خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة ((نعمة الأمن)) للدكتور مسعد الشايب
خطبة الجمعة ((نعمة الأمن)) للدكتور مسعد الشايب
الجمعة 24من رجب 1446هـ الموافقة 24/1/2025م
===========================================
أولا: العناصر:
1. بيان المراد بالأمن، وبيان مكانته في شريعتنا الإسلامية.
2. تقسيم القرآن الكريم، والسنة النبوية الأمن إلى ثلاثة أنواع.
3. الخطبة الثانية: (من دروس الإسراء والمعراج).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله ربِّ العالمين، يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، جلّ وجهك، وعزّ جاهك، ولا يخلف وعدك، ولا يهزم جندك، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عَبدُه ورسولُهُ، صلاة وسلاما عليه دائمين متلازمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه وأتباعه وأحبابه إلى يوم الدين، وبعد:
===========================================
(1) ((بيان المراد بالأمن، وبيان مكانته في شريعتنا الإسلامية)):
===========================================
أيها الأحبة الكرام: نعم الحق تبارك وتعالى علينا لا تُعدّ ولا تُحصى، وصدق الله إذ يقول: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[إبراهيم:34]، ومِنْ أجلّ نِعَمِ الحق تبارك وتعالى علينا وأعظمها، نعمةٌ الأمن.
=====
والأمن ضد الخوف: ومعناه بالنسبة للأفراد، والأشخاص والجماعات سكون القلب، وطمأنينته، واستقراره، بما ينعكس على أقوالهم، وأفعالهم، وجميع أحوالهم، ومنه قوله تعالى ممتنًا على النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته (رضي الله عنهم) مذكرًا لهم بأهم أسباب النصر في غزوة بدر: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ}[الأنفال:11]، أي: سكينة لقلوبكم، وإذهابًا للخوف منها، بسبب انتظار ملاقاة العدو.
=====
أما الأمن بالنسبة للأماكن والبلدان: فيعني السلامة فيها من القتل، وإزهاق الروح والنفس، والسلامة من العذاب، والخسف، والسلامة من الجوع، والقحط، والجدب، وقد جُمع الثلاثة في قول الحق تبارك وتعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[النحل:112].
=====
والأمن في شريعتنا الإسلامية الغراء يتمتع بمكانة عالية، ومنزلة سامية، فمن مكانته:
1ـ أن الله (عزّ وجلّ) امتن به على عباده، مؤمنهم وكافرهم، امتن به على أهل مكة، فقال موبخًا لهم على كفرهم وشركهم: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص:57]، وقال سبحانه وتعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ*إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ*فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ*الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}[سورة قريش]، وامتن به على النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته، فقال سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال:26]، آواكم، وأمنكم، وأيدكم بنصره بالهجرة إلى المدينة.
وامتن به على العباد كلهم، فقال على لسان المصطفى (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًا فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمٍ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِها)(الأحاد والمثاني)، فالأمن هو النعمى العظمى التي امتن الله بها على عباده.
==
2ـ أيضًا من مكانة الأمن في شريعتنا الإسلامية الغراء: أنه دعوة العديد من الأنبياء والمرسلين، ومطلبٌ من أهم مطالبهم، انظروا إلى سيدنا إبراهيم (عليه السلام)، ودعائه ربّ العزة (تبارك وتعالى) للوادي الذي أسكن به ذريته؛ بأن يجعله آمنًا، فقال كما يقص القرآن الكريم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[البقرة:126]، ولما عُمّر هذا الوادي، وأصبح بلدًا؛ دعا له خليل الرحمن مرة ثانية بالأمن، قائلًا: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}[إبراهيم:35]، فهما دعوتان وليست دعوة واحدة، دعوة سورة البقرة وهي الأولى كانت للوادي قبل أن يعمر، ودعوة سورة إبراهيم كانت للوادي بعد أن عُمر وصار بلدًا.
وانظروا إلى نبينا (صلى الله عليه وسلم)، فقد كان من هديه (صلى الله عليه وسلم)، إذا دخل عليه شهرٌ جديد ورأى هلاله سأل الله أنْ يجعَلَه شهر أمن وأمان، فيقول: (اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالسَّلَامِ وَالْإِسْلَامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ)(مسند البزار)، فالأمن هو دعاء الأنبياء والمرسلين، ومطلبٌ من أهم مطالبهم.
==
3ـ أيضًا من مكانة الأمن في شريعتنا الإسلامية الغراء: أننا مسئولون عنه يوم القيامة، فعن ابن مسعود (رضي الله عنه)، أنه فسر قول الله (عزّ وجلّ): {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَومَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}[التكاثر:8] قائلًا: (الْأَمْنُ وَالصِّحَّةُ)(الإشراف في منازل الأشراف)، وقد وردّ هذا الحديث مرفوعًا للنبي (صلى الله عليه وسلم) عند الإمام أحمد في كتاب (الزهد).
==
4ـ أيضًا من مكانة الأمن في شريعتنا: أنه العامل الرئيس في التمكنَ من عمارة الأرض، والتمكنَ من الانتفاع بخيراتها وثرواتها، كما أمرنا ربّ العزة تبارك وتعالى على لسان صالح (عليه السلام)، فقال تعالى: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}[هود:61].
=====
فبدون أمن لا تدور عجلةُ إنتاج، ولا يتحقق تقدمٌ ولا رخاء، ولا يستطيع العمل عاملٌ، ولا يستطيع الزراعة زارعٌ، ولا يستطيع التجارة تاجرٌ، ولا يستقيمُ ولا يعلو لنا بناء، ولا تُبني ولا تزدهر الحضارات، فبدون أمن يعمُّ الخراب والدمار.
=====
بدون أمن مجتمعي لا تستقيم حياة البشر، ولا تستقيم المجتمعات، وتعمُّ الفوضى، وتتوقف مصالح البشر، بل وتتوقف جميع مظاهر الحياة، فكيف نتعبد لله بدون أمن؟ كيف نقضى حاجاتنا بدون أمن؟ كيف يذهب الطالب إلى مدرسته أو معهده أو كليته بدون أمن؟ كيف يذهب الموظف سواءٌ أكان طبيبًا، أم مدرسًا، أم كاتبًا، أم شرطيًا، أم حربيًا، أم كيميائيًا…الخ إلى مصلحته الحكومية، والقيام بعمله بدون أمن؟ فحاجة البشرية للأمن كحاجتها للطعام والشراب، فكما لا تستطيع الاستغناء عن الطعام والشراب؛ كذلك لا تستطيع الاستغناء عن الأمن.
=====
بدون أمن لا يأمن الواحد منا على نفسه، وأهله، وولده، وماله، وعرضه، وهذا ما أشارت إليها السيدة هاجر (عليها السلام) حينما نادت على سيدنا إبراهيم (عليه السلام) قائلة له، وقد تركها في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء: (يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي، الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟). تقول له ذلك مرارًا، وهو لا يلتفت إليها، فتقول له ثانية: (آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟). فيقول: (نَعَمْ). فتردُّ بكل ثقة ويقين في الله واعتماد وتوكل عليه ينبئ عن سلام نفسي: (إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا)(رواه البخاري)، ولذا كان دعاء إبراهيم (عليه السلام) لمكة، ودعائه لها قبل أن تصير مكة.
===========================================
(2) ((تقسيم القرآن الكريم، والسنة النبوية الأمن إلى ثلاثة أنواع)):
===========================================
أيها الأحبة الكرام: بنظرة متأنية في كتاب الله (عزّ وجلّ)، وسنة نبينا (صلى الله عليه وسلم)، نجد أن نعمة الأمن تنقسم إلى ثلاثة أقسام، (1) أمن نفسي روحي. (2) وأمن اجتماعي محلي وعالمي. (3) وأمن غذائي اقتصادي.
=====
1ـ أما الأمن النفسي، الروحي، فهو عبارة عن طمأنينة القلب، وسكونه، واستقراره كما تقدم، هذا الأمن النفسي والروحي يتحقق بالإيمان الصادق الخالص بالله (عزّ وجلّ)، وعدم الإشراك به شيئا، مصداقا لقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[الأنعام:82]، وقال تعالي: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:28].
==
فالأمن النفسي والروحي يتحقق بالإيمان الصادق الخالص لله (عزّ وجلّ)، وعدم الإشراك به شيئًا، ويورث الفرد والجماعة الثقة بالله (عزّ وجلّ)، والتوكل عليه، والشجاعة والإقدام، وعدم الخشية من الأعداء، وعدم المبالاة بتهديدهم، ووعيدهم، والصبر عليها، استمع إلى قول الحق تبارك وتعالى على لسان رسله وأنبيائه لأممهم الكافرة: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}[إبراهيم:12].
=====
2ـ أما الأمن الاجتماعي المحلي والعالمي، فهو عبارة عن المحافظة على السلم المجتمعي المحلي والعالمي، بقطع أسباب النزاع والشجار، والتنازع، وتقطيع الأواصر والروابط، التي تؤدي في النهاية للتقاتل، ويتحقق ذلك بأداء كلِّ واحدٍ منا ما عليه من حقوقٍ وواجباتٍ للآخرين، ويتحقق أيضًا بالمحافظة على العلاقات والروابط الشرعية بين الأفراد، والعائلات، والطوائف، ثم يمتد ويتسع ليصبح أمنًا وسلامًا وطنيًا (وطنٌ يتمتع فيه الجميع بحقوقه، ويؤدي ما عليه من واجبات)، ثم يمتد هذا الأمن ويتسع ليصبح أمنًا وسلامًا عالميًا بين جميع دول العالم.
==
ويتحقق الأمن الاجتماعي بنوعيه أيضًا بالابتعاد عن ظلم الناس، واحتقارهم، والسخرية منهم، يتحقق بقيام كل واحد منا بأداء ما عليه من حقوق وواجبات للأخرين، يتحقق بالمحافظة على العلاقات والروابط الشرعية بين الأفراد والمجتمعات، يتحقق بالمحافظة على الكليات الخمس (الأنفس، والأديان، والعقول، والأموال، والأعراض والأنساب, بدون تفرقة بين المسلم وغيره،
==
يتحقق بنشر ثقافة السلام محليًا وعالميًا، يتحقق بردع الخارقين له، والخارجين عليه، سواء بحد الحرابة، أو بالجهاد في سبيل الله.
=====
3ـ أما الأمن الغذائي، الاقتصادي، عبارة عن المحافظة على الغذاء، والقيام بما يوفره، والمحافظة على تلك الوفرة، وعدم منعه عن أحد، وهذا يتحقق بالدعوة إلى العمل والإنتاج عمومًا، فقد دعت الشريعة الإسلامية إلى العمل والإنتاج، وبينت أن ذلك مما يوفر للإنسان غذائه، ويحفظ كرامته، ويصون ماء وجهه، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[الملك:15]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ)(رواه البخاري).
==
ومن هنا أقول: إن التلاعب بغذاء الأفراد والأمم والشعوب له عواقب وخيمة، وأضرار خطيرة؛ فهو سبب في انعدام الأمن والاستقرار والسلم المجتمعي، ويؤدي إلى كثرة السرقات، والنهب، والغصب، ويؤدي إلى نشر الكراهية والحقد بين أفراد المجتمع، ولذا كانت القبائل العربية تغير على بعضها البعض بدافع السلب والنهب لتوفير الغذاء والكساء، كما أن التلاعب بالغذاء نفسه جريمة كبرى في حق المجتمعات ويتسبب في انتشار الكثير والكثير من الأوبئة و الأمراض الخطيرة، لذا حرصت الشريعة الإسلامية على حماية الأمن الغذائي، وحرمت التلاعب به، كما حرمت التلاعب في الغذاء نفسه، ووضعت من أجل ذلك جملة من التشريعات، والأحكام.
عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون……..
===========================================
(الخطبة الثانية)
((من دروس الإسراء والمعراج))
===========================================
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
=====
أيها الأحبة الكرام: من أعظم الدروس والعبر المستفادة من معجزة الإسراء والمعراج التي نجدد الاحتفاء والاحتفال بها في شهر رجب من كل عام: الإشارة إلى فضائل مصر ومكانتها بين الأمم، فقد صلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ليلة الإسراء والمعراج على أرض مصر بطور سيناء ، فعن أنس (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (أُتِيتُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ خَطْوُهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا، فَرَكِبْتُ وَمَعِي جِبْرِيلُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَسِرْتُ فَقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَفَعَلْتُ. فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ وَإِلَيْهَا الْمُهَاجَرُ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَصَلَّيْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَنَزَلْتُ فَصَلَّيْتُ. فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ). ثُمَّ دَخَلْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجُمِعَ لِيَ الْأَنْبِيَاءُ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) , فَقَدَّمَنِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَمَمْتُهُمْ، ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا…)(رواه النسائي بسند حسن، والطبراني في معجم الشاميين بسند آخر حسن).
=====
وحينما صعد النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى سدرة المنتهى رأى أربعة أنهار تخرج من أصلها نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقال: (يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ؟). قَالَ: أَمَّا النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ)(رواه البخاري).
=====
كما أنه (صلى الله عليه وسلم) ليلة الإسراء والمعراج مرّ بامرأة مصرية مؤمنة شجاعة في الجنة، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِرَائِحَةٍ طَيْبَةٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ مَاشِطَةُ بِنْتِ فِرْعَوْنَ، كَانَتْ تَمْشُطُهَا فَوَقَعَ الْمُشْطُ مِنْ يَدَهَا فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَقَالَتْ بِنْتُ فِرْعَوْنَ: أَبِي؟ قَالَتْ: رَبِّي وَرَبُّكِ وَرَبُّ أَبِيكِ، قَالَتْ: أَقُولُ لَهُ؟ قَالَتْ: قُولِي، فَقَالَتْ: فَقَالَ لَهَا: أَلَكِ مِنْ رَبٍّ غَيْرِي؟ قَالَتْ: رَبِّي وَرَبُّكَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَتْ: فَأَحْمَى لَهَا نُقْرَةً مِنْ نُحَاسٍ، وَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: حَاجَتِي أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ عِظَامِي وَبَيْنَ عِظَامِ وَلَدِي قَالَ: ذَلِكَ لَكِ لَمَّا لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ، فَأَلْقَى وَلَدَهَا فِي النُّقْرَةِ وَاحِدًا فَوَاحِدًا، وَكَانَ آخِرَهُمْ صَبِيٌّ فَقَالَ: يَا أُمَّتَاهُ فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ)(رواه ابن حبان في صحيحه).
=====
فحريٌ وجدير بنا أن نحافظ على هذا الوطن، وأن نعمل على نهوضه ورفعته وتقدمه، وعلينا أن نشارك بإيجابية في كل قضاياه وما يتعلق به، علينا بالعمل الجاد المثمر، وبقيام كل فرد منا بأداء الأعمال المنوطة به على الوجه الأكمل، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ)(رواه أبو يعلى).
=====
علينا المحافظة على أمنه واستقراره؛ بعدم الاستجابة للدعوات الهدامة الداعية للخروج على نظام الدولة ومؤسساتها، وبعدم الاستجابة للشائعات والأراجيف التي تشكك في قدرة الوطن على النمو والنهوض وتخطي الأزمات، وكذلك بالابتعاد عن الجماعات المارقة الخارجة عن الوسطية والاعتدال الداعية إلى سفك وإراقة الدماء، والتي لا هم لها إلا الوصول إلى سُدّة الحكم ولو على حساب الأرض والعرض والوطن، ولو بسفك وإراقة الدماء، فالأمن والاستقرار نعمةٌ لا يعادلها نعمة، فقد استمعنا إلى قول النبي (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِها)(الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم).
===========================================
اللهم إنا نسألك ثباتًا في القول والعمل، وفي الحياة وعند الممات، اللهمّ أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به خاشعين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم،
فاللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.