خطبة الجمعة للدكتور مسعد الشايب : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ

خطبة الجمعة للدكتور مسعد الشايب : { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ } (تنشر أول مرة) ((رعاية وإصلاح الأيتام في الشريعة الإسلامية)) بتاريخ 5 من شوال 1446هـ الموافق 4 من إبريل 2025م
===========================================
أولا: العناصر:
- الإصلاح والرعاية النفسية للأيتام.
- الإصلاح والرعاية الاجتماعية للأيتام.
- الإصلاح والرعاية المالية للأيتام.
- من فوائد وثمار رعاية وإصلاح الأيتام.
- (الخطبة الثانية): (من مكانة رعاية وإصلاح الأيتام).
===========================================
خطبة الجمعة للدكتور مسعد الشايب word : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ
خطبة الجمعة للدكتور مسعد الشايب pdf : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء:2]، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عَبدُه ورسولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيه وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ، وبعد:
أيها الأخوة الأحباب: فإن الدين الإسلامي هو دين الرحمة، وكتابه كتاب رحمة، ونبيه هو نبي الرحمة، والرحمة تعني الرفق والرأفة، والعطف والعناية والرعاية، ومن محاسن الشريعة الإسلامية أنها اهتمت بالفئات الضعيفة اهتمامًا عاليًا، وأولتهم عناية فائقة، ورعاية خاصة، ومن تلك الفئات الضعيفة الأيتام، فقد دعا الإسلام إلى إصلاح جميع أحوالهم وشئونهم، فقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[البقرة:220]، هذا الإصلاح يتضمن إصلاحهم ورعايتهم نفسيًا، واجتماعيًا، وماليًا، وقد جاءت نصوص القرآن والسنة تحثنا، وتدعونا إلى ذلك على النحو التالي:
===========================================
أولًا: الإصلاح والرعاية النفسية للأيتام:
===========================================
فقد نهى الإسلام عن استذلالهم، وإهانتهم، واحتقارهم محافظةً على نفسيتهم، فقال تعالى مخاطبًا النبيّ (صلى الله عليه وسلم) معلمًا لنا الحفاظ على نفسيتهم: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى:9]، أي: لا تحقره، ولا تظلمه، ولا تستذله، ولا تمنعه حقه الذي في يدك، وكنّ لليتيم كالأب الرحيم.
===
وجعل القرآن الكريم استذلال اليتيم، واحتقاره من صفات المكذبين بدين الله (عزّ وجلّ)، فقال تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ*فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون:2،1]، أي: يدفعه دفعًا عنيفًا بجفوة وأذى، ويردّه ردّا قبيحًا بزجر وخشونة إذا طلب منه شيئًا، كذلك إصلاحًا لنفسية الأيتام حثنا النبيّ (صلى الله عليه وسلم) على رفع معنوياتهم، وذلك بالمسح على رؤوسهم والدعاء لهم ومواساتهم.
===
فحينما استشهد جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) في غزوة مؤتة أمهل آل جعفر (ثلاثًا) أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: (لَا تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ ادْعُوا إلِي ابْنَيِ أخِي). فجيء بأولاد جعفر (عون، ومحمد، وعبد الله) كأنهم أفرخ (كناية عن صغرهم)، فقال: (ادْعُوا إِلَيَّ الْحَلاقَ). فجيء بالحلاق فحلق رؤوسهم، ثم قال: (أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي). ثم أخذ بيد عبد الله فأشالها (رفعها)، فقال: (اللهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ). قالها ثلاث مرار، قال عبد الله: فجاءت أمنا فذكرت له يتمنا (فقد جعفر)، وجعلت تفرح له (تزيل عنه الفرح وتحزنه وتغمه). فقال: (الْعَيْلَةَ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟!) (رواه أحمد).
وعن أبي أمامة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلَّا لِلَّهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ، وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ، وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى) (رواه أحمد).
===========================================
ثانيا: الإصلاح والرعاية الاجتماعية للأيتام:
===========================================
فقد أمر الإسلام على لسان النبي (صلى الله عليه وسلم) بكفالتهم، أي: القيام على مصالحهم وشئونهم وأمورهم، وتربيتهم والإحسان إليهم، ورفع معاناتهم، وضمّ حاجاتهم إلى حوائجنا والعمل على قضائها، فعن سهل بن سعد (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) (رواه البخاري).
===
وهذا نبي الله موسى والخضر (عليهما السلام) يقدمان لنا نموذجًا عاليًا في رعاية الأيتام اجتماعيًا، فيقومان ببناء جدارٍ آيل للسقوط كان ملكًا لغلامين يتيمين، وكان تحته كنزٌ لهما، يقومان بهذا على الرغم من لؤم أهل القرية معهما ومنعهما واجب الضيافة، قال تعالى: {أَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف:82].
===
وها هي السيدة خديجة (رضي الله عنها) تشهد على رعاية النبي (صلى الله عليه وسلم) للفئات الضعيفة في مجتمعه ومنهم الأيتام، فتقول: (…أَبْشِرْ فَوَ اللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، فَوَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ…) (متفق عليه).
===
وقد نعى القرآن الكريم على من لا يكرم الأيتام، ولا يحسنون إليهم، فقال تعالى: {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} [الفجر:17]، أي: لا تحسنون إليهم، ولا تعطونهم حقهم.
===========================================
ثالثا: الإصلاح والرعاية المالية للأيتام:
===========================================
1ـ فقد أمر الإسلام بدفع نصيب الأيتام في الميراث إليهم بعد وفاة آبائهم، وحذّر من تزييفها وتغييرها، والطمع فيها، وبين أن ذلك إثمًا عظيمًا، قال تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء:2]، فقد نزلت في رجل من غطفان كان معه مالٌ كثيرٌ لابن أخ له يتيم، فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه فخاصمه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فنزلت الآية.
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10]، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ). قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ…) (متفق عليه).
===
2ـ كما أمر الإسلام الأوصياء على الأيتام بعدم الأكل من أموالهم إن كانوا أغنياء، وإذا احتاجوا للأكل منها يأكلوا بالمتعارف عليه، بدون جور وبدون طمع، قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:6]، وقال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام:152].
===
3ـ وعند دفع أموال اليتامى إليهم أمر الإسلام باختبارهم في المعاملات، والتصرفات المالية حتى يبلغوا النكاح والرشد العقلي ـ حتى تسلم لهم أموالهم، قال تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء:6].
===
4ـ فإذا لم يكن للأيتام مالٌ حثنا القرآن على إعطائهم من أموالنا، وجعل ذلك لونا من ألوان البر، قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ…} [البقرة:177].
===
5ـ كما جعل الإسلام لهم سهمًا في أموال الغنيمة، وهو خمس الخمس، قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال:41].
===
6ـ وجعل لهم الإسلام أيضًا سهمًا في أموال الفيء، وهو خمس الخمس أيضًا، قال تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر:7].
===
7ـ كما ندبت الشريعة الإسلامية إلى إعطائهم شيئا من الميراث إذا حضروا قسمته، قال تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء:8].
===========================================
رابعًا: من فوائد وثمار كفالة الأيتام، ورعايتهم، وإصلاحهم:
===========================================
أن كفالة الأيتام مفردٌ من مفردات البرّ والتقوى والإيمان، ولا يكمل الإيمان إلا بها، قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177].
=====
ومنها: نماء المال وزيادته وتطهيره، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261]، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ) (رواه ابن ماجه).
=====
ومنها: نزع قسوة القلب، والتحلي بالرأفة والرحمة، فعن أبي الدرداء (رضي الله عنه) أن رجلًا جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) يشكو قسوة قلبه، فقال له: (أتُحِبُّ أنْ يلينَ قلبُك، وتُدرِكَ حاجتَك؟ ارْحَمِ اليتيمَ، وامسَحْ رأْسه، وأطْعِمْهُ مِنْ طَعامِك؛ يَلِنْ قلبُكْ، وتُدرِكْ حاجتَك) (حلية الأولياء).
=====
ومنها: المرور على الصراط يوم القيامة بيسر وسهولة، والنجاة من جهنم وأهوالها، قال تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ*َأوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ*يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ*أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد:11ـ16]، فالعقبة هي جبل في جهنم. وقيل: سبعون دركة من دركاتها. وقيل: هي الصراط.
=====
ومنها: مرافقة النبي (صلى الله عليه وسلم) في الجنة، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ)، وأشار (صلى الله عليه وسلم) بالسبابة والوسطى (رواه مسلم).
عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة…….
===========================================
(الخطبة الثانية)
((من مكانة رعاية وإصلاح الأيتام))
===========================================
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
===
أيها الأحبة الكرام: عشنا مع رعاية وإصلاح الأيتام نفسيًا، واجتماعيًا، وماليًا، كما دعت الشريعة الإسلامية في قرآنها، وسنة نبيها (صلى الله عليه وسلم)، بقي لنا في تلك الجمعة المباركة أن نتعرف على مكانة رعاية الإيتام وإصلاحهم في شريعتنا الإسلامية، فأقول، وبالله التوفيق: من مكانة رعاية الأيتام وإصلاحهم:
=====
1ـ إن الوصية بالأيتام والأمر بإصلاحهم ورعايتهم أمرٌ دعت إليه جميع الشرائع السماوية، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} [البقرة:83]، ومن مكانتها أيضًا.
=====
2ـ أنها من شيم وأخلاق جميع الأنبياء والمرسلين، فنبي الله زكريا (عليه السلام) كان كافلًا للسيدة مريم، قال تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران:37]، وتقدم لنا ما قام به موسى والخضر (عليهما السلام)، وهذا أبوطالب يشهد للنبي (صلى الله عليه وسلم) برعايته للأيتام، كما شهدت السيدة خديجة (رضي الله عنها)، فيقول في قصيدته اللامية:
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ ….. ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ….. فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ
أي: ملجأ وغياث ومطعمٌ لهم في الشدة.
=====
عباد الله، وأحباب رسوله الكريم: إذا كنا نتحدث عن الأيتام ونوصي بهم وبإصلاحهم فإن هذا لا يعنى التقاعس من جانبهم والميل إلى السكون والدعة والراحة، بل على العكس يجب أن يكون يتمهم هذا دافعًا لتفوقهم ونبوغهم، وبلوغهم أعلى المراتب، فهذا نبينا (صلى الله عليه وسلم) قد ولد يتيمًا ونشأ وتربى يتيمًا، وها هو الإمام مالك كان يتيمًا، وكذلك الإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، فاليتم ليس نقمة ولا يمنع من النجاح والتفوق، وخدمة المجتمعات والأوطان.
===========================================
ندعوا الله (عزّ وجلّ) أن يلهمنا حبّ الفقراء والمساكين، وأن يرزقنا العطف على اليتامى والأرامل والمحتاجين، اللهم آمين اللهم آمين، اللهمّ أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به عاملين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب