خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة : يا باغي الخير أقبل (كيف نستقبل الشهر الكريم؟)) للدكتور مسعد الشايب

خطبة الجمعة : يا باغي الخير أقبل (كيف نستقبل الشهر الكريم؟)) للدكتور مسعد الشايب
الجمعة الموافقة 29من شعبان 1446هـ الموافقة 28 فبراير 2025م
===========================================
خطبة الجمعة word : يا باغي الخير أقبل (كيف نستقبل الشهر الكريم؟)) للدكتور مسعد الشايب
خطبة الجمعة pdf : يا باغي الخير أقبل (كيف نستقبل الشهر الكريم؟)) للدكتور مسعد الشايب
أولا: العناصر:
1. من مناقب وفضائل شهر رمضان نعمةٌ الكريم.
2. ما يجب على المسلم إعداده واستقبال شهر رمضان به، (ستةُ أمورٍ نابعةٌ من الكتاب والسنة).
3. الخطبة الثانية: (حتى لا يصيبك الفتور في شهر رمضان) (سبعةُ أمورٍ نابعةٌ من الكتاب والسنة).
===========================================
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صادق الوعد الأمين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
===========================================
(1) ((من مناقب وفضائل شهر رمضان الكريم))
===========================================
أيها الأحبة الكرام: ساعاتٌ معدودة ونستقبل أعظم شهور العام ألا وهو شهر رمضان، أدعو الله (عزّ وجلّ) أن يبارك لنا في شعبان ويبلغنا بفضله رمضان، وإدراكَ شهرِ رمضان نعمةٌ عظمى لمن كتب وقدّر المولى تبارك وتعالى له ذلك، وكم من أحبة لنا اليوم تحت التراب وفي القبور ودوا لو أنهم كانوا بين أظهرنا اليوم، لما علموا من فضائل ومناقب هذا الشهر الكريم، والتي جاءت كالتالي:
===
شهر رمضان شهرٌ يتضاعف فيه الأجر والثواب على الطاعات والعبادات، قال (صلى الله عليه وسلم) لأم سنان الأنصارية: (فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً)(متفق عليه)، وعن إبراهيم النخعي ت (96هـ) قال: (صوم يوم من رمضان أفضل من ألف يوم، وتسبيحة في رمضان، أفضل من ألف تسبيحة، وركعة في رمضان أفضل من ألف ركعة)(الترغيب والترهيب لقوام السنة)، وعن أبي بكر بن أبي مريم من تابعي التابعين ت (156ه)، قال: سمعت مشيختنا، يقولون: (إِذَا حَضَرَ شَهْرُ رَمَضَانَ، قَدْ حَضَرَ مُطَهِّرٌ، وَيَقُولُونَ: انْبَسِطُوا بِالنَّفَقَةِ فِيهِ، فَإِنَّهَا تُضَاعَفُ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَقُولُونَ: التَّسْبِيحَةُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ تَسْبِيحَةٍ فِي غَيْرِهِ) (فضائل رمضان لابن أبي الدنيا).
===
شهر رمضان فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، خيرٌ من أربعة أشهر وثلاثٍ وثمانين سنة من العبادة والطاعة، ألا وهي ليلة القدر، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر: 1 ـ 3].
===
شهر رمضان تتعدد فيه فرص غفران الذنوب، وستر العيوب، وتكفير السيئات، فالصيام والقيام، واغتنام ليلة القدر، وجميع طاعات وعبادات شهر رمضان كلها مكفرات للذنوب، قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)(متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)(متفق عليه).
===
شهر رمضان شهر تجتمع فيه أمهات العبادة والطاعة اجتماعًا لا يتحقق في غيره، ففيه الصيام، والصلوات الخمس وصلة الأرحام، وصدقة الفطر وهذه من الفروض والواجبات، وفيه قراءة القرآن، والاستغفار، والدعاء، والذكر، وفيه التراويح والتهجد والقيام، وفيه الجود والكرم والسخاء، وفيه المحافظة على الجماعات، والاستماع لدروس العلم…إلخ، وكل ذلك من السنن والمندوبات.
===
العبادات والطاعات ميسرٌ فعلها في رمضان، وطريقها معبدٌ ومذللٌ، وذلك لما اختص الله به هذا الشهر الكريم من الفضائل فالناس أغلبهم على الطاعات مجتمعون، والأعوان على الخير كثيرون، ومردة الجان (كبارهم) مقيدة ومسلسلة، والنار غلقت أبوابها (كناية عن المغفرة)، والجنة فتحت أبوابها (كناية عن الرحمة)، وينادي مناد من قبل الرحمن يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشرّ أقصر، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ)(رواه الترمذي).
===
ما أعطاه من المنن والمنح للأمة المحمدية في هذا الشهر الفضيل، قال (صلى الله عليه وسلم): (أُعْطِيَتْ أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي: أَمَّا وَاحِدَةٌ: فَإِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ لَمْ يُعَذِّبْهُ أَبَدًا. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ فِي لَيْلِهِمْ وَنَهَارِهِمْ. وَأَمَّا الرَّابِعَةُ: فَإِنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) يَأْمُرُ جَنَّتَهُ أَنِ اسْتَعِدِّي وَتَزَيَّنِي لِعِبَادِي فَيُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُمْ نَصَبُ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا وَيَصِيرُونَ إِلَى جَنَّتِي وَكَرَامَتِي. وَأَمَّا الْخَامِسَةُ: فَإِذَا كَانَ آخِرُ لَيْلَةٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ جَمِيعًا)(الأربعين للنسوي والبيهقي في الشعب وفيه ضعف، وله شواهد).
فشهر رمضان وإدراك صيامه وقيامه وطاعاته نعمة عظمى لمن كتب وقدر الله له ذلك، ولذا كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يدعو الله ويقول: (اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا حَتَّى يَخْرُجَ رَمَضَانُ وَقَدْ غَفَرْتَ لَنَا، وَرَحِمْتَنَا، وَعَفَوْتَ عَنَّا)(فضائل رمضان لابن أبي الدنيا).
===========================================
(2) ((ما يجب على المسلم إعداده واستقبال شهر رمضان به))
===========================================
المؤمن كيسٌ فطن ينبغي أن يسارع إلى اغتنام ما ينفعه في الدنيا والآخرة في الدين والدنيا، ولا شك أن شهر رمضان وصيامه واستقباله بالعبادات والطاعات من الأمور النافعة لنا بإذن الله في الدنيا والآخرة، لذا وجب على المسلم أن يعدّ العدة لاستقبال هذا الشهر الكريم، حتى يخرج مغتنمًا لأكبر قدرٍ من نفحاته ورحماته وخيراته وبركاته، كالآتي:
===
التوبة والأوبة، والرجوع إلى الله، والاصطلاح مع الله، بالابتعاد عن المعاصي والآثام والفواحش والمنكرات، حتى يوفقنا الله (عزّ وجلّ) لاغتنام نفحات هذا الشهر الجليل، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت:69]، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور:31]، وقال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم؟. فقال: (ذنوبك قيدتك)(إحياء علوم الدين).
===
سلامة الصدر، وتصفية القلب؛ بالابتعاد عن الأحقاد والضغائن، والتناحر والتشاحن حتى تقبل منا الطاعات والعبادات في شهر رمضان، قال (صلى الله عليه وسلم): (دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَلِكَ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ)(رواه الترمذي).
===
تهيئة الروح والجسد لاستقبال هذا الشهر الفضيل؛ وذلك يكون باستصحاب العبادات والطاعات التي تؤدى في هذا الشهر الفضيل، من صيام وقيام وقراءة قرآن، وصلة أرحام، وبذل وعطاء وجود وسخاء…الخ، ويكون ذلك أيضًا بالوقوف والتعرف على فضائل شهر رمضان ونفحاته وبركاته وخيراته، وتعليم ذلك للنشء والجيل الجديد، فالعلم والمعرفة بفضيلة الشيء وثمرته يكون دافعًا لاغتنامه، وهذا يمكن أن نحققه بالرجوع إلى العلماء والاستماع لدروس المساجد أو القراءة بأنفسنا في الكتب المخصصة للحديث عن ذلك.
والمفترض أن ذلك الأمر كان منذ بداية شهر رجب أو منذ بداية شهر شعبان على الأقل، وهذا ما علمنا إياه النبي (صلى الله عليه وسلم) حينما كان يكثر من صيام شهر شعبان، فعن السيدة عائشة (رضوان الله عليها) حينما سئلت عن صيام النبي (صلى الله عليه وسلم): (كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا)(رواه مسلم)، وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه): (كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إِذَا اسْتَهَلَّ شَعْبَانُ أَكَبُّوا عَلَى الْمَصَاحِفِ (أي: قرأوها)، وَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ فِي زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ فَقَوُّوا بِهَا الضَّعِيفَ وَالْمِسْكِينَ عَلَى صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَدَعَا الْمُسْلِمُونَ مَمْلُوكِيهِمْ فَحَطُّوا عَنْهُمْ ضَرَائِبَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَدَعَتِ الْوُلَاةُ أَهْلَ السُّجُونِ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَقَامُوا عَلَيْهِ، وَإِلَّا خَلُّوا سَبِيلَهُ)(الترغيب والترهيب).
===
صحبة الأخيار، ومن يدفعوننا إلى طاعة الله، أو على الأقل يذكرونا بالله (عزّ وجلّ) وينهوننا عن معاصيه، والصحبة تعني طول الملازمة والمصاحبة، وقد تكون معنوية كما أنها مادية، فوسائل الاتصال الاجتماعي، والفضائيات، والانترنت وما يبث عليه، وقراءة الكتب…إلخ كل ذلك من أنواع الصحبة، فاحرص على حسن اختيار صاحبك في رمضان فالصاحب كما يقولون: ساحب، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)(متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ)(مسند أحمد).
===
الحذر كل الحذر من قطّاع الطرق، قطّاع طرق العبادة والطاعة في شهر رمضان الكريم، الحذر من اللهو الباطل الذي لا فائدة ولا نفع فيه، والحذر من الأشياء التي تستنزف لحظات رمضان وساعاته وأيامه الثمينة، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمً}[النساء:27،26]، ولنستحضر دائمًا قول الله (عزّ وجلّ): {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[الجمعة:11].
===
وضع خطة عملية، وبرامج يومية للاستفادة من نفحات وفضائل هذا الشهر الكريم، كوضع حد للقراءة يوميًا من القرآن الكريم، والاستماع لدروس العلم، والحرص على الصلاة في المساجد، وحفظ قدر من أحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم)، وتخصيص أيام لصلة الأرحام، وزيارة الأقارب والأصدقاء، وأيام أخرى لمساعدة الفقراء والمساكين…إلخ، وبكل ذلك إن شاء الله نستطيع اغتنام لحظات وساعات وعبادات هذا الشهر الكريم، وصدق الشاعر حينما قال:
أتى رمضانُ مزرعةُ العبادةْ … لتطهيرِ القلوبِ مِنَ الفسادِ
فأدِّ حقوقَهُ قولًا وفعلًا … وزادَكَ فاتخذهُ للمعادِ
فمَنْ زرعَ الحُبوبَ وما سَقَاها … تَأَوَّهَ نادمًا يومَ الحَصَادِ
عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب كمَنْ لا ذنب له.
===========================================
(الخطبة الثانية)
((حتى لا يصيبك الفتور في شهر رمضان))
===========================================
((سبعة من الأمور))
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
===
أيها الأحبة الكرام: فإن الصيام من العبادات الطويلة الشاقة التي يصعب على الإنسان أدائها بدون أن يصيبه فتورٌ أو كسلٌ وخمول، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً (رغبة ونشاط)، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ (وهن وضعف)، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي، فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ هَلَكَ)(رواه أحمد).
===
والابتعاد عن الفتور والكسل والخمول في شهر رمضان يتطلب منا عدة خطوات عملية، تحافظ على طاقتنا وحيويتنا، وتزود همتنا وإقبالنا على العبادات والطاعات في هذا الشهر الكريم، كالتالي:ـ
===
تذكر دائمًا فوائد وفضائل ونفحات هذا الشهر الكريم، ففي رمضان تجتمع أمهات العبادة والطاعة، وأجرها وثوابها مضاعف، وأدائها ميسر ومسهل، وتتعدد فيه فرص المغفرة، وفيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، ولله في كل ليلة من لياليه عتقاء من النيران، وخلوف أفواه الصائمين (رائحة الفم المتغيرة) أطيب عند الله من ريح المسك، والملائكة تستغفر للصائمين والمتعبدين، وإدراكه كاملًا بالقيام بأغلب طاعاته وعبادته يرفع المنزلة والدرجات في الجنة، كما تقدم.
قال (صلى الله عليه وسلم): (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ)(رواه مسلم)، فتذكر هذه الفضائل لهذا الشهر الكريم، وتذكر ما ينتظرنا من فرحة بسببه يُبعد عنا الفتور والكسل والخمول إن شاء الله.
===
تذكر المدة التي سيغيبها عنا هذا الشهر الكريم، فرمضان شهر يأتي في السنة مرة واحدة، ويغيب عنا أحد عشر شهرًا، وهو كيوسف مع إخوته، فهم أساءوا إليه وهو أحسن إليهم وعفا عنهم، وكذلك نحن طوال أشهر العام نسيئ ونعصي ثم يأتي رمضان كفارة لذنوبنا، وسترًا لعيوبنا، فلو تذكرنا مدة غيابه عنا ما أصابنا فتور أو كسل وخمول.
===
اللجوء والتضرع إلى الله بالدعاء، فلا توفيق لطاعة وعبادة إلا من الله (عزّ وجلّ)، قال تعالى على لسان شعيب (عليه السلام): {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[هود:88]، ولذا كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يدعو الله ويقول: (اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا حَتَّى يَخْرُجَ رَمَضَانُ وَقَدْ غَفَرْتَ لَنَا، وَرَحِمْتَنَا، وَعَفَوْتَ عَنَّا)(فضائل رمضان لابن أبي الدنيا)، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا أراد سفرًا قال: (اللهُمَّ بِكَ أَصُولُ، وَبِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَسِيرُ)(رواه أحمد).
===
استصحاب جميع العبادات والطاعات وتنويعها، فتنويع العبادة والطاعة، وعدم الثبات على شكل واحد من أشكالها يُذهب عنا الفتور والكسل والخمول، وفيه توثيق للصلة بالله (عزّ وجلّ)، والله مع العبد ما دام العبد مع الله، فساعة نكون مع قراءة القرآن الكريم، وساعة مع دروس العلم واستماعه، وساعة للإنفاق والإطعام، وساعة للتراويح، وساعة لصلة الأرحام، وهكذا.
===
تذكر ذهاب التعب والمشقة وبقاء الأجر والثواب والراحة في الاخرة، فالتعب والمشقة ذاهبان لا محالة ويبقى أجرهما وثوابهما، ولذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يطيل قيام الليل حتى تتورم قدماه، من أجل راحة الأخرة، والباقية مقدمة على الفانية.
===
اختيار الصحبة الصالحة، كما تقدم.
===
الحرص على تناول طعام السحور، فطعام السحور فيه بركةٌ دينية ودنيوية، ومن بركته الدنيوية أنه يمنع الجوع والعطش طوال ساعات النهار، هذا الجوع والعطش الذي يذهب بطاقتنا وحيوتنا، فيسبب لنا الفتور و الكسل والخمول، وقد أرشدنا النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى ذلك، فقال: (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً)(متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (هَلُمَّ إِلَى هَذَا الْغِذَاءِ الْمُبَارَكِ)(رواه أحمد)، والسحور وقته يبدأ من منتصف الليل، ويتحقق ولو بجرعة (شربة) ماء، فقال (صلى الله عليه وسلم): (السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ)(رواه أحمد) أي: ينزل الله عليهم رحمته دنيا وآخرة، وتستغفر لهم الملائكة.
ووقت السحور ممتدٌ إلى قبيل صلاة الفجر، فعن زيد بن ثابت (رضي الله عنه) قال: (تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ). فسئل: كم كان قدر ما بينهما (بين الانتهاء من السحور، والدخول في الصلاة). قال: (خَمْسِينَ آيَةً)(رواه مسلم)، أي: قدر قراءة خمسين آية، وهذا لا يزيد عن ثلاثة دقائق.
===========================================
فاللهمّ إنّا نسألك رضاك والْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ سخطك ومن النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب