خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة “صدقة الفطر وحق الله في المال .. أحكام ومقاصد “، للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 28 رمضان 1446 ه الموافق 2025م ، تحت عنوان “صدقة الفطر وحق الله في المال .. أحكام ومقاصد “، للشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذه الخطبة
أولا – الزكاة والصدقة في الإسلام مفهومهما وأثرهما .
ثانياً: – من أحكام صدقة الفطر .
ثالثا – فضل الانفاق في سبيل الله
رابعاً _ من حكم مشروعية الزكاة .
خطبة الجمعة word “صدقة الفطر وحق الله في المال .. أحكام ومقاصد “، للشيخ ثروت سويف
خطبة الجمعة pdf “صدقة الفطر وحق الله في المال .. أحكام ومقاصد “، للشيخ ثروت سويف
الخطبة الاولي
الحمد لله الذي جعل الزكاة قرينة الصلاة وجعلها لأهل الإيمان من أجل الأعمال وأكرم الصفات أحمده سبحانه على نعمه الجليلة السابغات وأشكره وقد تأذن للشاكرين بالمزيد في محكم الآيات
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحب المتقين ويجزي المتصدقين ولا يضيع أجر المحسنين
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير البرية وأكرم الناس خليقة وأحسنهم طوية الذي كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ويحث على بذل الفضل في العسر واليسر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما
أما بعد:
فان الزكاة توحيد وشهادة ونقاء وطهارة وحسن ولطافة وعلاج وصيانة واحتراز عن الفواحش واقبال علي الطاعة وبعد عن البخل والشح هكذا جاءت معانيها في القران الكريم
أولا – الزكاة والصدقة في الإسلام مفهومهما وأثرهما .
عباد الله: الزكاة عباد الله هي الركن الثالث من أركان هذا الدين الاسلامي العظيم ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((بُني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام من استطاع إليه سبيلا)) البخاري ومسلم
الزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ: الطُّهْرُ وَالشَّرَفُ وَالنَّمَاءُ, وَالزِّيَادَةُ وَالْبَرَكَةُ .
وَالزَّكَاةُ هى : حَقٌّ وَاجِبٌ فِي مَالٍ مَخْصُوصٍ, لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ, فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ ؛ لِتَحْقِيقِ رِضَا اللهِ، وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْمُجْتَمَعِ.
فالزكاة طهارة للأموال والأنفس: قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، خذ من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم فتابوا منها (صدقة تطهرهم) ، من دنس ذنوبهم (وتزكيهم بها) ، يقول: وتنمِّيهم وترفعهم عن خسيس منازل أهل النفاق بها، إلى منازل أهل الإخلاص. تفسير الطبري
وهى فريضة من الله قال تعالي (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة
الفرق بين الصدقة والزكاة ….
الزكاة أوجبها الإسلام في أشياء معينة وهي : الذهب والفضة والزروع والثمار وعروض التجارة وبهيمة الأنعام وهي الأبل والبقر والغنم .
وأما الصدقة : فلا تجب في شيء معين بل بما يجود به الإنسان من غير تحديد
وللصدقة مفهوم واسع : فكل زكاة تسمي صدقه والخارج من غير الزكاة صدقة وهي العطية للمحتاج على وجه التقرب إلى الخالق سبحانه ، سرا وعلانية ( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) الرعد
اثر الصدقة والزكاة…….
وللزكاة والصدقة أثر كبير على كيان المجتمع حيث تعمل على بث روح التعاون والمؤاخاة بين أفراد المجتمع وتزيل الحسد بين الناس. والصَدقات أنواع كثيرة منها المال والعقار والثياب والطعام أو بناء المساجد او المصالح وأيضاً تقديم الوقت أو المهارات والخبرات الشخصية لخدمة المجتمع وإنها لتطفئ عن أهلها حر القبور وان كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس وإن الصدقة لتطفئ غضب الرب وإنها حجاب من النار لمن احتسبها يبتغي وجه الله عز وجل
لقد قرن الله الزكاة بالصلاة فى عشر مواضع فى القران لان الصلاة حق الله والزكاة حق العباد
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) البقرة وغيرها من الايات
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث، لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها:
الأولى: قول الله تعالى: أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ [النساء:59], فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.
الثانية: قوله تعالى: وَأَقِيمُواْ الصلاةَ وَاتُواْ الزكاةَ [النور:56] فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه.
الثالثة: قوله تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوالِدَيْكَ [لقمان:14] فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه).
وإن مصارف الزكاة في قوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة
ان الزكاة والصدقات جسر قوي يربط بين الأغنياء والفقراء، فتصفو النفوس، وتزول الأحقاد والبغضاء، ويرتفع الذل والفقر، وينعم الجميع بالأمن والمحبة والرحمة
ألم تسمع حديث رسول الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة والذي قال فيه رسول الله : ((قَالَ رَجُلٌ لأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى غَنِيٍّ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ، وَعَلَى غَنِيٍّ، وَعَلَى سَارِقٍ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ، أَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا تَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ زِنَاهَا، وَلَعَلَّ الْغَنِيَّ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ، وَلَعَلَّ السَّارِقَ يَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ سَرِقَتِهِ ))
ثانياً : من أحكام صدقة الفطر.
أمّةَ الإسلام، إنّ نبيَّنا شرع لنا في نهاية هذا الشّهر صدقةَ الفطر هي زكاة الفطر.
وزكاة الفطر: هي الزكاة التي تجب بالفطر من رمضان وهي واجبة على كل فرد مسلم سواء كان عبدًا أو حرًّا، ذكرًا أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا، وهي طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين. فرضَها رسول الله على عمومِ المسلمين، ذكورِهم وإناثهم، صِغارهم وكبارهم، أحرارِهم وعبيدهم
يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: فرض رسول الله زكاةَ الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، على الذّكر والأنثى والحرِّ والعبد والصغير والكبير ( البخاري ومسلم )
علي من تجب ؟
تحب على كل مسلم مهما كان عمره أو جنسه؛ أي أنها مفروضة على الذكور والإناث والصغار والكبار حرا أو عبدا
فيؤدِّيها المسلم عن نفسِه، وعمّن يلزمه الإنفاقُ عليه من زوجةٍ وأولاد وخدَم، في الأثر: ((أدّوا صدقةَ الفطر عمّن تمونون)) رواه الشافعي في الأم والدارقطني في السنن في زكاة الفطر عن ابن عمر أي: عمّن تنفِقون عليهم شهرَ رمضان، وتتكفّلون بالإنفاق عليهم.
واستحبَّ أمير المؤمنين عثمان بنُ عفّان رضي الله عنه إخراجَها عن الجنين .أخرجه ابن أبي شيبة
شرعية وحكمة زكاة الفطر….
لقد فرضت زكاة الفطر في السنة الثانية من الهجرة وهي واجبة عند غالبية الفقهاء
ما الحكمة منها ؟
والحِكمة فيها جليّة واضحة، فهي شكرٌ لله على إكمالِ الصيام والقيام، فإنّ صيامَ رمضان وقيامَه نعمة من الله لا بدّ أن تشكرَ الله على هذه النّعمة العظيمة، وهي أيضًا شكرٌ لله على دوران العامِ عليك وأنت في سلامةٍ وصحّة وعافية، وهي أيضًا تدريبٌ للمسلم على خلُق السخاء والبذلِ والجود، وهي أيضًا طعمة للمساكين ليشارِكوا إخوانَهم يومَ العيد فرحتَهم وسرورَهم، حيث توفّر لهم طعامُ ذلك اليوم، وهي طُهرة للصّائم ممّا حصل عليه في صيامه من لغوٍ ورفث، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: فرض رسول الله صدقةَ الفطر طهرةً للصّائم من اللّغو الرفث، وطعمةً للمساكين، فمن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات . ابو داوود وصححه الحاكم
فيما تخرج ؟
وهذه الفِطرة أوجبَها رسول الله في طعام الآدميِّين من التّمر والشعيرِ والأقِط والزبيب، قال ابن عمر: فرض رسول الله صدقةَ الفطر صاعًا من طعامٍ تمرٍ أو صاعًا من شعير] أخرجه البخاري
وقال: وكان الشعير من طعامهم، قال أبو سعيد: كنّا نخرجها زمنَ رسول الله صاعًا من طعام، وكان طعامنا يومئذ التّمرَ والشعير والأقِط والزبيب. أخرجه البخاري
وقال الشافعية والمالكية: يخرج أي قوت كان على أن يكون غالب قوت البلد أو غالب قوت المزكّي.
ما مقدارها ؟
وهذه الزكاةُ مقدارُ الواجبِ فيها صاعٌ بصاع النبيّ كما قال ابن عمر وأبو سعيد أن النبيّ فرضها صاعًا، والصاعُ بالجرامات الموجودةِ يقارب من اثنين ونصف الي ثلاثَ كيلو، أي: ثلاثة آلاف جرام، فإنّ في ذلك احتياطًا وإبراءً للذمّة إن شاء الله.
ما وقتها الوجوبي والاختياري ؟
ووقتُ وجوبها غروبُ شمسِ آخر يومٍ من رمضان، لأنّها متعلِّقة به، ويجوز إخراجُها قبل العيد بيوم أو يومين، كما كان ابن عمر يعطيها من يتقبّلها، وكانوا يخرِجونها قبل العيد بيوم أو يومين(أخرجه البخاري)
وقال بعضهم يجوز اخراجها من اول رمضان
والأفضل لمن تمكّن وقدِر أن يخرجَها يومَ العيد قبل الصلاة إن كان مستطيعًا لا يخشى مضايقةً لقول أبي سعيد: كنّا نخرجها يومَ الفطر على عهد رسول الله (أخرجه البخاري) وفي بعضِ الألفاظ: أمَر أن تؤدَّى قبل خروجِ النّاس إلى الصلاة(أخرجه البخاري)
اين تخرج ولمن تخرج ؟
فيخرِجها المسلم في المكانِ الذي يدركه فيه آخرُ يومٍ من رمضان، يخرجها في ذلك المكان لأنّها متعلِّقة ببدنِه، ويعطيها الفقراءَ والمساكين، وبقية مصارف الزكاة الثمانية
ويجتهد المسلم أن تكونَ فطرته من النّوع الجيّد، فإنّ الله يقول: وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267]، ويحرص على أن يعطيَها من يغلِب على ظنّه أنّهم مستحقّون لها، ينتفعُون بها، ويستفيدون منها، ولا يغترّ بمن يسألها وليسَ أهلاً لها، ويختار أطيبَ ما يكون، فإنّه كلما طاببت نفسك بالزكاة عظُم أجرك بتوفيقِ الله.
فاحرصوا على أدائها وإخراجها، واهتمّوا بذلك لعلكم تفلحون.
وما جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر ؟
اختلف الفقهاء في جواز إخراج القيمة بدل الزكاة العينية على النحو التالي:
القول الأول قال به جمهور المالكية والشافعيه والحنابلة : أنه لا يجوز إخراج القيمة بل الواجب إخراج العين التي وجبت في المال، ولو جوز أحمد القيمة في بعض المواقع.
والقول الثاني: يجوز إخراج القيمة (نقوداً أو غيرها) في زكاة الفطر.
وقال به الإمام أبو حنيفة وأصحابه، وقال به من التابعين سفيان الثوري، والحسن البصري، والخليفة عمر بن عبد العزيز
ويقول ابن القيم: الزكاة تابعة لمصلحة المعطي صاحب المال ومصلحة الفقير ونفعه، ولا نكلف أحدهما فوق طاقته حتى لا تنتفي السهولة واليسر عن الشريعة وينتهي بالقول إلى أن تقع الزكاة في موضعها اللائق وتنفق في نفع وسد حاجة المستحقين
وعن قرة قال: «جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم». وعن الحسن البصري قال: «لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر». وعن أبي إسحاق يقول: «أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام»
ولقد أيد رأي الأحناف العديد من الفقهاء المعاصرين
هذا وتقبّل الله منّي ومنكم أعمالنا، إنّه على كلّ شيء قدير.
ثالثاً – فضل الانفاق فى سبيل الله
أيها الإخوة اتصفوا بصفة الإنفاق في سبيل الله، التي لا يقدر عليها إلا المتقون، ولا يوفّق إليها إلا الفائزون السابقون، ولا يُحرم منها إلا الأشقياء والمخذولون، يقول سبحانه: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:1-3]
فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله، وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون، وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم قال تعالي ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُم عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274].
وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «لا يَتَصَدَّقُ أحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، إِلا أخَذَهَا اللهُ بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أوْ قَلُوصَهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ، أوْ أعْظَمَ». متفق عليه
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِر مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ -وَلَوْ بِنِصْفِ تَمْرًةٍ-، فَلْيَفْعَلْ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
فأحسنوا أيها المؤمنون على فقرائكم وأهل الحاجة منهم فإن الجزاء من جنس العمل هل جزاء الإحسان إلا الإحسان
ان اللهَ يُسَخِّرُ لِلْمُتَصَدِّقِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِنُمُوِّ مَالِهِ كَبَرَكَةٍ فِي ظَماءِ نَهْرٍ وَسَقْيِ أَرْضٍ، كَمَا ففي صحيح مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَا رَجُلٌ فِي فَلاَةٍ مِنْ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابٍة: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاج قَدْ اسْتَوْعَبَتِ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٍ قَائِمٍ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمَسْحَاتِهِ فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلاَنٍ للإسْمِ الذي سَمِعْ فِي السَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنْ اسْمِي؟ قال: سَمِعْتُ فِي السَحَابِ الذي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذَ قُلْتَ فَإِنِّي أنْظُرُ إلى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلثَه، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلَثهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فالرجل بفلاة من الأرض اي صحراء اذ به يسمع صوتا في سحابة يقال لها أسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة اي الأرض التي بها حجارة سود كثيرة فإذا شرجة من تلك الشراج (الشرجة : مسايل الماء في الحرار) قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته اي فاسه فاخبره اسمه وكيف بارك الله له في ارضه وساق له السحاب لانه ادى زكاتها كاملة
وفي الصحيحين عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ الله: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ».
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صلي وسلم عليه وآله وصحبه وآله أجمعين.
أما بعد:
فاعلموا أنما شرعت الزكاة لحكم عظيمة وأهداف جليلة ونبيلة أما وقد اقترب موسم الحصاد بعد العيد
رابعاً – من حكم مشروعية الزكاة.
لقد شرع الله عز وجل الزكاة عبودية للرب، وطهرة للنفس، وطهرة للمال، وإحساناً إلى الخلق، وزيادة في الأجر، وشكراً للرب وهذه هي قوة الزكاة والصدقات : كل شيء له قوة، وقوة الزكاة الزيادة والنماء والبركة فكل شيء زاد عدداً، أو نما حجماً، أو تبارك سعة فقد زكا.
ان المال كالفاكهة الجميلة اللون, الشهية المذاق, وقد اراد الله ان ينعم جميع البشر بهذه الفاكهة وطعمها ويستمتع الجميع بلونها فاقتضت حكمته ان يفترض على المال الذي في يد الاغنياء زكاة يؤدونها للفقراء فيعم الخير جميع الناس ويستمتع بالمال الفقير والغني, فهي تطهر الاغنياء وتزكيهم وتنفع الفقراء وتواسيهم وتحد من الاثرة والشره والحرص, فميل الطباع الى اقتناء المال معروف, بيد ان من الناس من يضل يطعم من هذا المال حتى تقتله التخمة. ومنهم من يدخره ويجوع ومنهم من يختطف مافي ايدي الاخرين الى جانب نصيبه المفروض.
1- الزكاة بذل محبوب النفس -وهو المال- من أجل محبوب الرب -وهو طاعته وعبادته- التي يحصل بها رضاه قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة:261].
عن أبي أمامة قال: قال رسول الله : ((يا ابن آدم! إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف)
2 – في الزكاة تطهير للنفس من رذيلة الشح والبخل؛ ليعلو الإنسان على المال، ويكون سيداً له لا عبداً له، ومن هنا جاءت الزكاة لتزكي المعطي والآخذ وتطهرهما معاً وتدفع ميتة السوء نعم الصدقة تطفئ غضب الرب ،كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((صدقة السّر تطفئ غضب الرب ،وصلة الرحم تزيد في العمر ،وفعل المعروف يقي مصارع السوء)).
وروي عنه قوله: ((حصِّنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستعينوا على حمل البلاء بالدعاء والتضرع))ومنها ((الصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار)) وقوله ((وتسد سبعين بابًا من السوء)) ((وإن البلاء لا يتخطى الصدقة)) ((وإنها تزيد في العمر))، ((تمنع ميتة السوء)) ((وإنها لتطفئ عن أهلها حر القبور)).
3 – الصدقة تسد حاجة الفقراء والمساكين وتزيد في حسنات مؤدِّيها، وتقي المال من الآفات، وتثمره، وتنميه وتزيده، وتسد حاجة الفقراء والمساكين، وتمنع الجرائم المالية كالسرقات، والنهب، والسطو عَن الحسن بنِ عليّ رضي الله عنه قال: قالَ رسول الله : ((حصِّنوا أموالَكم بالزّكاةِ، وداووا مرضَاكم بالصّدقة، واستقبِلوا أمواجَ البلاءِ بالدعاء والتضرُّع)) رواه الطبرانيّ والبيهقي.
وحتي بعد وفاته فالصدقة باقية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ” مسلم
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس)) ((إن الصدقة لتطفئ غضب الرب)) وقال: ((إنها حجاب من النار لمن احتسبها يبتغي وجه الله عز وجل)) وقال: ((تصدقوا فإن الصدقة فكاك من النار)).
فتصدقوا أيها المؤمنون بما تجدون؛ فإن خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى نفس من المتصدق، ولو كان جهد مقل؛ قال : ((اتقوا النار ولو بشق تمرة))
هذا وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله محمّد كما أمركم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الراشدين…
جمع وترتيب – ثروت سويف – امام وخطيب بالأوقاف المصرية