خطبة الجمعة للدكتور محمد حسن داود : تحويل القبلة دروس وعبر
خطبة الجمعة للدكتور محمد حسن داود : تحويل القبلة دروس وعبر ، بتاريخ 15 شعبان 1446هـ - 14 فبراير 2025م

خطبة الجمعة للدكتور محمد حسن داود : تحويل القبلة دروس وعبر ، بتاريخ 15 شعبان 1446هـ – 14 فبراير 2025م
العناصـــــر:
– تحويل القبلة دروس وعبر.
– خطورة الشائعات.
– اغتنام شهر شعبان بالطاعات والقربات.
خطبة الجمعة للدكتور محمد حسن داود word : تحويل القبلة دروس وعبر ، بتاريخ 15 شعبان 1446هـ – 14 فبراير 2025م
خطبة الجمعة للدكتور محمد حسن داود pdf : تحويل القبلة دروس وعبر ، بتاريخ 15 شعبان 1446هـ – 14 فبراير 2025م
الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علما، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، نعمه لا تحصى، وآلاؤه ليس لها منتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن من أهم الأحداث في تاريخنا الإسلامي، والتي ستظل عبر الأزمان والعصور منبعا عذبا وموردا صافيا ينهل منه المسلمون الدروس العظيمة والعبر القيمة في كل زمان ومكان: “تحويل القبلة”.
– ذلكم الحدث الجليل الذي ينطق بشيء من مظاهر التكريم الإلهي للنبي (صلى الله عليه وسلمَ)؛ حيث إجابة دعائه، وجبر خاطره، وتحقيق رغبته وأمله ورجائه؛ فلما هاجر النبي (صلى الله عليه وسلمَ) من مكة إلى المدينة استقبل بيت المقدس في صلاته بأمر من الله (تعالى)، وظل على هذه القبلة ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا، وكان صلى الله عليه وسلمَ يرجو أمر الله (تعالى) بالتوجه إلى قبلة أبيه إبراهيم (عليه السلام)، يشتاق أن يتوجه إلى البيت الحرام، ولما حدَّث جبريل (عليه السلام) بهذا، (كما جاء في أسباب النزول للواحدي)، قال له: إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ لَا أَمْلِكُ شَيْئًا، فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يُحَوِّلَكَ عَنْهَا إِلَى قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ ارْتَفَعَ جِبْرِيلُ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ رَجَاءَ أَنْ يَأْتِيَهُ جِبْرِيلُ بِمَا سَأَلَهُ، فأنزل الله (تعالى) قوله سبحانه: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (البقرة: 144) .
– ولعل هذا يشير إلى قيمة نبيلة، وخلق عظيم، حري بنا أن نتحلى به، ألا وهو: جبر الخواطر، فهو قيمة عالية، وعبادة جليلة، ومبدأ كريم، من شيم الأبرار، ومن صفات المؤمنين، يدل على سمو النفس، وصفاء القلب، وسلامة الصدر، ورجاحة العقل، وطيب المنبت، وحسن السريرة حيث يجبر المسلم نفوسًا كسرت، وقلوباً فطرت، وأجساماً أرهقت، يفرج الكرب، ويقضي الحاجات، يقول سفيان الثوري (رحمه الله): “ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم”. هو جوهرة تتلألأ في عقد أخلاق الفضلاء، تزين به الكرماء، وحاز منه سيد الأنبياء النموذج الأعلى، فكان من شيمه المباركة، وأخلاقه الطيبة، وكيف لا؟ وقد قال فيه الحق سبحانه وتعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) ( القلم: 4) وفي حقه تقول أم المؤمنين خديجة (رضي الله عنها): ” وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ”، فمن أراد جبر خاطره وتحقيق أمانيه فليجبر خواطر الناس.
– وسطية الأمة، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (البقرة: 143) فالأمة الإسلامية وسطٌ بين طرفي الإفراط والتفريط، لا غلو ولا تقصير؛ وإن هذه الوسطية كانت سببا في شهادة هذه الأمة على غيرها من الأمم، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة: 143) وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ” يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيُقَالُ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَأُمَّتُهُ” قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ، وَيَكُونُ الرَّسُولُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (سورة البقرة: 143) ” (رواه ابن حبان).
من جانب آخر فإن لهذه الأمة شهادة على نفسها في الدنيا: كما جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مُرَّ بجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقالَ نَبِيُّ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ): “وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ”، وَمُرَّ بجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا، فَقالَ نَبِيُّ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ): “وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ”، قالَ عُمَرُ: فِدًى لكَ أَبِي وَأُمِّي، مُرَّ بجَنَازَةٍ، فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ، فَقُلْتَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَمُرَّ بجَنَازَةٍ، فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ، فَقُلْتَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ): “مَن أَثْنَيْتُمْ عليه خَيْرًا وَجَبَتْ له الجَنَّةُ، وَمَن أَثْنَيْتُمْ عليه شَرًّا وَجَبَتْ له النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ في الأرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ في الأرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ في الأرْضِ”.
– كما أن هذا الحدث الجليل يظهر لنا درسا يحتاج إلى من يعيه ويتأمله، فيكون له طريق إلى الجنة، وهو الاستجابة لله ولرسوله، فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: “أَنّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ، أَوْ قَالَ : أَخْوَالِهِ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قِبَلَ مَكَّةَ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ “(رواه البخاري) فما أعظم تلك الاستجابة الفورية التي ما شابها جدال أو تسويف، إذ يصلون بعض الصلاة إلى بيت المقدس والبعض الآخر إلى البيت الحرام، امتثالا لأمر الله (تعالى)، فهو سبحانه القائل في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال: 24) فالاستجابة لله ولرسوله حياة، هي باب الخيرات وإجابة الدعوات، فقد قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186) هي سبيل الفوز والفلاح والرفعة في الدرجات، فقد قال تعالى: (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى) (الرعد: 18). وقال سبحانه: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (النور51 )، وقال جل وعلا: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ) (النساء: 69).
– أن الابتلاء والاختبار من سنن الله (عز وجل) في خلقه، فقد قال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ)، بل في خلق الموت والحياة قال سبحانه: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) (الملك:2 ).
– خطورة الشائعات: فعندما توجه النبي (صلى الله عليه وسلمَ) إلى الكعبة؛ كانت استجابة المخلصين وصدقهم؛ إذ سارعوا إلى امتثال أمر الله (عز وجل). على جانب آخر تسمع بعض الأقاويل والأباطيل، إذ تسمع صوتا يقول عن النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): خالف قبلة الأنبياء، وصوتا آخر يقول: ما يدري أين يتوجه؟ إن كانت القبلة الأولى حقا فقد تركها، وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان على باطل. وغير ذلك مما قيل. حيث كثرت أقاويل السفهاء وأطلقوا أباطيلهم، وقاموا ينفثون سمومهم ويروجون الشائعات والافتراءات؛ قال تعالى: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (البقرة: 142) فكثيرا ما يظهر المرجفون وأصحاب الأهواء، بإطلاق الشائعات والأراجيف والأباطيل ومحاولات تزييف الوعي سعيا إلى ملء القلوب بالأحقاد وطمعا في الهدم والتفكك. فلنحذر الشائعات، فكم هدمت من بيوت، وفرقت من أسر، وشردت من أطفال ،كم ضيعت من أموال، وكم تسببت في جرائم، وكم فككت من علاقات وصداقات، وتسببت في طلاق ومشكلات، كم أوهنت من عزيمة وأضعفت من همة؛ يحسبه البعض هينا وهو عند الله عظيم، قال تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) ( النور: 15) ومن ثم فالواجب على كل عبد أن يحذر الوقوع في مخالب الشائعات؛ وليأخذ منهجه من كتاب الله (عز وجل) وسنة رسوله (صَلى الله عليه وسلم)، فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6)، وقال سبحانه: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (النساء: 83) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ” (متفق عليه)، فيما يجب أن نتأمل جيدا قوله (صلى الله عليه وسلمَ): “إنَّ الْعَبْد لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مَا يَتَبيَّنُ فيهَا يَزِلُّ بهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بيْنَ المشْرِقِ والمغْرِبِ” (متفقٌ عليهِ)، وقوله صلى الله عليه وسلمَ: ” وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِ علَى وجوهِهِم، أو علَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم”.
فما أحوجنا إلى أن نعي بقلوبنا وعقولنا وجوارحنا هذه الدروس الكريمة والعبر العظيمة، فنكون في استجابة لأمر الله ورسوله، نحفظ ألسنتنا، ونحول قلوبنا وعقولنا وجوارحنا إلى مزيد من الطاعات والقربات إلى رب البريات؛ لاسيما ونحن في أيام مباركة وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): ” ذاك شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنه بين رجب ورمضانَ، وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ” فلنسارع بالقربات والطاعات، فقد قال الله (سبحانه وتعالى): (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (الحديد: 21) ويقول النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “إِنَّ لِرَبِّكُمْ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا ، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا ” (رواه الطبراني) فسارعوا بالخيرات والطاعات، فالصحة يفجؤها السقم، والقوة يعتريها الوهن، والشباب يعقبه الهرم، ولقد قال صَلى الله عليه وسلم: “اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابُكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتُكَ قَبْلَ سِقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغُكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتُكَ قَبْلَ مَوْتِكَ”، ولله در من قال:
بَادِرْ بِخَيْرٍ إذا ما كُنْتَ مُقْتَدِرَا *** فَلَيْسَ في كُلِّ وَقْتٍ أَنْتَ مُقْتَدِرُ
نسألك اللهم أن تبارك لنا في شعبان وأن تبلغنا رمضان وأن تحفظ مصر من كل مكروه وسوء وأن تجعلها أمنا أمانا سخاء رخاء يا رب العالمين
=== كتبه: محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومـــدرس
دكتوراة في الفقه المقارن