خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة القادمة : وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ منكم بَسْطُ الْوَجْهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ، للشيخ ثروت سويف
(وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ منكم بَسْطُ الْوَجْهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ )
خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 10 رجب ١٤٤٦هـ الموافق 10 يناير 2025م. للشيخ ثروت سويف
تحت عنوان { حسن الخلاق بين التجمل والتطبيق }
لتحميل الخطبة pdf
اقرأ في هذه الخطبة
أولا : دعوة النبي صلى الله عليه وسلم جاءت بمكارم الاخلاق
ثانياً:حسن الخُلُق وثقله في الميزان يوم القيامة
ثالثاً : مكارم الاخلاق بين السمات والتطبيق
رابعاً : سماحة الاخلاق مع غير المسلمين
الخطبة الأولي
الحمد لله الذي فاوت بين خلقه في الآداب والأخلاق والصفات وفاضل بين عباده في العقول والهمم والإرادات، ورفع بعضهم فوق بعض بالإيمان والعلم والأرزاق درجات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الذات، ولا سمي له في الأسماء ولا مثيل له في الصفات وفق من شاء من عباده لمكارم الأخلاق وهداهم لما فيه فلاحهم وسعادتهم في الدنيا ويوم التلاق والحسرات
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف البريات، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم في كل الحالات.
أما بعد:
فمن الأصول الجامعة في بيان محاسن الأخلاق في الإسلام أنها بذل المعروف وكفّ الأذى قولاً كان ذلك أو فعلاً.
وبالجملة فقاعدتُها العامة في الإسلام التخلُّق بأخلاق الشريعة والتأدُّب بآداب الله التي أدّب بها عباده والتأسي بسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وكف الأذى، وطلاقة الوجه فالأخلاق كالارزاق الناس فيها بين غني وفقير .
وروي الحاكم َعَنْ أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ منكم بَسْطُ الْوَجْهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ. أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
أولا : دعوة النبي صلي الله عليه وسلم جاءت بمكارم الاخلاق ……….
جعل الله تعالى مدار شريعة محمد على تزكية النفوس وتطهيرها وإصلاح الأخلاق وتنقيتها، ولهذا صح عنه قوله: ((إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق)) أخرجه البخاري في الأدب المفرد
فكأنّ النبي حَصَر بعثته على تقويم الأخلاق وإتمام مكارمها، ولذلك فإن المتأمل في أركان الإسلام يجد أنها جميعًا تدعو إلى تقويم الأخلاق وتهذيب الطِّباع واستقامة السلوك، فالصلاة تُبعِد المسلم عن الرذائل، وتطهّره من سوء القول والعمل وكانت دعوة النبي إلى إصلاح الأخلاق إلى جانب إصلاح العقائد، وحسبكم دليلاً على ذلك قول الحق تبارك وتعالى في معرض الثناء على نبيه الكريم: وإنك لعلى خلق عظيم [القلم:4].
أيها المسلمون: ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله أحسن الناس خلقاً))
إن حسن الخلق منحة ربّانية ومِنّة إلهية، لا يعطيها الله عزّ وجلّ إلا لمن يصطفيه ويحبّه
عن عائشة رضي الله عنها أن سعد بن هشام سألها فقال: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن خلق رسول الله ، قالت أليس تقرأ القرآن؟! قال: بلى، قالت: فإن خلق نبي الله كان القرآن. رواه مسلم
وصف أمير الشعراء في هَمْزِيّته المشهورة النبي صلي الله عليه وسلم قائلاً:
يا أيها الأُمّي حَسْبك رُتْبةً ـــ في العلم أنْ دَانَت بك العلماءُ
يا مَن له الأخلاق ما تهوى العُلا ـــ منها وما يَتَعَشّقُ الكُبراءُ
لو لم يقم دينٌ لقامت وحدَها ـــ دينًا تُضيء بنوره الآناءُ
اعلموا عباد الله أن رسول الله كان أكمل الناس خلالا، وأفضلهم حالا، وأفصحهم مقالا، وقد امتن الله عز وجل علينا ببعثته فقال عز وجل: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم [التوبة:128].
وزكاه الله عز وجل: وإنك لعلى خلق عظيم [القلم:4].
ثم أمرنا الله عز وجل بالاقتداء به ، والاهتداء بهديه، والتخلق بأخلاقه، فقال عز وجل: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا [الأحزاب :21].
وقال ابن القيم رحمه الله: وقد جمع الله له مكارم الأخلاق لنبيه في قوله: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين [الأعراف:199]. قال جعفر بن محمد: أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق، من تحقيق المسلم لمدلول شهادة أن محمداً رسول الله.
وقال الماوردي رحمه الله: “الأخلاق غرائز كامنة تظهر بالاختيار، وتُقهر بالاضطرار” انتهى.
فأركان حسن الخلق أربعة: الصبر، والعفة، والشجاعة، والعدل.
فكان أكثر الخلق صبراً بالله فقال له ربه ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127) النحل
وكان حبيبنا أعَفُّ الناس وأشرفهم، لم تمسّ قطّ يدُه امرأةً لا تحلّ له، كاملُ الوفاءِ مع أهل بيته وصحابتِه رضي الله عنهم، كان يذبَح الشاة ثم يقطِّعها أعضاءً، ثم يبعَثها إلى صواحِبِ خديجة بعد وفاتها وفاءً لها وصلّى على قتلَى أحُدٍ بعد ثماني سنين من الغزوةِ كالموَدِّع لهم
وكان أشجع الناس واعدلهم قولا وعملاً
وكان يُكرِم صحابتَه ولا يؤثِر لنفسه شيئًا دونهم، يقول عثمان رضي الله عنه: كان رسول الله يواسينَا بالقليلِ والكثير وسِعَ الناسَ بخُلُقه، حليمٌ لا يجزى بالسيئة، ولكن يعفو ويصفَح، لا يغضَب لنفسه ولا ينتصِر لها، يجذبه الأعرابيّ يريد مالاً، فيلتفِتُ إليه مبتسِمًا ويعطيه سؤلَه، عفا عمّن سحره، ولم يثرِّب على من وضَع السمَّ في طعامه، وصفح عمّن قاتله، وقال لهم في فتح مكة: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) تقول عائشة رضي الله عنها: ما نِيلَ منه شيء قطّ فينتقِمَ مِن صاحبه
وكان ليّنُ الجانِب دائم البِشر، يقول جرير بن عبد الله رضي الله عنه: ما رآني رسول الله إلا تبسَّم. رواه البخاري .
يتفقّد أصحابَه، ويؤثِر أهلَ الفضل بأدبه، جميلُ المعاشرة، حسَن الصّحبة، يصِل ذوي رحمه ولا يجفو على أحد، عَفّ اللسان، لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا، بل كان أشدَّ حياءً من العَذراء في خِدرها، خِلاله على سجيّته، لا يحِبّ تعظيمَ الألفاظ ولا تشدّقَها، جاء ناسٌ إليه فقالوا: يا رسول الله، يا خيرَنا وابنَ خيرنا، وسيّدَنا وابنَ سيّدِنا، فقال: ((يا أيّها الناس، قولوا بقولِكم، ولا يستهوينّكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحِبّ أن ترفعوني فوقَ منزلتي التي أنزلني الله عز وجل)) رواه النسائي
ثانياً : حسن الخُلُق أثقل الميزان يوم القيامة:
لقد بلغ من منزلة حسن الخُلُق يوم القيامة أن يكون صاحبه من أثقل النَّاس وزناً، كما قال النَّبي ﷺ: ما من شيءٍ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق [رواه أبو داود
وهو أكثر ما يدخل النَّاس الجنَّة، كما قال ﷺ عندما سُئِل عن ذلك: تقوى الله وحسن الخلق [رواه الترمذي
وميزان الكمال عند المؤمنين بكمال أخلاقهم: إنَّ من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً [رواه أبو داود والترمذي وأحمد
وهذا الأمر هو الذي يدرك به الإنسان درجات العبَّاد الكبار، كما قال ﷺ: إنَّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصَّائم القائم [رواه أبو داود وأبشر يا صاحب حسن الخلق ببيتٍ في أعلى الجنَّة، فإنَّه ﷺ قال: أنا زعيمٌ ببيت في ربض الجنَّة لمن ترك المراء وإن كان محقَّاً، وبيتٍ في وسط الجنَّة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيتٍ في أعلى الجنَّة لمن حسن خلقه [رواه أبو داود
فالبيت العُلوي جزاءٌ لأعلى المقامات الثَّلاثة وهي حسن الخلق.
وصاحب الخلق الحسن أقرب النَّاس مجلساً من النَّبيِّ ﷺ يوم القيامة، كما قال النَّبي ﷺ:إنَّ من أحبِّكم إليَّ وأقربكم منِّي مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً [ رواه الترمذي
فهذا الخلق الحسن أثقل شيءٍ في ميزان العبد؛ لأنَّ الأعمال تُوزن يوم القيامة وزناً حقيقياً ترجح الكفَّة بها، فما هو أثقل شيءٍ في الميزان كما قال ﷺ؟ أثقل شيءٍ في الميزان الخلق الحسن، وهي وصيته ﷺ للمؤمن في معاملة النَّاس حين قال: وخالق الناس بخلق حسن [رواه الترمذي
وكذلك فإنَّ حسن الخلق يدرك به صاحبه -كما قلنا- درجة القائم بالليل الظَّامئ بالهواجر وهو النَّهار الحار، والله تعالى يحبُّ مكارم الأخلاق ويكره سفسافها، وسفسافها: هو حقيرها ورديئها.
ولله در القائل الشاعر أحمد شوقي:
إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت …………فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقال: وَإِذا أُصـــيــبَ الـــقَــومُ فـــــي أَخــلاقِــهِـم………. فَـــــأَقِـــــم عَـــلَـــيــهِــم مَــــأتَـــمـــاً وَعَـــــويــــلا.
ثالثاً : مكارم الاخلاق بين السمات والتطبيق
لقد رفع الإسلام من منزلة الأخلاق الفاضلة وأصحابها، وجعلها ميدان سَبْق ليتنافس فيه المتنافسون
إن حسن الخلق منحة ربّانية ومِنّة إلهية، وسجية خلقية لا يعطيها الله عزّ وجلّ إلا لمن يصطفيه ويحبّه
ولله درّ الشاعر حينما قال:
فالناس هذا حظُّهُ مالٌ وذا ـــ عِلْم وذاك مكارم الأخلاقِ
فإذا رُزِقت خليقةً محمودة ـــ فقد اصطفاك مُقَسِّمُ الأرزاقِ
فالمال نعمة تحتاج إلى علم حتى ينفقه صاحبه فيما شرع، والعلم بحاجة إلى الأخلاق حتى ينفع صاحبه الأمة، وكما قيل:
فالْمالُ إنْ تدّخِرْهُ مُحَصّنًا ـــ بالعلم كان نهايةَ الإملاقِ
والعلم إن لَم تكتنفه شَمائلٌ ـــ تُعْلِيهِ كان مَطِيّة الإخفاقِ
لا تحسبنّ العلمَ ينفعُ وحدَهُ ـــ ما لَم يُتَوَّجْ ربُّهُ بخَلاقِ
لقد طبق الأصحاب حسن الخلق ومكارمه كما تعلموه من حبيبكم صلي الله عليه وسلم
فمن تطبيق حسن الخلق ما أخرج الخرائطي في (مكارم الأخلاق )
وأبو الشيخ الأصبهاني في ( التوبيخ والتنبيه )
عن السدي قصة عمر بن الخطاب مع شارب الخمر ، فقال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعس بالمدينة من الليل، فسمع صوت رجل في بيت يتغنى، فتسور عليه، فوجد عنده امرأة، وعنده خمرا، فقال: يا عدو الله، أظننت أن الله يسترك وأنت على معصيته؟ فقال: وأنت يا أمير المؤمنين، لا تعجل علي، إن أكن عصيتُ الله واحدة، فقد عصيتَ الله في ثلاث. قال تعالى: ولا تجسّسوا.. وقد تجسست، وقال الله عز وجل: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها.. وقد تسوّرتَ علي، ودخلت علي من ظهر البيت بغير إذن. وقال الله عز وجل: لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها… فقد دخلت بغير سلام. قال عمر رضي الله عنه: فهل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: نعم، والله يا أمير المؤمنين، لئن عفوت عني لا أعود لمثلها أبدا، قال: فخرج وتركه”.
وهجر الشيخ مجالس عمر حينا ، فبينما عمر بعد ذلك بعيد جالس ، إذا هو به قد جاء شبه المستخفي ، حتى جلس في أخريات الناس ، فرآه عمر ، فقال : « علي بهذا الشيخ » ، فقيل له : أجب . فقام وهو يرى أن عمر سينبئه بما رأى ، فقال له عمر : « ادن مني » ، فما زال يدنيه حتى أجلسه بجانبه ، فقال : « أدن مني أذنك ، فالتقم أذنه » ، فقال : أما والذي بعث محمدا بالحق رسولا ، ما أخبرت أحدا من الناس بما رأيت منكرا ، ولا ابن مسعود ، فإنه كان معي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أدن مني أذنك ، فالتقم أذنه ، فقال : ولا أنا والذي بعث محمدا بالحق رسولا ، ما عدت إليه حتى جلست مجلسي ، فرفع عمر صوته فكبر ، ما يدري الناس من أي شيء يكبر .
فلم أجد الأخلاق إلّا تخلقا ولم أجد الأفضال إلّا تفضلا
كما يقول شوقي
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوم النفس بالأخلاق تستقم والنفس من خيرها في خير عافية
والنفس من شرها في مرتع وخم
قال الذهبي – رحمه الله – : [ فَإن من طلب العلمَ للآخرة : كسرَه علمُه ، وخشع قلبُه ، واستكانَت نفسُه ، وكان على نَفسِه بالمرصَاد ] ( الكبائر (ص: 79 )
ومن تطبيق مكارم الأخلاق قصة المزرعتين بين عبدالله بن الزبير ومعاوية بن أبي سفيان
يذكر ابن كثير وغيره، من المؤرخين أنه كان لابن الزبير مزرعة في المدينة، ولمعاوية مزرعة بجانب مزرعة ابن الزبير، فدخل عمال معاوية مزرعة ابن الزبير، فغضب وكتب رسالة إلى معاوية…
من عبدالله بن الزبير الي ابن آكلة الايباد
أما بعد لأن لم تمنع عمالك عن دخول مزرعتي ليكونن لي ولك شأن والسلام
فرد عليه معاوية رضي الله عنه: بسم الله الرحمن الرحيم.. من معاوية بن أبي سفيان إلى ابن حواري الرسول وابن ذات النطاقين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد، فو الله الذي لا إله إلا هو لو كانت الدنيا بيني وبينك لهانت علي، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ عمالي إلى عمالك، ومزرعتي إلى مزرعتك.
فقرأها ابن الزبير، فبكى، حتى بلها بالدموع، وذهب إلى دمشق، فقبل رأس معاوية، وقال: لا أعدمك الله عقلاً أحلك من قريش هذا المحل.
اخي الكريم دائماً تستطيع إمتلاك القلوب بحسن تعاملك وحبك للغير..
وتذكر اخي دوما بأن :
• من ابتغى صديقاً بلا عيب، عاش وحيداً
• من ابتغى زوجةً بلا نقص، عاش أعزباً
• من ابتغى قريباً كاملاً، عاش قاطعاً لرحمه!
فلنتحمل وخزات الآخرين حتى نعيد التوازن إلى حياتنا
إذا أردت أن تعيش سعيدا تحلي بمكارم الأخلاق : فلا تفسر كل شيء ولا تدقق بكل شيء ولاتحلل كل شيء .
إن الذين حللوا الألماس وجدوه ((فحمــا)) فلا تحرص على إكتشاف الآخرين أكثر من اللازم ، الأفضل أن تكتفي بالخير الذي يظهرونه في وجهك دائماً ، و اترك الخفايا لرب العباد..
(لو اطّلَعَ الناس على ما في قلوب بعضهم البعض لما تصافحوا إلا بالسيوف).
فاتقوا الله عباد الله، وحسنوا أخلاقكم، اقتداءا نبيكم وتنافسوا في طاعة ربكم، واتقوا شر ألسنتكم، تكونوا من خيار الناس، وأكملهم إيمانا، وتثقل موازينكم، وتحرم عليكم النار، وتدخلوا الجنة في أقرب منزلة من نبيكم ، في أعالي الجنات بشهادة نبيكم
روى الترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن سلامٍ قال: مَّا قدمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ المدينةَ، انجَفلَ النَّاسُ قبلَهُ، وقيلَ: قد قدمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ ثلاثًا، فَجِئْتُ في النَّاسِ، لأنظرَ، فلمَّا تبيَّنتُ وجهَهُ، عرفتُ أنَّ وجهَهُ ليسَ بوَجهِ كذَّابٍ، فَكانَ أوَّلُ شيءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ، أن قالَ: يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ .
اقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله أحمد الله الغني الكريم على إِفضاله، وأشكره على توالي آلائِه، وأشهد له بالإلهية واستحقاق العبادة، فأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نِد ولا نَظير، وأصلِّي وأسلِّم على أشرف مخلوقاته، وخاتم أنبيائه، وأشهد له بالعبودية والرسالة فأشهد أنَّ محمدًا عبد الله ورسوله إلى العالَمين رحمة، وأُثَنِّي بالصلاة والتسليم على أهل الإيمان مِن آل بيته، ومعهم أصحابه الأئمة الميامين البَررة، وأطلبها مِن الله لنا جمبعًا، فاللهم استجب.
أمَّا بعد
إن من مكارم الأخلاق في الإسلام أنه لم يفرق بين أجناس الناس ولا بين دينهم فكل إنسان له احترامه ومكانته بغض النظر عن انتماءه أو عرقه أو دينه
رابعا – سماحة الإخلاق في التعامل مع غير المسلمين
فالإسلام لم تقتصر سماحته على المسلمين فحسب، بل شمل غير المسلمين، من اليهود والنصارى، والمشركين، حتى في حالة الحرب، فنهى الإسلام عن قتل الأطفال، والنساء، والشيوخ، والعجزة، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْ جَيْشٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ اغْزُوا بسم اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا.
قصة فتح سمرقند وأعظم محاكمة في التاريخ
هذه الحادثة كانت في عهد الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز، حيث أرسل أهل سمرقند رسولهم إليه بعد دخول الجيش الإسلامي لأراضيهم دون إنذار أو دعوة، فكتب مع رسولهم للقاضي أنِ احْكُمْ بينهم.
نادى الغلام: يا قتيبة هكذا بلا لقب. فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي جُمَيْع، ثم قال القاضي: ما دعواك يا سمرقندي؟
قال: اجتاحنا قتيبة بجيشه، ولم يدعنا إلى الإسلام، ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا.
التفت القاضي إلى قتيبة وقال: وما تقول في هذا يا قتيبة؟ قال قتيبة: الحرب خدعة وهذا بلد عظيم، وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون، ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية.
قال القاضي: يا قتيبة، هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟
قال قتيبة: لا، إنما باغتناهم لما ذكرت لك.
قال القاضي: أراك قد أقررت، وإذا أقر المُدَّعَى عليه انتهت المحاكمة. يا قتيبة، ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين، واجتناب الغدر، وإقامة العدل.
ثم قال: قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء، وأن تُترك الدكاكين والدور، وأنْ لا يبق في سمرقند أحدٌ، على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك.
لم يصدق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه! فلا شهود ولا أدلة، ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة، ولم يشعروا إلاّ والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم.
وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو، وأصوات ترتفع، وغبار يعم الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار. فسألوا، فقيل لهم: إنّ الحكم قد نُفِّذَ، وأنّ الجيش قد انسحب. في مشهدٍ تقشعر منه جلود الذين شاهدوه، أو سمعوا به.
وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية، وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم.
ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر حتى خرجوا أفواجاً وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ..
فيا لله ما أعظمها من قصة وما أنصعها من صفحة من صفحات تاريخنا المشرق، أريتم جيشاً يفتح مدينة ثم يشتكي أهل المدينة للدولة المنتصرة، فيحكم قضاؤها على الجيش الظافر بالخروج؟ والله لا نعلم شبه لهذا الموقف لأمة من الأمم.
وقد زخرت كتب السير والتأريخ بوقائع كثيرة، هذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، يرى مرة في السوق شيخًا كبيرًا يسأل الصدقة، وكان يهوديًا من سكان المدينة، فيسأله عن حاله، وإذا بعمر المسلم الإنساني الملهم يقول له: (ما أنصفناك إذ أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك شيخًا)، وأخذ بيده إلى بيته، فقدم له من طعامه، ثم أرسل إلى خازن بيت المال أن افرض له ولأمثاله ما يغنيه ويغني عياله. أخرجه أبو عبيد في الأموال
هذا وصلوا -رحمكم الله- على خير البرية وأفضل البشرية، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله في كتابه، فقال عز وجل من قائل عليم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] .
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
جمع وترتيب \ ثروت سويف \ امام وخطيب ومدرس