الخطبة المسموعةخطبة الأسبوععاجل

خطبة الجمعة القادمة 9 سبتمبر 2022م : التحذير من الغفلة والبغتة في القرآن الكريم ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 9 سبتمبر 2022م : التحذير من الغفلة والبغتة في القرآن الكريم ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ: 13 صفر 1444هـ – الموافق 9 سبتمبر 2022م.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 سبتمبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : التحذير من الغفلة والبغتة في القرآن الكريم.

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 سبتمبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : التحذير من الغفلة والبغتة في القرآن الكريم ، بصيغة word  أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 سبتمبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : التحذير من الغفلة والبغتة في القرآن الكريم ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

 

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

عناصر خطبة الجمعة القادمة: التحذير من الغفلة والبغتة في القرآن الكريم ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) مظاهرُ الغفلةِ التي حذَّر منها القرآنُ الكريمُ.

(2) كيف عالجَ القرآنُ الكريمُ وسنةُ النبيِّ الأمينِ مرضَ الغفلةِ

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة التحذير من الغفلة والبغتة في القرآن الكريم ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:

  

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة

(1) مظاهرُ الغفلةِ التي حذَّر منها القرآنُ الكريمُ: لقد حذَّرَنَا ربُّنَا-عزَّ وجلَّ- في القرآنِ الكريمِ في آياتٍ متعددةٍ مِن الغفلةِ حتى يأخذَ الإنسانُ حذرَهُ، ويستيقظَ قبلَ فواتِ الأوانِ، ولذَا وردتْ مادَّةُ (غَفَلَ) بمُشتقَّاتِهَا في القرآنِ الكريمِ في أكثرَ مِن “خمسةٍ وثلاثينَ” موضعًا، و”الغفلةُ”: غيبةُ الشيءِ عن بالِ الإنسانِ, وعدمُ تذكرِهِ لهُ، وقد استعملَ فيمَن تركَهُ إهمالًا وإعراضًا كما في قولِهِ تعالَى: ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾, وفرقٌ بينَ الغفلةِ والنسيانِ، فالغفلةُ تركٌ باختيارِ الإنسانِ, وأمَّا النسيانُ فهو تركٌ بغيرِ اختيارِ العبدِ، ولذا كان التكليفُ ساقطًا عن الناسِي لا الساهِي الغافل، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (ابن ماجه، وسنده صحيح) .

وقد تعددتْ مظاهرُ الغفلةِ في القرآنِ الكريمِ، وفيمَا يلِي عرضٌ لبعضِ تلك المظاهرِ حتى يتجنبَهَا العاقلُ:

*اتباعُ الهوىُ، والبُعدُ عن منهجِ اللهِ: إنَّ أعظمَ مظاهرِ الغفلةِ على الإطلاقِ اتباعُ الهوى، والإعراضُ عن الهدى بعد استنارةِ الطريقِ، والبعدُ عن منهجِ ربِّنَا –عزَّ وجلَّ– بعد استبانةِ الحجةِ والدليلِ، ولذا حذرَ اللهُ نبيَّنَا- صلَّى اللهُ عليه وسلم – مِن ذلك فقالَ تعالَى:﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾، وعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: “إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ اتِّبَاعَ الْهَوَى، وَطُولَ الْأَمَلِ، فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَيُذَكِّرُ الدُّنْيَا، وَطُولُ الْأَمَلِ يُنْسِي الْآخِرَةَ، وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً وَإِنَّ الْآخِرَةَ مُقْبِلَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَنُونَ, فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ , وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدَا حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ” (الزهد لأبي داود) .

لقد علمَنَا الإسلامُ أنَّه عندَ الاختلافِ أنْ نرجعَ إلى كتابِ اللهِ وسنةِ نبيِّهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلم–، وأنْ نرضخَ لحكمِهِمَا – بعدَ بيانِ أهلِ العلمِ لهمَا، وإنزالِ ما فيهِمَا بمَا يتناسبُ وحالُ الخلقِ – قالَ تعالَى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر﴾؛ لأنَّ الشارعَ الحكيمَ يريدُ إخراجَ الناسِ عن شهواتِهِم النفسيةِ، وأمزجتِهِم الذاتيةِ إلى ما فيهِ صلاحُهُم ونفعُهُم في الدنيا والآخرةِ قالَ ربُّنَا: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً}، ولذا مَن يلزمُ حكمَ الشارعِ يجدْ حلاوةً وراحةً تخرجهُ عن حدِّ الغفلةِ – خاصةً عندَ تقلبِ الفتنِ، واجتماعِ الشهواتِ – فعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ” (متفق عليه)، يقولُ الإمامُ الْبَيْضَاوِيُّ: (الْمُرَادُ بِالْحُبِّ هُنَا الْحُبُّ الْعَقْلِيُّ الَّذِي هُوَ إِيثَارُ مَا يَقْتَضِي الْعَقْلُ السَّلِيمُ رُجْحَانَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ هَوَى النَّفْسِ كَالْمَرِيضِ يَعَافُ الدَّوَاءَ بِطَبْعِهِ فَيَنْفِرُ عَنْهُ وَيَمِيلُ إِلَيْهِ بِمُقْتَضَى عَقْلِهِ فَيَهْوَى تَنَاوُلَهُ فَإِذَا تَأَمَّلَ الْمَرْءُ أَنَّ الشَّارِعَ لَا يَأْمُرُ وَلَا يَنْهَى إِلَّا بِمَا فِيهِ صَلَاحٌ عَاجِلٌ أَوْ خَلَاصٌ آجِلٌ، وَالْعَقْلُ يَقْتَضِي رُجْحَانَ جَانِبَ ذَلِكَ تَمَرَّنَ عَلَى الِائْتِمَارِ بِأَمْرِهِ بِحَيْثُ يَصِيرُ هَوَاهُ تَبَعًا لَهُ، وَيَلْتَذُّ بِذَلِكَ الْتِذَاذًا عَقْلِيًّا؛ إِذِ الِالْتِذَاذُ الْعَقْلِيُّ إِدْرَاكُ مَا هُوَ كَمَالُ وَخَيْرٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ) أ.ه (فتح الباري 1/ 61) .

*قسوةُ القلبِ، وعدمُ الخشيةِ مِن اللهِ تعالَى: إنَّ تراكمَ الذنوبِ والآثامِ التي يقترفُهَا العبدُ تورثُ قسوةً في القلبِ، وجمودًا في الدموعِ، وضنكًا في العيشِ، قالَ ربُّنَا في سياقِ الحديثِ عن بنِي إسرائيل:﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾، فعلَى القلبِ مدارُ صلاحِ عملِ الإنسانِ وفسادِهِ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» (متفق عليه)؛ فإذا تعاهدَ العبدُ سقيَهُ بالمعاصِي والفواحشِ ما ظهرَ منها وما بطنَ حُجِبَ مِن نورِ الإيمانِ، وجانبَهُ التوفيقُ، وكان مِن أهلِ الخذلانِ والغفلةِ، قالَ تعالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾أمَّا إذَا جاهدَ نفسَهُ وهذَّبَ قلبَهُ، انفتحتْ أساريرُهُ، والتفتَ حولَهُ النعمُ ظاهرًا وباطنًا فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ»{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}»(الترمذي وحسنه).

فليحذرْ العبدُ أنْ يقسُو قلبُهُ، وتُقتلُ مشاعرُهُ، فلا يحسُّ بمَن حولَهُ، فتكونَ عاقبتُهُ بُعْدَهُ عن خالقِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُكْثِرُوا الكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ القَلْبُ القَاسِي» (الترمذي، وإسناده ضعيف) .

*نسيانُ الآخرةِ، والحرصُ على الحياةِ مع التكالبِ عليهَا: إنَّ مِن صفاتِ الإنسانِ التمسكُ بالدنيا، والغفلةُ عن الآخرةِ قالَ تعالَى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾، وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ” (مسلم)، وإنْ كان هذا التمسكُ نسبيًّا يختلفُ مِن إنسانٍ للآخر، إلّا أنَّ هناك بعضَ البشرِ وهُم يظنونَ أنَّهم لن يفارقُوا هذه الدنيا، فهو مقبلٌ عليها قلبًا وقالبًا، غافلًا عن آخرتهِ، وصدقَ ربُّنَا حيثُ قالَ: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾، ألَا ما أقبحَ أنْ تضيعَ حياةُ العبدِ ما بينَ أملٍ طويلٍ، وعملٍ سيئٍ، فتراهُ في نهارهِ عاملًا ناصبًا، جامعًا مانعًا، وللفرائضِ مضيعًا، فإذا جاءَ الليلُ ارتمَى على فراشهِ كالخشبةِ الملقاةِ، وآخرُ المطافِ حسراتٌ وندمٌ، يومَ لا ينفعُ الندمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ- زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ: فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَاتَّفَقَا فِي بَاقِي الْحَدِيثِ – فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، قَالَ: وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالَ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ، قَالَ فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ، قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ” قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْيَا” (متفق عليه) .

*التكاسلُ عن الطاعاتِ، واستصغارُ المحرماتِ، والتهاونُ بهَا: أحيانًا تجدُ المسلمَ يدخلُ المسجدَ ليصلِّي الفرضَ، لكنْ تجدُهُ متثاقلًا في أدائهِ لا يُرى أثرُ تلك الطاعةِ على سلوكِهِ، مُذبذًا في أمرهِ، مشتتًا في طريقهِ، يظهرُ عليهِ القلقُ والفتورُ والبرودُ، وهذا ناتجٌ عن فقدانِ لذةِ الطاعةِ، والتكاسلِ في أدائِهَا قالَ ربُّنَا في وصفِ المنافقين: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾ .

إنَّ العبدَ عندما يألفُ المعصيةَ، ويحبُّهَا، ويتلذذُ بهَا، يترتبُ على ذلك التهاونُ وعدمُ اللامبالاةِ في فعلِ الذنبِ، فتصبحُ الصغيرةُ كبيرةً بالإصرارِ والمداومةِ عليهَا فعَنْ سَهْلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ» (أحمد، وسنده صحيح) .

 بل يلجأُ بعدَ ذلك إلى المجاهرةِ بها، والإعلانِ عنها, وهذا أكبرُ دليلٍ على الغفلةِ ونسيانِ اللهِ – تعالَى – وعقابِهِ فعن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:”كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ” (متفق عليه) .

* تضييعُ الوقتِ مِن غيرِ فائدةٍ: إنَّ الوقتَ نعمةٌ عُظمَى، لا يضيعُهُ إلَّا غافل؛ لأنَّهُ لا يعرفُ أنَّ الوقتَ هو أغلَى ما يملِكُ، وهو رأسُ مالهِ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ» (البخاري)، تجدُهُ – أحيانًا – تمرُّ منه الساعاتُ والأيامُ ولا يحسبُ لها حسابًا، وينفقُ وقتَهُ فيمَا لا طائلَ منهُ، وهو يدركُ تمامًا أنَّ يومًا فاتَ مِن عمرِهِ لا يعودُ! ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾، وهذا مِن سخطِ اللهِ– عزَّ وجلَّ– على هذا العبدِ، يقولُ الحسنُ البصريُّ: (مِن علامةِ إعراضِ اللهِ – تعالَى- عن العبدِ أنْ يجعلَ شغلَهُ فيمَا لا يعنيهِ، خذلانًا مِن اللهِ عزَّ وجلَّ) أ.ه .

ومِن علاماتِ التوفيقِ أنْ يُشغلَ الإنسانُ بمَا ينفعُهُ في دنياه وأُخراهُ، ومَن يطالعْ سيرَ العلماءِ السالفين يعلمْ كيف كانوا يستثمرونَ أوقاتًهُم ولا يضيعونَهَا، ويدركْ كمْ خلَّفُوا للإنسانيةِ مِن علومٍ ومعارفً، مع أنَّ منهُم مَن لم يعمرْ في الحياةِ إلا قليلًا؛ لأنَّ الإنسانَ لا يقاسُ بعمرهِ بل بمَا تركَهُ مِن أعمالٍ صالحةٍ تفيدُ مَن خلفَهُ.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة

(2) معالجةُ القرآنِ الكريمِ للغفلةٍ:

مِن خِلال تدبُّرنَا لآياتِ القرآنِ الكريمِ ولأحاديثِ النبيِّ – صلَّى اللهُ عليه وسلم – يَظهرُ لنَا أنَّ الإسلامَ عالجَ مرضَ الغفلةِ أيَّمَا علاجٍ، ويظهرُ ذلكَ مِن خلالِ الآتِي:

*التذكيرُ الدائمُ بالغايةِ التي مِن أَجلِهَا خُلِقَ الإنسانُ: لقد وجهتْ آياتُ القرآنِ الكريمِ نظرَ الإنسانِ إلى الغايةِ التي مِن أَجلِهَا خُلقَ ووُجِدَ على هذه البسيطةِ ألَا وهي عبادةُ اللهِ – تعالَى – قالَ ربُّنَا: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، وهذه العبادةُ مفهومُهَا واسعٌ وشاملٌ لكلِّ مجالاتِ الحياةِ فلا تقتصرُ على العبادةِ الدينيةِ فقط، وإذا عاشَ الإنسانُ بهذا الفهمِ السليمِ، وأيقنَ أنَّه لم يُخلقْ عبثًا ولا سُدَى، نَجَا مِن هذه الغَفلةِ المُهلِكةِ.

*الترغيبُ في التوبةِ، وبيانُ أنَّ بابَهَا مفتوحٌ إلى يومِ القيامةِ: رغبَ الإسلامُ العبدَ في التوبةِ، وبيَّنَ أنَّ بابَهَا مفتوحٌ لهُ مهمَا عظمتْ ذنوبُهُ، وكثرتْ معاصيه قالَ ربُّنَا: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، فليسارعْ، ويندمْ على ما قدمتْ يداهُ، ويعزمْ على عدمِ الرجوعِ إلى المعاصِي مرةً أُخرى، ويبادرْ بردِّ الحقوقِ لأصحابِهَا، بذلك يكونُ قد خرجَ عن الغافلين، وصارَ في عدادِ الصالحينَ الناجينَ فعَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» (مسلم) .

*الدعوةُ الدائمةُ إلى التفكُّرِ في خلقِ اللهِ تعالى، والاعتبارِ بأحوالِ السابقين: دعانَا اللهُ- تعالَى – إلى التفكُّرِ في هذا الكونِ الفسيحِ فقالَ سبحانَهُ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾، وأمرَنَا بالاعتبارِ بمَن قَبلنَا، والاستفادةِ مِن تجاربِ الآخرين، وجَعْلِهَا في الحسبانِ بحيثُ لا يغيبُ عن بالِنَا أسبابُ نجاحِهِم فنسلكَهَا، وعواملُ بوارِهِم فنتجنبَهَا، فكمْ مِن حضارةٍ قامتْ ثم كسدتْ، وكمْ مِن ديارٍ عُمرتْ ثمّ خربتْ، بسببِ غفلتِهَا وإعراضِهَا عن منهجِ ربِّهَا قالَ تعالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾

*الحذرُ مِن الدنيا، وإظهارُ حَقيقتِهَا: أشارَ ربُّنَا- سبحانَهُ- في القرآنِ إلى حقيقةِ هذه الدُّنيا حتى لا يغترَّ الإنسانُ بمَا فيهَا فقالَ: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾، وبيَّنَ أنَّها دارُ اختبارٍ وابتلاءٍ فقالَ ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾، والعاقلُ مَن يقنعُ بمَا في يدهِ، ولا يحملهُ استبطاءُ رزقهِ أنْ يطلبَهُ بمعصيةِ اللهِ تعالَى، وليحذرْ أنْ يكونَ عبدًا للدنيا فتأسرهُ، وينسَى حقَّ ربِّه–عزَّ وجلَّ– عليهِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْقَطِيفَةِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَفِ» (البخاري).

*الدعوةُ إلى المُسارَعةِ إلى الخيراتِ، وعملِ الصالحاتِ، وذكرِ الرحمنِ، وقراءةِ القرآنِ: لقد حذرَّ اللهُ – عزَّ وجلَّ – نبيَّنَا- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– مِن الغفلةِ- والأمةُ داخلةٌ تحتَ هذا الخطابِ دخولًا أوليًّا– مع تضمينِ ذلك العلاجِ النافعِ المُذهبِ للغفلةِ وآثارِهَا فقالَ: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ﴾، فالمسارعةُ إلى فعلِ الخيرِ تُجنِبُ العبدَ أنْ يقعَ في الغفلةِ، إذْ صارَ يشغلُ نفسَهُ بالطاعةِ، والنفسُ إذا لم تُشغلْ بهَا شُغلتْ بالمعصيةِ أَتَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ رَجُلٌ فَقَالَ: “إِنَّ بِي دَاءً مِنْ أَعْظَمِ الدَّاءِ، فَهَلْ عِنْدَكِ لَهُ دَوَاءٌ؟ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنِّي أَجِدُ قَسْوَةً فِي الْقَلْبِ، فَقُالْتُ: أَعْظَمُ الدَّاءِ دَاؤُكَ: عُدِ الْمَرْضَى، وَاتَّبِعِ الْجَنَائِزَ، وَاطَّلِعِ فِي الْقُبُورَ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُلَيِّنَ قَلْبَكَ، قَالَ: فَفَعَلَ الرَّجُلُ، فَكَأَنَّهُ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رِقَّةً، فَجَاءَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ يَشْكُرُ لَهَا” (الزهد لأبي داود)، فليحرصْ العاقلُ على فعلِ البرِّ قبلَ أنْ يأتيهِ شاغلٌ أو يفاجأهُ موتٌ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تُنْظَرُونَ إِلَّا إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ، أَوْ غِنًى مُطْغٍ، أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ، أَوْ هَرَمٍ مُفَنِّدٍ، أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ، أَوِ الدَّجَّالِ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةِ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ» (الترمذي وحسنه) .

إنَّ مِن أجلِّ ما يُخرجُ المسلمُ مِن حالةِ الاكتئابِ والخوفِ والقلقِ والغفلةِ حضورُ مجالسِ الذكرِ والعلمِ والإقراءِ ؛ لإنَّها تذكرُهُ باللهِ تعالَى, وتلينُ قلبهُ، وتجعلُهُ يستحضرُ عقابَ ربِّه، وجنتَهُ وعفوَهُ قالَ ربُّنَا: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}، وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «… وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» (مسلم) .

ولا شكَّ أنَّ مدارسةَ القرآنِ التي تُربِّي النشءَ على حفظِ كتابِ اللهِ – عزَّ وجلَّ -، وفهمِهِ، والعملِ بهِ مِمّا يسرُّ كلُّ مسلمٍ لَهِيَ مِن رياضِ الجنةِ التي قالَ عنهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الجَنَّةِ فَارْتَعُوا» قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: «حِلَقُ الذِّكْرِ» (الترمذي وحسنه) .

*المحافظةُ على الصلواتِ الخمسِ في المسجدِ مع قيامِ الليلِ: فليحرصْ المسلمُ على أداءِ الصلاةِ في المسجدِ مع مراعاةِ الخشوعِ فيهَا، وتحقيقِ شروطِهَا، وسننِهَا وآدابِهَا حتى يدخلَ تحتَ قولهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ» (ابن خزيمة، وسنده صحيح)، وإلَّا حُقَّ عليهِ قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجماعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ» (مسلم) .

كما أنَّ المسلمَ ينبغِي أنْ يدركَ أنَّ قيامَ الليلِ يبعثُ على علوِّ الهمةِ، ويكسُو الوجوهَ البهاءَ والوقارَ، ويحطُّ الأوزارَ، فعَنْ بِلَالٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْهَاةٌ عَنْ الإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الجَسَدِ» (الترمذي، وابن خزيمة)؛ وقد قالَ بعضُ أهلِ العلمِ يتحققُ قيامُ الليلِ ولو بركعتينِ، وعليهِ فلا يحرمُ المسلمُ نفسَهُ مِن هذا الأجرِ العظيمِ، والخيرِ الكبيرِ قالَ تعالًى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} وعن عبدِ اللهِ بنِ عمروٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: «مَن قامَ بعشرِ آياتٍ لم يُكتبْ مِن الغافلين، ومَن قامَ بمائةِ آيةٍ كُتبَ مِن القانتين، ومَن قامَ بألفِ آيةٍ كُتبَ مِن المقنطرين» (أبو داود، وسنده صحيح) .

*التذكيرُ الدائمُ بالآخِرةِ، وقصرِ الأملِ: إنَّ استحضارَ الآخرةِ يجعلُ العبدَ في صلةٍ دائمةٍ مع اللهِ تعالى، يحذرُ أنْ يأتيَهُ أجلُهُ بغتةً وهو على معصيةٍ، ولذا يهونُ كلُّ شيءٍ في طريقهِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ، فَمَا ذَكَرَهُ عَبْدٌ قَطُّ وَهُوَ فِي ضِيقٍ إِلَّا وَسَعَهُ عَلَيْهِ، وَلَا ذَكَرُهُ  وَهُوَ فِي سَعَةٍ إِلَّا ضَيِّقَهُ عَلَيْهِ» (ابن حبان، وسنده حسن) .

فالفَطِنُ هو مَن يعمرُ دارَهُ الحقيقيةَ، {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ}، والغافلُ مَن أعرضَ عنها، ولم يغرسْ فيها ما ينفعُهُ هناك ثمَّ تمنَّى على اللهِ – بعدَ ذلك – النجاةَ، عن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ، مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، ثُمَّ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» (الترمذي وابن ماجه)، وقد أوصانَا نبيُّنَا– صلَّى اللهُ عليه وسلم– أنْ نكتبَ وصيتَنَا قبلَ أنْ يباغتَنَا الأجلُ كي يبعثَ فينًا قصرَ الأملِ، وعدمَ الاغترارِ بالحياةِ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» (متفق عليه) .

نسألُ اللهَ أنْ يرزقَنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدنًا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيه نفعُ البلادِ والعبادِ.

كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال

عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى