خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة «نعمة الأمن والاستقرار »، للشيخ ثروت سويف

بتاريخ 24 رجب 1446 - 24 يناير 2025

خطبة الجمعة القادمة «نعمة الأمن والإستقرار »، للشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذا الموضوع
أولاً : من أصبح منكم آمنا في سربه
ثانياً :أهمية نعمة الأمن
ثالثاً : الأمن ضرورة شرعية
رابعاً : الأمن من مكر الله
الخطبة الأولي
الحمد لله تفرد بكل كمال، وتفضل على عباده بجزيل النوال، بيده الخير ؛ ومنه الخير فله الحمد على كل حالٍ، وفي كل حال، في الحال وفي المآل، أحمده سبحانه على ما منح من النعماء، وأشكره على واسع العطاء
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تقدس في الذات والصفات والأسماء
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين وإمام الحنفاء، الطاهرين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأوفياء، وأصحابه النجباء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء
أما بعد
فقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين، والناس أجمعين، أن يذكروا نعمه عليهم، فقال تعالى مخاطباً المؤمنين{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [المائدة/11]. وقال{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [فاطر/3]. وإن من أعظم نعم الله التي يجب أن نذكرها ونُذكِّر بها: نعمة الأمن والإستقرار
أولاً : من أصبح منكم آمنا في سربه
‌الأمن يعني: السلامة من الفتن والشرور، ويعني: الاطمئنان والاستقرار والرخاء والازدهار
‌الأمنُ حقيقتُه: انتفاء الخوف على حياة الإنسان وعِرضه ومُلكه ومُكتسباته قال تعالى ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) الأنعام
فلهم الأمن بتوحيدهم في الدنيا والآخرة
وقال تعالى ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ﴾ [سبأ:١٨] أي: «لا تخافون عدوّا ولا جوعا ولا عطشا
فالأمنُ نعمةٌ عُظمى ومنَّةٌ كُبرى لا يعرفُ كبير مقداره وعظيمَ أهميته إلا من اكتوَى بنار فقده، فوقع في الخوف والقلق والذُّعر والاضطراب ليلاً ونهارًا سفرًا وحضرًا
فقد روى ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ‌أَصْبَحَ ‌مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًا فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمٍ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِها » ورواه الترمذي وغيره بدون بحذافيرها
عباد الله : إن من أعظم نعم الله على عباده أن يصبح الإنسان آمنا على نفسه مطمئنا على عرضه، لا يخاف ظلم ظالم ولا جور جائر، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن من اجتمع له ‌الأمن في وطنه والصحة في بدنه مع وجود قوت يومه فقد جمعت له الدنيا ولم يفته منها شيء ” فكأنما حيزت له الدنيا”أي اجتمعت لديه أسباب النعيم العاجل، ولم يفته من مسرات الحياة شيء بِحَذافِيرها أَي بأَسْرِها وبجوانبها
والأمن في البلاد مع الصحة في الأبدان نعمة يجب أن تشكر فإن من فاتته هذه النعمة لم يسعد من الحياة من شيء ولذلك جاء في الحكم: “نعمتان مجحودتان ‌الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان”
ولأهمية ‌الأمن وعظيم مكانته
ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي: اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي.» في حاشية السندي: آمن روعاتي ـ أي ادفع عني خوفا يقلقني ويزعجني
ثانياً : أهمية نعمة الأمن والإستقرار ………
أيها المؤمنون
والأمن مطلب الناس جميعاً
فإبراهيم عليه السلام يدعو الله أن يجعل بلده آمناً {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} إبراهيم: 35
وقد استجاب الله تبارك وتعالى دعاء إبراهيم عليه السلام فجعل دار إسماعيل عليه السلام حرما آمنا وجعل البيت الحرام مثابة للناس وأمنا وفي ذلك يقول: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً} ، ووصفت مكة بأنها البلد الأمين حيث يقول: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}
عباد الله : مما يدل لذلك أمور، منها أنّ نعمة الأمن أعظم من نعمة الرزق ولذلك قُدمت عليها في الآية الكريمة: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} البقرة/ 126
فبدأ بالأمن قبل الرزق لسببين
الأول: لأن استتباب الأمن سبب للرزق، فإذا شاع الأمن واستتبَّ ضرب الناس في الأرض، وهذا مما يدر عليهم رزق ربهم ويفتح أبوابه، ولا يكون ذلك إذا فُقد الأمن
الثاني: ولأنه لا يطيب طعام ولا يُنتفع بنعمة رزق إذا فقد الأمن فمن من الناس أحاط به الخوف من كل مكان، وتبدد الأمن من حياته ثم وجد لذة بمشروب أو مطعوم؟
ولقائل أن يقول: فلماذا قدم الرزق على الأمن في سورة قريش؟
قال تعالى ( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4) ) قريش
فالجواب: أن هذه السورة خطاب للمشركين، وعند مخاطبة هؤلاء يحسن البدء بالقليل قبل الكثير، وباليسير قبل العظيم.. ودليل ذلك قول الله تعالى: { یَٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِی خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ۝21 ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشࣰا وَٱلسَّمَاۤءَ بِنَاۤءࣰ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقࣰا لَّكُمۡۖ فَلَا تَجۡعَلُوا۟ لِلَّهِ أَندَادࣰا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ۝22 } [البقرة: 21-22]. فبدأ بخلقهم قبل خلق السماوات والأرض، وخلقهما أكبر من خَلْقِ الناس. قال تعالى: { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} غافر: 57
وامتن الله في القرآن على عباده بهذه النعمة فقال سبحانه: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67].
وامتن الله بهذه النعمة على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال:{ وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الأنفال:26
يقول الشاعر
وقاية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم
وكما قال الشاعر
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن آمان
لقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تطبيق شريعة الإسلام، والعمل بأحكامها والعمل بالقرآن الكريم وتحليل حلاله وتحريم حرامه يورث البلاد أمنا، ويهبها استقرارا، فقد صح الخبر عن عدي بن حاتم رضي الله عنه ، قال : بينا أنا عند النبي – صلى الله عليه وسلم – إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ، ثم أتاه الآخر فشكا إليه قطع السبيل . فقال : ( يا عدي ! رأيت الحيرة ؟ فإن طالت بك حياة فلترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله ، ولئن طالت لك حياة لتفتحن كنوز كسرى ، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله فلا يجد أحدا يقبله فيه ، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له ، فليقولن : ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك ؟ فيقول : بلى . يقول ألم أعطك مالا وأفضل عليك ؟ فيقول : بلى ؛ فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم ، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم ، اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة ) قال عدي : فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله ، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم – صلى الله عليه وسلم – ( يخرج ملء كفه ) . رواه البخاري .
ولقد بين الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الأسباب السالبة للأمن الجالبة للخوف، فجعل منها محاربة دين الله وفي ذلك يقول: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
ويوسف عليه السلام يطلب من والديه دخول مصر مخبراً باستتباب الأمن بها { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ } يوسف: 99
اللهم اجعل مصر آمنه مطمئنة وسائر بلاد المسلمين
ولمَّا خاف موسى أعلمه ربه أنه من الآمنين ليهدأ رَوْعه، وتسكن نفسه } وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ {(القصص: 31)
ولما رحم النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة يوم فتحها ذكرهم بما ينالون به الأمن؛ مما يدل على أهميته لدى المؤمنين والكافرين، فقال: «من دخَل دارَ أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقَى السّلاحَ فهو آمن، ومن دخل المسجدَ فهو آمن» رواه مسلم
1]).
ولأهمية الأمن أكرم الله به أولياءه في دار كرامته؛ لأنه لو فُقد فُقد النعيم، قال رب العالمين: ( ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ ) الحجر: 46
وقال:{ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} (الدخان : 55)، وقال: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} سبأ : 37
ثالثاً : الأمن ضرورة شرعية
إن الإسلام حرَّم كل فعلٍ يعبَثُ بالأمن والاطمئنان والاستقرار، وحذَّر من كل عملٍ يبُثُّ الخوف والرعبَ والاضطراب، من مُنطلق حرصِه على حفظ أجلِّ النعم: ‌الأمن والأمان
ومن هذا المُنطلق نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتسبَّب الإنسان إلى فعلٍ يؤدِّي إلى المَساسِ بالأمن والاستقرار، عن عبد الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ ، فَفَزِعَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا ) رواه أبو داود (رقم/5004)
ويقول صلى الله عليه وسلم: «لا يُشِر أحدُكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزعُ في يده فيقع في حفرةٍ من النار»؛ متفق عليه
وقد جاء نبينا صلى الله عليه وسلم بالتحذير من مثل هذه الأحوال: «لا ترجِعوا بعدي كفَّارًا يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ»، وكأنه يحكي حال اليوم، «إذا التَقَى المسلمان بسيفيهما فالقاتلُ والمقتولُ في النار». قيل: يا رسول الله! هذا القاتل، فما بالُ المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه»؛ متفق عليه.
عباد الله : إن أدوم الناس سروراً الآمن وأحسن الناس عيشاً آمنهم ومن أحب أن يعيش آمناً فليكف عن الذنوب وربّ أمنٍ يشبه
الخوف واعلم أن الأمن نصف العيش فلا عيش لخائفٍ والمرض حبس البدن والخوف حبس الروح وإن أنس الأمن يذهب وحشة الوحدة، ووحشة الخوف تذهب أنس الجماعة
والأمن للفرد والمجتمع والدولة من أهم مقومات الحياة، إذ به يطمئن الناس على دينهم وأموالهم وأنفسهم وأعراضهم، ويتفرغون لما يصلح أمرهم ويرفع شأنهم وشأن مجتمعهم
فأمنُ القلبِ: إيمانُه ورسوخُه في معرفةِ الحقِّ، وامتلاؤُه باليقينِ.
وأمْنُ البيتِ: سلامتُه من الانحرافِ، وبُعْدُه عنِ الرذيلةِ، وامتلاؤُهُ بالسكينةِ، واهتداؤه بالبرهانِ الرَّبّانيِّ.
وأمْنُ الأمةِ: جمْعُها بالحبِّ، وإقامةُ أمرِها بالعَدْلِ، ورعايتُها بالشريعةِ.
والخوف عدوُّ ‌الأمنِ {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} ، {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} .
ولا راحة لخائفٍ ولا أمْن لملحِدٍ، ولا عيش لمريضٍ.
والأمن مقصود فى شريعة الاسلام فى عباداته ومعاملاته على حد سواء، فالعبادة يقصد بها سلامة النفس والمال والعرض والدين والعقل، وهى الضرورات التى لابد من حفظها لقيام مصالح الدين والدنيا، وقد اتفق الفقهاء على أن أمن الإنسان على نفسه وماله وعرضه شرط فى تكليفه بالعبادات، لأن المحافظة على النفوس والأعضاء -للقيام بمصالح الدنيا والاخرة- أولى من تعريضها للضرر بسبب العبادة
فالعبادة لا يتأتى القيام بها على وجهها إلا في ظل الأمن
فالصلاة قال الله عنها: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 238-239 ). وقال: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا * فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} (النساء: 102-103). وقوله: { فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} أي: أدوها بكمالها وصفتها التامة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سمع المنادى فلم يمنعه من اتباعه عذر، لم تقبل منه الصلاة التى صلاها قالوا: وما العذر قال: خوف أو مرض )
ومن شروط وجوب الحج: الأمن، فإذا وجد الإنسان نفقة الحج ولم يكن الطريق إليه آمناً فلا يجب عليه الحج قولاً واحداً، قال الله تعالى: { فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } (البقرة: 196).
ولما أخبر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بأنهم سيدخلون البيت الحرام ويؤدون نسكهم بعدما صدهم المشركون عنه قرن ذلك بالأمن فقال: { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} الفتح: 27
وإن انتشار الدعوة الإسلامية المباركة يكون في وقت الأمن أكثر من غيره من الأوقات..
قال الله تعالى عن موسى عليه السلام: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} (يونس: 83). ولكن لما أغرق الله فرعون ودمَّر ما كان يصنعه وقومه دخل كثير من الناس في دين الله، ففي حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه سواداً عظيماً قال: «وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي، فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ» رواه البخاري ومسلم.
وانظروا كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الحديبية كان معه خمسمائة وألف من أصحابه، فلمَّا انعقد الصُّلح وكان من بنوده: وقف الحرب عشر سنوات يأمن فيها الناس، دخل كثير منهم في دين الله، فبعد عامين وبضعة أشهر خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة عشرة آلاف من المسلمين.
ونعمة الأمن أعظم من نعمة الصحة. قال الرازي رحمه الله: “سئل بعض العلماء: الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال: الأمن أفضل، والدليل عليه أن شاة لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان، ثم إنها تقبل على الرعي والأكل. ولو أنها ربطت في موضع وربط بالقرب منها ذئب فإنها تمسك عن العلف ولا تتناوله إلى أن تموت، وذلك يدل على أن الضرر الحاصل من الخوف أشد من الضرر الحاصل من ألم الجَسَد”
وكذلك يشترط تحقق الأمن بالنسبة للامتناع عن المحرمات، وهذا يظهر فى إباحة أكل الميتة للمضطر حفاظا على نفسه، وإباحة تناول الخمر لإزالة الغصة عند فقد الماء، والتلفظ بكلمة الكفر بالنسبة للمكره، وغيرها كثير، وكذلك الأمر فى سائر العبادات، يشترط تحقق الأمن إما فى جانب الأداء أو الامتناع فإذا ما فقد الأمن وتحقق الخوف تغير الحكم الشرعى.
أما بالنسبة للمعاملات: فيشترط تحقق الأمن فيها -أيضا- فيشترط الأمن مثلا لمن يريد السفر بمال الشركة أو المضاربة أو الوديعة، وكذلك فى بعض تصرفات الشركاء أو العقود والمعاملات الشرعية
وإذا كان المقرر أن حكم الإسلام بالنسبة للمسلمين هو عصمة أنفسهم ومالهم وعرضهم وعقلهم ودينهم والتكفل بتحقيق الأمن لهم، فإن غير المسلم يتحقق له الأمن بتأمين المسلمين له بإعطائه الأمان
يقول الله تعالى: [ولولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لهدمت
صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراْ]
وقف علي إلى جوار اليهودي أمام القاضي، فقال شريح لـ علي رضي الله عنه: ما قضيتك؟ فقال علي: الدرع درعي ولم أبع ولم أهب
سرق اليهودي درع علي، فنظر شريح إلى اليهودي وقال: ما تقول في كلام علي؟ فقال اليهودي بخبث ودهاء معهودين: الدرع درعي وليس أمير المؤمنين عندي بكاذب.
فنظر شريح بعظمة لـ علي وقال: هل معك من بينه؟ يقول لمن؟ لأمير المؤمنين، لخليفة المسلمين، لحاكم الدولة، والله ما غضب علي، ولا أمر باعتقاله وبسجنه، وقال: تطلب مني أنا البينة والدليل، أما تستحي؟! كلا.
لأنهم ينطلقون من قواعد ثابتة، من كتاب الله ومن سنة حبيبهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
نظر علي بمنتهى الغبطة والسعادة إلى قاضيه المسلم العادل إلى شريح رضي الله عنه وأرضاه، وقال: صدقت يا شريح ليس معي من بينة.
فقضى شريح بالدرع لليهودي.
وانطلق أمير المؤمنين رضي الله عنه، وخرج اليهودي ليكلم نفسه، وقال: ما هذا؟! أقف أنا وأمير المؤمنين في ساحة قضاء واحدة، ويحكم القاضي بالدرع لي وهو درعه؛ لأنه لم يقدم البينة، والله إن هذه أخلاق أنبياء، فيرجع اليهودي ليقف أمام علي وأمام شريح، ليقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وينظر علي لليهودي ويقول: أما وقد أسلمت فالدرع مني هدية لك
عن سفيان بن حسين، قال: سأل الحجاج الجوهريَّ: ما النعمة؟ قال: الأمن، فإني رأيت الخائف لا عيش له ، قال: زدني، قال: الصحة، فإني رأيت السقيم لا ينتفع بعيش، قال: زدني قال: الشباب، فإني رأيت الشيخ لا عيش له، قال: زدني قال: الغِنَى، فإني رأيت الفقير لا عيش له، قال: زدني، قال: لا أجد مزيداً
عباد الله : البر لا يبلي والذنب لا ينسي والديان لا يموت اعمل ما شئت كما تدين تدان وبالكيل الذي تكيل به يكتال لك والتائب من الذنب كمن لا ذنب له فتوبوا إلي الله
الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله ناصر الحق ومُتَّبِعه، وداحِض الباطل ومُبتدِعه، أحمده والتوفيق للحمد من نعمه، وأشكره والشكر كفيلٌ بالمزيد من فضله وكرمه وقِسَمه، وأستغفره مما يُوجِبُ زوال نِعمه وحلول نِقَمه
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تمَّت على العباد نعماؤه، وعظُمَت على الخلق آلاؤه
وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله ترك أمته على المحجة البيضاء والطريقة الواضحة الغرَّاء، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما انزاحَ شكٌّ بيقين، وما قامت على الحق الحُجَج والبراهين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد
أيها المسلمون: الحياة السعيدة والعيش الرغيد قوامها ظلال ‌الأمن الوارفة بعد الإيمان بالله عز وجل
ليست السعادة في الكراسي والمناصب، ولا السعادة في الأموال، ولكن السعادة كل السعادة في انشراح الصدر، وطمأنينة القلب، واستقرار الضمير، وهدوء البال، لذا امتن الله على رسوله بهذه النعمة الكبيرة في قوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} الشرح:1
فاذا حدث لك الأمن في العيش فعشت سليما معافا فلا تلهوا وتنسي الآخرة وهذا هو عنصرنا الأخير
يقول الشاعر
النفس تجزع أن تكون فقيرة والفقر خير من غنىً يطغيها
وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها
هي القناعة فالزمها تكن ملكا لو لم تكن لك إلا راحة البدن
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن
رابعاً : الأمن من مكر الله
لقد تهدد الله تبارك وتعالى من كفر بنعمة الله أن يبدله من بعد أمنه خوفا وأن يلبسه لباس الجوع وفي ذلك يقول: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
ولقد أشار نبي الله صالح صلى الله عليه وسلم إلى عظيم نعمة الأمن وطلب من قومه أن يشكروا الله عز وجل عليها، وأنذرهم بأنها ستسلب منهم إن لم يعترفوا لله عز وجل بها وفي ذلك يقول الله عز وجل حاكيا مقالة نبي الله صالح صلى الله عليه وسلم لقومه: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}
ولقد ضرب الله تبارك وتعالى مثلا كذلك بلاد سبأ إذ كانوا يعيشون آمنين في بلاد لهم فيها آية جنتان عن يمين وشمال، فلما أعرضوا عن دين الله مزقهم كل ممزق وجعلهم أحاديث وفي ذلك يقول عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا، أنه قَالَ: “وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ، إِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا ‌أَخَفْتُهُ ‌يَوْمَ ‌الْقِيَامَةِ ” صحيح ابن حبان
فَإِذا انشقت السَّمَوَات بلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر وأيقن كل عبد وَأمة أَنه قادم على مَا عمل فِي الظَّوَاهِر والسرائر وإِذا انشقت السَّمَاوَات عظمت المصائب وَكَثُرت النوائب وَنَدم العَبْد على مَا فرط فِي الدُّنْيَا وضيع من الثَّوَاب والرغائب
فَإِذا انشقت السَّمَاوَات عظمت الرزيات وَكَثُرت الْآفَات وَظهر الْعَذَاب وحلت الْعُقُوبَات وَأظْهر الله مخبآت السريرات وَنَدم العَبْد الْمَغْرُور على مَا أذْنب فِي الْأَيَّام والأوقات وَمَا جنى فِي الشُّهُور والساعات
فَإِذا انشقت السَّمَاوَات كثرت الأحزان وبرزت النيرَان وأزلفت الْجنان وَنَدم العَاصِي على مَا عمل من الْعِصْيَان وعَلى مَا فرط فِيهِ من طَاعَة الرَّحْمَن فانتبهوا لهَذِهِ الْأَهْوَال يَا معشر الأخوان يَا أهل الْإِسْلَام وَالْإِيمَان فَإِن الهول وَالله عَظِيم والخطب كَبِير جسيم
قَالَ الربيع سُئِلَ الإِمَام الشَّافِعِي رَحْمَة الله تَعَالَى يُنَادي مُنَاد من قبل الْعَرْش أَيْن فلَان أَيْن فلَان فَلَا يسمع أحد ذَلِك الصَّوْت إِلَّا وتضطرب فرائصه قَالَ فَيَقُول الله عز وجل لذَلِك الشَّخْص أَنْت الْمَطْلُوب هَلُمَّ إِلَى الْعرض على خَالق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فيشخص الْخلق بِأَبْصَارِهِمْ تجاه الْعَرْش وَيُوقف ذَلِك الشَّخْص بَين يَدي الله عز وجل فيلقي الله عز وجل عَلَيْهِ من نوره يستره عَن المخلوقين ثمَّ يَقُول لَهُ عَبدِي أما علمت أَنِّي كنت أشاهد عَمَلك فِي دَار الدُّنْيَا فَيَقُول بلَى يَا رب فَيَقُول الله تَعَالَى عَبدِي أما سَمِعت بنقمتي وعذابي لمن عَصَانِي فَيَقُول بلَى يَا رب فَيَقُول الله تَعَالَى أما سَمِعت بجزائي وثوابي لمن أَطَاعَنِي فَيَقُول بلَى يَا رب فَيَقُول الله تَعَالَى يَا عَبدِي عَصَيْتنِي فَيَقُول يَا رب قد كَانَ ذَلِك فَيَقُول الله تَعَالَى عَبدِي فَمَا ظَنك الْيَوْم بِي فَيَقُول يَا رب أَن تَعْفُو عني فَيَقُول الله تَعَالَى عَبدِي تحققت أَنِّي أعفو عَنْك فَيَقُول نعم يَا رب لِأَنَّك رَأَيْتنِي على الْمعْصِيَة وسترتها عَليّ قَالَ فَيَقُول الله عز وجل قد عَفَوْت عَنْك وغفرت لَك وحققت ظَنك خُذ كتابك بيمينك فَمَا كَانَ فِيهِ من حَسَنَة فقد قبلتها وَمَا كَانَ من سَيِّئَة فقد غفرتها لَك وَأَنا الْجواد الْكَرِيم . الكبائر للذهبي
سبحانك ربنا لَوْلَا محبتك للغفران مَا أمهلت من يبارزك بالعصيان وَلَوْلَا عفوك وكرمك مَا سكنت الْجنان اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْو تحب الْعَفو فَاعْفُ عَنَّا اللَّهُمَّ انْظُر إِلَيْنَا نظر الرضى وأثبتنا فِي ديوَان أهل الصَّفَا ونجنا من ديوَان أهل الجفا اللَّهُمَّ حقق بالرجاء آمالنا وَحسن فِي جَمِيع الْأَحْوَال أَعمالنَا وَسَهل فِي بُلُوغ رضاك سبلنا وَخذ إِلَى الْخيرَات بنواصينا وآتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
وَفِي الْأَثَرِ «لَمَّا مُكِرَ بِإِبْلِيسَ بَكَى جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل لَهُمَا: وَمَا يُبْكِيكُمَا؟ قَالَا: رَبَّنَا مَا أَمِنَّا مِنْ مَكْرِك، فَقَالَ تَعَالَى: هَكَذَا كُونَا لَا تَأْمَنَا مَكْرِي ) الزواجر عن اقتراف الكبائر (ابن حجر الهيتمي )
وكان ابن السقاء ببغداد من مشاهيرها فضلا وذكاء وقع له مع بعض الأولياء أنه أنكر عليه فدعا عليه فانتقل به الحال إلى القسطنطينية، فهوى امرأة فتنصر لأجلها ثم مرض فألقي على الطريق يسأل، فمر به بعض من يعرفه فسأله عن حاله فحكى له فتنته، وأنه تنصر والآن يريد أن يستحضر حرفا واحدا من القرآن فلا يقدر عليه ولا يمر بخاطره، قال ذلك الرائي له: فمررت عليه بعد قليل فرأيته محتضرا، ووجهه إلى الشرق فصرت كلما أدرت وجهه إلى القبلة التفت للشرق، ولا زال كذلك حتى خرجت روحه . الزواجر عن اقتراف الكبائر (ابن حجر الهيتمي )
وكان بمصر مؤذن عليه سيما الصلاح فرأى نصرانية من المنارة فافتتن بها فذهب إليها فامتنعت أن تجيبه لريبة، فقال: النكاح، فقالت: أنت مسلم ولا يرضى أبي، فقال إنه يتنصر، فقالت: الآن يجيبك، فتنصر ووعدوه أن يدخلوه عليها، ففي أثناء ذلك اليوم رقي سطحا لحاجة فزلت قدمه، فوقع ميتا؛ فلا هو بدينه ولا هو بها. الكبائر للذهبي
فنعوذ بالله من مكره، ونعوذ به منه وبمعافاته من عقوبته وبرضاه من سخطه
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره، والبزار عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ ‌مَكْرِ ‌اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ
قال السندي: ‌مكرُ ‌الله: إيقاع بلائه بأعدائه دون أوليائه، وقيل: هو استدراج العبد بالطاعات، فيتوهم أنها مقبولة وهي مردودة
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: ” أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِالْفَقِيهِ حَقِّ الْفَقِيهِ: مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يُؤَمِّنْهُمْ ‌مَكَرَ ‌اللَّهِ، وَلَمْ يَتْرُكِ الْقُرْآنَ إِلَى غَيْرِهِ، أَلَا لَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَفَقُّهٌ، وَلَا خَيْرَ فِي فِقْهٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ، وَلَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ ” الزهد لأبي داود
قال تعالي ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰۤئِكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا ۝56﴾ الأحزاب
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد حروف القرآن حرفاً حرفاً، وعدد كل حرف ألفاً ألفاً، وعدد صفوف الملائكة صفاً صفاً، وعدد كل صف ألفاً ألفاً، وعدد الرمال ذرة ذرة، وعدد ما أحاط به علمك، وجرى به قلمك، ونفذ به حكمك في برك وبحرك، وسائر خلقك
ادعوا الله وانتم موقنون بالاجابة
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل بيننا شقياً ولا محروماً. اللهم اجعل أول يومنا هذا صلاحاً، وأوسطه نجاحاً، وآخره فلاحاً.
اللهم لا تدع لنا فيه ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته ولا مريضا الا شفيته ولا ميتا الا رحمته ولا غائبا الا رددته وانصر الاسلام واعز المسلمين وانصر أهل فلسطين وغزة ولبنان واجعل مصر واحة أمن وأمان واستقرار يارب العالمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
عباد ان الله يأمر بثلاث وينهى عن ثلاث يأمر بالعدل والإحسان وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون اذكروا يذكركم واستغفروه يغفر لكم واقم الصلاه ان الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا
جمع وترتيب \ ثروت علي سويف \ امام وخطيب بالأوقاف المصرية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى