خطبة الأسبوععاجل

خطبة بعنوان: الحوار بالكلم الطيب وأثره في وحدة وبناء المجتمع، للدكتور خالد بدير

خطبة بعنوان: الحوار بالكلم الطيب وأثره في وحدة وبناء المجتمع

لتحميل الخطبة بصيغة word  أضغط هنا

لتحميل الخطبة بصيغة pdf  أضغط هنا

ولقراءة الخطبة كما يلي:

عناصر الخطبة:

العنصر الأول: أهمية الكلمة الطيبة وأثرها

العنصر الثاني: مكانة الحوار وآدابه في الإسلام

العنصر الثالث: نماذج من الحوار في القرآن والسنة

العنصر الرابع: الحوار في واقعنا المعاصر بين الواقع والمأمول

المقدمة:                                                            أما بعد:

العنصر الأول: أهمية الكلمة الطيبة وأثرها

إنَّ للكلمة أهميتَها في دين الإسلام، فقد ترفع صاحبها أعلى الدرجات، وقد تهوي به في النار دركات، ففي صحيح البخاري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».

بالكلمة رفع الله أقوامًا، وحط بها آخرين، بالكلمةِ يدخل العبد في الإسلام، وبها يخرج، وبها يفرَّق بين الحلال والحرام، وبها تنفَّذ الأحكام، وبها تُستحَلُّ الفروج، وبها تحرم، وبها يجلد القاذف، وبها ينطق الشاهد، وبها ينصر المظلوم، ويقتص من الظالم، وبها يُؤمر بالمعروف، ويُنْهى عن المنكر، وبها يقرأ القرآن، ويسبَّحُ الرحمن، وبها يجرح اللئيم، ويعدل الكريم، وبها تثبت الحقوق، وتُحقن الدماء، وبها تشتعل الحروب، وبها تتوقف، وبها يتم البيع وينفسخ.

الكلمةُ الطيبةُ: جوازُ سفر إلى القلوب، يهَشُّ لها السمع، وتُسر بها النفسُ، وينشرح لها القلب، فتُبقي فيه أثرَها الطيب، وتنشر فيه أريجها الفواح، وتؤتي أكلها كل حين؛ هي توثيق أواصر، وتقوية روابط، وتعزيز وشائج، ونشر وئام؛ ورضوانٌ من الله أكبر.

بالكلمة الطيبة تحصل الرغبات كلها، فكم قربت بعيداً، ويسرت صعباً، وذللت عسيراً، وفتحت أبواباً، وعبدت طرقاً، وهيأت أسباباً، وبلغت غايات لا تبلغ إلا بشق الأنفس؛ يسيرة على المتقين، فقد نشرت في بحورهم شراعها، وألقت عليهم رياحها، فطابت بها صدورهم.

الكلمة الطيبة شجرة وارفة الظلال، مثمرة يانعة، ضربت في باطن الأرض جذورها، وتمددت في الآفاق أغصانها وفروعها؛ قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [إبراهيم: 24-25].؛ لذلك عد الرسول صلى الله عليه وسلم طيب الكلام من الصدقات حيث قال: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» ( متفق عليه)؛ قال ابن عثيمين رحمه الله: “الصدقة لا تختص بالمال، بل كل ما يقرب إلى الله فهو صدقة بالمعنى العام؛ لأن فعله يدل على صدق صاحبه في طلب رضوان الله عز وجل” [شرح رياض الصالحين] .

عباد الله: أبدلوا مجالسكم واجتماعاتكم بالكلم الطيب فهو سريع الصعود إلى الله؛ {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10]. قال ابن كثير رحمه الله: “وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} يعني: الذكر والتلاوة والدعاء، قاله غير واحد من السلف؛ وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن العبد المسلم إذا قال: سبحان الله وبحمده، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تبارك الله، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه، ثم صَعد بهن إلى السماء، فلا يمُرّ بهن على جمْعٍ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يجيء بهن وجه الرحمن عز وجل، ثم قرأ عبد الله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}” [تفسير ابن كثير ]؛ وفي الأثر عن عمرَ وأبي الدرداء – رضي الله عنهما -: قال: “والله لولا أن أجالسَ إخوة لي ينتَقُون أطايبَ القول كما يلتقط أطايب الثمر، لأحبَبْتُ أن ألحق بالله الآن”

وأختم هذا العنصر بهذه القصة التي تدل على ثمرة الكلمة الطيبة: يحكى أن أحد الملوك أعلن في الدولة بأن من يقول كلمة طيبة فله جائزة 400 دينار؛ وفي يوم كان الملك يسير بحاشيته في المدينة إذ رأى فلاحاً عجوزاً في التسعينات من عمره وهو يغرس شجرة زيتون؛ فقال له الملك : لماذا تغرس شجرة الزيتون وهي تحتاج إلى ثلاثين سنة لتثمر وأنت عجوز في التسعين من عمرك، وقد دنا أجلك؟! فقال الفلاح العجوز : السابقون زرعوا ونحن حصدنا؛ ونحن نزرع لكي يحصد اللاحقون!! فقال الملك : أحسنت فهذه كلمة طيبة فأمر أن يعطوه (400) دينار فأخذها الفلاح العجوز وابتسم… فقال الملك: لماذا ابتسمت؟! فقال الفلاح: لأن شجرة الزيتون تثمر بعد ثلاثين سنة وشجرتي أثمرت الآن !! فقال الملك : أحسنت أعطوه (400) دينار أخرى، فأخذها الفلاح وابتسم!! فقال الملك: لماذا ابتسمت؟! فقال الفلاح: لأن شجرة الزيتون تثمر مرة في السنة وشجرتي أثمرت مرتين!! فقال الملك: أحسنت أعطوه (400) دينار أخرى؛ ثم تحرك الملك بسرعة من عند الفلاح؛ فقال له رئيس الجند: لماذا تحركت بسرعة؟ فقال الملك: إذا جلست إلى الصباح فإن خزائن الأموال ستنتهي وكلمات الفلاح العجوز لا تنتهي….!! فالكلم الطيب يثمر دائماً !!

العنصر الثاني: مكانة الحوار وآدابه في الإسلام

إن الحوار من أفضل الطرق لقوام المجتمع ووحدته وائتلافه، والحوار الهادئ المقنع يفعل -في أكثر الأحيان- ما لا تفعله قوةُ المدافع والطائرات، وإذا كان كذلك، وأراد المسلمون أن يحموا أوطانهم، ويحفظوا وحدة أمتهم، فعليهم بالحوار؛ لأنه لا غنى لهم عنه، فهو وسيلة أساسية للتواصل مع الآخرين، وإقناع أصحاب الانحراف الفكري والعقدي، وليس القمع، فللوصول إلى الحق لا بد من اتباع الحوار.

إن الداء الأكبر الذي استشرى في زماننا، وأدى إلى ظهور كل هذه التناقضات هو غياب سنة الحوار التي هي أولى الأولويات وأهم المهمات.

فقواعد الحوار والاختلاف وضوابطه هي العاصم للمتحاورين من الغلو وشتم الآخرين إن كان الحق هو الرائد والمطلوب؛ أما إذا كان الخلاف انتصارًا لأهواء سياسية وتعصبًا أعمى، فهذا أمر لا ينفع معه قواعد ولا ضوابط، إذ إن الهوى ليس له ضوابط ولا موازين، ولذلك حذرنا المولى -عز وجل- من اتباع الهوى فقال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50] .

وينبغي للمحاور -إذا أراد أن يكون حوارُه ناجحًا: أن يتحلى بصفات وآداب المحاور الناجح؛ كأن يكون متواضعًا هادئًا سلسًا، مخلصاً؛ حسن الإلقاء، بعيدًا عن رفع صوته، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم -كما نقلت عائشةُ رضي الله عنها-:” يُحدِّثُ حديثًا لو شاء العادُّ أن يُحصِيَه لأحصاه، لم يكن يسرِدُ الحديثَ كسردِكم” [البخاري ومسلم]؛ فلا بد للمحاور من التجرد في طلب الحق، والحذر من التعصب والهوى، وإظهار الغلبة والمجادلة بالباطل. وعلى المحاور كذلك: أن يُرتِّب أفكاره التي سيطرحها على محاوره، وأن يكون ذا علم وفهم، حتى لا يخذل الحقَّ بضعف علمه، وحتى لا يقتنع هو بالباطل الذي مع خصمه، لجهله وضعف علمه، وقد ذم الله عز وجل الذين يجادلون في الله بغير علم، فقال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}( الحج: 8 )

ومن آداب المحاور: أن يكون هَمُّهُ طلب الحق وإيصاله للآخرين، وليس الانتصار للنفس، يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-: “ما ناظرتُ أحدًا قط، إلا أحببتُ أن يوفَّق ويسدّد ويعان ويكون عليه رعايةٌ من الله وحفظ، وما ناظرت أحدًا، إلا ولم أبالِ بيّن اللهُ الحق على لساني أو لسانه” [أبو نعيم في الحلية]؛ ويقول الإمام أبو حامد الغزالي:” أن يكون المحاور في طلب الحق كناشد ضالة، لا يفرّق بين أن تظهر الضالة على يده، أو على يد من يعاونه، ويرى رفيقه معينًا لا خصمًا، ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق” .

ويضاف إلى الصفات السابقة للمحاور صفات الذكاء وسرعة البديهة والقدرة على دحض الشبهات والرد عليها ؛ ولنضرب – مثلا – الإمام الشافعي؛ ففي يوم من الأيام، ذهب أحد المحاورين المجادلين إلى الإمام الشافعي، وقال له: كيف يكون إبليس مخلوقا من النار، ويعذبه الله بالنار؟! ففكر الإمام الشافعى قليلاً، ثم أحضر قطعة من الطين الجاف، وقذف بها الرجل، فظهرت على وجهه علامات الألم والغضب. فقال له الشافعي: هل أوجعتك؟! قال: نعم، أوجعتني فقال الشافعي: كيف تكون مخلوقا من الطين ويوجعك الطين؟! فلم يرد الرجل وفهم ما قصده الإمام الشافعي، وأدرك أن الشيطان كذلك: خلقه الله- تعالى- من نار، وسوف يعذبه بالنار!!

وذات يوم جاء بعض الناس إلى الإمام الشافعي، وطلبوا منه أن يذكر لهم دليلاً على وجود الله عز وجل. ففكر لحظة، ثم قال لهم: الدليل هو ورقة التوت.فتعجب الناس من هذه الإجابة، وتساءلوا: كيف تكون ورقة التوت دليلاً على وجود الله؟! فقال الإمام الشافعى: “ورقة التوت طعمها واحد؛ لكن إذا أكلها دود القز أخرج حريرا، وإذا أكلها النحل أخرج عسلاً، وإذا أكلها الظبي أخرج المسك ذا الرائحة الطيبة.. فمن الذي وحد الأصل وعدد المخارج؟! “.إنه الله- سبحانه وتعالى- خالق الكون العظيم!

أيها المسلمون: إن للحوار أهدافا ومقاصد سامية حتى يؤتي ثماره المرجوة منها: إقامة الحجة؛ فالغاية من الحوار إقامة الحجة ودفع الشبهة والفاسد من القول والرأي؛ والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق.؛ ومنها: الدعوة بالتي هي أحسن؛ فالحوار الهادئ مفتاح للقلوب وطريق إلى النفوس قال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] .ومنها: تقريب وجهات النظر؛ فمن ثمرات الحوار تضييق هوة الخلاف، وتقريب وجهات النظر، وإيجاد حل وسط يرضي الأطراف في زمن كثر فيه التباغض والتناحر. ومنها: كشف الشبهات والرد على الأباطيل، لإظهار الحق وإزهاق الباطل، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55] .

فالغاية من الحوار إقامةُ الحجة ، ودفعُ الشبهة والفاسد من القول والرأي؛ فهو تعاون من المُتناظرين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها، ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق. يقول الحافظ الذهبي:” إنما وضعت المناظرة لكشف الحقِّ ، وإفادةِ العالِم الأذكى العلمَ لمن دونه ، وتنبيهِ الأغفلَ الأضعفَ “.

العنصر الثالث: نماذج من الحوار في القرآن والسنة

لقد حفل القرآن الكريم وسنة النبي الأمين بنماذج عديدة لأسلوب الحوار الراقي والهادف إلى بناء أمة على أسسٍ قويمةٍ وعُمُدٍ متينةٍ ؛ وفي الحقيقة لا تسعفنا هذه الوريقات في ذكر جميع هذه النماذج؛ فقد أُفردت فيها مؤلفات ومصنفات؛ وأجيزت فيها بحوث علمية لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه؛ ولكني أقف مع بعض النماذج على سبيل المثال لا الحصر . ولقد ورد لفظ الحوار في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع:

الأول:{ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} (الكهف: 34)

الثاني: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا }( الكهف: 37)

الثالث: { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (المجادلة: 1)

ولقد قدم القرآن العظيم نماذج كثيرة من الحوار- ذكرتُ رقم الآية الأولى من كل حوار- منها ما دار بين الله عز وجل وملائكته في موضوع خلق آدم عليه السلام ( البقرة: 30)، ومنها ما دار بين الله سبحانه وتعالى وبين إبراهيم عليه السلام عندما طلب من ربه أن يريه كيف يحي الموتى( البقرة: 260)؛ وقصة موسى عليه السلام حين طلب من ربه أن يسمح له برؤيته( الأعراف: 143)، وقصة عيسى عليه السلام إذ سأله ربه عما إذا كان طلب من الناس أن يتخذوه وأمه إلهين من دون الله؟(المائدة:  116)؛ والحوار في قصة أصحاب الجنتين( الكهف: 32)، وقصة قارون مع قومه(القصص: 76)، وقصة داود عليه السلام مع الخصمين(ص: 21)، وقصة ابني آدم(المائدة: 27)، وقصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح(الكهف: 65)، والحوار بين السادة والأتباع يوم القيامة(سبأ: 31).

ومن اطلع على هذه النماذج وغيرها يتأكد لنا أن القرآن الكريم يعتمد اعتماداً كبيراً على أسلوب الحوار في توضيح المواقف، وجلاء الحقائق؛ وهداية العقل وتحريك الوجدان، واستجاشة الضمير، وفتح المسالك التي تؤدي إلى حسن التلقي والاستجابة، والتدرج بالحجة احتراماً لكرامة الإنسان وإعلاء لشأن عقله الذي ينبغي أن يقتنع على بينة ونور .

ولو انتقلنا إلى سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لوجدنا نماذج عديدة للحوار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين جميع أطياف وأفراد المجتمع: صغارا وكبارا؛ نساء ورجالا ؛ شبابا وشيوخا؛ مسلمين وغير مسلمين؛ مطيعين وعاصين؛ محسنين ومسيئين !!

وإن أجمل حوار سجله التاريخ مع زوجاته ؛ حواره صلى الله عليه وسلم مع السيدة خديجة في تثبيت قلبه أثناء الوحي “….حيث رجع صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده؛ فدخل على خديجة رضي الله عنها فقال: زملوني؛ فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، و تصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به حتى أتت ورقة بن نوفل…..” (البخاري) .

وفكرت السيدة خديجة رضي الله عنها بعقلها الرشيد ورأيها السديد أن تختبر جبريل عليه السلام لتتأكد من حقيقته، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم :” يا ابن عم: أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم، قالت: فإذا جاءك فأخبرني به، فجاءه جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خديجة هذا جبريل قد جاءني، فقالت: قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عليها، فقالت: هل تراه؟ قال:نعم ، قالت: فتحول فاقعد على فخذي اليمنى، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على فخذها اليمنى، فقالت: هل تراه؟ قال:نعم. قالت: فتحول فاجلس في حجري، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس في حجرها، قالت: هل تراه؟ قال:نعم ، فحسرت فألقت خمارها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرها ثم قالت: هل تراه؟ قال: لا ، قالت: يا ابن عم اثبت وأبشر، فوالله إنه ملك، ما هذا بشيطان!!”(سيرة ابن هشام؛ والطبراني؛ وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد). وما فعلته السيدة خديجة رضي الله عنها يدل على شدة ذكائها وبعد نظرها، وحرصها على تسكين النبي صلى الله عليه وسلم وتبشيره وتثبيته، لأن الملك غادر المكان عندما كشفت رأسها وأدركت أن هذا التصرف لا يتصرفه شيطان، بل هو ملك من الملائكة!!.

وهذه عائشة رضي الله عنها؛ يحاورها النبي صلى الله عليه وسلم ويراعي صغر سنها؛ فقد دخل عليها صلى الله عليه وسلم يوما وهي تلعب بالبنات فقال: ما هذا يا عائشة ؟ فقالت : خيل سليمان ، فضحك”.(الطبقات لابن سعد)؛ وكان صلى الله عليه وسلم يسمر معهن مستمعا إلى أحاديثهن، وحفظت لنا كتب السنة شيئا من هذا السمر الشائق، فانظر مثلا إلى تحديث السيدة عائشة النبي صلى الله عليه وسلم حديث أم زرع، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها بعده: ” كنت لك كأبي زرع لأم زرع “، (البخاري)؛ وكانت تحاوره بكونه تزوجها بكرا دون غيرها؛ وكانت تفتخر بهذا وتدل أحيانا به إدلال الحبيب أمام النبي صلى الله عليه وسلم فتقول له: أرأيت لو نزلت واديا، وفيه شجرة قد أكل منها، ووجدت شجرا لم يأكل منها، في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: ” في الذي لم يرتع منها ” ( البخاري).

 وكان صلى الله عليه وسلم مثلا أعلى للحوار في حل الخلافات العائلية: فعن عائشة قالت: ” دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي . فقال: ما يبكيكي؟ فقلت : سبتني فاطمة . فدعا فاطمة فقال: يا فاطمة! سببت عائشة ؟ فقالت: نعم ! يا رسول الله . فقال: ألست تحبين من أحب ؟ قالت : نعم ! . قال : وتبغضين من أبغض ؟ قالت : بلى ! قال: فإني أحب عائشة ، فأحبيها . قالت فاطمة : لا أقول لعائشة شيئا يؤذيها أبدا “. (رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح).

إن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ارتقى في مستوى حواره مع زوجاته فأعطى كل مستوى حقه من زوجاته، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدء بالتحية والسلام، ثم يسأل عن حال زوجه ويتفقدها ويستشيرها في أموره، كما أنه صلى الله عليه وسلم كان حريصا على مشاعر زوجه من حيث إدخال الفرحة إلى قلبها ومواساتها في حزنها، كما كان صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يقول لزوجه ما تحب أن تسمع من حسن القول، وكان يسألها عن حوائجها فيقضيها إكراما واحتراما لها؛ وكان يكثر من الحديث والحوار مع زوجاته؛ وتخصيص الأوقات لذلك رغم ما كان يعانيه من عبء المسئولية التي اختارها له الله عز و جل .

وانظر إلى حوار النبي صلى الله مع فئة العصاة وكيف حاور النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي أمامة: أن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! ائذن لي بالزنى . فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا مه مه ! فقال : ادنه . فدنا منه قريبا . قال : فجلس . قال أتحبه لأمك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم . قال أفتحبه لابنتك ؟ قال : لا والله يا رسول الله ! جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم . قال أتحبه لأختك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لأخواتهم . قال أتحبه لعمتك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لعماتهم . قال أتحبه لخالتك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لخالاتهم . قال : فوضع يده عليه وقال : اللهم ! اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه . فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء” . ( الصحيحة للألباني )

وما أجمل حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود؛  فقد جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يختبر صدقه في الدعوة وقد ابتاع منه تمراً إلى أجل، فطالبه قبل حلول الأجل مغلظاً له في القول وسط القوم، فكان قوله: إنكم يا بني عبدالمطلب قوم مطل، فهم به عمر رضي الله عنه؛ فمنعه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له يا عمر: أنا وهو كنا أحوج منك إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن الاقتضاء، ثم أمر بإعطائه حقه وزيادة عشرين صاعاً في مقابل ترويع عمر له، فلم يسع اليهودي إلا إعلان إسلامه”( البيهقي والطبراني والحاكم وصححه )؛ فالرسول كان قادرا على أن يقول: اضرب عنقه يا عمر ؛ وعمر لا يؤخر للرسول طلبا ؛ ولو ضربه لمات كافرا ودخل النار ؛ ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليدخل الناس النار وإنما بعث رحمة؛ وبأسلوب حواره أسلم اليهودي؛ وهكذا فلنكن!!

وكان صلى الله عليه وسلم يحاور العجائز ويداعبهم ويلاطفهم؛ فقد أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ! ادع الله أن يدخلني الجنة . فقال : ” يا أم فلان ! إن الجنة لا تدخلها عجوز ” . قال : فولت تبكي . فقال : ” أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، إن الله تعالى يقول :{إِنَّا أَنشَأْناهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أبْكًارًا عُرُبًا أُتْرَابًا}” (الصحيحة للألباني)

ثم تأمل معي هذا الحوار الذي دار بينه وبين غلام  صغير كان يرمي الشجر بالحجر؛ ليأكل من البلح: فعن رافع بن عمرو الغفاري، قال: كنت وأنا غلام أرمي نخلاً للأنصار، فأتي النبي – صلى الله عليه وسلم – فقيل: إن ها هنا غلامًا يرمي نخلنا، فأُتي بي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ” يا غلام، لِمَ ترمي النخل؟، قال: قلت: آكُلُ، قال: فلا ترمِ النخل، وكُلْ ما يسقط في أسافلها، ثم مسح رأسي وقال: اللهم أشبِعْ بطنَه.” (مسند أحمد).

فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا يعلِّمه الفرق بين الحلال والحرام، تمامًا مثل الفرق بين ما يسقط منها بفعل الرياح أو الطير أو غيره، وبين ما نسقطه نحن برميها بالحجارة، إنه يعلمه أن يحتاط دائمًا في طعامه، ولا يأكل إلا حلالاً، وكان يمكن للنبي – صلى الله عليه وسلم – أن ينصحه مباشرة؛ لكنه آثر أن يحاوره؛ ليسمع منه، ثم يوجهه إلى ما فيه الخير.

والمواقف والقصص في حوار النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصى في هذا العجالة السريعة؛ ويكفي القلادة ما أحاط بالعنق.

وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة الحسنة أرق ما يكون أسلوباً في حواره، وأفسح ما يكون صدراً لمخالفيه، وضرب أروع الأمثلة في حسن الاستماع.  وهكذا كانت حوارات النبي – صلى الله عليه وسلم – مع الكبار، ومع الصغار، ومع الخصوم، ومع الأصدقاء، ومع الرجال، ومع النساء، ومع أهل بيته، حاور النبي – صلى الله عليه وسلم – الجميع، واستمع إلى الجميع.

العنصر الرابع: الحوار في واقعنا المعاصر بين الواقع والمأمول

إن من ينظر إلى واقعنا المعاصر يجد أن الحوار اتخذ مسلكاً عكسياً؛ وهذا ملموس وواقع في الحوار بين الفئات المختلفة في المجتمع؛ فانظر إلى الحوار داخل الأسرة؛ وبين الزوجة وزوجها؛ وبين الولد ووالده؛ وبين الجار وجاره؛ وبين المعلم وتلميذه؛ وبين العامل ورئيسه؛ وبين الصديق وصديقه؛ وقبل كل ذلك بين الأحزاب والجماعات المختلفة والمتفرقة والمتشاحنة؛ والتي يدعي كل فرد منها أنه على حق وهدي ورشاد؛ وما سواه على باطل وضلال وتيه؛ فضلا عن أسلوب الطعن والتجريح والسخرية وألوان الاحتقار والإثارة والاستفزاز؛ والطرف الآخر المحاور يبادله بنفس الشعور والإحساس. يقول إسحاق نيوتن: “كل فعل له رد فعل يساويه في القوة ويعارضه في الاتجاه”؛ فلذلك كل إنسان تحاوره يوم ترفع صوتك يرفع صوته، ويوم تحترمه يحترمك، ويوم تكنيه يكنيك، يقول أحدهم وهو يحاور خصمه:

أكنيه حين أناديه لأكرمه…..كذلك أدبت حتى صار من أدبي

ولا ألقبه السوءة اللقب …..أني وجدت ملاك الشيمة الأدب

أيها المسلمون: إن الحوار وسيلة من وسائل الشورى والتعاون والتناصح على البر والتقوى، وهذا هو طريق النضج وسبيل الكمال؛ ولن يتم تصحيح الأخطاء، أو تدارك النقص، وتقويم مسيرة النهوض والتقدم وبناء المجتمع إلا إذا اتسعت صدورنا للحوار، وروضنا أنفسنا على قبول النقد والمراجعة، وعندها تكون حواراتنا تربوية منهجية، تثري الأمة الإسلامية بالدراسات الشرعية والأطروحات العلمية؛ والخطط الاقتصادية.

ونحن جميعاً نتحرك في سفينة  واحدة، في بحر متلاطم الأمواج، وتزداد خروق هذه السفينة يوماً بعد آخر، وقد يسهم الحوار في ترقيع هذه الخروق، وحماية هذه المسيرة من العقبات التي تواجهها.

إن الأسرة بحاجة إلى الحوار؛ فالحوار يجعل من الأسرة كالشجرة الصالحة التي تثمر ثماراً صالحة طيبة، والحوار من أهم سمات الزواج الناجح الذي يدوم طويلا؛ ذلك لأنه يضمن التقارب المستمر فيما بينهما ؛ فهذا إبراهيم عليه السلام يحاور ابنه قبل تنفيذ أمر الله؛ ولم يأخذه على غرة؛ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الصافات: 102)

عباد الله: إننا بحاجة إلى أن نحاور أبنائنا ونسائنا وآبائنا؛ فتشيع المحبة ويقوى الترابط؛ وتزيد الثقة بين أفراد الأسرة؛ حتى نربي شبابا ثقات أقوياء نعتمد عليهم في حياتنا ؛ روى أن عمر بن عبدالعزيز لما ولي الخلافة وفد عليه وفود العرب ووفد عليه وفد الحجاز، فاختار الوفد غلاماً منهم، فقدَموه عليهم ليبدأ بالكلام، فلما ابتدأ الغلام بالكلام وهو أصغر القوم سنآَ قال عمر: مهلاً يا غلام، ليتكلم من هو أسَنُّ منك فهو أولى بالكلام فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريْهِ لسانه وقلبه، فإذا منح الله العبد لساناً لافظَاَ، وقلباً حافظاً، فقد استجاد له الحلية، يا أمير المؤمنين، ولو كان التقدم بالسن لكان في هذه الأمة من هو أسن منك، قال: تكلم يا غلام، قال: نعم يا أمير المؤمنين، نحن وفود التهنئة لا وفود المرزئة قدمنا إليك من بلدنا، نحمد اللّه الذي مَنَّ بك علينا، لم يخرجنا إليك رغبة ولا رهبة، أما الرغبة فقد أتانا منك إلى بلدنا، وأما الرهبة فقد أمَّنَنَا اللّه بعدلك مِنْ جورك، فقال: عظنا يا غلام وأوجز، قال: نعم يا أمير المؤمنين، إن أناساً من الناس غرهم حلم اللّه عنهم، وطول أملهم، وحسن ثناء الناس عليهم، فلا يغرنّكَ حلم اللّه عنك، وطول أملك، وحسن ثناء الناس عليك، فتزلَّ قدمك، فنظر عمر في سن الغلام، فإذا هو قد أتت عليه بِضْعَ عَشْرَةَ سنةً، فأنشأ عمر رحمه الله يقول:

تَعَلّم فليس المرء يولد عالماً … وليس أخو علم كمن هو جاهل

وإن كبير القوم لا علم عنده … صغير إذا التفّتْ عليه المحافل

أختم هذا اللقاء بهذا الحوار الذكي الذي دار بين مسلم وكافر في بلاد الغرب؛ ففي إحدى البلاد الغربية جاء وقت الصلاة، فدخل أحد المسلمين حمام أحد المراكز، وبدأ في الوضوء، وكان هناك أجنبي كافر ينظر إليه باندهاش، وعندما وصل أخينا المسلم إلى غسل القدمين، رفع رجله ووضعها على المغسلة وهنا صاح الأجنبي بصاحبنا المسلم: ماذا تفعل؟؟؟ أجابه المسلم بابتسامة قائلاً: أتوضأ. قال الأجنبي: انتم المسلمون لستم نظيفين، دائماً توسخون الأماكن العامة، والآن أنت تدعي بأنك تنظف نفسك بينما أنت توسخ (المغسلة) بوضع قدمك الوسخة فيها، هذه المغسلة لغسل اليدين والوجه، يجب أن تكون نظيفة فلا توسخها. فقال المسلم: هل لي أن أسألك سؤالاً وتجيبني بكل صراحة؟ قال الكافر: تفضل. قال المسلم: كم مرة في اليوم تغسل وجهك؟ قال الكافر: مرة واحدة، عندما استيقظ من النوم، وربما مرة أخرى إذا أحسست بتعب أو إرهاق. فأجابه المسلم مبتسماً: بالنسبة لي فأنا أغسل رجلي في اليوم 5 مرات، فقل لي ما الأنظف، قدمي أم وجهك؟ فسكت الكافر وانسحب من المكان.!!

عباد الله: ما أشدَّ حاجتَنا اليوم إلى الحوار! الذي بدأ ينقطع حتى داخل الأسرة الواحدة، مسببًا بذلك كثيرًا من المشكلات والأزمات.

فكلنا بحاجة إلى الحوار الهادف لبناء المجتمع ووحدته وائتلاف؛ حوار الأب مع ابنه والعكس, والمعلم مع طلابه , والمسؤول مع موظفيه؛ والمجتمع مع بعضهم البعض؛ إننا إن فعلنا ذلك نعيش في وحدة وتواد وتعايش ورحمة؛ وأمن واطمئنان؛ وحب وسلام!!

الدعاء،،،،،                                                      وأقم الصلاة،،،،،

 كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

 د / خالد بدير بدوي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى