خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة بعنوان : التحذير من خطورة الفكر التكفيري ، للدكتور مسجد الشايب
خطبة الجمعة بعنوان : التحذير من خطورة الفكر التكفيري / للدكتور مسجد الشايب، الجمعة الموافقة 17 من رجب 1446هـ الموافق 17/1/2025م
خطبة الجمعة بعنوان : التحذير من خطورة الفكر التكفيري / للدكتور مسجد الشايب، الجمعة الموافقة 17 من رجب 1446هـ الموافق 17/1/2025م
أولا: العناصر:
1. من عوامل نشأة الفكر التكفيري المتطرف.
2. سبعةٌ من الآثار السيئة للفكر التكفيري، المتطرف.
3. الخطبة الثانية: (خرابُ الأوطانِ، وضياعُها، أعظم أخطار الفكر التكفيري).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وحنيفيته، ووهب لنا الأزهر، ووسطيته، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله صادق الوعد الأمين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
===========================================
(1) ((من عوامل نشأة الفكر التكفيري المتطرف))
===========================================
أيها الأحبة الكرام: فمما ابتليت به الأمة الإسلامية ـ من قديم منذ ظهور الخوارج ـ الفكرُ التكفيريُّ المتشددُ، التحريضيُّ المتطرفُ، الذي يدعو لسفك وإراقة الدماء، ويرفض التعايش السلمي الذي دعا إليه الدين الإسلامي الحنيف.
هذا الفكر المتطرف التحريضي المتشدد مخالف للوسطية التي تميز بها الإسلام، قال تعالي: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[البقرة:143]، والوسطية تعني: العدل والاعتدال، والبعد عن الغلو والتنطع والتشدد، ومنه الغلو في الدين، وفي الفتوى فيه، وقد نهانا النبي (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك، وبيّن أنه سبب للهلاك، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ)(رواه النسائي).
فتعالوا بنا أحبتي في الله بإذن من الحق تبارك وتعالى في لقاء الجمعة الطيب المبارك؛ لنرى بعض العوامل التي أدت إلى ظهور هذا الفكر، ونرى بعضًا من آثاره السيئة، فأعيروني يا عباد الله القلوب، وأصغوا إلى بالآذان والأسماع، فأقول وبالله التوفيق:
==========
الفكر التكفيري المتطرف التحريضي المتشدد أدى إلى نشأته، واستفحاله كما نرى اليوم العديدُ، والعديدُ من العوامل، التي جاء بعضها كالتالي:
=====
1ـ الجهل بتعاليم الدين الإسلامي عمومًا، والتي منها النهيُ عن مفارقة الجماعة، والجهل بالنهي عن الخروج من طاعة أولي الأمر، والجهل بالنهي عن التعصب والتحزب، والجهل بالنهي عن سفك الدماء، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ)(رواه مسلم).
==
_ ومن الجهل بتعاليم الإسلام أيضًا: الجهلُ بالدعوة إلى التعايش السلمي مع غير المسلمين، والمعاملة لهم بالحسنى، كالبيع والشراء، وتعزيتهم، وتهنئتهم…إلخ: قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة:8]، وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: (تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ)(رواه البخاري).
وها هو النبي (صلى الله عليه وسلم) يضع معاهدة الدفاع المشترك عن المدينة بينه وبين بقية الطوائف التي كانت تسكن المدينة من اليهود، ومشركي العرب ـ بعد هجرته (صلى الله عليه وسلم) بصفته حاكما ورئيسا للمسلمين، فإذا كنا مطالبين بذلك مع غير المسلمين، فما بالنا بالمسلمين؟. أيضًا من أسباب نشأة الفكر التكفيري المتطرف:
=====
2ـ البعدُ عن معاهد العلم الوسطي، والعلماء المتميزين بالوسطية، واتخاذُ رؤوس جهال، ضلوا وأضلوا بغير علم، وقد حذر نبينا (صلى الله عليه وسلم) من ذلك، فقال: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رؤوسا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)(متفق عليه).
ومعاهد العلم الوسطي في العالم الإسلامي معروفة لكل ذي عينين، ولكل صاحب بصيرة، وقلب حي، وضمير لم يمت أمام الإغراءات المالية، والمنصبية…الخ.
==
_ إن معاهد العلم الوسطي هي التي تدرس ما قرره علماء الأشاعرة والماتردية في العقائد الإسلامية، جامعين بين النص والعقل في آنٍ واحد، فلم يتعصبوا لنصٍ تاركين ما يقرره العقل، ولم يسيروا خلف العقل ضاربين بالنص عرض الحائط.
==
_ كما أن من العلامات المميزة لمعاهد العلم الوسطي احتضان مذاهب الأئمة الأربعة على وجه الخصوص، وتقبل الرأي والرأي الأخر، ولا تختصر الفقه الإسلامي في مذهب أو قول، وتحترم تراث أئمة الفقه، ولا تتجرأ عليه لقول فلان وعلان.
==
_ ومن علامات معاهد العلم الوسطي أيضًا تدريس علم التزكية والأخلاق أو ما يعرف اليوم بعلم التصوف من خلال الكتاب والسنة، فلم يهاجموه ولم يحرموه جملة وتفصيلا. أيضًا من أسباب نشأة الفكر التكفيري المتطرف:
=====
3ـ إبعادُ، أو ابتعادُ العلماء الربانيين الوسطين عن ساحة الدرس والإعلام، مما أفسح المجال للجُهْال التكفيرين وتلاميذهم، فقد رأينا زمنًا خصص لبعضهم فيه قناة تليفزيونية كاملة، وصار هؤلاء الأشخاص أشهر من شيخ الأزهر نفسه، بل وصارت الفتوى لا تؤخذ إلا منهم، ولا يسمع إلا لهم، وما زال ذلك قائمًا عند بعض سفهاء العقول. أيضًا من أسباب نشأة الفكر التكفيري المتطرف:
=====
4ـ جماعات الإسلام السياسي، ذات الأيدولوجيات، والأجندات الخارجية، التي لا تعنى إلا بمصالحها، ومصالح زعمائها، أو من يقوم بتمويلهم، وإمدادهم، وانظروا إلى مرحلة حكم المجلس العسكري في مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، تحدثكم فتاوى الجماعات فيها عن كل ذلك، وانظروا إلى ما يسمى بـ (تنظيم القاعدة، والدواعش) في العراق، وسوريا، وليبيا، وفتاويهم، يحدثكم عن كل ذلك. إن هذا الفكر التكفيري المتطرف يحمل في جنباته آثارا سيئة على الأفراد، والمجتمعات، والدول، والأوطان، فمن الآثار السيئة لهذا الفكر المتطرف التحريضي المتشدد:
===========================================
(2) ((سبعةٌ من الآثار السيئة للفكر التكفيري، المتطرف))
===========================================
1ـ ما ظهر من فتاوى التكفير (للدول ككل) للحكام، والمحكومين، والعلماء الوسطيين، والتكفير لكل من ارتكب معصيةً، ولم يتب منها.
==
_ وهذا مخالفٌ لما تقرر من عقيدة أهل السنة والجماعة: أن المذنب الذي لم يتب من ذنبه في الدنيا، في مشيئة الله إن شاء عذّبه بعدله، وإن شاء عفا عنه برحمته وفضله ـ مالم يكن ذنبه شركا بالله (عزّ وجلّ)، قال تعالي: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}[النساء:48ـ 116].
==
_ وقد حذّر النبي (صلى الله عليه وسلم) الأمة من الارتكاس (التردي في مواضع السوء) في هذا المستنقع الخطير، فعن ابن عمر (رضي الله عنهما)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ)(اللفظ لمسلم).
==
_ وقد قرر علماء العقيدة: إن الكلمة إذا احتملت الكفر من تسعة وتسعين وجهًا، ثم احتملت الإيمان من وجه واحد، حملت على أحسن المحامل، وهو الإيمان، ومن الآثار السيئة للفكر التكفيري أيضًا.
=====
2ـ إن الفكر التكفيري؛ يشوه صورة الإسلام؛ يشوه سماحته، ووسطيته، وحنفيته، يشوه دعوته للتعايش السلمي، وإقراره للسلم والأمن المجتمعي والعالمي، ويورث الناس المشقة، ويوقعهم في الحرج، ويعسر عليهم أمور الدين، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:78]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا)(متفق عليه، واللفظ لمسلم).
==
_ كما أنه يؤدي إلى النفور من الإسلام، والصدّ عن طريقه، ولنا في ما يبث، وينشر عن الإسلام خارجيا ـ بسبب أصحاب هذه الدعوات التكفيرية ـ دليل وشاهد، فقد وصف الإسلام بأنه دين الإرهاب، دين سفك الدماء…وهكذا، ومن الآثار السيئة للفكر التكفيري أيضًا.
=====
3ـ أن الفكر التكفيري يؤدي إلى استحلال وسفك الدماء المعصومة المحرمة، وبالتالي يهدد أمن واستقرار المجتمعات، ويؤدي إلى نشر الفوضى، والهلع والفزع وترويع الآمنين، وهذا مخالف لما قررته الشريعة الإسلامية.
==
_ فالشريعة الإسلامية جاءت بالمحافظة على الأرواح عموما لا فرق بين مسلم وغيره، فحرمت سفك الدماء بغير وجه حق، قال تعالي: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}[النساء:29]، وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام:151]، وحرّم النبي (صلى الله عليه وسلم) الاعتداء على غير المسلمين؛ ممن لهم عهدٌ وذمةٌ عندنا، كالذين يشاركوننا في الوطن، وكالسائحين الذين يزورون بلادنا، فعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)(رواه البخاري).
==
_ إن الشريعة الإسلامية شريعة الرحمة نهت حتى عن ترويع الآدميين، فسيدنا الإمام علي (رضي الله عنه) قضى بالدية على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)؛ لأنه روّع حاملا؛ فأسقطت حملها، فمات بعد أن صاح صيحتين.
==
_ بل إن الشريعة الإسلامية نهت حتى عن ترويع غير الآدميين، فعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حُمْرَة (طائر صغير كالعصفور) معها فرخان فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش (تبسط جناحيها)، فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: (مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا)(رواه أبو داود)، فما بالنا بما يحدث اليوم من الجماعات المتأسلمة! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومن الآثار السيئة للفكر التكفيري أيضًا.
=====
4ـ أن الفكر التكفيري يؤدي إلى استحلال الأموال، التي نهى الله عن أخذها بغير وجه حق، وهذا ينافي أيضًا ما قررته الشريعة الإسلامية من المحافظة على الأموال.
==
_ فالحق تبارك وتعالى، يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[النساء:29]، وقد رأينا هذا الاستحلال للأموال في فترة التسعينيات متمثلا في الاعتداء على محلات الذهب بسبب الفتاوى التكفيرية ـ ورأيناه، وما زلنا نراه في البلدان التي ينزلها الدواعش، وتنظيم القاعدة.
==
_ وقد أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه خصيم ومحاجج لمن ظلم حتى غير المسلم، أو انتقصه في مالٍ، أو عرضٍ، أو أي شيء، فعن عدة، من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(رواه أبو داود)، ومن الآثار السيئة للفكر التكفيري أيضًا.
=====
5ـ أن الفكر التكفيري يؤدي إلى استحلال الفروج والأعراض المحرمة، وقد سمعنا عن ارتكاب ذلك ـ في وسائل الإعلام المختلفة ـ من الدواعش التكفيرين في حق نساء وفتيات البلدان التي نزلوها، مع أن القرآن الكريم قد حرم الزنا، فقال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}[ألأإسراء:32].
==
إن الحكمة في تحريم الاعتداء على الدماء، والفروج، والأعراض، والحريات والحقوق بوجه عام: هو أن الاعتداء عليها يفسد الود والمحبة، ويقطع أواصر الترابط والتشابك بين أفراد المجتمع، ويؤدي إلى أمراض اجتماعية، وقلبية عديدة كالكراهية، والهجر، والشحناء، والبغضاء، والحقد، والغلّ، والحسد…إلخ، ومن الآثار السيئة للفكر التكفيري أيضًا.
=====
6ـ أن الفكر التكفيري يهدد الاستقرار المجتمعي، والتعايش السلمي، والعيش المشترك، الذي دعت إليه الشريعة الإسلامية، بين المسلمين وغيرهم، وهذا من أعظم أخطار التكفير، ليس من الإسلام في شيء ما سمعناه من اضطهادٍ واعتداء على غير المسلمين في شمال سيناء (في مصر)، والاعتداء على طائفة الزيدية (في العراق).
==
_ فحينما هاجر النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة وجد بها مزيجًا إنسانيًّا متنوعًا، فوجد بها يهودًا ووثنيين ومشركين، فلم يعزلهم (صلى الله عليه وسلم) عن المجتمع أو أقصاهم أو صادر على عقولهم، وإنما دعاهم إلى الإسلام فمَنْ أبى منهم تعايش معهم، وعاهدهم على حرية الاعتقاد والأمن والأمان، والدفاع المشترك عن الوطن ، ووضع صحيفة المدينة التي تعد أفضل أنموذج في فقه التعايش السلمي، ومن الآثار السيئة للفكر التكفيري أيضًا.
=====
7ـ أن الفكر التكفيري يهدد الأمن والسلم العالمي، وينشر الإرهاب في جنبات العالم، ولنا ما حد في نيوزلاندا، وفرنسا، وبلجيكا، وتركيا، وأمريكا…الخ دليل وشاهد.
إن إفشاء السلام المجتمعي، والقضاء على الإرهاب مطلب إنساني لجميع البشر بغض النظر عن عقائدهم، وأجناسهم وألوانهم، ولا غنى للبشرية عنه؛ فبدونه لا تستقيم الحياة البشرية، ولا تستقيم عمارة الأرض، ولا تبني الحضارات، ولا يتحقق التقدم والرخاء، وبدونه لا يأمن الناس على أرواحهم، ولا على أموالهم، ولا أعراضهم، وبدونه لا يستطيعون التعبد في محاريبهم.
فثقافة العنف، وسفك الدماء، التي يدين بها هؤلاء، وينسبونها للإسلام زورًا وبهتانًا، ليست من الإسلام في شيء، فالإسلام دين الرحمة، دين الإنسانية، دين العدالة، ومن الآثار السيئة للفكر التكفيري أيضًا.
عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب كمَنْ لا ذنب له
===========================================
(الخطبة الثانية)
((خراب الأوطان، وضياعها، أعظم أخطار الفكر التكفيري))
===========================================
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
=====
أيها الأحبة الكرام: ما زال الحديث بنا موصولا مع الفكر التكفيري وآثاره السيئة، وأقول: من أعظم أخطار الفكر التكفيري خراب الأوطان، وضياعها:
=====
فالفكر التكفيري لا يعترف بالحدود والأوطان، ولا يعلمون أن حبها من كمال الإيمان، وأن بقاءها لازم لبقاء الدين والشريعة، ولا يعرفون شيئًا عن المواطنة في الإسلام، وحقوقها، ولا يدركون الحفاظ على الكليات الخمسة: حفظ النفس، حفظ الدين، حفظ العقل، حفظ المال، حفظ النسب والعرض، ويكفرون الناس جزافا بدون دليل.
=====
وبالتالي يسهل عليهم سفك الدماء، وهتك الأعراض، والحرمات، وسرقة الأمتعة والأموال، ونشر الفوضى في الدول والمجتمعات، وخيانة الأوطان، وبيعها، والعمل على إسقاطها.
ولنا على أرض الواقع الأن دليل وشاهد: انظروا إلى ما يحدث في السودان اليوم، وبعد أن قسمت إلى شمال وجنوب، انظروا إلى ليبيا، وقد صارت شرقا وغربا، انظروا إلى سوريا لقد تحررت من الوحدة، وعما قريب ستقسم، انظروا إلى غزة وما حدث لها، ولأهلها بسبب مخاطرة غير مدروسة، ولا محسوبة، وفي النهاية نتفاوض على الخروج، انظروا إلى لبنان وضعفها، وقرب إفلاسها بسبب حزب الشيطان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. إنني أكرر: إن من أعظم أخطار الفكر التكفيري خراب الأوطان، وضياعها، اللهم بلغت، اللهم فاشهد.
===========================================
فاللهمّ أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به خاشعين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم،
اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب