خطبة الجمعة : – حتمية التضامن العربي والولاء الوطني في مواجهة الإرهاب والتحديات ” للشيخ / محمد حسن داود
لتحميل الخطبة بصيغة word إضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf إضغط هنا
خطبة الجمعة : –
حتمية التضامن العربي والولاء الوطني
في مواجهة الإرهاب والتحديات
” للشيخ / محمد حسن داود “
العناصــــــــــــــــــــــــر
• 1- دعوة الإسلام إلى الوحدة والتعــاون .
• 2- خطورة التفرق والتنازع والاختــــــلاف .
• 3- الولاء للوطن مطلب شرعي وواجب وطنـي .
• 4- التضامن العربي و الإسلامي ضرورة حتميـــة .
• 5- بــــــراءة الإســــــلام مــــن الإرهــــاب وأهلـــــه .
• 6- اثأر التضامن العربي في مواجهة الإرهاب و التحديات .
• 7- أثار الفرقة والتنازع والاختلاف في ضعف الأمم ودمارها .
• 8- دعوة إلى الاتحاد و التضامن و نبذ الفرقة والخلاف والتنازع .
الموضـــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
الحمد لله رب العالمين ،واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ،واشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى اله و صحبه أجمعين.
• أما بعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد
إن من أعظم غايات الإسلام اجتماعَ الكلمة ،والتضامن ، والتالف والتكاتف والتعاون والأخوة والتا زر،و وحدة الصف فيما يرضي الله سبحانه وتعالى، وتلك كانت من أهم خصائص الأمة ،قال تعالى (وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ ) المؤمنون51
فالاتحاد عماد نهضة الأمم، به تغنم ، وتنجو من الفتن، وتعلو ، ويزهو العلم، وتبني الحضارات ، ويتحقق الأمن والاستقرار ،
بالاتحاد تنال الأمم مجدها، وتصل إلى مبتغاها، وتعيش حياة آمنة مطمئنة،بالاتحاد، تكون الأمة مرهوبة الجانب، مهيبة الحمى، عزيزة السلطان.
فما من أمة تمسكت بالوحدة واعتصمت بحبل الله إلا نجحت وارتفعت، ومن هنا أكد القران الكريم على ضرورة الجماعة والاتحاد، وحذر من تفرق القلوب والأجساد، قال تعالى :{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)}
قال القرطبي رحمه الله: “فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة”.
وقال تعالى (َوتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )المائدة2
فهذا برهان ساطع، ودليل قاطع على أهمية الوحدة، وضرورة التضامن والتالف، فالإسلام يدعونا أن نجمع ولا نفرق، وان نؤلف ولا نمزق ، وان نبنى ولا نهدم،وان نكون إخوة متحابين متضامنين قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الحجرات10
وقال أيضا ” : ” الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” البخاري .
ولقد كان الأنبياء جميعهم دعاة للاتحاد و التضامن و وحدة الصف
، إذ يقول الإمام البغوي: «بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة»تفسير ابن جرير
و “من يتأمل التنزيل، ويراجع التفسير والتأويل، يجد أن الله تعالى لم يخاطب عباده متفرقين أو منفردين، بل خاطبهم بصيغ تحثهم على التضامن، الوحدة والاجتماع، لأن الوحدة مدعاة للاستجابة وسبب للتعاون”، فيقول تعالى: “يا بني آدم” و” يا أيها الناس” و “يا أيها الذين آمنوا” في دلالة قرآنية، وإشارة قوية إلى أهمية الوحدة والاتحاد،
ومن ثم فان أهم ركائز المجتمع الإسلامي أن يكون متماسك البنيان، متين الدعائم والأركان، تجمعه لبنات مرصوصة تمثل حقيقة أفراده وأتباعه، لا تختلف فيه لبنة عن أخرى، لأن البناء لا يكون متينا وقويا إلا بتماسك جميع أجزائه، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ” إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ “البخاري .
وهذا كان أول أساس وضعه النبي للمسلمين في المدينة حيث قام عليه بناء الأمة المسلمة فكان أول طريق لقوتهم وعزتهم ونصرهم أن دعاهم إلى الاتحاد وألف بينهم
فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:” قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ؛ وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ وَأُزَوِّجُكَ. قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ. فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وَسَمْنًا فَأَتَى بِهِ أَهْلَ مَنْزِلِهِ؛ فَمَكَثْنَا يَسِيرًا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ؛ فَجَاءَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْيَمْ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ. قَالَ: مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ؟ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ.” (البخاري)
نعم لقد كانت أول لبنة شيدها رسول الله صلى الله عليه وسلم توحيد المسلمين، فآخى بينهم، فصاروا بالاتحاد أعوانا وأنصارا، وأصبحوا بالوحدة قوة ومنعة، وتحولت حياتهم من تنازع وفرقة إلى اجتماع وألفة، وتبدلت اهتماماتهم من صراع على الماء والكلإ والعصبية البغيضة، إلى بناء حضارة إنسانية، أساسها الوحدة والعلم والرحمة ، فنزع الله تعالى من نفوسهم الغل والبغضاء، وألف بينهم بالمحبة والصفاء، قال الله سبحانه:( ُهوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). الأنفال 62/63
فاتحدت قلوبهم، وتآلفت نفوسهم، وتجانست أرواحهم، فكانوا كما قال صلى الله عليه وسلم ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ” مسلم .
ولم يأمر الإسلام بالتضامن والوحدة فحسب بل حث على كل ما كان لذلك سبيلا من بر و تراحم وتكافل وحفظ للحقوق والأعراض والدماء ومكارم الأخلاق فقال صلى الله عليه وسلم ” أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، و أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً ، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا ، و لأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا ، و مَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ ، و مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ ، و لَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ ، و مَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ ،و إِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ “السلسلة الصحيحة للالبانى
وإذا تدبرت في جميع العبادات لوجدتها تنادى بالوحدة، تنادى بالاتحاد ،تنادى بالتماسك
الصلاة :- إذ يجتمع المسلمون في مكان واحد وفى وقت واحد يصلون فرضا واحدا خلف إمام واحد بتكبيرة واحدة ابتغاء وجه الله الواحد، وتعظيما لمكان الوحدة جعل المصطفى صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة مع أنها فريضة صح أداؤها جماعة أو منفردا ،فعَنْ عبدِ اللّه بْن عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه وسلم قال:” صلاةُ الجَمَاعَةِ أَفْضَلُ من صَلاَةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وعِشرين دَرَجَة “.(متفق عليه)
الصدقة :- إذ أنها تبعث روح التعاون والألفة والمحبة بين إفراد المجتمع الواحد ويعم الود والألفة والمحبة فيعم الاتحاد و تدحض الفرقة ولن يكون ذلك إلا بالصدقات ودفع الكريات و قضاء الحاجات ،
الصيام :- إذ انه يحث على الوحدة واجتماع الصف وعدم الفرقة
وذلك من خلال
الدعوة إلى ما ينمى المودة والألفة والمحبة بين إفراد المجتمع الإسلامي كالقيام على افطار المسلمين
وأيضا من خلال النهى المشدد عن كل قول أو فعل يدعو إلى الفرقة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ “.البخاري
الحج _ إذ ترى المسلمون يجتمعون من جميع أقطار الأرض على اختلاف ألوانهم وألسنتهم فى مكان واحد بلباس واحد ابتغاء وجه الله الواحد، قال تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)الحج 27
ولما كان التعاضد والاتحاد وإصلاح ذات البين يَصْنَع النصر المحقق والقوة المرهوبة،وينهض بالأمم والحضارات
كان التنازع والاختلاف وفساد ذات البين يُضْعِفُ الأقوياء ويُهْلِكُ الضعفاء، فليست ثمة قضية أجمع عليها المسلمون قديمًا وحديثًا مثلما أجمعوا على خطورة التفرق والتنازع ، وأن الاجتماع قوة تتضاءل إلى جانبها كل القوى المتفرقة،وان التفرق ضعف لا يضاهيه ضعف ، لذلك نهى الإسلام عن الاختلاف والتنازع و حذر من ذلك، فقال تعالى(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ الأنفال 46
إن المتأمل في أحوالنا اليوم يجد أن هذا الأمر من أهم المواضيع التي تمس واقعنا المعاصر ، وذلك نظرا لأننا نرى أن العنصرية ، أو القبلية قد أطلت برأسها تريد أن تفرق جماعتنا ، وتشتت صفوفنا تحت مسميات زائفة ، رفضها الإسلام وأبطلها ،
قال تعالى (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الأنعام153
وقال تعالى:{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) آل عمران 103
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : “أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج، وذلك أن رجلا من اليهود مَرَّ بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هُمْ عليه من الاتفاق والألْفَة، فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بُعَاث وتلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبُه حتى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم، وتواعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجعل يُسكِّنهم ويقول: “أبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وأَنَا بَيْنَ أظْهُرِكُمْ؟” وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا، وألقوا السلاح، رضي الله عنهم.”أهـ
فما من سبب لنيل الخير يماثل الاتحاد وما من سبب لرفع الخير وذهابه و تفشى البلاء و الهوان يماثل الفرقة و التنازع ومن ذلكم اذكر لكم مثلا ، فعن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ : ” إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ ، فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمُ ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ ” .البخاري
والناظر في الشريعة الإسلامية يرى أن الإسلام لم ينهى عن الفرقة فحسب بل حرم كل ما يبعث عليها و كل ما كان إليها سبيل كالعقوق وقطع الأرحام وإيذاء الجوار و أكل أموال الناس بغير حق والإيذاء في مال أو عرض ودم،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ مَالُهُ وَعِرْضُهُ وَدَمُهُ حَسْبُ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ” سنن أبى داود .
الإخوة الأخيار
لا شك أننا أكثر من اى وقت مضى في حاجة ملحة إلى تعميق وترسيخ الانتماء الوطني ، والإحساس بقيمة وأهمية الدولة الوطنية و إعلاء المصلحة الوطنية على اى مصالح أخرى ، وان يكون الإخلاص لها مقدما على اى مصالح حزبية أو فئوية أو تنظيمية محلية أو دولية ،فلقد اعلي الإسلام قيمة الوطن و أهميته
ويظهر ذلك جليا في فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يلقى درسا بليغا يقرع كل الآذان ويتردد رجع صداه في كل زمان ومكان , وذلك عندما خرَج صلى الله عليه وسلم مُهاجِرًا، و وصَل أطرافَ مكة، التفَتَ إليها، هي أرضه ووطنه، وقال: “وَاللهِ إِنَّي أَعْلَمُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبَّهَا إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ”، وفي رِوَاية: “مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِليَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ” رواهُ التِرْمِذِي، والبيْهَقِي، وغيرهما، وقالَ الأَلبانِي صحِيح.
فمع أنها ضاقت به من ظلم المشركين له ومن تعديهم عليه إلا انه يتألم للخروج من وطنه و يصرح بذلك
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ *** يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ
بل انظر آخى الحبيب إلى حاله صلى الله عليه وسلم حينما وطأت قدمه وطنه الثاني -المدينة – إذ يتوجه إلى الله داعيا أن يحبب إليهم المدينة كما حبب إليهم مكة ، كما فى صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ ، أَوْ أَشَدَّ……”
وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ” يَقُولُ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ أَخْدُمُهُ ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَبَدَا لَهُ أُحُدٌ ، قَالَ : ” هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ، ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ، قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا كَتَحْرِيمِ إِبْرَاهِيمَ مَكَّةَ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا ” .
وعليه فمن حق الأوطان علينا صيانتها و حفظها من كل معتدى
وإن أوطاننا اليوم وهي تضطهد من بعض ديارها، وتُحاط بها المؤامرات والكيد من بعض جوانبها؛ يفرض علينا أن نستحضر ضرورة الوحدة، وأن نستمع لهذا النداء الخالد من ربنا عز وجل ، (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) آل عمران103.
ولا شك أن امتنا العربية في هذه الآونة تمر بمرحلة صعبة تستوجب من الجميع التكاتف والتضامن والاتحاد والتعاون وان تكون يدا وحدة فى مواجهة التحديات فعَنِ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ؛ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا؛ فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا .»(البخاري).
وعليه فان الوحدة العربية ضرورة حتمية في شتى المجالات سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أو غير ذلك
ومن أهم ما يجب على الأمة العربية جميعها التضامن والاتحاد من اجله هو دفع الإرهاب الذي حل ببلادنا ولم يرحَم الشيوخَ الرُكّع،والأطفال الرُّضَّع، والنساءَ الثُّكالَى، اوالأيامَى واليتامى، والأبرياء الحُزْن، فأمسى خطرا علينا يهدد النفوس و يروع الآمنين ويحصد الأرواح ويزعزع امن و استقرار البلاد
،فتجاه الإرهاب الماكِر الذي اصطَلَى به عددٌ كبيرٌ من أصقاع امتنا العربية ، وحِيالَ ما تُزكِيه قُوى الحقدِ والتطرُّف والإجرام أعداءُ الرَّحمة والإنسانية، والمبادئ السِّلمية الرضِيَّة، سواءٌ من أفراد اومن جماعات فإن الضميرَ الإسلاميَّ والوطنى ينادى بالتعاون والاجتماع والتضامن والاتحاد لرَدع هذا النظام الظالِم واتخاذ المواقف الحازِمة تِجاهَه، وكفّ بطشِه وإرهابِه ضدّ أوطاننا، و إعراضنا، و أموالنا، و أرواحنا
والعجيب كل العجب أن تجد الإرهاب وهو يدمر ويخرب و يقتل ويمثل ويحرق يستتر تحت شعار اسلامى و صيحات إسلامية ، والإسلام من هؤلاء براء فهو دين الرحمة والإنسانية
إذ أكد الإسلام على حرمة الدم البشرى، فحرم سفكه إلا بالحق، قال تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ )الأنعام15
إذ أن الإسلام بني أُسسَه في تنظيم العلاقةِ الاجتماعية بين أبناء المجتمع على قواعدَ مُثلى وركائزَ فضلى فإن المسلمين في نظر الإسلام بنيان واحد، لبناته أبناء هذه الأمة، وكل لبنة في هذا البنيان تكون دعما لغيرها تشد البناء وتقيمه، بمقدار ما تكون قوية متماسكة، مرتبطة بروابط الإسلام من أخوة ومودة و ألفة ،لا ضرر ولا ضرار ،لا أذى ولا اعتداء ، فالمسلمين كيان واحد تمده بالحياة روح واحدة هي روح الأخوة قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )الحجرات10
فللدم المعصوم عند الله شأن عظيم وحرمة عظيمة لك أن تتدبر مداها حينما تسمع قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ” لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ” بن ماجة.
والمتدبر في آيات القران الكريم يرى أن الإسلام اعتبر النفوس كلها واحدة، من اعتدى على إحداها فكأنما اعتدى عليها جميعا، ومن قدم لإحداها خيرا فكأنما قدم الخير للإنسانية بأسرها، قال عز وجل: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ) المائدة: 2.
عن أبى الْحَكَمِ الْبَجَلِيُّ ، قَال : سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ , وَأَبَا هُرَيْرَةَ , يَذْكُرَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ” لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ , وَأَهْلَ الْأَرْضِ , اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ , لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ “صحيح الترغيب والترهيب
قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: “من استحل دم مسلم فكأنما استحل دماء الناس جميعًا، ومن حرَّم دم مسلم فكأنما حرَّم دماء الناس جميعًا”.
فلقد توعد المولى سبحانه من قتل مسلما متعمدا باشد العذاب قال تعالى ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )النساء93
فأى راحة يهنأ بها من كان له هذا الوعيد و اى مكان يقل من كان له هذا الوعيد حينما يجئ المقتول يوم القيامة بقاتله يطلب القصاص لدمه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا ، يَقُولُ : يَا رَبِّ هَذَا قَتَلَنِي حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ الْعَرْشِ “. الترمزى صحيح الجامع
و من عظمة الشريعة الإسلامية أن حرمة الدماء ليست قاصرة على المسلمين فحسب بل تشمل كذلك غير المسلمين من المعاهدين والذميين والمسـتأمنين فقد حرم الإسلام الاعتداء عليهم وإهدار دمائهم فعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ” مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ” .
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ آمَنَ رَجُلا عَلَى دَمِهِ ، فَقَتَلَهُ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا ” صحيح الجامع
والمتدبر أكثر في الشريعة الإسلامية يجد أن الإسلام نفى الإيمان عن العبد بمجرد إيذاءه لجاره إذ يقول صلى الله عليه وسلم “و الله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن الذي لا يأمن جاره بوائقه .صحيح الجامع
ونفى الإسلام عن رفع السلاح في وجه المسلم لمجرد الترويع و إلارهاب فقال صلى الله عليه وسلم ” من حمل علينا السلاح فليس منا “
فكيف يرضى عن القتل و الدمار و الخراب و الإرهاب وأهله (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) القلم36
ومن هنا – عباد الله – وجبَ تضافُرُ الجهود، والوفاءُ بصادق المواثِيق والعُهود لاجتِثاث جحافِل القلاقِل والطُّغيان والزَّعازِع، وحسمُ أدواء رُعاة الظلم والإرهاب وعِلَلهم، وسدّ مواقِع خلَلهم، ودحر كل سوءٍ لاحِقٍ من قِبَلهم؛ ليستأنِفَ العالمُ الإسلاميُّ والعربي والإنسانيُّ حياتَه رخيَّ البال، مُطمئنَّ الحال، في أمنٍ مبسوط، وحِمًى محوط، وتعايُشٍ بالوِئام والتراحُم منُوط، وتآلُفٍ في الحق والعدالة مبسُوط ، فالأمة الإسلاميَّة والعربية متى اجْتمعتْ واتَّحدتْ وتضامنت، لَم تستطعْ أُمَّة مَهْمَا كانتْ قوَّتها النَّيْل منها؛ ، فما قَوِيَتْ أُمَّة مُتفرقة مُشَتَّتة، وما ضَعُفَتْ أُمَّة اجْتمعتْ وتكاتَفَتْ وارتبطتْ
يقول ابن كثير واصفا حال الخلافة الإسلامية من عز وجهاد عند اتحاد صف المسلمين في خلافة عمر وعثمان وواليه معاوية رضي الله عنهم للشام، فيقول: “ولم تزل الفتوحات والجهاد قائما على ساقه في بلاد الروم والفرنج وغيرها، فلما كان من أمره وأمر أمير المؤمنين علي ما كان، لم يقع في تلك الأيام فتح بالكلية، لا على يديه ولا على يدي علي، وطمع في معاوية ملك الروم بعد أن كان قد أخشاه وأذله، وقهر جنده ودحاهم، فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب علي؛ تدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيه، فكتب معاوية إليه: “والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت”. فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف وبعث يطلب الهدنة.
ثم كان من أمر التحكيم ما كان، وكذلك ما بعده إلى وقت اصطلاحه مع الحسين بن علي فانعقدت الكلمة على معاوية، وأجمعت الرعايا على بيعته. فلم يزل مستقلا بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته؛ والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية،والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو .
هذا هو حال أعداء الإسلام يتربصون بنا الدوائر، فما أن تحل الفرقة بين المسلمين حتى يثوروا ويغزوا بلاد الإسلام، يقول ابن كثير: “ثم دخلت سنة 70هـ فيها ثارت الروم واستجاشوا على من بالشام، واستضعفوهم لما يرون من الاختلاف الواقع بين بني مروان وابن الزبير، فصالح عبدالملك ملك الروم وهادنه على أن يدفع إليه عبدالملك في كل جمعة ألف دينار خوفا منه على الشام .
فبعد أن كان ملك الروم يدفع الجزية للمسلمين، صار المسلمون يدفعون له ثمن سكوته وكفه عن بلادهم، فأي ضرر أشد على الأمة من تسلط أعدائها بسبب فرقتها واختلافها فيما بينها، فهل ينظر المسلمون إلى تاريخهم، ويتعظوا بأسلافهم، ويعودوا إلى الاجتماع صفا مرصوصا ويدا واحدة وجماعة متحدة، تعمل بكتاب ربها وتهتدي بسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ؟ نسأل الله ذلك.
فهناك من لا ترضى نفسه الخبيثة أن يرانا أخوة متحابين، متآلفين نعمل يداً واحدة لغرس شجرة الخير في هذه الأرض الطيبة، اذ أن نفسه الخبيثة وشيطانه الحاقد يأمرانه بالسعي لتفريق صفوفنا وبلا شك لن نبسط له الأمر حتى ينال هذا الغرض ولن نبسط له الأمر لينال من وحدتنا ،
وعليه فإن الأمة الإسلامية والعربية إذا أرادت التقدم والرقى فمالها سبيل إلا التضامن والاتحاد فالفرقة ضعف وهلاك وشتات، والاتحاد قوة وثبات ،وإذا سألت عن اشد أسباب ضعف الأمم والمجتمعات والأسر لوجدت أن السبب الرئيس فى ذلك هو الفرقة ، ولا ريب ولا عجب في أن توحيد الصفوف، واجتماع الكلمة هما الدعامة الوطيدة لبقاء الأمة، ودوام دولتها، ونجاح رسالتها، والإسلام يكره للمسلم أن ينأى بمصلحته عن مصلحة الجماعة، وأن ينحصر في نطاق نفسه، وأن يستوحش في تفكيره، وإحساسه ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ”.مسلم
فبالتضامن تقوى الأمم و الفرقة تضعفها
فبالتضامن تتقدم الأمم و الفرقة تؤخرها
وبالتضامن يزدهر الاقتصاد والفرقة تضعفه
التضامن عمل وكسب واستثمار
التضامن علم وازدهار
ومن ذلك أراد حكيم أن يعطى أولاده درساً في ليلة من ليالي الشتاء الباردة حين أحس بقرب أجله , فاجتمع أولاده حول سريره , وأراد أن يوصيهم بوصية تنفعهم قبل وفاته ، فطلب منهم أن يحضروا حزمة من الحطب , وطلب من كل واحد منهم أن يكسر الحزمة , فلم يستطع أي واحد منهم أن يكسرها , أخذ الحكيم الحزمة , وفرقها أعواداً , وأعطى كل واحد من أبنائه عوداً , وطلب منهم كسر الأعواد وهي متفرقة , فكسر كل واحد منهم عوده بسهولة . فقال الأب الذي هو الحكيم : يا أبنائي إياكم والتفرقة , كونوا كهذه الحزمة متحدين , حتى لا يقدر عدو على هزيمتكم .
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى *** خطب ولا تتفرقوا آحـــــادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً *** وإذا افترقن تكسرت أفرادا
الإخوة الأخيار
إن مما يجب أن تتعلمه الأجيال أن للاتحاد معان غزيرة، من أهمها حب الوطن، وأهمية الانتماء إليه ، والمحافظة على المكتسبات، والحفاظ على الأرض ،والعرض، والدم ،حتى تمضي مسيرة نهضة الأمة ، متمسكين في ذلك جميعا بحبل الله المتين، وسنة نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم
ولتعلم انه ما من مرض اشد على البلاد والعباد من الفرقة و التنازع والاختلاف ومن ثم تضافرت النصوص محذرة و ناهية ، ففي سنن الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِينَا، ثم ذكر خطبة جاء فيها: “عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ، فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ”.
وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: «يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة؛ فإنهما السبيل في الأصل إلى حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة»فتح الباري.
===========
========
======
رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ،رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ،رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ،وَاعْفُ عَنَّا، وَاغْفِرْ لَنَا ،وَارْحَمْنَا،
اللهم اجمع شملنا، وألف بين قلوبنا، ووحد صفوفنا؛
نسألك اللهم أن تخرج الفتنة من بيننا، وتسلم أهلنا، وتحفظ شبابنا ،وتحقن دمائنا ،وتحفظ بلادنا من كل سوء .
اللهم اجعل مصرنا بلدا آمنا ،مطمئنا ، اللهم من أرادها بخير فوفقه إلى كل خير ، ومن أرادها بسوء فأجعل كيده فى نحره .
والحمد لله رب العالمين ،وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.
==========
كتبـــه
محمد حسن داود
إمام وخطيب ومدرس
دسوق – كفر الشيخ