الخطبة المسموعةخطبة الأسبوععاجل

خطبة الجمعة القادمة 12 يناير : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ” جمال المظهر والجوهر ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 12 يناير 2024 م بعنوان : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ” جمال المظهر والجوهر ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 30 جمادي الثانية 1445هـ ، الموافق 12 يناير 2024 م . 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 يناير 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ” جمال المظهر والجوهر .

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 يناير 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ” جمال المظهر والجوهر ، بصيغة word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 يناير 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ” جمال المظهر والجوهر ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

عناصر خطبة الجمعة القادمة 12 يناير 2024 م بعنوان : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ” جمال المظهر والجوهر ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) الإسلامُ يحثُ على عمارةِ المساجدِ، والتجملِ عندَ دخولِهَا.  

(2) دورُ المساجدِ في تطهيرِ المجتمعاتِ “جمالُ الجوهرِ” .

(3) ما أجملَ أنْ يتحلَّى المسلمُ بجمالِ المظهرِ والجوهرِ، ويجمعَ بينهُمَا .

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 12 يناير 2024 م بعنوان : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ” جمال المظهر والجوهر ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 

«”خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ” جمالُ المظهرِ والجوهرِ»

بتاريخ: 7 رجب 1445 هـ = الموافق 12 يناير 2024 م

الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ، أمَّا بعدُ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 12 يناير 2023م

(1) الإسلامُ يحثُّ على عمارةِ المساجدِ، والتجملِ عندَ دخولِهَا:

 عندمَا هاجرَ سيدُنَا رسولُ اللهِ إلى المدينةِ كان مِن أوائلِ الأعمالِ التي قامَ بهَا إنشاءُ المسجدِ كي يكونَ الجامعةَ التي يتخرجُ منهَا الصحابةُ، ويتعلمونَ فيهِ كلَّ شيءٍ، ولِمَا لهُ مِن أهميةٍ ومكانةٍ في حياةِ الفردِ والمجتمعِ، وهي أحبُّ الأماكنِ إلى اللهِ، وأنقَى بقاعِ الأرضِ، وأطهرُ ساحاتِ الدنيا، فعنْ جُبَيْرٍ: «أنَّ رَجُلًا قَالَ: أَيُّ الْبُلْدَانِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الْبُلْدَانِ أَبْغَضُ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ جِبْرِيلَ فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ: أَنَّ أَحَبَّ الْبِقَاعِ إِلَى اللَّهِ الْمَسَاجِدُ وَأَبْغَضَ الْبِقَاعِ إِلَى اللَّهِ الْأَسْوَاقُ» (أحمد والبزار)، فمنهَا شعَّ نورُ الدعوةِ إلى اللهِ، وفيها تُزكَّى الأنفسُ، وتهدأُ القلوبُ، وترتاحُ الأرواحُ.

وقد أمرَ اللهُ- سبحانَهُ- بإقامتِهَا وعمارتِهَا على أكملِ وجهٍ، فقالَ ربُّنَا:﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾، وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : “إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ جِيرَانِي؟ أَيْنَ جِيرَانِي؟ فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا، وَمَنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجَاوِرَكَ؟ فَيَقُولُ: أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ؟” (مسند الحارث، إسناده جيد)، وشهدَ لأهلِهَا بالإيمانِ والصلاحِ، ووصفَهُم بوصفِ الرجولةِ، فقالَ سبحانَهُ:﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾، وقال : «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ» (متفق عليه)، ورغّبَ رسولُنَافي تشيدِهَا والقيامِ عليهَا فقَالَ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ، أَوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» (ابن ماجه)، ولنفقهْ أنَّ الحديثَ هنا قد جاءَ مِن بابِ “إطلاقِ الكلِّ، وإرادةِ الجزءِ”، فالمساهمُ مع غيرهِ في بناءِ مسجدٍ، والمجددُ لهُ، والمتعهدُ بصيانتِهِ، ومَن أدخلَ توسعةً عليهِ يكونُ داخلًا في الحديثِ، ألَا فليشاركْ المتبرعُ بمَا يقدرُ عليهِ صغيرًا كان أو كبيرًا، مالًا أو جُهدًا … إلخ .

وبناءُ المساجدِ مِن الأعمالِ التي يجرِي أجرُهَا للعبدِ بعدَ مَا ينقطعُ عملُهُ بالموتِ، قال : «سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، وهُو فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ كَرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ» (رواه البزار بإسناد حسن) .

كما أمرَ نبيُّنَا  بتنظيفِهَا مِن القاذوراتِ والأوساخِ، والعنايةِ بها، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: “عُرِضَتْ عَلَيَّ أُمَّتِي بِأَعْمَالِهَا حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا، فَرَأَيْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا: الْأَذَى يُنَحَّى عَنِ الطَّرِيقِ، وَرَأَيْتُ فِي سَيِّئِ أَعْمَالِهَا: النُّخَاعَةَ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ” (ابن ماجه)، وأخبرَ أنَّ مَن يقومُ على ذلك ثوابُهُ عظيمٌ، وأجرُهُ كبيرٌ حتى حرصَ رسولُنَا على صلاةِ الجنازةِ على مَن كان يباشرُ ذلك، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ- أَوْ شَابًّا- فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ ، فَسَأَلَ عَنْهَا- أَوْ عَنْهُ- فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا- أَوْ أَمْرَهُ- فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ» فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللهَ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ» (مسلم)، والمساجدُ اليومَ يُصرفُ عليها الأموالُ الطائلةُ؛ لذا وجبَ علينا صيانتُهَا مِن كلِّ أذى أو تخريبهَا بأيِّ وسيلةٍ كانت حتى ولو بالروائحِ الكريهةِ فإنَّ الملائكةَ تتأذَّى مِمّا يتأذَّى منهُ بنو آدم، قال: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» (مسلم)، ولذا نهَى عن أَكْلِ الثٌّومِ والبصلِ لمَن يأتي المسجدَ؛ لأنَّ رائحتَهُ تؤذِي المصلين، فقالَ : «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» (متفق عليه) أمَّا إذا تطهرَ الإنسانُ، واستطاعَ التغلبَ على هذه الرائحةِ، وأذهبهَا بأيِّ وسيلةٍ فإنَّهُ يذهبُ إلى المسجدِ؛ لأنَّ السببَ الذي مِن أجلِه مُنِعَ مِن حضورِ المسجدِ قد زالَ، والحكمُ يدورُ مع علتِهِ وجودًا وعدمًا.

مِن هنا وجبَ على المسلمِ أنْ يعتادَ النظافةَ والطهارةَ دائمًا، ويتأكدُ هذا أكثر عندما يأتي المسجدَ فيكونَ نظيفَ الجسدِ، حسنَ المظهرِ قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ فأمرَ-عزَّ وجلَّ- بأنْ يتزيّنَ الإنسانُ للقاءِ ربِّهِ خمسَ مراتٍ في اليومِ والليلةِ، ومَن تزيَّنَ في يومِهِ خمسَ مراتٍ متفرقةٍ في اليومِ لا شكَّ أنَّه يظلُّ على تلك الزينةِ فترةً طويلةً مِن الوقتِ، فكأنَّ الأصلَ في يومِ المسلمِ أنْ يكونَ زينةً وتجملًا وتطيبًا، بل أمرهُ -عزّ وجلّ- كذلك بالطهارةِ والوضوءِ، فلا صلاةَ بغيرِ طهورٍ، وتنظُّفٌ للبدنِ والنفسِ، وهذا يهيئُ الإنسانَ تهيئةً مباشرةً ليكونَ الأصلُ في حياتِهِ هو النظافةُ وكراهيةُ القذرِ والأوساخِ.

كما أمرَنَا اللهُ بسترِ العورةِ في الصلاةِ؛ إذ العربُ كانوا يطوفون حولَ البيتِ الحرامِ عُراةً فلمّا جاءَ الإسلامُ حرّمَ ذلك، ويُستحبُّ التجملُ عندَ الصلاةِ لا سيَّمَا في يومِ الجمعةِ والعيدِ، ويُستحبُّ الطيبُ؛ إذ مِن الزينةِ، والسواكُ؛ لأنَّهُ مِن تمامِ ذلك، ومِن أفضلِ اللباسِ البياضُ، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَرَأَى عَلَيْهِمْ ثِيَابَ النِّمَارِ – جمعُ: نمرةٌ وهي بردةٌ يلبسُهَا الأعرابُ- فَقَالَ : “مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ” (ابن ماجه)، ويظهرُ من هذا التوجيهُ النبويُّ مشروعيةَ تخصيصِ بعضِ الملابسِ للخروجِ للصلاةِ، وأهميةَ الحفاظِ على نظافةِ ما يلبسُهُ للمسجدِ؛ لأنَّ العملَ يؤثرُ عليهَا، وأنْ يهتمَّ المسلمُ بنظافةِ ملابسِهِ، فعن جَابِرٍ “رَأَىَ رسُولُ اللَّهِ رَجُلًا عَلْيِهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ: أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ” (أبو داود)، ومِن السنةِ كذلك إصلاحُ وتجميلُ شعرِ اللحيةِ والرأسِ، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ، فَقَالَ: “أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ”(أبو داود) .

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 12 يناير 2023م

(2) دورُ المساجدِ في تطهيرِ المجتمعاتِ “جمالُ الجوهرِ”:

إنَّ عملَ المساجدِ ليسَ مقصورًا على إقامةِ الصلواتِ، أو تلاوةِ القرآنِ وذكرِ اللهِ فحسب، بل هو شعلةٌ تنيرُ الأرضَ مِن حولِهَا في جميعِ المجالاتِ، وهذا ما كان معمولًا بهِ على عهدِ سيدِنَا رسولِ فمنهُ كانتْ تُسَيَّرُ الجيوشُ، وتُعْقَدُ الاتفاقاتُ، وتُسْتقبلُ الضيوفُ والوفودُ، ويُقْضَى بينَ الخلقِ، حتى إنَّهُ لم يكنْ هناك أمرٌ يتمُّ خارجَ المسجدِ إلّا ما ندرَ، ثمَّ استمرَّ في أداءِ هذه المهامِّ في عصرِ الخلفاءِ ومَن بعدَهُم حتى توسعتْ الفتوحاتُ، واطلعَ المسلمون على أحوالِ الدولِ التي فتحوهَا، فأنشأوا المؤسساتِ التي تقومُ بشؤونِ الدولةِ والحكمِ والقضاءِ، وفيمَا يلِي عرضٌ لجانبِ مِن دورِ المساجدِ في تطهيرِ المجتمعاتِ مِمّا علقَ بها مِن الأمراضِ القلبيةِ:

أولًا: مكانٌ لتدارسِ القرآنِ الكريمِ وحفظهِ، وتعلُّمِ علومِهِ: كما تُقامُ فيهِ الدُّروسُ والمواعظُ والندواتُ والمحاضراتُ لتذكيرِ المسلمينَ باللهِ تعالَى، وحثِّهِم على الأخلاقِ الفاضلةِ، والتَّمثُّلِ بهَا، فينهلُ الناسُ مِن المساجدِ كلَّ ما ينفعُهُم في دينِهِم ودنياهُم، قَالَ رَسُولُ اللهِ :«وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» (مسلم)، والمساجدُ اليوم – بحمدِ اللهِ – تبوأتْ مكانةً عاليةً، وأخذتْ حظَّهَا مِن حيثُ إنشاءِ المدارسِ القرآنيةِ، وعقدِ المقارىءِ النموذجيةِ حيثُ أقبلَ عليهَا المتخصصونَ والعامةُ، وهذا لا يخفَى على أحدٍ.

كما أنَّ المسجدَ له دورٌ توعويٌّ وتطبيقٌ في مجالاتِ الحياةِ المتنوعةِ، وله دورٌ أيضًا في المحافظةِ على القيمِ والمبادىءِ، فيتحققُ ذلك على أرضِ الواقعِ بيتًا وطريقًا ومكانًا عامًّا … إلخ.

ثانيًا: المسجدُ دارٌ للإفتاءِ، وتحقيقُ الأمنِ الفكرِي: المساجدُ لا تخلُو مِن العلماءِ والفقهاءِ ومِن حلقاتِ العلمِ، فيقصدُهَا كلُّ مَن أرادَ أنْ يتعلَّمَ شيئًا مِن الدِّينِ، وكذلك مَن التبسَ عليهِ حكمٌ في مسألةٍ ما، أو أرادَ التَّفقهَ وتعلُّمَ علومِ الشَّريعةِ، ولولا حلقاتُ العلمِ التي كانت تُقامُ في المساجدِ لمَا وصَلَنَا كثيرٌ مِن أمورِ الدينِ والفقهِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ مَرَّ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ فَوَقَفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: يَا أَهْلَ السُّوقِ مَا أَعْجَزَكُمْ؟ قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: ذَاكَ مِيرَاثُ رَسُولِ اللَّهِ يُقَسَّمُ وَأَنْتُمْ هَاهُنَا، أَلَا تَذْهَبُونَ فَتَأْخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ؟ قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجُوا سِرَاعًا، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَدْ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا يُقَسَّمُ، فَقَالَ: وَمَا رَأَيْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدًا؟ قَالُوا: بَلَى، رَأَيْنَا قَوْمًا يُصَلُّونَ، وَقَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَقَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَيْحَكُمْ فَذَاكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (الطَّبَرَانِيُّ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ) .

كما يقومُ المسجدُ ببيانِ الأفكارِ الملوثةِ والفاسدةِ، والتياراتِ الهدامةِ التي تستهدفُ العقولَ والمعتقداتِ الدينيةَ والخلقيةَ الراسخةَ في المجتمعِ، وذلك لتحقيقِ الأمنِ العقائدِي والفكرِي لأفرادِ المجتمعِ، والبعدِ بهم عمَّا يخلخلُ عقيدتَهُم وقيمَهُم أو يزعزعُهَا، وقد صارت المساجدُ – بحمدِ اللهِ اليوم-  وسيلةً مهمةً تعملُ على غرسِ العقيدةِ الصحيحةِ في نفوسِ المسلمين، والمحافظةِ على الضروراتِ الست: “الدينِ، العقلِ، المالِ، العرضِ، والنفسِ، والوطنِ” مِمّا يحصنُ الشبابَ مِن التطرفِ الفكرِي والسلوكِي، كمَا أنَّها عُقدتْ بها مجالسٌ للإفتاءِ، ويقومُ عليهِ ثُلّةٌ مِن خيرةِ العلماءِ؛ كي يوضحُوا للناسِ ما أُشكلَ عليهم مِن الأحكامِ الشرعيةِ الصحيحةِ المبنيةِ على التيسيرِ، والبعدِ عن التشددِ والتنفيرِ، وهذا منهجٌ نبويٌّ حيثُ كان رسولُنَا حريصًا على جمعِ الصحابةِ في المسجدِ ليعلمَهُم أمورَ دينِهِم، ويستغلَّ المواقفَ كي يظهرَ لهُم الصوابُ، فعن أبي هريرةَ قال: قام أعرابيٌّ فبالَ في المسجدِ، فتناولهُ الناسُ، فقال لهم : «دعوهُ وهريقُوا على بولِه سجلًا مِن ماءٍ، أو ذنوبًا مِن ماءٍ، فإنّمَا بعثتُم ميسرينَ، ولم تُبعثوا معسرين» (البخاري) .

تابع / خطبة الجمعة القادمة 12 يناير 2023م

ثالثًا: تقويةُ أواصرِ المحبةِ والعلاقةِ بينَ أفرادِ المجتمعِ الواحدِ: يُعتبرُ المسجدُ المكانَ الذي يقوِّي الأواصرَ والرَّوابطَ بينَ الناسِ، ويحقِّقُ بينهم المساواةَ، فيجتمعون كلُّهُم على اختلافِ أعمارِهِم وأشكالِهِم وأصولِهِم، ويقفون في صفٍّ واحدٍ متماسكينَ، ويتفقَّدُ حاضرُهُم الغائبَ حيثُ يجتمعونَ في اليومِ واللَّيلةِ خمسَ مرَّاتٍ، ويحضرونَ كلَّ أسبوعٍ يومَ الجمعةِ، كما يجتمعون في المواسمِ المختلفةِ كما في صلاةٍ العيدين، فيتعارفون ويتزاورون فيما بينهم، ويتعاونون على البر والتقوى، وتصقلُ نفوسّهُم مِن الحقدِ والحسدِ؛ إذ ركعةٌ واحدةٌ يؤديهَا المسلمونَ في بيتٍ مِن بيوتِ اللهِ جنبًا إلى جنبٍ تغرسُ في نفوسِهِم مِن حقائقِ المساواةِ الإنسانيةِ، وموجباتِ الودِّ والأخوةِ ما لا تفعلهُ عشراتٌ مِن الكتبِ التي تدعُو إلى المساواةِ، وتتحدثُ عن فلسفةِ الإنسانِ المثالِي، ولذا حثَّ رسولُنَا على صلاةِ الجماعةِ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» (مسلم)، كما رغب في إعلان النكاح في المسجد فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :«أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي المَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ» (الترمذي وابن ماجه) .

كمَا أنَّ الاهتمامَ بالرياضةِ البدنيةِ كان مِن الأدوارِ التي أدّاهَا المسجدُ في عهدِ سيدِنَا رسولِ اللهِ ، حيثُ كان الأحباشُ يتبارزونَ في المسجدِ ونبيُّنَا يشهدُ ذلك، ويراهُ أيضًا أزواجُهُ رضي اللهُ عنهنَّ مِن خلفِهِ، فعن عَائِشَةَ: «وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ، فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ، يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ، فَاقْدِرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ، حَرِيصَةً عَلَى اللهْوِ» (مسلم) .

رابعًا: المسجدُ إحدَى الوسائلِ لإعانةِ الفقراءِ والمحتاجين: فهي ملجأٌ لكلِّ ملهوفٍ، كما يفتحُ أبوابَهُ للنَّاسِ في الحروبِ والكوارثِ؛ ليلتجئُوا فيه، فحين تحدثُ آياتُ اللهِ التي ينبّهُ اللهُ بها عبادَهُ، فإنَّهُم يهرعونَ إلى بيوتِ اللهِ للصلاةِ والاستغفارِ والدعاءِ كما يحدثُ في صلاتَيِ الكسوفِ والخسوفِ، ويقدمون الدعمَ الماديَّ أيضًا فيما بينهم، وهو في هذا العصرِ قد أخذَ دورًا كبيرًا في إقامةِ أنشطةٍ تتعلقُ بالتكافلِ الاجتماعِي كالمستشفياتِ الملحقةِ بالمسجدِ، وبعضِ الأوقافِ لرعايةِ الأراملِ والأيتامِ؛ ولذا كان رسولُنَا يوزِّعُ عليهم الأموالَ والغنائمَ في المسجدِ، كما فعلَ مع فقراءِ قومِ مُضَر عندما رأى حالتَهُم، فخطبَ بالمسلمينَ يحثُّهُم على الصدقةِ، ثمَ أعطاهُم ما يكفيهم لسدِّ حاجتِهِم، فعن جَرِيرٍ قَالَ:«كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ فِي صَدْرِ النَّهَارِ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}، تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ- حَتَّى قَالَ- وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ …» (مسلم) .

لقد كانيعلمُ أنّ أصحابَ الصفةِ كانوا فقراءَ منقطعينَ معهُ ويروونَ عنهُ، ويشهدونُ معهُ الصلواتِ ولا يتركونَهُ إلّا وقتَ النومِ، لذلك قال: «طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الْأَرْبَعَةِ» (متفق عليه) .

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 12 يناير 2023م

(3) ما أجملَ أنْ يتحلَّى المسلمُ بجمالِ المظهرِ والجوهرِ، ويجمعَ بينهُمَا:

إنَّ شريعتَنَا الغراءَ كلَّهَا طهارةٌ وزكاةٌ وتنميةٌ وتكميلٌ وحثٌّ على معالِي الأمورِ، ونهي عن سفاسفِهَا، وقد جعلَ اللهُ تعالى شرائعَ الفطرةٍ نوعينِ:

أحدُهُمَا: يُطهِّرُ القلبَ والرُّوحَ، وهو الإيمانُ باللهِ وتوابعُهُ مِن خوفِه ورجائِه، ومحبتهُ والإنابةُ إليهِ، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ* مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، فهذه تزكِّي النفسَ، وتُطهِّرُ القلبَ، وتُذهِبُ عنه الآفاتِ الرذيلةَ، وتُحلِّيهٍ بالأخلاقِ الجميلةِ، وكلّهَا ترجعُ إلى أصولِ الإيمانِ وأعمالِ القلبِ،  ولذا وصفَ اللهُ رسلَهُ بنقاءِ القلوبِ، فقال عن إبراهيمَ عليهِ السلامُ: ﴿إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾، وطهارةُ القلبِ شرطٌ لدخول الجنة قال ربنا: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ .

ثانيهُمَا: ما يعودُ إلى تطهيرِ الظاهرِ ونظافتِهِ ودفْعِ الأوساخِ والأقذارِ عنه، وهي هذه العشرةُ التي هي مِن محاسنِ دينِنَا الحنيفِ؛ إذ كلّهَا تنظيفٌ للأعضاءِ وتكميلٌ لهَا؛ لتتمَّ صحتُهَا، ويَروقُ منظرُهَا قَالَ :”عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ” قَالَ زَكَرِيَّا: قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ”، قَالَ وَكِيعٌ: “انْتِقَاصُ الْمَاءِ: يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ” (مسلم) .

والمقصودُ أنَّ الفطرةَ شاملةٌ لجميعِ الأشياءِ المطلوبةِ في الشريعةِ باطنًا وظاهرًا؛ لأنَّها تُنقِّي الباطنَ مِن الأخلاقِ الرذيلةِ، وتُحلِّيهِ بالأخلاقِ الجميلةِ التي ترجعُ إلى عقائدِ الإيمانِ والتوحيدِ، والإخلاصِ للهِ، والإنابةِ إليهِ، وتنقِّي الظاهرَ مِن الأنجاسِ والأوساخِ وأسبابهَا، فتُطهرهُ الطهارةَ الحسيةَ والطهارةَ المعنويةَ، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ وقَالَ : «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ» (مسلم).

إنَّ بعضً الجهالِ يحسبونَ فوضَى اللباسِ، وإهمالَ الهيئةِ، والتبذلَ المستكرَهَ ضربًا مِن العبادةِ، وربَّما ارتدُوا المرقعاتِ والثيابَ المهملاتِ وهم على خيرٍ منها قادرونَ ليظهرُوا زهدَهُم في الدنيا وحبَّهُم للأخرى، وهذا جهلٌ وخروجٌ عن الجادةِ إنّه لا يطيقُ الروائحَ الكريهةَ والأقذارَ المستنكرةَ إلّا ناقصُ الفطرةِ وجمالَ الأدبِ.

مَن يدققُ النظرَ في طبائعِ النفوسِ وأخلاقِ البشرِ يرى أنّ بينَ طهارةِ الظاهرِ والباطنِ وطهارةِ الجسدِ واللباسِ وطهارةِ النفسِ وكرامتِهَا ارتباطًا وثيقًا وتلازمًا بيِّنًا، فالتقوَى لباسٌ يسترُ عوراتِ القلوبِ ويزينُهَا، والثيابُ تسترُ عوراتٍ الجسمِ وتحفظُهَا، وقد جمعَ بينهمَا في قولِهِ:﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ وقال :«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» (مسلم)، مِن هنا ندركُ أنَّ بينَ الثيابِ والقُلوبِ مناسبةٌ لمَن تأملَهَا فكلٌّ منهما يُؤثِّرُ في الآخرِ، ولذا نهَى الإسلامُ عن لباسِ الحريرِ والذهبِ وجلودِ السِّباعِ، وعن الإسبالِ؛ لما تُؤثِّرُ في القلبِ مِن الهيئةِ المُنافِيَةِ للعبوديةِ والخُشوعِ.

وهكذا نجدُ أنَّ المسجدَ في الإسلامِ لهُ دورٌ مهمٌ وأساسيٌّ في حياةِ الناسِ؛ إذ الفردُ يحتاجُ دومًا إلى تربيةٍ إيمانيةٍ وعقليةٍ وأخلاقيةٍ واجتماعيةٍ حتى تتكاملَ جوانبُ الإنسانيةِ فيهٍ، وتؤتِي ثمارَهَا، لذا فالمسجدُ قادرٌ على صقلِ هذه الجوانبِ دونَ أنْ يتغلبَ أحدُهَا على الآخرِ، بل يجعلُ جميعَهَا متوازنةً وقادرةً على صنعِ الإنسانِ المتوازنِ في كافةٍ الجوانبِ الروحيةِ والماديةِ معًا.

أيُّها الأحبابُ: أمَا آنَ للمسلمينَ أنْ يتأدبُوا بآدابِ الإسلامِ، وأنْ ينظفُوا ألسنتَهُم مِن الكذبِ والغيبةِ والنميمةِ، أمَا آنَ لهُم أنْ ينظفُوا معاملاتِهِم مِن الغشٍّ والخداعِ والتزويرِ وأكلِ الحرامِ، وأنْ ينظفُوا أيديَهُم مِن السرقةِ والبطشِ وأذيةِ الآخرين، أمَا آنَ لهُم أنْ ينظفُوا أبصارَهُم وأسماعَهُم ويحفظوهَا مِن النظرِ إلى الحرامِ كي يكونوا مِن أهلِ الفلاحِ، ويُؤهلُوا للنصرِ والنجاحِ.

نسألُ اللهَ أنْ يفرجَ كروبَنَا، وأنْ يزيلَ همومَنَا، وأنْ يُذهبَ أحزانَنَا، ونسألُكَ يا اللهُ أنْ تجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ توفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

  كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان

د / محروس رمضان حفظي عبد العال

  مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى