خطبة الجمعة القادمة 27 سبتمبر 2024م : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ، للشيخ كمال المهدي
خطبة الجمعة القادمة 27 سبتمبر 2024م بعنوان : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ، للشيخ كمال المهدي ، بتاريخ 24 ربيع الأول 1446هـ ، الموافق 27 سبتمبر 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 27 سبتمبر 2024م بصيغة word بعنوان : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ، للشيخ كمال المهدي
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 27 سبتمبر 2024م بصيغة pdf بعنوان : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ، للشيخ كمال المهدي
عناصر خطبة الجمعة القادمة 27 سبتمبر 2024م ، بعنوان : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ، للشيخ كمال المهدي.
1– فضلُ العلمِ ومنزلتُهُ.
2– مكانةُ العلماءِ عندَ اللهِ.
3– رسائلُ للمعلمينَ وأولياءِ الأمورِ والطلابِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 27 سبتمبر 2024م ، بعنوان : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ، كما يلي:
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
للشيخ كمال المهدي
24 ربيع الأول 1446هـ -27 سبتمبر 2024م
إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنَا ومِن سيئاتِ أعمالِنَا، مَن يهدهِ اللهُ فلا مُضلَّ لهُ، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، فصلواتُ اللهِ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، وسلِّمْ تسليمًا كثيرًا..
أحبتِي في اللهِ : استقبلنَا منذُ أيامٍ عامًا دراسيًّا جديدًا، وكما يُقالُ لكلِّ مقامٍ مقال.. فالمقامُ يتطلبُ منَّا أنْ نتحدثَ عن فضلِ العلمِ ومنزلتِهِ.. ولِمَا لا!! واللهُ جلَّ وعلَا أعلَى مِن شأنِ العلمِ ورفعَ مِن قدرِ أصحابِهِ، فقالَ تعالَي :(يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة: ١١].
فقد رفعَ اللهُ عزَّ وجلَّ مِن قيمةِ العلمِ مِن أولِ يومٍ خلقَ فيهِ آدمَ عليهِ السلامُ، ألم نسألْ أنفسَنَا لماذا فضَّلُ اللهُ تعالى (آدمَ) على الملائكةِ؟ ولماذا أسجدَ لهُ الملائكةَ؟ هل بكثرةِ تسبيحِهِ؟ أم بطولِ قيامِهِ؟ أم بطاعتِهِ المطلقةِ للهِ تعالى؟ أم بقوتِهِ الخارقةِ؟
تابع / خطبة الجمعة القادمة 27 سبتمبر 2024م : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
إنَّ الملائكةَ تتفوقُ في كلِّ هذه الأمورِ، ولكنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ مَنَّ على آدمَ عليهِ السلامُ بنعمةٍ رفعتْ مِن قدرِهِ إلى الدرجةِ التي جعلتْ الملائكةَ يسجدونَ لهُ تكريمًا لهُ، هذه القيمةُ وهذه الدرجةُ هي العلمُ، قالَ تعالَى: (وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ*قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الْحَكِيمُ *قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ*وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا)[البقرة:٣١: ٣٤].
وإنَّ المتأملَ في كتابِ اللهِ جلَّ وعلا يجدُ أنَّ أوّلَ آيةٍ نزلتْ منهُ على حبيبِنَا مُحمدٍ ﷺ هي قولُ اللهِ تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق ١-٥].
وهنا ينبغِي علينَا أنْ نقفَ وقفةَ تدبرٍ وإمعانٍ تنفيذًا لأمرِ اللهِ جلَّ وعلا القائلِ: (أفلا يتدبرونَ القرآنَ أم على قلوبٍ أقفالُهَا) [محمد ٢٤]، فالمتدبرُ يجدُ أنَّ اللهَ تعالَى جعلَ أوَّلَ آيةٍ تنزلُ على حبيبِهِ ﷺ تحثُّ على القراءةِ والتعليمِ وما ذاكَ إلَّا ليوضحَ لنَا مكانةَ العلمِ ومنزلةَ العلماءِ.
فالعلمُ شرفٌ ومنارةٌ، ولا يجهلُ قدرَ العلمِ وفضلَهُ إلَّا الجاهلون. قال عبدُ الملكِ بنُ مروانٍ لبنيهِ: “يا بَنِيَّ، تعلمُوا العلمَ؛ فإنْ كنتُم سادةً فقتُم، وإنْ كنتُم وسطًا سدتُم، وإنْ كنتُم سوقةً عِشتُم”.
ويرحمُ اللهُ الحَكَمِيَّ إذْ يقولُ:
العِلْمُ أشْرَفُ مَطْلوبٍ وَطالِبُهُ * للهِ أكْرَمُ مَنْ يَمْشِي عَلى قَدَمِ..
يا طالِبَ العِلمِ لا تَبْغِي بهِ بَدَلا * فقَدْ ظَفَرْتَ ورَبِّ اللَّوْحِ والْقَلَمِ..
وقَدِّسِ العِلمَ واعْرِفْ قَدْرَ حُرْمَتِهِ * فِي القَوْلِ والفِعْلِ والآدابَ فَالْتَزِمِ..
واجْهَدْ بِعَزْمٍ قَوِيٍّ لا انْثِنَاءَ لَهُ * لَوْ يَعْلَمُ الْمَرْءُ قَدْرَ العِلْمِ لَمْ يَنَمِ..
والنيةَ اجعلْ لوجهِ اللهِ خالصةً * إنَّ البناءَ بدونِ الأصلِ لَمْ يَقُمِ.
تابع / خطبة الجمعة القادمة 27 سبتمبر 2024م : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
** يكفِي في فضلِ العلمِ أنّهُ طريقٌ يوصلُ إلى الجنةِ، بل إنَّ الملائكةَ تضعُ أجنحتَهَا لطالبِ العلمِ كما أخبرَ النبيُّ ﷺ .فعَنْ أَبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه ، قَال: سمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ ، يقولُ: (منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ ). رواهُ أَبُو داود والترمذيُّ.
** ويكفِي في فضلِ العلمِ أنّهُ ميراثُ الأنبياءِ، ففي الحديثِ السابقِ (وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) ، وورد أن أَبِا هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) مَرَّ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، فَوَقَفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: “يَا أَهْلَ السُّوقِ، مَا أَعْجَزَكُمْ، قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا: هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: ذَاكَ مِيرَاثُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يُقْسَمُ، وَأَنْتُمْ هَا هُنَا لا تَذْهَبُونَ فَتَأَخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ؟ قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي الْمَسْجِدِ. فَخَرَجُوا سِرَاعًا إِلَى الْمَسْجِدِ، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا يُقْسَمُ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَا رَأَيْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدًا؟ قَالُوا: بَلَى، رَأَيْنَا قَوْمًا يُصَلُّونَ، وَقَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَقَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَلالَ وَالْحَرَامَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَيْحَكُمْ، فَذَاكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ ﷺ” (رواه الطبراني في الأوسط).
ولهذا قالَ الإمامُ عليٌّ بنُ أبِى طالبٍ رضي اللهُ عنهُ: (العلمُ خيرٌ مِن المالِ، العلمُ يحرسُكَ وأنتَ تحرسُ المالَ ، والعلمُ حاكمٌ والمالُ محكومٌ، والمالُ تنقصُهُ النفقَةُ والعلمُ يزكُو بالإنفاقِ).
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ: “لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا شَيْئًا أَفْضَلَ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَمَا بَعْدَ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ”.
** يكفِي في فضلِ العلمِ أنَّ صاحبَهُ حيٌّ حتى بعدَ وفاتِهِ.
فالْعِلْمُ يَبْقَى أَثَرُهُ للإنْسَانِ حَيًّا وَمَيِّتًا، فَيَخْلُدُ ذِكْرُهُ عِنْدَ الوَرَى وَإِنْ كَانَ تَحْتَ التُّرَابِ مَدْفَونًا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَه). رَوَاهُ مُسْلِم.
مَا الفَخْرُ إلا لأَهلِ العِلمِ إنَّهُمُ .. على الهُدَى لِمَن اسْتَهْدَى أَدِلاَّءُ
وقَدْرُ كُلِّ امرِئٍ مَا كان يُحْسِنُهُ.. والجَاهِلُون لأَهلِ العِلمِ أَعدَاءُ
فَفُزْ بِعِلْمٍ تِعِش حَيًّا بِه أَبَدا.. النَّاسُ مَوتى وأَهلُ العِلمِ أَحْيَاءُ
تابع / خطبة الجمعة القادمة 27 سبتمبر 2024م : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
فَقَوْلُهُ: النَّاسُ مَوْتَى. أَيْ: حُكْمَاً، لِعَدَمِ النَّفْعِ، كَالأَرْضِ المَيْتَةِ التي لَا تُنْبِتُ، قَالَ تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتَاً فَأَحْيَيْنَاهُ) . أَيْ: جَاهِلَاً فَعَلَّمْنَاهُ (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ). وَهُوَ العِلْمُ (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ). وَهُوَ الجَاهِلُ الغَارِقُ في ظُلُمَاتِ الجَهْلِ.
** يكفِي في فضلِ العلمِ أنّهُ يرفعُ مِن شأنِ صاحبِهِ، فعن عامرِ بنِ واثلةَ: (أنَّ نافعَ بنَ عَبدِ الحارثِ لقيَ عُمرَ بنَ الخطَّابِ بعُسفانَ ، وَكانَ عمرُ ، استَعملَهُ على مَكَّةَ ، فقالَ عُمَرُ: منِ استَخلفتَ على أَهْلِ الوادي ؟ قالَ: استَخلفتُ علَيهم ابنَ أُبزى ، قالَ: ومنِ ابنُ أُبزى ؟ قالَ: رجلٌ مِن موالينا، قالَ عمرُ، فاستخلفتَ عليهم مولًى، قالَ: إنَّهُ قارئٌ لِكِتابِ اللَّهِ تعالى، عالمٌ بالفرائضِ، قاضٍ، قالَ عمرُ، أما إنَّ نبيَّكم صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: إنَّ اللَّهَ يرفعُ بِهَذا الكتابِ أقوامًا ، ويضعُ بِهِ آخرينَ) رواه مسلم.
رَأَيْتُ العِلمَ صاحِبَهُ كَريمٌ * وَلَوْ ولدتْهُ آباءٌ لِئَامُ.
وليسَ يَزالُ يرْفَعُهُ إلى أَنْ * يُعَظِّمَ أَمْرَهُ القَوْمُ الكِرامُ.
ويتْبعُونَهُ في كُلِّ حَالٍ * كَراعي الضَّأْنِ تَتْبَعُهُ السَّوامُ.
فلوْلا العِلْمُ مَا سَعِدَتْ رِجَالٌ * وَلا عُرِفَ الحَلالُ وَلا الحَرامُ.
ولقد كان الصحابةُ رضي اللهُ عنهُم يُقَدِّرُونَ العلمَ ويرفعونَ مِن شأنِ العلماءِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَكِبَ يَوْمًا، فَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرِكَابِهِ، فَقَالَ: تَنَحَّ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، فَقَالَ: «هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا وَكُبَرَائِنَا» ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَرِنِي يَدَكَ. فَأَخْرَجَ يَدَهُ، فَقَبَّلَهَا فَقَالَ: «هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”.
بل حتى البهائمِ العجماواتِ، لم يجعلْ اللهُ متعلِّمَهَا كجاهلِهَا؛ فقد أحلَّ تعالى صيدَ الطيورِ والسِّباعِ المعلَّمَةِ، كما قالَ تعالى: (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [المائدة: ٤].
** يكفِي في فضلِ العلمِ أنَّ اللهَ تعالى أمرَ رسولَهُ ﷺ بطلبِ الزيادةِ منهُ، فلم يطلبْ الزيادةَ في شيءٍ إلَّا في العلمِ، فقالَ تعالَى: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه: ١١٤] ،
أحبتِي في اللهِ: مهمَا تكلمنَا عن فضلِ العلمِ فلنْ نوفيَهُ حقَّهُ وإنَّ ما ذكرناهُ في فضلِ العلمِ ما هو إلَّا جزءٌ يسيرٌ، فبالعلمِ تُبنَى الأمجادُ، وتُشيدُ الحضاراتُ، وتَسُودُ الشعوبُ، وما فشَا الجهلُ في أمةٍ مِن الأممِ إلّا قوضَ أركانَهَا، وصدَّعَ بنيانَهَا، وأوقعَهَا في الرذائلِ والمتاهاتِ المهلكةِ.
وَإِنَّ كَبِيرَ القَوْمِ لا عِلْمَ عِنْدَهُ * صَغِيرٌ إِذا التَفَّتْ عَلَيْهِ المحافِلُ.
تابع / خطبة الجمعة القادمة 27 سبتمبر 2024م : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
** وفي الختامِ :
اسمحُوا لِي أنْ أقدمَ بعضًا مِن الرسائلِ الهامةِ لفئاتٍ ثلاثٍ يدورُ عليهَا محورُ العمليةِ التعليميةِ..
** وأبدأُ بالفئةِ الأوُلَى وهُم (المعلمونَ والمعلماتُ).. أقولُ لهُم : يكفيكُم فخرًا وشرفًا: أنّكُم تقومونَ بمهمةِ الأنبياءِ التي بعثَهُم اللهُ تعالَى بهَا إلى الناسِ، كمَا قالَ تعالَى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة: ١٥١].
أيُّها المعلمونَ والمعلماتُ: تعرَّفُوا عظمَ الأمانةِ التي على عاتِقِكُم، وتذكرُوا، واعلمُوا أنَّ تأثيرَ أفعالِكِم في طلابِكُم أشدُّ وأعظمُ مِن تأثيرِ أقوالِكِم؛ فهم يتعلمونَ مِن أفعالِكُم وأخلاقِكُم، أكثرَ وأعظمَ مِن أقوالِكُم، فكونُوا قدوةً صالحةً في حسنِ تعاملِكُم، وطيبِ أخلاقِكُم، ولينِ كلامِكُم.
فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ (إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه: أحفِظ أم ضيَّع)
أيُّها المعلمون والمعلماتُ: كم مِن جاهلٍ علمتمُوه! وكم مِن غافلٍ نبَّهتمُوه! فاللهَ اللهَ في أبنائِنَا، فنحن – أولياءَ الأمورِ – معكُم، وهم أمانةٌ بينَ أيدِيكُم، وأنتمْ أهلٌ للأمانةِ بإذنِ اللهِ تعالى.
وأختمُ رسالتِي للمعلمينَ والمعلماتِ، بقصةِ أفضلِ معلمٍ مع أحدِ تلاميذِهِ، حيثُ سلكَ معهُ أسلوبًا تربويًّا فائقًا رائقًا، فأمَّا المعلمُ فهو نبيُّنَا مُحمدٌ ﷺ، وأمَّا التلميذُ فهو الصحابِيُّ معاويةُ بنُ الحكمِ رضي اللهُ عنه، ولنترك لهُ الحديثَ ليحدثَنَا عن أفضلِ معلمٍ عرفتْهُ البشريةُ يقولُ: (بيْنَا أنَا أُصَلِّي مع رَسولِ اللهِ ﷺ، إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقُلتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي القَوْمُ بأَبْصَارِهِمْ، فَقُلتُ: واثُكْلَ أُمِّيَاهْ، ما شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأَيْدِيهِمْ علَى أفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسولُ اللهِ ﷺ ، فَبِأَبِي هو وأُمِّي، ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولَا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه، فَوَ اللَّهِ، ما كَهَرَنِي ولَا ضَرَبَنِي ولَا شَتَمَنِي، قالَ: إنَّ هذِه الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسْبِيحُ والتَّكْبِيرُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ»؛ (رواه مسلم).
** ورسالتِي الثانيةُ للفئةِ الثانيةِ وهم أولياءُ الأمورِ :
أقولُ لهُم : معاشرَ الآباءِ والأمهاتِ، احرصُوا على متابعةِ أولادِكُم في تحصيلِهِم العلمي، ومساعدتِهِم بتهيئةِ الظروفِ المناسبةِ لهُم لطلبِ العلمِ، وتربيتِهِم على احترامِ المعلمينَ وتوقيرِهِم، والمحافظةِ عليهِم مِن صحبةِ السوءِ؛ فإنَّ لهُم أثرًا سيئًا عليهِم في دينهِم وأخلاقِهِم، ومستواهُم الدراسِي.
** واختمُ بآخرِ رسالةٍ لطلابِ العلمِ :
أقولُ لهُم: يا طلابَ العلمِ.. أنتُم على ثغرةٍ كبيرةٍ، وأنتُم الأملُ والضياءُ والنورُ المشرقُ للمستقبلِ الواعدِ إنْ شاءَ اللهُ تنوطُ بكم الواجباتُ والمسئولياتُ الكبيرةُ تجاهَ الدينِ والوطنِ، ولا ينتهِي دورُكُم في الذهابِ إلى مقرِّ الدراسةِ والعودةِ منهَا، بل يتعدَّى إلى العنايةِ بالوقتِ، والتركيزِ على القراءةِ، والاستفادةِ مِن التقنيةِ، وبذلِ الغالِي والنفيسِ في الطلبِ والتحصيلِ، بعزمٍ ونشاطٍ وهمّةٍ عاليةٍ.
تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا * ومنْ خطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ..
يا طلابَ العلمِ.. أنتُم اليومَ على مقعدِ الدراسةِ والتعليمِ، وغدًا على مسندِ العملِ والعطاءِ إنْ شاءَ اللهُ فاستعدُّوا لحملِ الأمانةِ وأداءِ الرسالةِ، وتسلّحُوا بالعلمِ والمهارةِ، وحوّلُوا المعرفةَ والبحثَ العلمِيَّ إلى ميادينَ للتجربةِ.
تابع / خطبة الجمعة القادمة 27 سبتمبر 2024م : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
يا جامعَ العلمِ نعمَ الذُّخرُ تجمعُهُ * لا تعدِلَنَّ بِهِ دُرًّا ولا ذهبَا
يا طلابَ العلمِ.. إنَّ معلمَكُم بمثابةِ والدِكُم، فاحترمُوه واستمعُوا إلى نصائحِهِ وتوجيهاتِهِ، واستفيدُوا مِن خبراتِهِ في أساليبِ القراءةِ والكتابةِ والجمعِ والترتيبِ، وليكنْ محلَّ الإجلالِ والتقديرِ.
اعرِفُوا لهُ فضلَهُ، ابدؤوهُ بالسلامِ، وتلطَّفُوا في مناداتِهِ، وأنصتُوا إليهِ بجدٍّ واجتهادٍ؛ فإنَّ احترامَ المعلمِ دليلٌ على حسنِ التربيةِ والأخلاقِ الطيبةِ.
أرأيتَ أشرفَ أو أجلّ من الذي * يَـبـْنـي ويُـنشئ أنفسًا وعقولا..
أحبتِي في اللهِ: واللهِ ما اختلتْ موازينُ البلادِ وفسدَ أبناؤهَا إلّا حينمَا ضاعَ الأبناءُ بينَ أبٍ مفرطٍ لا يعلمُ عن حالِ أبنائِهِ، ولا في أيِّ مرحلةٍ يدرسونَ، ولا مع مَن يذهبونَ ويجالسونَ، ولا عن مستواهُم التحصيلِي في الدراسةِ وبينَ مدرسٍ خانَ الأمانةَ، وتهاونَ في واجبِهِ، ولم يدركْ مسؤوليتَهُ.
وهذا الحكمُ ليسَ عامًا، فإنَّ بينَ صفوفِ المدرسينَ أتقياءَ بررةً، ومربينَ أوفياءَ، وهُم كثيرٌ بحمدِ اللهِ تعالَى وإنَّ المنصفَ ليدركُ دورَ ذلك الجندِي المجهولِ – المعلمِ المخلصِ – في تعليمِ الأجيالِ، وتربيتِهِم، وتقويمِ سلوكِهِم.
نسألُ اللهَ تعالَى أ يجعلَهُ عامًا دراسيًّا مباركًا، وأنْ يجعلَهُ حافلًا بالتوفيقِ والنجاحِ لأبنائِنَا وبناتِنَا الطلاب.
كتبه : الشيخ /كمال السيد محمود محمد المهدي إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف