خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة : المال العام وحرمة التعدي عليه للشيخ ثروت سويف
بتاريخ 15 نوفمبر 2024م الموافق 13 جمادي الأولى 1446ه
خطبة الجمعة بتاريخ 15 نوفمبر 2024م الموافق 13 جمادي الأولى 1446ه
تحت عنوان ( حرمة استباحة المال العام والحق العام ) للشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذه الخطبة
أولا : المال العام وحرمته
ثانيا : فلنتق الله في مال الله والحق العام
ثالثاً : عقوبة سارق المال العام في الدنيا والآخرة
رابعاً : بعض الأسباب المؤدية إلي استباحة المال العام
الخطبة الأولى
الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى، قَسَمَ النِّعَمَ بَيْنَ الأُمَمِ، وَفَاوَتَ بَيْنَهَا فِي الأَقْدَارِ وَالقِيَمِ، سبحانه جَعَلَ الأَرضَ مَهْدًا وَقَرَارًا، وَسَلَكَ فِيهَا لِلْبَشَرِ مَنَافِعَ وَخَيْرَاتٍ وَثِمَارًا، أحمده – سبحانه – وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره وهو بكل لسان محمود، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو الإله المعبود صاحب العطاء، والفضل والجود.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً.
اما بعد
فالله – عزَّ وجلَّ – حَذَّرنا من هَدْره وصَرْفه في غير حِلِّه؛ كما في الحديث الذي رواه البخاري عن المغيرة بن شُعْبة – رضي الله عنه – قال: قال: النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله حرَّم عليكم عقوقَ الأُمَّهات ووَأْدَ البَنَات، ومَنْعًا وهَات، وكَرِه لكم قِيل وقَال، وكَثرة السؤال، وإضاعة المال)).
أولا : المال العام تعريفه وحرمته
فالمالِ العام هو مَالٌ تَعَلَّقَت به جميعُ ذِمَمِ المُسلمينَ في جميعِ أحوالِهِم وأحيانِهِم
وهو ما كان مُخَصَّصًا لمصلحة عموم الناس ومنافعهم، أو لمصلحة عامة، كالمساجد والرُّبُط، وأملاك الدولة .
عظَّم الرسولُ ﷺ وشدَّدَ في أمرِ الغُلُولِ وهو الأخذُ مِن المالِ العامِّ؟
والسؤال ما سبب تعظيم المال العام ؟
والجواب أن ذلك لأسباب نذكر منها
1 : لأن المال العامَّ تتعلقُ به ذِمَمُ جميعِ أفرادِ الأُمَّةِ، فمَن أخذَ شيئًا مِن المالِ العامِّ سرقةً واغتصابًا ونَهْبًا فكأنما سَرَقَ مِن جميعِ أفرادِ الأُمةِ؛ لأنَّ المَسْرُوقَ المَغْلُولَ المُغْتَصَبَ المَنْهُوبَ يَتَعَلَّقُ بِذِمَمِ جميعِ أَفْرَادِ الأُمَّةِ، وأمَّا الذي يَسْرِقُ مِن فُلَانٍ بِعَيْنِهِ فَقَدْ تَعَلَّقَت ذِمَّتُهُ بِهَذَا الَّذِي سُرِقَ مِنْهُ وَحْدَهُ.
2 : عَظَّمَ الدينُ مِن أَمْرِ الغُلُولِ مِن أَمْرِ الأَخْذِ مِن المالِ العامِّ- لأنه سرقة من أصول مال المسلمين
فالذي يَسْرِقُ مِن المَالِ العَامِّ يَسْرِقُ مِن اللحْمِ الحيِّ، يَسْرِقُ مِن الأصولِ، فسَرِقَتَهُ لا تكونُ مُؤثرةً كما تُؤثرُ السَّرِقَةُ مِن المَالِ العامِّ.
لقد شدد الاسلام على نَهْبِ وَسَلْبِ المُمْتَلَكَاتِ العَامَّةِ في المُؤسَّسَاتِ، في المُسْتَشْفيات، وفي المَصَالِحِ العَامَّةِ، وفي المُوَصِّلاتِ العامةِ؛ لأنه مَالُ الأُمَّةِ، وهل رَأَيْتَ عَاقِلًا يَسْرِقُ نَفْسَهُ؟!
إن الذي يسرِقُ مِن المالِ العامِّ والذي يُخرِّبُ في المالِ العامِّ إنما يُخَرِّبُ في مالِ نفسِهِ، وإنما يُعَجِّلُ بدمارِ أُمتِهِ ولا حول ولا قوة إلَّا باللهِ العليِّ العظيم
ثانيا : فلنتق الله في مال الله
والمحافظ علي المال العام والمصلحة العامة
عن خولة بنت عامرٍ الأنصارية، وهي امرأة حمزةَ رضي الله عنه، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن رجالًا يَتخوَّضونَ في مال الله بغير حقٍّ، فلهم النار يوم القيامة))؛ رواه البخارى
ان معظم الناس لا يَرْقُبُون في هذا المَالِ العامِّ إلًّا وَلَا ذِمَّةً وَلَا يُرَاعُونَهُ بحالٍ أبدًا، وإِنَّمَا يَسِيرُونَ على القَاعِدَةِ القَدِيمَةِ التي يَحْفَظُهَا الجميعُ: إِذَا خَرِبَ بَيْتُ أَبِيكَ فَخُذْ لَكَ مِنْهُ قَالَبًا!!
قال تعالى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) (286) البقرة
أي لها ثواب ما كسبت من الخير، وعليها وزر ما اكتسبت من الشر، وتقدم (لها) و(عليها) على الفعلين ليفيد أن ذلك لها لا لغيرها، وعليها لا على غيرها
المرتب اسمه كسب والأخذ ما يزيد عليه بغير وجه حق اسمه اكتسب ومنها
ومن صور الاعتداء علي الحق العام
التهرُّب من السداد للبنك – نوَّاب القروض – بحجَّة أنَّ له حقًّا في بيت المال.
. تخريب المواصلات العامة وإتلافها والهروب من دفع ثمن ركوبها
• سرقة الكهرباء من الدولة بحجَّة أنَّها لا تُعطي المواطن حقَّه كاملاً.
• توقيف ساعة (عدَّاد) الكهرباء أو الماء في الدولة المسلمة؛ لأنَّ بعضَ الناس يَظنون أنَّ له الحقَّ في التهرُّب من ذلك لو كانت الدولة كافرة؛ بحجة إضعاف تلك الدولة، والله – عزَّ وجلَّ – يقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58].
والنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((أدِّ الأمانةَ إلى من ائْتَمَنكَ، ولا تَخُنْ مَن خَانك))
• استعمال الكمبيوتر أثناء العمل لأغراض شخصيَّة غير خاصَّة بالعمل.
• عدم إتقان العمل، وإضاعة الوقت، والتربُّح من الوظيفة، واستغلال المال العام لأغراضٍ سياسيَّة.
• السرقة، والغِش، وخيانة الأمانة، والغل، والرّشوة والاختلاس واي شيء يخص الصالح العام
تعالوا الي تلك القصة التي تروي عن ابن عمر رضي الله عنهما .
فقد روى الطبراني عن زيد بن أسلم قال : مَـرّ ابن عمر براعي غنم فقال : يا راعي الغنم هل مِن جَزرة ؟ قال الراعي : ليس ها هنا ربها ، فقال ابن عمر : تقول أكلها الذئب ! فرفع الراعي رأسه إلى السماء ثم قال : فأين الله ؟ قال ابن عمر : فأنا والله أحق أن أقول فأين الله ، فاشترى ابن عمر الراعي واشترى الغنم فأعتقه وأعطاه الغنم .
ورواها البيهقي في ” شُعب الإيمان ” ، وابن عساكر في ” تاريخ دمشق ” .
ثالثاً : «عُقُوبَةُ الاخذ من المال العام ( الغُلُولِ – سَرِقَةُ المَالِ العَامِّ (
أولا : في الدنيا
إن عقوبة التهاون في المال العام شديده وان الاخذ منه بغير حق جريمة وان افتضح أمره في الدنيا أصبح محل احتقار ومحاسبة حتى أن بعض الفقهاء قال تقطع يده لأنه سارق ونؤكد على ضرورة تنظيم حملات توعية موسعة بخطورة وحرمة الاعتداء على المال العام، مع تغليظ العقوبات على المخالفين دون استثناء أو تجاوز
ومنها الحِرمان إجابةِ الدُّعاء وقبول العبادة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ ” مسلم
وقد حمى الإسلام المال بكل أنواع الحماية، فحفظه هو أحد المقاصد الخمسة للشريعة الإسلامية، جنباً إلى جنب مع حماية النفس والعرض والعقل والدين، وقد شرع الله حد السرقة وحد الحرابة لحماية المال والثروات من كل أنواع الفساد في الأرض، وحرم الله أكل أموال الناس بالباطل، والسرقة من المال العام جناية أكبر من السرقة من المال الخاص لأنها جريمة في حق الشعب والمجتمع والأمة، فالمال العام مملوك لجموع الناس، وليس لفرد بعينه، ويأثم المسلمون جميعاً إن لم يقوموا بحمايته، فقد حرّم الإسلام كل صور الاعتداء عليه، مثل السرقة، والاختلاس، والغلول، وخيانة الأمانة ونقض العقود والعهود، والتربح من الوظيفة، والإتلاف والإسراف والتبذير، وضياع الأوقات، واستغلال المال العام لأغراض فئوية، والاعتداء على الأموال العامة من أشدِّ المحرمات، ويلزم المعتدي ردُّ ما أتلف، أو ردُّ مثله أو قيمته وإن تقادم عليه الزمن، لأنه نوع من أنواع الغلول
ان الحرام سبب لمنع إجابة الدعاء ، وإغلاق باب السماء ، فالمال الحرام طريق مستعر ، محفوف بالخطر ، وسلم هار ، ينهار بصاحبه إلى النار ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ، أي : من حرام ” [ أخرجه الترمذي وغيره
قال سفيان الثوري: “مَنْ أنفق الحرام في الطاعة، فهو كمَنْ طهَّر الثوبَ بالبَوْل، والثوب لا يَطْهُر إلا بالماء، والذنب لا يكفِّره إلا الحلال”.
ثانياً : عقوبتُهُ في القَبْرِ فإن ما غله وسرق يشتعل عليه نارا في قبره
اسمع الي طبيب القلوب في الحديث الذي جاء في الصَّحِيحَيْنِ من حديث أبي هريرة قال: “خرجْنا مع رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يوم “خَيْبَر”، فلم نَغْنمْ ذهبًا ولا فِضَّة، إلاَّ الأموال والثياب والمتاع، فأهْدَى رجلٌ من بني الضُّبَيْب يُقال له: رِفَاعة بن زيد لرسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – غلامًا يُقال له: “مِدْعَم” فوجَّه رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – إلى وادي القُرى، حتى إذا كان بوادي القُرى، بينما “مِدْعَم” يحطُّ رحْلاً لرسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – إذا سَهْمٌ عائِر فقَتَله، فقال الناس: هنيئًا له الجنة، فقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلاَّ والذي نفسي بيده، إنَّ الشَّمْلَة التي أخَذَها يومَ “خَيْبَر” من المغانم لَم تُصِبْها المقاسِمُ، لتَشْتَعِلُ عليه نارًا))، فلمَّا سَمِع ذلك الناسُ، جاء رجلٌ بشِرَاكٍ أو شِرَاكين إلى النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: ((شِرَاكٌ من نارٍ أو شِرَاكان من نار الشَّمْلَة التي غَلَّها لتَشتعِلُ عليها نارًا))
الشَّمْلةُ: تَلْفِيعَةٌ، أو هي كِسَاءٌ يُمْكِنُ أنْ يُحِيطَ به المَرْءُ بَدَنَهُ.
النبيُّ ﷺ كَمَا في «الصَّحِيحَيْنِ» عن عُمَرَ مَرَّ مع الصَّحَابَةِ على قُبُورٍ، فَقَالَ الصَّحَابَةُ: فلانٌ شهيدٌ، ثم قالوا: فلانٌ شهيدٌ، ثم قالوا: فلانٌ شهيدٌ.
فقالَ النبيُّ ﷺ للقبرِ الثالث: «كلَّا، إنِّي رَأَيْتُهُ في النَّارِ في بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ».
إذن؛ الغُلُولُ: هو الأَخْذُ مِن المَالِ العَامِّ، يُعَاقَبُ به المُرْءُ في قَبْرِهِ اشْتِعَالًا له عَلَيْهِ في قَبْرِهِ كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ
ثالثاً : عقوبته في الآخرة
ان عُقُوبَةُ الغُلُول يوم القيامة
هي الإتيان. بالمسروق يوم القيامه يحمله الإنسان علي ظهره ثم يطرح به في النار بهذا الحمل
ان سرقة المال العام ليست هينة عند رب العالمين وتسمي غلول قال تعالى
(وَمَنْ يَغْلُلْ يَأتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {آل عمران:161}. ومعني الغلول اي الخيانة فإن سارق المال العام خان أمانته ووطنه
ومعنى الآية أن الغال يأتي يوم القيامة حاملا الشيء الذي غله معه، كما في البخاري وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس، على رقبته شاة. الحديث
واعلم أنه حتى منَ قاتَلَ وأبْلَى بلاءً حسنًا في المعركة، ولكنَّه غلَّ من الغنيمة، فله عقوبة شديدة، حتى ولو ظنَّ الناسُ أنَّه في عِدَاد الشهداء، فالأمرُ ليس كذلك.
ففي الصحيحين عن عمر – رضي الله عنه -: “لَمَّا كان يوم “خَيْبر” أقْبَلَ نفرٌ من صحابة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مرُّوا على رجلٍ، فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلاَّ؛ إني رأيْتُه في النار في بُرْدَة غَلَّها أو عَبَاءَة))، ثم قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا ابن الخطاب، اذْهَبْ فنادِ في الناس، أنَّه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون))، قال: فخرجتُ، فناديتُ: ألاَ إنَّه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون” يأتي أناس يوم القيامة هذا يحمل بقرة. والاخر بيتا والاخر ارضا والاخر زرعا وهذا ورقا فيفتضح أمرهم بما غلوا من مال المسلمين في الدنيا
عن أبي هُريرة في «الصحيحين» قال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ -وهو صَوْتُ الفَرَسِ فيما دُونَ الصَّهِيلِ-، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ.
وَيَلْحَقُ بذلك -عِبَادَ اللهِ- هَدَايَا المُوَظَّفِينَ، فَأَنْتَ تَعْلَمُ حديثَ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ الذي أخرجَهُ مسلمٌ -رَحِمَهُ اللهُ- في «الصَّحِيحِ»، قَالَ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَجَاءَ فَقَالَ: هَذَا لَكُم وَهَذَا أُهْدِيَ لِي -هَذَا لَكُم: يَعْنِي الصَّدَقَةَ التي جَمَعَهَا-، فقامَ النبيُّ ﷺ على المِنْبَرِ، ثُمَّ قَالَ ﷺ: «مَا بَالُ العَامِلِ نَبْعَثُهُ عَلَى عَمَلٍ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُم وَهَذَا لِي، أَفَلَا جَلَسَ في بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي أَحَدُكُم مِنْهَا بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ».
عن الفضل بن عميرة: أن الأحنف بن قيس قدم على عمر في وفد من العراق، في يومٍ صائفٍ شديد الحر، وهو محتجز بعباءة، يحاول إدراك بعيرًا من إبل الصدقة، شرد، فقال: “يا أحنف ضع ثيابك، وهلم فَأَعِنْ أمير المؤمنين على هذا البعير؛ فإنه من إبل الصدقة، فيه حق لليتيم والمسكين والأرملة، فقال رجل من القوم: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين، هلا أمرت عبدًا من عبيد الصدقة يكفيك هذا؛ قال عمر: ثكلتك أمك، وأُيُ عبدٍ هو أعبد مني، ومن الأحنف بن قيس.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي الكبرياء والعزة والجلال، تفرد سبحانه بالأسماء الحسنى وبصفات الكمال، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره عظم من شأن حرمة المال .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ما خطر ذكره على بال، وما تغيرت الأيام والأحوال.
اما بعد
فيقول ربنا تبارك وتعالى -: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ)[البقرة: 188].
وقال أيضًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء: 29].
ويقول – عليه الصلاة والسلام -: “إن الدنيا خضرة حلوة؛ فمن أخذها بحقها بورك له فيها، ورب متخوض في مال الله ومال رسوله ليس له إلا النار يوم القيامة.”
فالمال العام حرمته كبيرة، وحمايته عظيمة؛ بموجب الشرع الحنيف، وهو أشد في حرمته من المال الخاص؛ لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، وقد أنزله عمر بن الخطاب منزلة مال اليتيم الذي تجب رعايته وتنميته، وحرمة أخذه والتفريط فيه عندما، قال: “إني أنزلتُ نفسي مِن مال الله منزلةَ اليتيم
رابعا : الأسباب المؤدِّيَة إلى الاعتداء على المال العام.
1- ضَعْف العقيدة عند المعتدي، ورِقَّة الدِّيَانة المفْضِية إلى ذلك.
2- سوءُ الْخُلق، وانعدام الْمُروءة.
3- الْجَهل بأحكام الله – عزَّ وجلَّ.
4- عدم مُراقبة المولَى – سبحانه وتعالى.
5- عدم تطبيق أحكام ومبادئ دين الإسلام العظيم أو القانون والاحتيال على القانو
٦- تقصير بعض المسؤولين في القيام بالمسؤوليَّات التي حَمَّلَهم الله إيَّاها، وفي هذا المقام نذكُر قولَ عمر – رضي الله عنه -: “لو أنَّ بَغْلَةً عَثرتْ في الطريق بالعراق، لسُئِل عنها عمر: لِمَ لَم تُمَهِّد لها الطريقَ؟”.
٧- ضَعْف القِيَم الإيمانيَّة، وعدم الالتزام بالأمانة والصِّدق، والعِفَّة والنَّزَاهة.
٨- ضَعْف رُوح الأخوَّة، وعدم وُجُود القُدوة الْحَسَنة.
٩- تَفَشِّي المحسوبيَّة والمجاملات الشخصيَّة.
أسأل الله العلي العظيم أن يطيب كسبنا، وأن يصلح نياتنا، وأن يرزقنا وإياكم تقواه وخشيته ظاهراً وباطناً، إنه سميع قريب مجيب.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.
جمع وترتيب / ثروت علي سويف ـ امام وخطيب بالأوقاف المصرية