.
===============
4ـ مقاديرها الشرعية: وزكاة الفطر أيها الأخوة الأحباب مقدارها صاعٌ من الطعام (القمح، البرّ، الشعير، الأقط، الزبيب) كما سمعنا من أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، هذا الصاع يقدر بأربعة (4) أمداد، أربعة حفنات من كفي الرجل معتدل الخلقة.
==
مقدراها كيلًا: هذا الصاع يعادل ربع كيلة مصرية من الحبوب أي: قدحان فالكيلة المصرية ( ثمانية أقداح تكفي عن أربعة أشخاص في زكاة الفطر. (المكاييل والموازين الشرعية)
==
مقدارها وزنًا: هذا الصاع (الأربع حفنات) يقدر بالوزن تقريبًا (2.04) كيلو جرام، عند جمهور الفقهاء خلافًا للسادة الأحناف الذين حددوه (3.25) كيلو جرام. (المكاييل والموازين الشرعية)
ورأي جمهور الفقهاء ـ من وجهة نظري ـ هو الأضبط، وخصوصًا أن الفقير مطالبٌ بتلك الزكاة أيضًا ويزيد هذا الصاع قليلًا عن رأي جمهور الفقهاء بحسب اختلاف الشيء الموزون، ولا أدري جدول أوزان الحبوب الذي يتولى نشره المتسلفة وأتباعهم من أين أتوا به، وما دليلهم عليه.
==
مقدارها بالقيمة: وهذا الصاع يجوز إخراج قيمته مالًا (نقودًا) وعروض (كل متاع بخلاف النقود، فيدخل فيه الملابس وغيرها، والأحذية…الخ)، وقيمتها تبدأ هذا العام (رمضان 1442ه= إبريل، ومايو 2021م) من خمسة عشرة جنيهًا، كما حددت دار الإفتاء المصرية، والزيادة على ذلك خير. (رمضان 1445ه= مارس، وإبريل2024م) تبدأ من (35) خمسة وثلاثين جنيهًا.
==
فزكاة الفطر يجوز إخراجها من الحبوب والقوت، وهو فعل النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهو الذي اختاره لنفسه وعصره، ويجوز إخراجها بالقيمة (نقودًا)، وإليه أشار النبي (صلى الله عليه وسلم)، وفعله الصحابة والسلف الصالح كما سنرى، ويجوز إخراجها عروضًا كإعطاء الملابس والأحذية…إلخ للفقراء والمساكين بدلا منها، ويجوز أن تخرج بكل ذلك معًا قوتًا، ونقودًا، وعروضًا إن أردنا، فالمهم أن يبذل الشخص شيئًا، قال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}[الحج:37].
===============
5ـ إخراج زكاة الفطر بالقيمة والعروض ليس مخالفًا لهديه (صلى الله عليه وسلم)؟: إن إخراج زكاة الفطر بالقيمة والعروض ليس مخالفًا لهديه (صلى الله عليه وسلم)، فاختيار النبي (صلى الله عليه وسلم) لإخراجها حبوبًا وطعامًا ليس تعيينًا لذلك، وإنما هو اختيار للأيسر على أصحابه آنذاك، فالحبوب والطعام هما الأيسر والأوفر ساعتها، وكان لهما قيمة شرائية معروفة، بل وكانت هي المتداولة في البيع والشراء فقد كان الناس يتبادلون بالطعام والحبوب الأشياء التي يحتاجونها، ولم تكن النقود قد ظهرت بعد أو كانت شحيحة قليلة، فاختيار النبي (صلى الله عليه وسلم) لإخراجها حبوبًا وطعامًا هو اختيار للأيسر والأوفر وليس تعيينًا.
==
ويعزز هذا الفهم ما نقل عن النبي (صلى الله عليه وسلم) من العمل بالقيمة في الزكاة المفروضة، قال (صلى الله عليه وسلم): (وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ (الأنثى من الإبل التي لها سنة) وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ (الأنثى من الإبل التي لها سنتان) فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ)(رواه البخاري)، وقال (صلى الله عليه وسلم) دفاعًا عن سيدنا خالد بن الوليد (رضي الله عنه) حينما أشيع منعه الزكاة: (…فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ…)(متفق عليه)، وعن ابن عباس (رضي الله عنهما): (أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) خَرَجَ يَوْمَ أَضْحَى، أَوْ فِطْرٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا، وَتُلْقِي سِخَابَهَا)(متفق عليه)، والشاهد (سخابها): فهو قلادة من طيب معجون على هيئة الخرز يكون من مسك، أو قرنفل، أو غيرهما من الطيب ليس فيه شيء من الجوهر، وعن معاذ (رضي الله عنه): (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ)(رواه النسائي).
==
ويعزز هذا الفهم أيضًا نقل إخراج القيمة في زكاة الفطر عن حوالي (12) اثني عشر صحابيًا من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منهم: عمر وعلى ومعاوية ومعاذ بن جبل (رضي الله عنهم) وهناك روايات تفيد عمل جملة الصحابة بذلك، فعن ابن عمر (رضي الله عنهما): (أَمَرَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِزَكَاةِ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ)(متفق عليه)، وعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنهما): (كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَكَاةَ الْفِطْرِ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ، وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ). فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: (إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ (حنطة وقمح الشام)، تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ). فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: (فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ، أَبَدًا مَا عِشْتُ)(اللفظ لمسلم)، وعن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) أنه قال لأهل اليمن: (ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِالْمَدِينَةِ)(رواه البخاري تعليقًا، وابن زنجويه موصولًا)، وعن زهير، قال: سمعت أبا إسحاق (الهمداني)، يقول: (أَدْرَكْتُهُمْ وَهُمْ يُعْطُونَ فِي صَدَقَةِ رَمَضَانَ الدَّرَاهِمَ بِقِيمَةِ الطَّعَامِ)(مصنف ابن أبي شيبة برقم: 10371).
==
(قلت ابن الشايب): أبو إسحاق الهمداني هو: عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني الكوفي، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان (رضي الله عنه)، من الطبقة الوسطى من التابعين أدرك عليًا وجماعة من الصحابة فهو يحدث في هذا الأثر عن الصحابة، وهذا يدل على أن القيمة كان معمولًا بها في عصر الصحابة، وهناك طرق كثيرة تتعاضد بمجموعها، ولا يبقى معها شك في ثبوت العمل بالقيمة في عهد الصحابة (رضي الله)، مما يؤيد أن نصّ النبي (صلى الله عليه وسلم) على الحبوب كان تيسيرًا ورفعًا للحرج فقط لأنه كان الغالب في المدينة، ولم يكن مقصودًا به تقييد الواجب وحصره في هذه الأصناف، وإلا فكيف ساغ لهؤلاء الصحابة العمل بالقيمة، هل تعمدوا مخالفة نصّ النبي (صلى الله عليه وسلم)؟ أم فهموا ما لم يفهمه الكثير في عصرنا اليوم؟ ولله الحمد.
وعن سفيان، عن هشام، عن الحسن (البصري)، قال: (لَا بَأْسَ أَنْ تُعْطِيَ الدَّرَاهِمَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ)(مصنف ابن أبي شيبة برقم: 10370)، وعن وكيع، عن قرة، قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: (نِصْفُ صَاعٍ عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ أَوْ قِيمَتُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ)(مصنف ابن أبي شيبة برقم: 10369).
===============
6ـ وقت جواز إخراج زكاة الفطر (بداية إخراجها): زكاة الفطر مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بشهر رمضان وصيامه كما تقدم فهي ما شرعت إلا تطهيرًا للصائم من اللغو والرفت وتوسعة على الفقراء والمساكين في هذا الشهر الفضيل ويجب إخراجها بغروب شمس أخر أيامه، أما وقت جواز إخراجها فقد اختلفت فيها كلمة الفقهاء على عدة أقوال، كالتالي:
==
الشافعية وجُلّ الأحناف ومَنْ وافقهم قالوا: بجواز إخراجها من أول يومٍ في رمضان لأنها مرتبطة بصيامه. المالكية والحنابلة ومَنْ وافقهم قالوا: بجواز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، وعند المالكية بثلاثة أيام مستدلين بفعل سيدنا عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما). بعض الأحناف ومَنْ وافقهم قالوا: بجواز إخراجها قبل رمضان ولو بسنة مستدلين باستسلاف النبي (صلى الله عليه وسلم) للزكاة من عمه العباس قبل مرور الحول، فقد سأل العباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه) النبي (صلى الله عليه وسلم) في تعجيل صدقته قبل أن تحل، (فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِك)(رواه أحمد)، وفي رواية: (إِنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ فِي عَامٍ)(المعجم الأوسط والكبير، وسنن البيهقي).
==
(قلت: ابن الشايب): المختار عندي في الفتوى: جواز إخراجها بلا حرجٍ من أول يومٍ في شهر رمضان وخصوصًا في هذا العصر حتى يتكمن الفقير من شراء حاجاته وحاجات مَنْ تلزمه نفقتهم في هذا الشهر الفضيل، وفي أوقات الأزمات والشدائد كجائحة كورونا بل يجوز إخراجها من قبل رمضان، وهذا هو رأي جمهور أهل العلم اليوم جواز أخذ الصدقات قبل أوان حلولها ووجوبها، لمدة عامين فقط، وخصوصًا عند الحاجة، فالمهم أن تؤدى وتخرج زكاة الفطر قبل صلاة العيد؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ)(رواه أبو داود).
===============
7ـ مَنْ تُصرفُ لهم زكاة الفطر: زكاة الفطر مثلها مثل الزكوات والصدقات فهي تعطى وتصرف للمصارف الثمانية المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة:60]، وهذا رأي جمهور الفقهاء، واختار فقهاء المالكية ومعهم ابن تيمية إعطائها للفقراء والمساكين فقط؛ لأنها شرعت طعمةً لهم، فلا تصرف إلا لهم، ولأنها تشبه الكفارات، فلا يجوز إخراجها إلا لمَنْ يستحق الكفارة.
عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب كمَنْ لا ذنب له
===========================================
(الخطبة الثانية)
((الفرق بين زكاة الفطر والزكاة المخصوصة (صدقة الفرض))
===========================================
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
=====
أيها الأحبة الكرام: ما زال الحديث بنا موصولًا مع زكاة الفطر وأهم أحكامها الفقهية، ولا يتبقى لنا إلا التفرقة بينها وبين الزكاة المخصوصة (صدقة الفرض)، فأقول: بعض الناس يعتقد أن زكاة الفطر هي الزكاة الخاصة، أو الركن الثالث من الأركان الخمسة التي يقوم، ويبنى عليها الدين الإسلامي، وهذا جهلٌ عظيم بدين الله (عزّ وجلّ) فبين الزكاتين فروقٌ عظيمة ينبغي الإحاطة بها، كالتالي:
=====
الزكاة الخاصة لا تجب إلا على الأغنياء فقط، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) لسيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه) حينما بعثه إلى اليمن: (ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ)(متفق عليه)، أما زكاة الفطر فتجب على كل رأس من المسلمين (صغير أم كبير، ذكر أم أنثي، حر أم عبد، غني أم فقير)، فعن ابن عمر (رضي الله عنهما): (أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ…)(متفق عليه).
=====
الزكاة الخاصة لا تجب إلا بعدة شروط: (ملك النصاب، مرور عام هجري على ملك النصاب، الملك التام…)، أما زكاة الفطر فلا يشترط فيها إلا ملك وحيازة قوت وطعام ليلة العيد ويومها فقط.
=====
الزكاة الخاصة تصرف بالاتفاق للأصناف الثمانية، المذكورة في قول الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، أما زكاة الفطر فعند المالكية وابن تيمية لا تصرف إلا للفقراء والمساكين فقط لشبهها بالكفارات فلا تصرف إلا فيما تصرف فيه الكفارات.
=====
الزكاة الخاصة تخرج من عدة أصناف، من الإبل والبقر والغنم، ومن الزروع والثمار، ومن الذهب والفضة، والأوراق المالية، وعروض التجارة، وتخرج أيضا من الركاز (الأشياء التي وجدت مدفونة تحت الأرض)، أما زكاة الفطر فلا تخرج إلا من القوت أو الحبوب، وليس أي قوت، بل القوت الغالب، ويجوز إخراج قيمتها.
=====
الزكاة الخاصة يتفاوت مقدارها بحسب الصنف الذي تخرج منه، ومقدارها أكبر من مقدار زكاة الفطر، أما زكاة الفطر فمقدارها قليل، ويقدر بصاع فقط (أربعة أمداد) والمدّ (حفنة من كفي الرجل معتدل الخلقة) أو (ربع كيلة مصرية) أو (2000جم تقريبا) من الحبوب والقوت، ويجوز إخراج قيمة هذا الصاع بالنقود وهو الأنفع اليوم لمصلحة الفقير.
=====
الزكاة الخاصة لا تكون في العبيد، ولا يخرجها العبيد، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (لَيْسَ عَلَى المُسْلِمِ صَدَقَةٌ فِي عَبْدِهِ وَلاَ فِي فَرَسِهِ)(متفق عليه)، أما زكاة الفطر، فيجب أن تخرج عن العبيد، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (لَا صَدَقَةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي فَرَسِهِ وَعَبْدِهِ، إِلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ)(رواه ابن حبان).
===========================================
فاللهمّ إنّا نسألك رضاك والْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ سخطك ومن النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب