الخطبة المسموعةخطبة الأسبوععاجل

خطبة الجمعة القادمة 10 فبراير 2023م : حسن العشرة وحفظها ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 10 فبراير 2023م بعنوان : حسن العشرة وحفظها ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 19 رجب  1444هـ ، الموافق 10 فبراير 2023م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 فبراير 2023م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : حسن العشرة وحفظها.

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 فبراير 2023م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : حسن العشرة وحفظها ، بصيغة word  أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 فبراير 2023م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : حسن العشرة وحفظها ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

 

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

عناصر خطبة الجمعة القادمة 10 فبراير 2023م بعنوان : حسن العشرة وحفظها ، للدكتور محروس حفظي :

 

 (1) حسنُ العِشرةِ بينَ الأزواجِ.            

(2) حسنُ العِشرةِ مع الوالدين.

(3) حسنُ العشرةِ بينَ الجيرانِ والأصدقاءِ والرفقاءِ.

(4) حسنُ العشرةِ مع الحيواناتِ والجماداتِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 10 فبراير 2023م بعنوان : حسن العشرة وحفظها ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 

خطبة بعنوان: حسنُ العِشرةِ وحفظُهَا بتاريخ 19 رجب 1444 هـ = الموافق 10 فبراير 2023 م

 الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويكافىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِك، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أمَّا بعدُ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة

 (1) حسنُ العِشرةِ بينَ الأزواجِ.            

تُعدُّ الأسرةُ ﺍﻟﺮﻛﻦَ الأساسيَّ ﻓﻲ ﺑﻨﺎءِ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊِ، ﻭبقدرِ تماسكِهَا وترابطِهَا يكونُ المجتمعُ قويًّا؛ فالحياةُ الزوجيةُ أقوى الروابطِ الاجتماعيةِ على الإطلاقِ؛ لاحتوائِهَا على ناحيتينِ: إحداهُمَا: غريزيةٌ فطريةٌ، وثانيهُمَا: عاطفيةٌ وجدانيةٌ، ولذا وصفَ ربُّنَا – عزَّ وجلَّ – عقدَ الزواجِ في كتابهِ العزيزِ بـ “الميثاقِ الغليظِ”؛ لقوةِ ومتانةِ هذا العقدِ الذي يصعبُ نقضُهُ، كالثوبِ الغليظِ الذي يعسرُ شقُّهُ أو تمزيقُهُ فقالَ تعالى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾، كما بيَّنَ ربُّنَا في كتابهِ الحكيمِ أنَّ الأصلَ في العلاقةِ الزوجيةِ المودة، فقالَ: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾؛ فهذه الآيةُ لها أبعادٌ عميقةٌ في بناءِ المجتمعاتِ، فقد اشتملتْ على ثلاثةِ أشياء: «السكنِ والمودةِ والرحمةِ»، فالسكنُ فيهِ معنَى طمأنيةِ النفسِ واستقرارِهَا، وحمايتِهَا مِن تقلباتِ الحياةِ، وإدخالِ الأمنِ حيثُ يرتاحُ كلٌّ منهمَا إلى الآخر، ويسعدُ بهِ، ويجدُ لديه حاجتَهُ، فإذا ما اهتزتْ هذه المرحلةُ، ونفرَ أحدُهُمَا مِن الآخر، جاءَ دورُ المودةِ وحسنِ العشرةِ التي تُمسكُ بزمامِ الحياةِ الزوجيةِ، وتوفرُ لكليهمَا قدرًا كافيًا مِن القبولِ، فإذا ما ضَعُفَ أحدهُمَا عن القيامِ بواجبهِ تجاهَ الآخر جاءَ دورُ الرحمةِ، فيرحمُ كلٌّ منهما صاحبَهُ، يرحمُ ضعفَهُ، ومرضَهُ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (مسلم)، وبذلك تستمرُ الحياةُ ولا تكونُ عُرضةً للعواصفِ في رحلةِ الحياةِ الطويلةِ، فالمودةُ والرحمةُ إذا نُزِعَا مِن المنزلِ كانتْ الحياةُ شقاءً ودمارًا على الأسرِ والمجتمعاتِ، ومِن وسائلِ حفظِ العشرةِ ودوامِهَا حفظُ أسرارِ البيتِ وعدمُ إفشاءِ أحوالهِ، خاصةً حالَ الضيقِ والشدةِ، وكذا فيما يتعلقُ بالأمورِ الشخصيةِ فعن أَبي سَعِيدٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» (مسلم) كما يجبُ على الزوجينِ أن يَعْرِفَ كُلٌّ منهمَا طِبَاعَ الآخَرِ، وَمَا يُحِبُّ وَمَا يَكْرَهُ، وَمَا يُسْعِدُهُ ويُحزِنُهُ، وَمَا يَنْبَغِي تَجَنبهُ مَعَهُ، فهذا أحرَى بدوامِ العشرةِ، وأبقَى للودِّ والمحبةِ، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سيدِنَا عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وَقَالَ: «إِنَّنِي لاَ أُحِبُّ زَوْجَتِي وَأُرِيدُ طَلاَقَهَا، فَظَلَّ عُمَرُ يُنَاقِشُ الرَّجُلَ، وفِي نِهَايَةِ حِوَارِهِ مَعَهُ قَالَ لَهُ: يَا أَخَا الإِسْلاَمِ وَهَلْ عَلَى الحُبِّ وَحْدَهُ تُبنَى البُيُوتُ» ؟!. (الزواجر لابن حجر).

لقد أوجبَ دينُنَا على الزوجينِ أنْ يعاملَ كلٌّ منهمَا الآخرَ بالحسنَى، وأنْ يصبرَا على بعضهِمَا فقالَ ربُّنَا: ﴿وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيرًا﴾، فإذا استنفدَتْ كلُّ المحاولاتِ واستحالتْ بينهمَا العِشرةُ أصبحَ مِن الحكمةِ مفارقةُ أحدهُمَا للآخر، وهنا شرعَ الحقُّ سبحانَهُ الطلاقَ للرجلِ أو الخُلعَ للمرأةِ؛ ليكونَ حلًّا لمثلِ هذه الحالاتِ بعدَ استنفادِ جميعِ الوسائلِ الممكنةِ، فأيُّها الأزواجُ إمَّا معاشرةٌ بمعروفٍ أو فراقٌ بإحسانٍ قالَ سبحانَهُ: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلْعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ أَقَمْتَهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» (متفق عليه) .

لقد كانَ رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نموذجًا فريدًا في حفظِ العشرةِ فهو لم ينسَ ما فعلتْهُ معهُ السيدةُ خديجةٌ رضي اللهُ عنها فكانَ يُكرمُ صُوَيْحِباتِهَا بعدَ موتِهَا فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ بِطَعَامٍ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنَ الطَّعَامِ وَيَضَعُ بَيْنَ يَدَيْهَا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَا تَغْمُرْ يَدَيْكَ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذِهِ كَانَتْ تَأْتِينَا أَيَّامَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ أَوْ حَفِظَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ» (الطبراني)، وللهِ درُّ القائل:

احرصْ على حفظِ القلوبِ مِن الأذَى … فرجوعهَا بعدَ التنافرِ يصعبُ

إنَّ النفوسَ إذَا تنافرَ ودُّهَا … مثل الزجاجةِ كسرهُا لا يشعبٌ

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة

(2) حسنُ العِشرةِ مع الوالدين.

لقد استفاضتْ الأدلةُ على فرضيةِ الإحسانِ إلى الوالدينِ، ففي مواضعَ أربعٍ مِن القرآنِ يُقرنُ ربُّنَا بينَ عبادتهِ وبينَ برِّ الوالدينِ وشكرِهِمَا فقالَ: ﴿وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾، وقال: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾، وقال جلَّ شأنُهُ: ﴿قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾، وقال عزَّ سلطانُهُ: ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾، وقد كان لهما تلك المزيةَ والفضلَ؛ لِمَا تحمّلَاهُ مِن مشقةٍ وتعبٍ في سبيلِ تربيةِ الأبناءِ ومِن أجلِ تعليمِهِم وتأديبِهم خاصةً الأم فهي التي عانتْ آلالامَ الحملِ والولادةِ والرضاعةِ والتربيةِ كمَا قالَ ربُّنَا: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾

إنَّ دينَنَا دينُ الإنسانيةِ يأمرُنَا بالإحسانِ إلى الوالدينِ واحترامِهِمَا حتى ولو كانا غيرَ مسلمين وفاءً بحقهِمَا، وحفظًا لجميلِ صنيعِهِمَا قالَ ربُّنَا: ﴿وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً﴾ وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ» (متفق عليه)، أمَّا عقوقُهُمَا والإساءةُ إليهِمَا فلا يجلبُ للإنسانِ إلَّا الشقاءَ والتعاسةَ في الحياةِ فضلًا عمَّا ينتظرهُ في الآخرةِ مِن العقابِ والنكالِ وهو دَيْنٌ مؤجلٌ سيقتصُّ منه وسيرَى بأمِّ عينيهِ ما جنتْ يداهَ شاءَ أمْ أبَى قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ ذُنُوبٍ يُؤَخِّرُ اللَّهُ مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلَّا الْبَغْيَ، وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ، أَوْ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ، يُعَجِّلُ لِصَاحِبِهَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْمَوْتِ» (الأدب المفرد بسندٍ صحيح) .

إنّ حسنَ العشرةِ للوالدينِ لا ينقطعُ بل هو موصولٌ بعدَ موتِهِمَا كأنْ تدعُوا لهمَا، وتتصدقَ عنهمَا، وتصلَ رحمَهُمَا، وتحسنَ إلى صديقِهِمَا فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِيفَاءٌ بِعُهُودِهِمَا مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا» (ابن ماجه)، وعلى هذا تربَّى جيلُ الصحابةِ فخرجُوا وعلَّموا العالمَ بأسرهِ فها هو ابْنُ عُمَرَ: «خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، وكَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ، إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ، وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ، فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ، إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، قَالَ: بَلَى، فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ، وَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا، وَالْعِمَامَة اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ، فَقيل لَهُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ أَعْطَيْتَ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ» (مسلم).

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة

(3) حسنُ العشرةِ بينَ الجيرانِ والأصدقاءِ والرفقاءِ.

الإنسانُ مخلوقٌ اجتماعيٌّ أو مدنيٌّ بطبعهِ كما يقولُ علماءُ الاجتماعِ فلا يمكنهُ أنْ يعيشَ وحيدًا، وإنّما ضمنَ مجتمعٍ فيه فئاتٌ متنوعةٌ مِن البشرِ، ولذا كان عليهِ أنْ يُحسِنَ العشرةَ مع جيرانهِ وأصدقائهِ ورفقائهِ في العملِ أو السفرِ قالَ ربُّنَا: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾؛ وقد جعلَ الإسلامُ حسنَ العشرةِ مع الجارِ أيًّا كان صفتهُ مِن أسبابِ دخولِ الجنةِ، وإيذائَهُ مِن أسبابِ دخولِ النارِ فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:«قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ» (أحمد وسنده صحيح)، ومَن أرادَ أنْ يعرفَ أنَّه محسنٌ فلينظرْ إلى حالهِ مع جيرانهِ وأصدقائهِ وخلانهِ هل يحسنُ عشرتَهُم، ويحفظُ مودتَهُم؟ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:«جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَالَ: كُنَّ مُحْسِنًا قَالَ: كَيْفَ أَعْلَمُ أَنِّي مُحْسِنٌ؟ قَالَ: سَلْ جِيرَانَكَ، فَإِنْ قَالُوا: إِنَّكَ مُحْسِنٌ فَأَنْتَ مُحْسِنٌ، وَإِنَّ قَالُوا: إِنَّكَ مُسِيءٌ فَأَنْتَ مُسِيءٌ» (الحاكم وصححه) .

ومِن أجمعِ وسائلِ حسنِ العشرةِ وحفظِهَا: احترامُ خصوصياتِ الآخرين، فلا نتتبع عوراتِهِم الماديةَ والمعنويةَ حتى تبقَى وصالُ المحبةِ والعشرةِ فعن أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ» (أحمد وأبو داود)، وأنْ نبذلَ لهم النصيحةَ ولا نَضِنّ عليهم بمَا فيه نفعٌ لهم، وأنْ نصفحَ عن عثراتِهم، ونتركَ تأنيبَهُم عليها‏، ونوسعَ عليهم ولا نحوجهُم إلى السؤالِ، ولا نطمع في مالهم، وأنْ نحفظَ عهودَهُم، ونحترمَ مواعيدَهُم؛ لأنَّ هذا يعززُ الثقةَ، ويقوّي أواصرَ التعاونِ، ويرأبُ الصدعَ قالَ ربُّنَا: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾، فمَا أحوجنَا إلى الوفاءِ بكافةِ صورهِ وأشكالهِ، ولذا رتّبَ رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الاتصافِ بهِ أنْ كان ثوابهُ الجنةَ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» (الحاكم وصححه ووافقه الذهبي)، وأنْ نتفقدَهُم إذا غابُوا، ونزورَهُم إنْ مرضُوا وانقطعُوا عنَّا اقتداءً بحبيبِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمعَ عظيمِ انشِغالِهِ وكثرةِ مسئولياتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مِن هديهِ وسنتِهِ السؤالُ عمَّن غابَ مِن أصحابهِ فعن بُرَيْدَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَهَّدُ الْأَنْصَارَ وَيَعُودُهُمْ» (الحاكم وصححه)، بهذه القيمِ الرفيعةِ وتلك الأخلاقِ العاليةِ – التي جماعهَا حسنُ العشرةِ وحفظُ المودةِ-  يألفُ الإنسانُ ويُؤلفُ ويعشُ في النفوسِ مُعظَّمًا، وعلى الألسُنِ مُبجَّلًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُمْ أَخْلَاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ, وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ» (شعب الإيمان).

أمَّا مَن غلُظَ طبعُهُ وعظُمَتْ فظاظتُهُ، واشتدَّتْ على الناسِ قساوَتُهُ، وكثُرتْ شتامتُهُ وجهالتُهُ فقد أساءَ العشرةَ والمخالطةَ، وأوغلَ في المغالطةِ، واقتدِ بسيدِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعَنْ عائِشَةَ «أنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رآهُ قَالَ: بِئْسَ أخُو العَشِيرَةِ وبِئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَجْهِهِ وانْبَسَطَ إلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قالَتْ لَهُ عائِشَةُ: يَا رسُولَ الله حِينَ رأيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وجْهِهِ وانْبَسَطْتَ إلَيْهِ؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عائِشَةَ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشاً؟ إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ الله مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقاءَ شَرِّهِ» (البخاري) .

العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة

(4) حسنُ العشرةِ مع الحيواناتِ والجماداتِ.

لقد تخطتْ حسنُ العشرةِ وحفظُهَا في الإسلامِ كلَّ الحواجزِ، وفاقتْ كلَّ الأوصافِ حتى شملتْ حسنَ العشرةِ مع الحيواناتِ والجماداتِ التي لا تعقلُ، فقد يتصورُ البعضُ أنَّها منعدمةُ الشعورِ والإحساسِ، أو الحبِّ أو الميلِ، لكن يخبرُنَا القرآنُ الكريمُ والنبيُّ العدنانُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلافَ ذلك فيقولُ ربُّنَا: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾، وهذا الذي حدَا برسولِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ تقعَ شفقتُهُ على هذا العالمِ مِن المخلوقاتِ، لتشملَ حسنُ معاملتهِ كلَّ الموجوداتِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا» (متفق عليه) .

 لقد تحركتْ مشاعرُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعواطفهُ مع الجذعِ الذي بكَى وحنَّ شوقًا إليهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكثرةِ وقوفهِ عليهِ، فانظرْ كيفَ تعاملَ معهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحفظَ ما سلفَ مع الجذعِ فعنْ جَابِرِ «أنَّ امْرَأةً مِنَ الأنْصَارِ قالَتْ لِرَسولِ الله يَا رسولَ الله ألاَ أجْعَلْ لَكَ شَيْئا تَقْعُدُ عَلَيْهِ، فإنَّ لِي غُلاما نجَّارا قَالَ: إنْ شِئْتِ قَالَ فَعَمِلَتْ لَهُ المِنْبَرَ، فَلَمَّا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ قَعَدَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى المِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ فَصاحَتِ النخْلَةُ الَّتِي كانَ يَخْطُبُ عنْدَهَا حَتَّى كادتْ أنْ تَنْشَقَّ فنَزَلَ حَتَّى أخذَهَا فَضَمَّهَا إلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أنينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ قَالَ بَكَتْ عَلى مَا كانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ» (البخاري).

والمتبادرُ عند َالناسِ أنَّ “جبلَ أُحدٍ” هُزمَ عندهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ، وذلك أدعَى إلى التشاؤمِ والحزنِ، لكنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تفاؤلًا واستبشارًا – بيَّنَ أنَّ أُحدًا لا دخلَ لهُ، فأعلنَ محبتَهُ لهُ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينمَا نظرَ إليهِ: “إنَّ أُحدًا جبلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه”(مسلم)؛ لأنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقفَ عليهِ ذاتَ مرةٍ فلم ينسَ فضلَهُ فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، قَالَ: اثْبُتْ أُحُدُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِي، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدَانِ» (البخاري) .

مِن هُنَا يُعلَمُ أنَّ الإنسانَ مستخلفٌ على الأرضِ وما عليهَا ومأمورٌ باستثمارِ خيراتِهَا، والمحافظةِ عليهَا، وهذا يفرضُ عليهِ أنْ يحسنَ المحافظةَ عليهَا، ويتصرفَ فيهَا تصرفَ الأمينِ، والمسؤولِ عنهَا، وأنْ يتعاملَ معهَا برفقٍ وأسلوبٍ رشيدٍ مِن أجلِ مستقبلهِ ومستقبلِ الأجيالِ القادمةِ.

نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفق ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

الدعاء ،،،                                           وأقم الصلاة ،،،

كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال       عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى