خطبة الجمعة القادمة / ﴿ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ ﴾ د محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة / ﴿ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ ﴾ د محمد حرز، بتاريخ 21 رمضان 1446 هـ ، الموافق 21 مارس 2025 م.
خطبة الجمعة القادمة word / ﴿ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ ﴾ د محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة pdf / ﴿ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ ﴾ د محمد حرز
الحمدُ للهِ الذي فرضَ على عبادهِ الصيامَ.. وجعلَهُ مُطهرًا لنفوسِهِم مِن الذنوبِ والآثامِ.. الحمدُ للهِ الذي خلقَ الشهورَ والأعوامَ.. والساعاتِ والأيامَ.. وفاوتَ بينهَا في الفضلِ والإكرامِ .. وربُّكَ يخلقُ ما يشاءُ ويختارُ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ البقرة185، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، خيرُ مَن صلَّى وصامَ، وبكَى مِن خشيةِ ربِّهِ حينَ قامَ، القائلُ كمَا في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ)، فاللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ. أَمَّا بَعْدُ، مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ التَّقْوَى فَرَبُّكُمْ أَحَقُّ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَيُشْكُرَ فَلَا يُكْفَرَ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾آلِ عِمْرَانَ: 102.
عبادَ الله: ﴿ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ ﴾ عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصرُ اللقاءِ:
أولًا: الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟
ثانيًا: العقوقُ وما أدراك ما العقوقُ ؟
ثالثــــًا وأخيرًا: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ.
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن ﴿ أمك ثم أمك ثم أمك ﴾ وخاصة ونحن في شهر رمضان شهر البر والإحسان والحديث فيه عن الأمهات شيق وجميل ، وخاصة ونحن في شهر مارس يحتفلون بالأمهات بما يسمى بعيد الأم ونحن في ديننا نحتفل ونحتفي بالأمهات في كل وقت وحين وهي حية وهي ميته نُحسن إليها ونبرها وندعو لها بالليل والنهار فهي مصدر الهنا والسعادة وهي سر الابتسامة فلولاها بعد الله والأب الرحيم ما طابت الدينا وما طابت الحياة ،وخاصة إن نفوس بني آدم جُبِلَت على حبّ من أحسن إليها، وليس أعظم إحسانًا وتفضلاً بعد الله تبارك وتعالى من الوالدين، لذا نجد في القرآن الكريم الربط المباشر بين بر الوالدين وعبادة الله، إعلانًا لقيمة البر وعلو قدره ومكانته عند الله، وذلك أن رابطة الأبوة والبنوة هي أول رابطة بعد رابطة الإيمان في القوة والرفعة والأهمية والتأدب ، وخاصة ودَينُ الناسِ يوما سوف يُقضى .. ودَينُ أبيك لن تَقوى عليهِ.
أولًا: الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟
أيُّها السادةُ : الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟ الْأُمُّ: عِطْرٌ يَفُوحُ شَذَاهُ، وَعَبِيرٌ يَسْمُو فِي عُلَاهُ،. الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟ الْأُمُّ: هِيَ قَسِيمَةُ الْحَيَاةِ، وَمَوْطِنُ الشَّكْوَى، وَعَتَادُ الْبَيْتِ، وَمَصْدَرُ الْأُنْسِ، وَأَسَاسُ الْهَنَاءِ، يَطِيبُ الْحَدِيثُ بِذِكْرَاهَا، وَيَرْقُصُ الْقَلْبُ طَرَبًا بِلُقْيَاهَا.
الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟ الْأُمُّ:هي مصدر الحُبّ اللامشروط ومنبع العطاء اللامحدود وهي ليست يومًا واحِدًا، بل لها العُمر وكل الأيّام. إِنَّهَا الْأُمُّ الَّتِي وَصَّى بِهَا الْمَوْلَى – جَلَّ جَلَالُهُ – وَجَعَلَ حَقَّهَا فَوْقَ كُلِّ حَقّ قال تعالىٍ: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14] أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ.
الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟ الْأُمُّ: وجودها حياة ودعواتها نجاة وأقدامها جنة وصَّى ببرِّها الرحمن، وتحتَ أقدامِها الجِنان، البرُّ بها مفخرةُ الرِّجال، وأفضلُ الخِصال، كمْ حزِنتْ؛ لِتفرَح، وجاعتْ؛ لِتشْبع، وبكتْ؛ لتضْحك، وسَهِرَتْ؛ لتنام، إنها الأم! المخلوقُ الضعيفُ الذي يُعطي ولا يطلُبُ أجْرًا، ويبذُلُ ولا يأمَلُ شُكْرًا، إنها الأم! حملتكَ في بطنها وهنًا على وهن، يقول البغوي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: 14]، قال ابن عباس: شِدةً بعد شدة. الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟ الْأُمُّ: صاحبةُ القلبِ الرحيم، واللسانِ الرقيق، واليدِ الحانية، العيشُ في كَنَفِها حياة، والبُعْدُ عنها أسًى وحِرْمان.
الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟ الْأُمُّ: طُوبى لمن خَفَضَ لها الجناح، وحرِصَ على خِدْمتها كُلَّما غدا أو راح، وقابَلَها ببشاشةٍ كُلَّ مساءٍ وصباح، أيها الناس، مَنْ أرادَ عظيمَ الأجْرِ والثواب، فليعلمْ أنَّ الأُمَّ بابٌ من أبواب الجنةِ عريضٌ، لا يُفرِّط فيه إلَّا مَن حَرَم نفسَه، وبَخَسَ من الخير حَظَّه، الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟ الْأُمُّ: هي مَحلُّ البِرِّ والإكرام، وهي رَمْزُ التَّضحيةِ والفِداءِ والطُّهْرِ والنَّقاءِ، وهي الأصلُ الَّذي يَشرُفُ به الولَدُ، وأحَقُّ النَّاسِ بصُحبتِه، ويَليها الأبُ في حقِّ البرِّ والصُّحبةِ، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: ((أُمُّكَ))، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ((ثُمَّ أُمُّكَ))، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ((ثُمَّ أُمُّكَ))، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ((ثُمَّ أبُوكَ)) ،
إنَّهَا الْأُمُّ، يَا مَنْ تُرِيدُ مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ وَسَتْرَ الْعُيُوبِ. روى عبدُاللهِ بنُ عُمرَ رضيَ الله عنهما أنَّ رجلًا أتَى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، إنِّي أصَبتُ ذنبًا عظيمًا، فَهَل لي مِن تَوبةٍ؟ قالَ: ((هل لَكَ مِن أمٍّ؟))، قالَ: لا، قالَ: ((هل لَكَ من خالةٍ؟))، قالَ: نعَم، قالَ: ((فبِرَّها)) ، فالخالةُ بمنزلةِ الأم
الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟ الْإِحْسَانُ إِلَيها سَبَبٌ لِلْبَرَكَةِ فِي الرِّزْقِ وَطُولِ الْعُمُرِ؛ فَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))[5]، وَأَعْظَمُ الصِّلَةِ صِلَةُ الْوَالِدَيْنِ، وَأَتَمُّ الْإِحْسَانِ، الْإِحْسَانُ إِلَى الْأُمِّ.
الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟ ّاذا كنت سعيدًا في دنياك فهذا بسبب برك بأمك وأن كنت تعيسا في دنياك فهذا بسبب عقوقك لأمك !!!فهي سبب دخولك الجنان فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ، أَنَّ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ -رضي الله عنه- جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ، فَقَالَ: (هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟ ) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَالْزَمْهَا، فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا)
الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟ الْأُمُّ مَفْخَرَةُ الرِّجَالِ، وَشِيمَةُ الشُّرَفَاءِ، وَخُلُقٌ مِنْ أخُلُاقِ الْأَنْبِيَاءِ؛ قَالَ تَعَالَى عَنْ يَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ “-: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ [مريم: 14] وَقَالَ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ ((مريم: 32)). وهذا سيد الأنبياء وخاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي)
الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟ الْأُمُّ أَولَى النَّاسِ بِخَفْضِ الجَنَاحِ من هذهِ الأُمِّ الضَّعِيفَةِ في خَلْقِهَا, القَوِيَّةِ في تَحَمُّلِهَا, التي ذَاقَتْ أَنوَاعَ الآلامِ مُدَّةَ حَمْلِهَا, وقَاسَتْ من الشَّدَائِدِ ما لا يَعلَمُهُ إلا اللهُ -تعالى- سَاعَةَ الوَضْعِ, ثمَّ عَانَتْ الذي عَانَتْهُ بالإرضَاعِ لِمُدَّةِ حَولَينِ كَامِلَينِ, والتي أَزَالَتْ الأذَى والأوسَاخَ عن وَلِيدِهَا بلا مَلَلٍ ولا ضَجَرٍ؟ قال جل وعلا ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15] يقول ابن كثير رحمه الله: “﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ﴾؛ أي: قاست بسببه في حال حمله مَشقَّةً وتعبًا، من وِحَامٍ وغَشَيانٍ وثِقَـل وكَرْبٍ، إلى غير ذلك مما تنالُ الحواملُ من التعب والمشَقَّة، ﴿ وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ﴾؛ أي: بمشقة أيضًا من الطَّلْق وشِدَّته” لذا أمرنا اللهُ جل وعلا بخفض الجناح لها ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾ [الإسراء: 24]، تَخَلَّقْ بِالذُّلِّ بَيْنَ يَدَيْهَا بِقَوْلِكَ وَفِعْلِكَ، لَا تناديها بِاسْمِهَا؛ بَلْ نَادِهَا بِلَفْظِ الْأُمِّ؛ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى قَلْبِهَا، لَا تَجْلِسْ قَبْلَهَا، وَلَا تَمْشِ أَمَامَهَا، قَابِلْهَا بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَابْتِسَامَةٍ وَبَشَاشَةٍ، تَشَرَّفْ بِخِدْمَتِهَا، وَتَحَسَّسْ حَاجَاتِهَا، إِنْ طَلَبْتَ فَبَادِرْ أَمْرَهَا، وَإِنْ سَقِمَتْ فَقُمْ عِنْدَ رَأْسِهَا، أَبْهِجْ خَاطِرَهَا بِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ لَهَا، لَا تَفْتَأُ أَنْ تُدْخِلَ السُّرُورَ عَلَى قَلْبِهَا، قَدِّمْ لَهَا الْهَدِيَّةَ، وَزُفَّ إِلَيْهَا الْبَشَائِرَ، وإن كنت بعيدًا عنها فأكثِرْ من الاتصال بها وأبْلِغْها بشوقكَ إلى لُقْياها، ولا ترْفعْ صوتَكَ عليها وأنتَ تُخاطِبُها.
الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟ الْأُمُّ الاحسانُ إليها سبب في تفريج الكُرُبات وتسهيل الأمور وستر العيوب: ففي قصة أصحاب الغار الثلاثة، كان فيهم رجلاً باراً بوالديه فقال: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَامْرَأَتِي، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ، حَلَبْتُ، فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ، فَسَقَيْتُهُمَا قَبْلَ بَنِيَّ، وَأَنَّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ، فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجِئْتُ بِالْحِلاَبِ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً، نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللَّهُ مِنْهَا فُرْجَةً، فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ ))
الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟ الْأُمُّ الاحسانُ إليها سبب في إجابة الدعاء: ففى حديث عمر -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن أويس القرني -رحمه الله-: (لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ)و تحصيل الخير بدعاء الوالدين: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ)
الْأُمُّ وما أدراك ما الْأُمُّ؟ الْأُمُّ التي وصى بها المولى -جل جلاله-, وجعل حقها فوق كل حق إلا حقّه, وجعل شكره سبحانه مقروناً بشكرها: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14( والإحسان إلى الأم سبب لقبول الأعمال, قال سبحانه عن عبده الشاكر لنعمته، البار بوالديه: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) [الأحقاف: 16).وكيف لا؟ واللهُ جلّ وعلا جعلَ الحقَّ الثاني بعدَ حقِّهِ وحقِّ حبيبِه ﷺ حقَّ الآباءِ، فقالَ ربُّنَا (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} (سورة الإسراء :23)فالبرُّ بالآباءِ والأمهاتِ مِن أحبِّ الأعمالِ وأعظمِ القرباتِ إلي علامِ الغيوبِ وستيرِ العيوبِ جلّ في علاه – فعن ابنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنه قال: سأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ:” الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا“ قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ:” ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ” قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ:” الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ “( متفق عليه ). فيا من تريد رضى رب البريات، وتطلب جنة عرضها الأرض والسموات: دونك مفاتحيها بإحسانك لأمك ورضاها عنك.وكيف لا؟ وقد قَالَ ﷺ { رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ } واعلمْ أيُّها الحبيبُ: مهما كنتَ بارًّا بأمِّك فلن تعطيهَا حقّهَا ولا بطلقةٍ مِن طلقاتِ الحملِ .فلَقَدْ رَأَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَجُلًا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ حَامِلًا أُمَّهُ عَلَى رَقَبَتِهِ فَقَالَ : يَا ابْنَ عُمَرَ أَتَرَى أَنِّي جَزَيْتهَا ؟ قَالَ : لَا وَلَا بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنَّك أَحْسَنْت وَاَللَّهُ يُثِيبُك عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيرًا .بل إنّ رجلًا أتى عمرَ رضي اللهُ عنه فقال إنَّ لِي أمّاً بلغَ بها الكبرُ وأنّها لا تقضِي حاجتَها إلّا وظهرِي مطيةً لها وأصرفُ وجهِي عنها، فهل أديتُ حقّهَا؟ قال: لا. قال: (إنّها كانت تصنعُ ذلك بك، وهي تتمنَّى بقاءَك، وأنت تتمنَّى فراقَهَا). وكيف لا؟ ومِن البرِّ الإحسانُ إلى أهلِ أبيكَ وأمِّك وصلةِ الرحمِ التي أمرنَا اللهُ بوصلِهَا وإكرامِ صديقهِمَا وكثرةِ الاستغفارِ لهما بعدَ موتهِمَا، فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا قَالَ نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ) بل من البر كما قال النبي المختار ﷺ طما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أَبَرُّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبِيهِ) فطوبي أيها الأخيار لمن كان بارا بأمه وأحسن إليها قبل فوات الأوان.
ثانيًا: العقوقُ وما أدراك ما العقوقُ ؟
أيُّها السادةُ : عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ مُنْتَشِرٌ بِصُورَةٍ كَبِيرَةٍ فِي زَمَانِنَا هذا؛ بِسَبَبِ بُعْدِ النَّاسِ عَنْ تَعَالِيمِ دِينِهِمْ, وَغَرَقِهِمْ فِي الْمَادِّيَّاتِ, وَاتِّبَاعِهِمْ لِتَقَالِيدِ الْغَرْبِ وَثَقَافَاتِهِ الْمُنْحَرِفَةِ, وَلِتَأْثِيرِ الْأَصْحَابِ وَالزَّوْجَةِ السَّيِّئَةِ دَوْرٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ عُقُوقِ الْأَبْنَاءِ؛ فَالصَّاحِبُ سَاحِبٌ, وَالزَّوْجَةُ إِمَّا أَنْ تُعِينَ زَوْجَهَا عَلَى بِرِّ وَالِدَيْهِ أَوِ الْأُخْرَى؛ وَمِنْ هُنَا رَغَّبَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِاخْتِيَارِ ذَاتِ الدِّينِ. وكيف لا ؟ والعقوقُ مِن أكبرِ الكبائرِ ياسادة، فعن أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا” قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : “الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ“ وَكَانَ مُتَّكِئًا فجلس فَقَالَ:” أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ” قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ)(متفق عليه)ىبل العاقُّ محرومٌ مِن دخولِ الجنةِ إلّا إذا تابَ وعادَ إلي اللهِ وأحسنَ إلي الآباءِ والأمهاتِ، فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرو بنِ العاصِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ عن النبي ” ﷺ ” قال: لا يدخلُ الجنةَ عاقٌّ )) رواه النسائي، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ : أَوْحَى اللَّهُ – تعالى – إلَى مُوسَى – صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَا مُوسَى وَقِّرْ وَالِدَيْك فَإِنَّهُ مَنْ وَقَّرَ وَالِدَيْهِ مَدَدْت فِي عُمُرَهُ وَوَهَبْت لَهُ وَلَدًا يَبَرُّهُ ، وَمَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ قَصَّرْت عُمُرَهُ وَوَهَبْت لَهُ وَلَدًا يَعُقُّهُ)(البخاري في الأدب المفرد) بل سُئِلَ ابنُ عباسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ عن الإحسانِ قال: كثيرٌ لا أستطيعُ أنْ أصفَهُ, وسُئِلَ عن العقوقِ فقال لو خلعَ الابنُ ثوبَهُ ونفضَهُ وطارَ الغبارُ علي أبيهِ كان هذا عقوقًا.. يا رب سلم،
وسُئِلَ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما عن أصحابِ الأعرافِ مَن هم وما الأعرافُ ؟فقال: أمّا الأعرافُ فهو جبلٌ بينَ الجنةِ والنارِ وإنّما سُمي الأعراف؛ لأنّهُ مشرفٌ على الجنةِ والنارِ وعليه أشجارٌ وثمارٌ وأنهارٌ وعيونٌ وأمّا الرجالُ الذين يكونون عليه فهم رجالٌ خرجوا إلى الجهادِ بغيرِ رضا آبائِهِم وأمهاتِهِم فقتلُوا في الجهادِ فمنعَهُم القتلُ في سبيلِ اللهِ عن دخولِ النارِ ومنعهُم عقوقُ الوالدينِ عن دخولِ الجنةِ فهُم على الأعرافِ حتى يقضِيَ اللهُ بينهما.
وعُقُوقُ الْأُمَّهَاتِ سَبَبٌ لِلْعُقُوبَةِ فِي الْحَيَاةِ وقَبْلَ الْمَمَاتِ؛ يَقُولُ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُهُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ” فَيَا مَنْ عَقَّ أُمَّهُ، وَيَا مَنْ أَتْعَبَهَا وَأَبْكَاهَا،ويامن هجرها من اجل الدنيا، ومضت سنوات وهو لم يرها ولم يقبل يدها ويتشرف بخدمتها وربما ماتت وهو لم يرها من عشرات السنين ما حجتك عند الله وما جوابك إذا سئلت يوم القيامة عن تقصيرك وتفريطك تجاه امك: اسْتَدْرِكِ الْحَالَ، وَاسْتَشْعِرْ قَبَاحَةَ الْفِعَالِ، تَذَكَّرْ – أَنَّ وُجُودَ الْأُمِّ فِي حَيَاتِكَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَأُمْنِيَّةٌ تَاقَتْ لَهَا صُدُورٌ مَكْلُومَةٌ، وَبِهَا تَنَالُ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى؛ فَرِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ،، فعقوقها من الكبائر ففي الحديث: ثَلاثَةٌ لا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا: عَاقٌّ، وَمَنَّانٌ، وَمُكَذِّبٌ بِالْقَدَرِ”(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وفي رواية ((“لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ، وَلَا عَاقٌّ وَالِدَيْهِ، وَلا مُدْمِنُ خَمْرٍ))
أبتْ نفسِي تتوبّ فما احتيالِي*** إذا برزَ العبادُ لذي الجلالِ
وقامُوا مِن قبورِهم سكارَى ***بأوزارٍ كأمثالِ الجبالِ
وقد مدَّ الصراطُ لكي يجوزُوا ***فمنهم مَن يُكبُّ على الشمالِ
ومنهم مَن يسيرُ لدارٍ عدنٍ ***تلقاهُ العرائسُ بالغوالِي
يقولُ لهُ المهيمنُ يا وليِّي ***غفرتُ لكَ الذنوبَ فلا تُبالِي
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعد
ثالثــــًا وأخيرًا: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ.
أيها السادة : حَقِيقَةٌ مُتَأَصِّلَةٌ عِنْدَ كُلِّ صَاحِبِ فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ؛ فَمَنْ قَابَلَ الْإِحْسَانَ بِالْإِسَاءَةِ فَذَلِكَ لَئِيمٌ, وَفِعْلُهُ قَبِيحٌ مَذْمُومٌ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ, وَحِينَمَا يَكُونُ الْإِحْسَانُ عَظِيمًا مُتَوَاصِلًا تَعْظُمُ الْإِسَاءَةُ وَتَشْتَدُّ, وَيَكُونُ صَاحِبُهَا فِي مُسْتَنْقَعِ الْقُبْحِ غَارِقًا؛ وَهَذَا هُوَ حَالُ عَاقِّ الْوَالِدَيْنِ!.
أُمُّكَ الَّتِي حَمَلَتْكَ فِي بَطْنِهَا تِسْعَ شُهُورٍ؛ تُعَانِي مَشَقَّةَ الْحَمْلِ, وَآلَامَ الْوِلَادَةِ, ثُمَّ أَحَاطَتْكَ بِالْحُبِّ وَالرِّعَايَةِ وَالِاهْتِمَامِ وَالْعِنَايَةِ؛ إِذَا مَرِضْتَ فَهِيَ بِجَانِبِكَ سَاهِرَةً, وَإِذَا بَكَيْتَ بَكَتْ لِبُكَائِكَ, هِيَ مَعَكَ فِي طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ وَمَلْبَسِكَ وَنَوْمِكَ وَمَرَضِكَ, أَيَلِيقُ بِهَذَا الْإِحْسَانِ الْعَظِيمِ أَنْ يُقَابَلَ وَلَوْ بِأَدْنَى إِسَاءَةٍ؟!
وَالِدُكَ الَّذِي رَبَّاكَ وَتَعِبَ فِي تَرْبِيَتِكَ؛ كَمْ أَنْفَقَ عَلَيْكَ مِنْ أَمْوَالٍ مُذْ كُنْتَ صَغِيرًا؟! يُنْفِقُ بِكُلِّ حُبٍّ وَرَحْمَةٍ, وَيَسْعَى لِمَا يُحَقِّقُ رَاحَتَكَ, يَقْلَقُ عَلَيْكَ وَبِكَ يَهْتَمُّ, كَمَ ظَمِئَ لِتَشْرَبَ, وَجَاعَ لِتَأْكُلَ, وَاحْتَمَلَ التَّعَبَ لِتَضْحَكَ وَتَفْرَحَ؛ أَيَلِيقُ بِهَذَا الْإِحْسَانِ الْعَظِيمِ أَنْ يُقَابَلَ بِسُوءٍ وَلَوْ بِكَلِمَةٍ أَوْ عِبَارَةٍ؟!
صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا رَقِيَ عَتَبَةً، قَالَ: “آمِينَ” ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً أُخْرَى، فقَالَ: “آمِينَ” ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً ثَالِثَةً، فقَالَ: “آمِينَ” ثُمَّ، قَالَ: “أَتَانِي جِبْرِيلُ، فقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: آمِينَ، قَالَ: وَمَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا، فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: آمِينَ، فقَالَ: وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ”. يارب سلم
وَمِنْ صُوَرِ الْعُقُوقِ: التَّسَبُّبُ فِي سَبِّهِمَا وَلَعْنِهِمَا, وَقَدْ أَوْضَحَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ذَلِكَ حِينَ قَالَ: “مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ”, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟! قَالَ: “نَعَمْ, يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ؛ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ؛ فَيَسُبُّ أُمَّهُ”(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). وَمِنْ صُوَرِ الْعُقُوقِ: أَنْ يَتَخَلَّى الْأَبْنَاءُ عَنْ وَالِدَيْهِمْ عِنْدَ الْكِبَرِ حَالَ الضَّعْفِ, وَهُمَا فِي أَشَدِّ الْحَاجَةِ إِلَى الْعِنَايَةِ وَالرِّعَايَةِ وَالرَّحْمَةِ؛ وَلِذَا وَصَّى اللهُ بِهِمَا، خَاصَّةً وَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ مِنَ الْعُمْرِ؛ فَقَالَ -تَعَالَى-: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)[الإسراء: 23]؛ فَالْكَلِمَةُ في هَذَا السِّنِّ تُؤْذِيهِمَا أَشَدَّ الْإِيذَاءِ؛ فَكَيْفَ بِقَبِيحِ الْأَفْعَالِ, وَسُوءِ الْخِصَالِ, وَالتَّنَكُّرِ لِلْجَمِيلِ؟! وَفِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْغَرْبِيَّةِ الْفَاقِدَةِ لِلْإِيمَانِ يَرْمِي الْأَوْلَادُ آبَاءَهُمْ فِي دُورِ رِعَايَةِ الْعَجَزَةِ وَالْمُسِنِّينَ؛ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ أَعْبَائِهِمَا, وَالْقِيَامِ بِشُؤُونِهِمَا, وَالْعَجِيبُ أَنْ يَسْرِيَ هَذَا الدَّاءُ الْخَبِيثُ عِنْدَ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ لَا خَلَاقَ لَهُ, وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ!. وففي صحيح مسلم ((رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ.
فأين نحن في بر أمهاتنا، والعناية بهن، والقيام على خدمتهن من هذه الأحاديث والآثار العظيمة في حق الأم، وفضيلة برها؟!نعم؛ إنها الأم التي تعطي ولا تطلب أجرًا، وتبذل ولا تأمل شكرًا.
فطوبى لمن أحسن إلى أمه في كبرها, طوبى لمن سعى في رضاها، فلم تخرج من الدنيا إلا وهي عنه راضية.
طوبي لمن كان برا بها بعد مماتهما: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) فيَا عِبَادَ اللهِ: المَحرُومُ من حُرِمَ حُسْنَ الخَاتِمَةِ, المَحرُومُ من مَاتَ على عُقُوقٍ لِوَالِدَيهِ, لَيسَ العَيبُ أن نُخطِئَ, ولكنَّ العَيبَ أن نَستَمِرَّ في الخَطَأِ.
يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا للعَاقِّ لِوَالِدَيهِ: هل تُرِيدُ أن تَمُوتَ على خَيرٍ أم على شَرٍّ؟ وهل تَرَى العَاقَّ الذي مَاتَ على عُقُوقٍ مَاتَ على خَيرٍ؟
قُولُوا للعَاقِّ: لا تَغتَرَّ بِحِلْمِ اللهِ -تعالى- عَلَيكَ, فَإِنَّكَ مَجزِيٌّ على عُقُوقِكَ في الدُّنيَا قَبلَ الآخِرَةِ, عَرَفَ هذا من عَرَفَ, وجَهِلَ هذا من جَهِلَ.
فالبدارَ البدارَ بالبر والإحسان البدار البدارَ قبلَ فواتِ الأوانِ باغتنامِ أيامِ الرحماتِ أيامِ النفحاتِ أيامِ العتقِ من النيرانِ .نسألُ اللهَ العظيمَ ربّ العرشِ العظيم أن يتقبلَ منا صيامَنا وقيامَنا وصلاتَنا وزكاتَنا إنّه ولىُّ ذلك ومولاه…
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف